محمد الروبي القاهرة
لطالما اعتادت تركيا على إثارة الجدل من خلال إنتاجها ما يسمى ب الدراما التاريخية، والتي يأتي أحدثها مسلسل فاتح القدس، الذي أثار عدداً من الانتقادات لما يتضمنه من توجيه وتحريف حول سيرة القائد#صلاح الدين الأيوبي# .
وعلى مدار السنوات الماضية وفي إطار الترويج للنظام التركي في المنطقة، اعتمدت أنقرة على إنتاج دراما تتناول الكثير من سيّر حياة الشخصيات المؤثرة في التاريخ، لا سيما الشخصيات التركية مثل أرطغرل بن سليمان شاه وعثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية.
وقد مثّل هذا النوع من الدراما أداة رئيسية في الترويج لما يعرف ب العثمانية الجديدة التي تسعى من خلالها للتأثير في شعوب وعقول الدول العربية ودول العالم الإسلامي، ومن الواقعية الاعتراف بأن تلك المسلسلات خلقت لأسباب مختلفة جمهوراً واسعاً لها على نحو يشكل خطورة بشأن هوية المنطقة.
دراما تركية تاريخية لا تعرف التاريخ
وقد تزامن بث حلقات فاتح القدس الذي يجسد سيرة صلاح الدين الأيوبي مع الأحداث الجارية في فلسطين والقصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، لكن المسلسل تعامل مع صلاح الدين الأيوبي كشخصية إسلامية دون إشارة على الإطلاق إلى أصوله الكردية، كما أعطى في المقابل مساحة واسعة للأمراء وقادة الجيش من الترك الذين ورثهم عن الأمير نور الدين زنكي.
وفي هذا السياق، يقول المؤرخ محمد صبري الدالي، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن المسلسلات التركية عبارة عن دراما وفانتازيا أكثر منها تاريخ، وقد خرجت بهذا الانطباع بعد متابعتي لمسلسل أرطغرل، وهذا رأيي بصفة عامة، كما أنه عادة ما تكون تلك الدراما مسيسة.
وأضاف الدالي بشأن إعلاء المسلسل مكانة الترك حول صلاح الدين الأيوبي، أن الترك كانوا موجودين في الدولة العباسية قبل قيام الدولة العثمانية التي أقيمت بعد صلاح الدين بحوالي 100 سنة تقريباً، فالعثمانيون أتراك لكن ما هم إلا جزء من الشعوب التركية، وبالتالي نحن أمام توجيه للتاريخ وقد يأتي وقت يظهر فيه الأتراك وكأنهم هم من فعلوا كل شيء وهم بناة الحضارة في كل الدول، وبالتالي تسييس التاريخ من قبل تركيا أمر معتاد.
وقال أستاذ التاريخ إن الأتراك يسيسون التاريخ في شكل دراما بعيدة للغاية عن التاريخ، مشيراً إلى أن مسلسل أرطغرل من قبل تضمن مغالطات كبيرة للغاية ومبالغات لا تتفق مع الواقع، قد يكون ما هو تاريخ فيه لا يزيد على 1 بالمئة، وبالتالي من الوارد أن يكون هناك تسييساً لمسلسل يحمل اسم صلاح الدين الأيوبي للاستفادة منه في ظل ما يجري في قطاع غزة.
استغلال فني وسياسي لشخصية صلاح الدين الأيوبي
بدوره، يقول الناقد الفني عماد يسري، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الدراما التركية تحمل قدراً كبيراً من التسييس، وشخصية صلاح الدين الأيوبي شخصية سياسية معروف دورها في التاريخ، وكانت هناك محاولات مستمرة لاستغلاله سياسياً من خلال الأعمال الفنية التي تقدم عن سيرته.
وأضاف أن أغلب الدراما التي تشهدها المنطقة بما فيها الدراما التركية تتضمن أبعاداً سياسية وتتضمن مغالطات كثيرة، لدرجة أنه لو أطلق على مسلسل ما أنه تاريخي فإن هذا يكون غير صحيح، لأنها أبعد ما تكون عن التاريخ، وإنما محاولات تسييس واستغلال للدراما.
والمفارقة أنه في الوقت الذي تستخدم فيه تركيا شخصية صلاح الدين الأيوبي الكردي لتحقيق نوع من الدعايا السياسية، فإنها تقدم على انتهاكات غير مسبوقة بحق الكرد سواء داخل حدودها الجغرافية أو في مناطق شمال وشرق سوريا وكذلك شمال العراق التي تتعرض لضربات مستمرة أوقعت عديداً من الضحايا وطالت أهدافاً يعد الاعتداء عليها من بين جرائم الحرب.[1]