=KTML_Bold=العرب و الكرد في سوريا :حوار مع بدرخان علي و بكر صدقي=KTML_End=
كورداونلاين
يتصرف مسعود بارزاني من موقع الزعيم القومي للكرد. ويصطدم في ذلك مع الزعامة الكردية المنافسة، أعني زعامة أوجالان. هذا ما يدفعنا إلى رسم حدود الاستقطاب الكردي بصورة مبسطة
حوار واعداد طريف الخياط
تعتبر القضية الكردية، من القضايا التي تتفاعل في خضم الثورة السورية في مناخ من عدم الثقة بين الكرد و العرب. و إذ يعتبر الكرد السوريين الثورة فرصة تاريخية، للاعتراف بقوميتهم و شخصيتهم الثقافية ضمن إطار البيت السوري الواحد، فإن ردود أفعال تياراتهم السياسية، لا تخلو من مخاوف يمكن ردها إلى رصيد تاريخي من القمع البعثي الشوفيني و محاولات تعريبهم القسرية، عدا عن إرث مشابه، و ربما أكثر قسوة، في دول الجوار الجغرافي التي يتوزع الكرد على أراضيها. في المقابل، فإن للعرب مخاوفهم من تكرار التجربة العراقية و نوايا انفصالية مبيتة، يتهم بها الكرد.
لقد حاورنا بهذا الصدد، كاتبين من أهم مثقفي الكرد السوريين، المعروفين على الساحة العربية بإنتاجهم الفكري المتميز، الكاتب بدرخان علي و الكاتب و المحلل السياسي بكر صدقي. و قد استعرض الحوار قضايا إشكالية تمتد خارج الحدود السورية، و مخاوف متعلقة بالشأن الكردي السوري، يجري تداولها على نطاق واسع، بما يقتضي إلقاء الضوء عليها كخطوة نحو إعادة بناء مفهوم المواطنة، على أسس تحترم جميع المكونات التاريخية الأصيلة، ضمن الحدود الجيوسياسية للدولة السورية.
ننوه أن ترتيب الأسماء جرى حسب التسلسل الأبجدي، سواء في المقدمة أعلاه أو في نص الحوار
1-ما هي التوجهات الإيديولوجية للشارع الكردي؟
بدرخان علي:
عموماً هناك نزعة قوميّة كرديّة تركّز على الخصوصيّة الكرديّة بصورة تزداد حدّة في الخطاب والسجالات والممارسة الواقعيّة وتبدأ برسم خطوط عميقة بين الخاص الكرديّ والعام السوريّ. لم تكن هذه الحدّة بارزة إلى هذه الدرجة قبل الثورة، وحتى بعد أشهر من اندلاع الثورة، حيث كانت المطالب الكرديّة تطرح بصورة أكثر قبولاً في الشارع السوري وتلقى أصداءً إيجابيّة في أوساط الثورة، خاصة من الشباب والنشطاء. لكن بعد أداء المعارضة السياسية الرديء عموماً و عدم وضوح الموقف المرغوب من الحقوق الكرديّة في أكثر محطة، والخوف من الهيمنة التركية على بعض أطراف المعارضة السورية، و بروز أطروحات كردية غير مسبوقة ودفعها للواجهة مثل ، شعارات الفديرالية واللامركزيّة السياسيّة، قوبلت بتشنّج وطروحات مضادة، تغيّر المزاج الكرديّ العام ومثله السوري العام الذي بدأ يلقي الشكوك والارتياب عن نوايا كردية مخبوءة وعن “أجندات كردية” و استغلال لظروف الثورة .
بكر صدقي:
الواقع أن الحركة السياسية الكردية في سوريا، بانقساماتها المتتالية وتقاربها الفكري، ألغت الحدود بين الإيديولوجيات لصالح إيديولوجيا قومية جامعة فاقدة التمايز والألوان. لا يمكن الحديث اليوم عن عقائد قومية واشتراكية وإسلامية وليبرالية مثلاً. ما يميز حزباً كردياً سورياً عن آخر هو ولاؤه لقوى كردستانية ما وراء الحدود السورية. كان الانقسام سابقاً بين زعامتي بارزاني وطالباني. أما اليوم فهو بين بارزاني وأوجالان بصورة رئيسية. يمكن الحديث عن تمايز فكري آخر يتعلق بالانقسام بين النزعة الوطنية السورية والنزعة القومية الكردستانية. منذ انتفاضة العام 2004 غلبت النزعة القومية على الوطنية السورية، واشتد هذا الميل بعد انطلاق الثورة الشعبية في سوريا التي تنظر إليها معظم الأحزاب بوصفها فرصة تاريخية لانتزاع المطالب القومية الخاصة بكرد سوريا، قد لا تتكرر أبداً.
على المستوى الشعبي لا يختلف الأمر كثيراً، وإن كان هناك جيل من الشباب يميل إلى الانخراط في فعاليات الثورة السورية بقوة. هذا الميل الثوري الذي لا يستهان بحجمه، يرتد للأسف إلى الانغلاق على الذات القومية كلما أطلق معارضون سوريون (عرب) تصريحات غير مسؤولة تجاه الكرد، وكلما اصطدمت المطالب الكردية بجدار تشكيلات المعارضة السورية وأهمها المجلس الوطني السوري. بدلاً من تفهم مطالب الكرد المشروعة، وقبل ذلك احترام هويتهم القومية وحساسياتهم، يتصرف معارضون سوريون بطريقة لامسؤولة، تقوي النزعات النابذة لدى الكرد.
2-يتهم الكرد بأنهم انفصاليون، هل لأي من القوى السابقة نزعة انفصالية؟ و هل تجد دعوات الانفصال قبولا على مستوى الشارع الكردي؟
بدرخان علي:
الاتهام بالانفصال ليس بالجديد، لكن كما سبق بيّنت أنّ بعض العوامل ساهمت في تعكير الأجواء خلال الثورة.
ليس هناك نزعات انفصاليّة كرديّة. بل احتداد في النبرة القوميّة و التشديد على الخصوصيّة الكردية وطلب ضمانات قانونية وسياسية مسبقة ورفع سقف المطالب، باعتبار “الفرصة مؤاتية”.
وعلى هامش الحديث: لا أعتبر كلمة الانفصال تهمة وشتيمة كما قد توحي استعمالاتها في الخطاب. عندما تكون هناك ظروف مناسبة، موضوعية وذاتية وممكنات واقعيّة، للانفصال فليكن. لأن “الانفصال” ( رغم حمولة الكلمة السيئة) هو الاستقلال القوميّ بنظر الساعين للانفصال.
بكر صدقي:
مجرد اتهام الكرد بالنزوع الانفصالي يشكل إهانة لبيئة واسعة من الكرد الذين يطالبون بحقوق مشروعة في إطار وحدة البلاد. بالمقابل، طبعاً هناك حلم قومي لدى جميع الكرد بالحصول على دولتهم القومية ذات السيادة. وإذا توفرت الشروط لقيام هذه الدولة من المحتمل أن جميع الكرد تقريباً سيفضلون ذلك. بالطبع سيفضل ملايين الكرد بالمقابل العيش في حواضر البلدان الأخرى حيث رتبوا حياتهم منذ اتفاقيات سايكس بيكو وقبل ذلك (اسطنبول وأنقرة وأضنة وطهران وبغداد وحلب ودمشق وبيروت). ولكن حتى هؤلاء سيرحبون بقيام دولة كردية مستقلة ذات سيادة، تشكل ضماناً لاحترام هويتهم القومية حيث يعيشون. هذا طبيعي ولا يحتاج إلى الكثير من المماحكات الفارغة. ولكن هل يعمل الكرد على أجندات انفصالية سرية؟ نرى الجواب على هذا السؤال بوضوح في كرد العراق الذين تمسكوا بوجودهم داخل الإطار العراقي حين حصلوا على مطلبهم الفيدرالي.
وعموماً: بخلاف الهواجس القومية العربية السائدة من النزعة الانفصالية الكردية، كلما عاملتَ الهوية القومية الكردية باحترام واستجبت لمطالبه المشروعة والممكنة التحقيق، كلما قوَّيتَ النزعة الوطنية السورية لديهم. وبالعكس كلما عاملته كعدو محتمل وانفصالي، كلما دفعته نحو الانفصال.
بالنسبة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، يختلف الوضع إلى حد كبير. فهذا الحزب يتصرف وفقاً لمصالحه الحزبية الضيقة، ولا مشكلة لديه تتعلق بالانفصال أو الاندماج. كل الأمور في خدمة استراتيجيات الحركة المسلحة التي تتمحور أحياناً حول إنقاذ زعيمها عبد الله أوجالان من السجن مهما كان الثمن. وبالنسبة لسوريا كرر صالح مسلم قبل أشهر ما سبق وقاله أوجالان حين كان مقيماً في دمشق. فقد قال الرجلان إنه ليس هناك ما يسمى بكردستان سوريا، وإن كرد سوريا جاؤوا من تركيا على فترات. أي أنهم يفصلون بين الشعب الكردي في سوريا وبين الأرض، الأمر الذي يتسق مع طروحات قوميين عرب شوفينيين في نظرتهم إلى الهويات القومية الأخرى. بالمقابل يمارس الفرع السوري لحزب أوجالان مهمات حكومة ودولة، له مؤسساته كمجلس الشعب والإدارات البلدية والشرطة والقضاء “الثوريين”. هذا طبيعي في حزب بلا مبادئ سوى عبادة الزعيم، تحول بعد انتهاء حاضنته التاريخية (الحرب الباردة) إلى مجرد سلاح للإيجار.
3-كيف ينظر الكرد إلى الحكم الذاتي، و ما هو سقف الصلاحيات الذي يطمحون إليه؟ و في حال حصل الكرد على حكم ذاتي موسع، كيف سيتدبر الإقليم شؤونه الاقتصادية؟
بدرخان علي:
أنا أراقب و ألاحظ ولست ناطقاً باسم الكرد ولا بأي من التنظيمات. و يبدو لي أن هناك استسهالاً في طرح مطلب الفيدراليّة كردياً، سيما في هذه الحقبة الدموية المرعبة على المستوى السوري العام.
بكر صدقي:
بعيداً عن حلم الانفصال وقيام الدولة الكردية التي لم تتوفر شروطها المادية بعد، يتمنى الكرد في سوريا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم على المستوى المحلي. فقد ضاقوا ذرعاً بمؤسسات وأجهزة دولة مكونة من عرب في أكثريتهم. فلطالما غذى هذا الوضع شعوراً حاداً بكونهم “مواطنين من الدرجة الثانية” مشكوك بوطنيتهم، وليسوا أهلاً للثقة من قبل الدولة التي هي فوق ذلك “عروبية” العقيدة بعثيتها النابذة للمختلف. لكن الأمر كان في الواقع أسوأ من ذلك بعد، بسبب النظام الدكتاتوري البدائي الفظ: كان الشرطي العربي يشتري انتقاله إلى المناطق الكردية بمبالغ باهظة “خلو رجل” كاستثمار مغري في الفساد. فهو يتصرف هناك كمحتل ومبتز، فيقمع ويحصل على الأتاوات والرشى. أنا لا أتحدث هنا عن خاصية ملتصقة بالعربي، بل عن واقع الحال كما كان دائماً. ولا تجذب جنة الفساد سوى الفاسدين.
و بما بخص الشؤون الاقتصادية، لا يمكن التكهن عن تفاصيل من هذا النوع وموضوع الحكم الذاتي غير مطروح أصلاً. هل الحكم الذاتي قابل للتطبيق؟ أعتقد أن مهمة السياسة هي البحث عن حلول خلاقة لمشكلات قابلة للحل. وظني أن الموضوع الرئيس هو اعتراف العرب بالهوية القومية للشعب الكردي. أما كيف يتحقق ذلك في بنى ومؤسسات واقعية، فهذا ما يمكن ابتكاره إذا صفت النيات من جميع الأطراف. هذا الاعتراف الدستوري والعملي يمكن أن يتجسد بأشكال مختلفة (حقوق مواطنة متساوية للجميع، إدارة ذاتية، حكم ذاتي، فيدرالية.. إلخ). المطلوب باختصار إنقاذ الكرد من شعورهم بالاضطهاد، وهذا لا يتم بمجرد الكلام، بل يتطلب إجراءات قانونية ودستورية ملموسة من شأنها الارتقاء بالوعي الوطني لدى جميع السوريين، ولدى العرب قبل غيرهم، ولدى المسلمين قبل غيرهم، لأن العرب والمسلمين في وضعية الأكثرية. الأكثرية القومية أو الدينية هي المؤهلة لتلعب الدور الرائد كحاضن للوطنية السورية الجديدة المأمول قيامها بفضل الثورة.
4-ما هي الاشكاليات التي تعترض قيام كيان فيدرالي كردي في سوريا على غرار العراق؟ وهل هناك مخطط دولي قيد الدرس لإعادة رسم خرائط المنطقة؟
بدرخان علي:
من العراقيل والإشكالات أمام تشكل إقليم كرديّ سوريّ على غرار العراق : التداخل السكّانيّ في المناطق الكردية بين الكرد والعرب والسريان والآشور، انفصال المناطق عن بعضها البعض . جدّة طرح المطلب الكردي الفيدرالي ذاته. حجم المشكلة الكردية على المستوى السوري العام. رأي الغالبية العربية الرافض لهكذا طرح. تركيا وسياساتها تجاه الكرد ورفضها لهكذا مشروع على حدودها الجنوبية، بعد أن أصبح إقليم كردستان العراق أمراً واقعاً، لا ترتاح له تركيا أبداً.
مخطط دولي؟ ما أعرفه أن الكرد ليسوا في المخططات الدولية أبداً. ليس هناك ما يشير لذلك أبداً. تركيا( وإسرائيل) هي التي يحسب لها حساب في المخططات الدولية التي تخص المنطقة، وفي المسألة الكردية تحديداً.
ولا أعتقد أن هناك أية رغبة دولية في إعادة رسم خارطة المنطقة. هذه الحدود وجدت لتبقى، إلاّ في حال نشوب حروب كبرى في العالم والمنطقة .
المنطقة كلها ألغام إثنيّة قوميّة وطائفيّة وسياسية وليس من مصلحة أحد اللعب عليها وتوليد مشكلات جديدة.
بكر صدقي:
طبعاً هناك مشكلات تتعلق بالتداخل السكاني في سوريا. منطقة عفرين معزولة تماماً عن أي عمق جغرافي كردي في سوريا. كوباني (عين العرب) تتصل بالجزيرة ديموغرافياً، ولكن مع تداخلات كثيرة مع عرب المناطق المجاورة. وفي الجزيرة نفسها – الخزان البشري الكردي الأهم في سوريا- هناك عرب وآشوريون وسريان وأقليات أخرى. ولدينا مشكلة تتعلق بما سمي بالحزام العربي، حيث جرى استيطان مصطنع لعشائر عربية في مناطق كردية. إثارة هذه المشكلات في جو غير ودي قد تؤدي إلى مآسٍ إنسانية قاسية من الجانبين العربي والكردي. فإذا طالب الكرد مثلاً بإعادة المستوطنين العرب إلى مناطقهم الأصلية، قد يرد الطرف الآخر بالمطالبة بإخلاء دمشق وحلب مثلاً من الوجود الكردي، حيث يعيش ملايين الكرد. ونحن نرى هذه المشكلات رأي العين في التجربة العراقية. فمشكلة كركوك لم تحسم إلى الآن، ومن شأن عدم التفاهم حولها إثارة وضع كرد بغداد على بساط الجحيم.
برأيي أنه يمكن تجنب الكثير من المشكلات، بتقوية الرابطة الوطنية والارتقاء بالوعي الوطني والديموقراطي لدى الجميع. كل شيء يمكن التفاهم عليه في حقل السياسة إذا صفت النوايا.
على المستوى الدولي، لا أعرف إن كان ثمة مخططات لإعادة رسم الخرائط في المنطقة. لكن المعروف أن الدول العظمى لديها دائماً خطط بديلة يمكن الاختيار من بينها عند الحاجة. أعني أن الوقائع على الأرض وتطورها، هي ما يجعل الدول الفاعلة تلجأ إلى هذا الترتيب أو ذاك. الدول العظمى تختار الممكن وفقاً لمصالحها القومية. هذا بديهي. الثورة السورية مفتوحة على جميع الاحتمالات، وباتت سوريا ساحة مفتوحة لجميع الفاعلين الاقليميين والدوليين. كلٌ سوف يسعى إلى دفع الأمور في الاتجاه الذي يخدم مصالحه. وحين يسقط النظام ستتهافت جميع القوى لحجز مقعد لها في تقرير مصير سوريا ومستقبلها. على الشعب السوري أن يعي ذلك ويتصرف أيضاً وفقاً لمصالحه الوطنية. كلما ازداد جسم الثورة (المدني والعسكري) قوةً كلما ازداد وزنه في رسم مصير سوريا.
هناك عامل خطير من شأنه أن يشجع الدول العظمى على فكرة التقسيم، عنيت به مواقف الجماعات الأقلية في سوريا وامتداداتها الاقليمية. فالعلويون تورطوا إلى حد بعيد في ربط مصيرهم بمصير النظام المتهالك. يتطلب الأمر معجزة لينفصلوا عن النظام وينحازوا –جماعةً- إلى الثورة. وبعد سقوط النظام، سيكون على الأكثرية العربية السنية أن تسعى إلى إعادتهم إلى الحاضنة الوطنية. وهذا غير ممكن كلما ارتفع منسوب النزعات الإسلامية المتشددة في جسم الثورة. الكرد بدورهم، تغلب لديهم اليوم النزعة القومية على النزعة الوطنية كما سبق القول. أيضاً تقع مسؤولية جذبهم إلى الحاضنة الوطنية على الأكثرية العربية. بدرجات متفاوتة ينطبق الحكم السابق أيضاً على المسيحيين والدروز، وإن كانت نسبتهم الصغيرة من الديموغرافيا السورية تقلل من شأن الخطر المحتمل الذي قد يساهمون به في تمهيد الطرق أمام التقسيم.
طبعاً البيئة الاقليمية مؤاتية بدورها: أعني أن الانقسامات العمودية المذكورة لها امتدادات في دول الجوار، في العراق وتركيا ولبنان وإيران أيضاً. والأخطر أن الانقسام الاقليمي الحاد متراكب مع استقطاب طائفي سني – شيعي. والعامل الكردي منقسم عملياً على طرفي هذا الاستقطاب، ويلعب دوراً في تغذيته.
هذه تحديات تواجه ثورة الشعب السوري العظيمة. وهي قادرة على التغلب على تلك المخاطر. ليس هناك شيء قدري حتى لو اتفقت الدول العظمى على التقسيم. الثورة الشعبية قادرة على قلب طاولتهم إذا أحسنت التصرف والتدبّر.
5-عانى الكرد من مواطنة منتقصة، و محاولات لطمس هويتهم الثقافية، هل يتهم الكرد بذلك نظام البعث أم العرب؟ كيف ينظر الكرد إلى مواطنية سورية تعترف بهويتهم القومية و تحترمها؟ و كيف سيتعامل الكرد مع قرى الحزام العربي؟
بدرخان علي:
من المؤكد أنه لم تحدث صدامات أهليّة كرديّة- عربيّة في سورية. وقد حرصت الحركة الكردية على تجنّب ذلك. وهي تلقي المسؤولية على أنظمة الحكم المعاقبة وليس الشركاء العرب. أظن أن هذا واضح وبارز في الخطاب الكردي.
خذ مثلاً مثال قرى مشروع “الحزام العربي” التي أنشأتها سلطة البعث وحافظ الأسد باستقدام مواطنين عرب من منطقة الفرات وتوطينها في محافظة الحسكة بانتزاع أراض زراعية من أخصب الأراضي وحرمان سكان المنطقة الأصلييّن منها. لم تحدث حوادث اعتداء على سكّان هذه القرى. ليس دعم السلطة لهؤلاء هو وحده السبب في امتناع الاعتداء عليهم من قبل من انتزعت عنهم أراضيهم. وكذلك سلطات الأمن وممثلي النظام في المنطقة لم يتعرضوا لاعتداءات تذكر، حتى في أعنف لحظات الغضب الكردي في انتفاضة آذار 2004.
المطالب الكردية تتراوح بين القطبين هذين: صيغة جديدة من المواطنة مرتكزة على اعتبار الهوية القوميّة الكرديّة شرطاً أساسياً لقبول هذه المواطنة ونجاحها، و بين طرح يطالب بإقامة حكم ذاتيّ سياسيّ للكرد في سورية. الثاني هو الغالب حالياً على ما يبدو.
و بما يخص سؤالك عن تعامل الكرد مع قرى الحزام العربي، فإنه في حال تفكّك أوصال الدولة السورية ( أو ما تبقى منها) وغياب سلطة القانون ولو بمعناه الإداريّ، وبروز النزاعات الأهليّة المحليّة والمشكلات المترتبة على ذلك، قد يتحول هذا الملف الشائك “قرى الحزام العربي” فعلا إلى مشكلة كرديّة- عربيّة في محافظة الحسكة. سيما مع الاختلاف على صيغة الحقوق الكردية وما قد يراه عرب المنطقة من “هيمنة كردية” على المنطقة أو جهات كردية ترى الفرصة سانحة لإعادة “المغمورين” إلى مناطقهم الأصلية حول الفرات وريف حلب. لكن يبقى هناك شيء من الأمل أن تحلّ هذه القضية بطرق سلميّة-تفاوضية كجزء من مشروع العدالة الانتقالية الذي جرى في حالات مشابهة في دول أخرى في العالم، جوهرها هو إنصاف الضحايا والتعويض لهم، وتحقيق العدالة، وتسوية أوضاع المواطنيين العرب المستجلبين إلى المنطقة، بصورة غير انتقاميّة أيضاً. وسياسياً لا بد من حلٍّ توافقيّ.
بكر صدقي:
هناك حساسية كردية فائقة تجاه البعث والإيديولوجيا القومية العربية عموماً. ويكثر أن يتهم الكرد معارضين عرب بأنهم “بعثيو العقيدة.. عفلقيون.. لا يختلفون عن النظام الحاكم”. نعم الأمر يتعلق بطمس هويتهم القومية. هذا يستثير الشعور بانتقاص الكرامة الجماعية والفردية لدى الكرد. ما لم يفهم العرب (مثقفون وتيارات سياسية وشعب) هذه الحساسية، سيواصلون صب الزيت على النار ويدفعون الكرد دفعاً نحو النزوع الانفصالي. قد يقبل الكرد بأي ترتيب سياسي، إذا شعروا بأن العرب أخوة لهم وليسوا جيراناً. المساواة في المواطنة قد تكون كافية شرط احترام خصوصيتهم القومية واحترامهم كجماعة مختلفة. هناك شيء من عجز الطفل وتمرده في الروح الكردية (في سوريا خصوصاً) الكردي السوري يشعر بأنه تعرض للاضطهاد والانكار طيلة تاريخه. ويشعر بأن الآخر العربي لا يحس به. وهو غير قادر على فرض حقوقه فرضاً فقط لأنه يشكل أقلية عددية بالقياس إلى العرب. وأنه سيبقى في وضعية الأقلية دائماً، مهما تغير الزمان والسلطان. هذا الوضع يجعل الكردي ينظر إلى العالم من منظار أقلوي ضيق، مثله في ذلك مثل العلوي النمطي أو المسيحي النمطي. هذا برأيي مسيء للكرد. على الكردي ألا يفكر ويشعر أقلوياً وهو القائل بأنه ينتمي إلى أمة كبيرة وعريقة في التاريخ. يتصاغر الكردي حين يضيّق زاوية نظره كالأقليات الدينية أو المذهبية. وإذا كان الكرد في سوريا أقلية سكانية، فعليهم التصرف كأبناء أمة كبيرة ومتصلة الأرض حتى لو قسمتهم الحدود بين الدول. أي أن يتصرفوا بندية تامة مع الشريك العربي. من شأن تغيير السلوك العربي تجاه الكرد أن يغير أيضاً من نظرة الكردي إلى نفسه والآخر.
أما بما بتعلق بقرى الحزام العربي، فقد جرى تضمين الإجابة مع السؤال السابق.
6-هل يقف الكرد على مسافة واحدة، بين النظام السوري و الثورة، لتحقيق مكاسب من المنتصر؟ و ماذا يعني تواجد مقرات النظام الأمنية في المناطق الكردية التي انسحب منها عسكريا؟
بدرخان علي:
لا يمكن القول أن الكرد على مسافة واحدة بين النظام والثورة. ربما أمكن القول بانخراط حذر ومحسوب للكرد في الثورة . خوفاً من بطش النظام، وتجنّب المواجهة العسكريّة والأمنيّة مع السلطة العسكريّة- الأمنيّة في مناطقهم. و اعتبار “الثورة عامة” ليس بالضرورة أن تلبي المطلب الكردي الخاص، هو البارز في الأوساط الكردية عموماً، واشتراطه على المعارضة.
وقد ساهم النظام بإهماله لاحتجاجات المناطق الكردية دوراً في عدم تسليط الأضواء إعلامياً على الحراك الدائر هناك بالمقارنة مع مناطق سورية تتعرض لعنف وحشي يومياً في المناطق الثائرة الأخرى.
مع ذلك انخراط الشباب الكردي في الثورة موجود ولا يمكن إنكاره في قامشلي وعامودا مثلاً . كذلك أعرف نشطاء كرداً في مناطق ليس فيها وجود كردي مثل حمص وريف دمشق، ناهيك عن العاصمة دمشق وجامعتها، ومدينة حلب وجامعتها.
مع اشتداد المواجهات العسكرية في دمشق وحلب، عمدت السلطة الحاكمة إلى سحب بعض عناصرها العسكرية القليلة أصلاً في المناطق الكردية المتاخمة لحلب، مع الإبقاء على وجود شكلي لبعض الفروع الأمنيّة. في محافظة الحسكة تواجد عناصر السلطة مازال على حاله تقريباً.
في الأثناء عملت بعض الأحزاب الكردية، وخصوصاً ب ي د، إلى الإستيلاء على بعض المقرات الحكوميّة والأمنيّة، بغرض حمايتها وفرض سلطتها. ما أطلق عليه ” تحرير” المناطق الكردية ليس دقيقاً. وكان ذلك استفزازاً كبيراً لتركيا.
في محافظة الحسكة مازالت السلطة تعتقل من تشاء وتلاحق النشطاء والمطلوبين للخدمة العسكرية. وبالطبع ما زالت الحكومة تدفع الرواتب للموظفين.
بكر صدقي:
لا يقف الكرد على مسافة واحدة من النظام والثورة. هذا اتهام ظالم. لكن سلوك الأحزاب التقليدية الكردية هو “لننتظر ونرى ما يحدث”. مشاركة محدودة في فعاليات الثورة، تطورت شعاراتها من إصلاحية إلى مطلب إسقاط النظام، إضافة إلى المطالب الكردية الخاصة. الأحزاب الكردية لا تريد بقاء النظام، لكنها بالمقابل لا تفعل الكثير للتعجيل في إسقاطه. على المستوى الشعبي هناك طلاق بينه وبين النظام الذي انسحب أصلاً من المناطق الكردية. أما حزب العمال الكردستاني فهو يعمل بموافقة النظام، مع احتفاظه بأجندته الخاصة وهمومه الحزبية الخاصة. لا يصطدم مع الجيش السوري الحر، مثلاً، بل كثيراً ما قدم له مساعدات لوجستية حين اقتضت الحاجة. وعموماً هناك هدنة بين الطرفين المذكورين. كذلك هي الحال مع أجهزة النظام. فالحزب في حالة تفاهم مع هذه الأجهزة، لكنه يصطدم بها أحياناً بسبب حساباته الخاصة.
7-بالنسبة إلى الكرد، ما هو الفارق بين المصطلحين “شعب كردي” و “قومية كردية”، و ما ترجمة كل منهما على الأرض؟
بدرخان علي:
أنا أقول رأيي وملاحظاتي و لست ناطقاً باسم الشعب الكردي.
لا فارق مهماً بين العبارتين والمصطلحين. فالكرد هم شعبٌ وقوميّة بنفس الوقت و استغرب افتعال تعارض بين الكلمتين من قبل من أثاروا زوبعة لا مبرر لها. هذه تسميات متداخلة ومتشابهة للدلالة على الجماعة القوميّة الكرديّة. بل أن الاعتراض الكردي- في آخر مؤتمر للمعارضة في القاهرة على عدم إدراج مصطلح الشعب الكردي في سورية والاستعاضة بقومية كردية وشعب سوري- لا يبدو وجيهاً. أو على الأقل كانت المبررات غير مقبولة ( ناهيك عن طريقة الانسحاب والمشاحنات التي عرضت على الإعلام).
كذلك، كلمة “القوميّة” ترادف “الأمّة” وهما – بالمناسبة- في الانكليزية مثلاً نفس الكلمة nation، إلاّ أنّ العربيّة تفرّق بينهما. وخارج موضوع المؤتمر المشار والنقاش الذي دار حوله، ومتاهة المصطلحات في غير محلّها الفكريّ والنظريّ المفترض، السجال هنا طويل وذو طابع سوسيولوجيّ وتاريخيّ : هل الكرد “أمة” أم” قوميّة” ؟ لا بل هل العرب “أمة” أم “قومية” وشعوب؟
الشعب يدلّ عل مواطني دولة ما . لكن في الحالة الكردية مثلاً يصحّ أن نقول شعب كردي سوري أيضاً. و جذر المشكلة هو أنّ للكرد في سوريا انتماءان بنفس الوقت: كرديّ-كردستانيّ نسبة للكرد في عموم المنطقة، وسوريّ كونهم سوريّون كذلك. إشكال كبير . هويّة مركبة. الأمر يتجاوز مشكلة المصطلحات و مناكفات المؤتمرات و لغة البيانات.
بيدَ أنّ ثمّة مبررٌ مقبول في الاعتبار القانونيّ، التجريديّ-العموميّ، للقول بوجود شعب سوريّ واحد ( نسبة لدولة سورية ينتمي إليها عموم المواطنين السوريين) يتكوّن من قوميّات عدّة: عرب، كرد، سريان- آشور. ( إلاّ أنني لم أسمع ب”قومية تركمانية” في سورية إلا بعد مؤتمر القاهرة! مع كامل الاحترام للمواطنين السوريين من أصول تركمانيّة).
خارج الاعتبار القانوني البحت ليس هناك مشكلة في استخدام أيّ من المصطلحيين: شعب، أو قوميّة.
عموماً المصطلحات تحدّدها السياقات والمراد منها. والسياق الذي جاء فيه الكلام عن القومية الكردية في مؤتمر القاهرة هو الذي دفع بالحضور الكردي إلى الاعتراض والانسحاب- الذي عارضته وانتقدته- ،( لأنه ليس من المفهوم أن يرفض الكرد اعتبارهم قوميّة؟ )
حيث يصرّ الساسة الكرد على اعتبار القوميّة الكرديّة قومية ثانيّة أو رئيسيّة في البلاد مع تحديد سياسيّ- جغرافيّ . وهذا ليس مقبولاً حتى الآن في سوريا.
المشكلة برمّتها هي في المعنى الذي يقصده الطرفان لنفس العبارة والمصطلح.
بكر صدقي:
ليس هناك وضوح تام في التمييز بين مختلف المفاهيم. وعموماً يقال عن كرد سوريا “الشعب الكردي في سوريا” كجزء من السوريين عموماً. هذا مفهوم وطني. أما القومية الكردية فتعني الهوية الثقافية التي تجمع تحت مظلتها جميع الكرد في الدول الأربع. ربما رجح استخدام كلمة “القومية” بدلاً من الأمة بسبب عدم وجود الدولة الجامعة. فمهوم الأمة مفهوم سياسي – ثقافي مرتبط بمفهوم الدولة القومية أو “الدولة – الأمة”.
8-هل من المتوقع حصول اشتباكات مسلحة بين الكرد و العرب، ما الموانع و ما الدوافع؟
بدرخان علي:
حتى سقوط النظام يبدو أن حصول اشتباكات مسلحة بين الكرد والعرب غير وارد، وبعد سقوط النظام يتوقف ذلك على معطيات عدة تتعلّق بمآلات النسيج الوطني السوري عموماً ومتى سيسقط النظام وكيف وهل ستتدخل تركيا في المناطق الكردية….كما بتردي الأوضاع الحياتية في سورية عموما وبروز جرائم السرقات والاغتيالات …
كما يتعلق بمدى ما يتحقق للكرد من مكاسب ملموسة على الأرض وقبول المواطنين العرب والسريان- الآشور بذلك في المنطقة أو عدم قبولهم، وعلى مستوى سورية عموماً. ومن الآن هناك تململ وتذمّرً بين عرب الجزيرة ومسيحييها جرّاء ما سمي ب”سيطرة الكرد” على المناطق الشمالية.
من الحكمة أن يتفادى الجميع أية مواجهات أهليّة و مسبباتها.
وعلى هامش سؤالك وبالضد من النظرة القوميّة التبسيطيّة التي ترى الصراع بين قوميات مختلفة وحسب: أرى هناك بوادر لصراع كرديّ- كرديّ، و احتقان كردي قد يؤدي في لحظة ما إلى اشتباك كردي واسع…. قد تكون احتمالات ذلك أكبر اليوم من اشتباك كردي- عربي ما لم يجري تطويق ذلك بسرعة، من قبل مالكي السطوة والسلاح أولاً.
بكر صدقي:
الواقع أنه حدثت احتكاكات عنيفة بين مسلحي البي يي دي وتكوينات عشائرية عربية عملت في التشبيح لصالح النظام. كان ذلك في إطار الصراع على النفوذ والسلطة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، وانتهت بفرض الحزب الكردستاني لسلطته المسلحة. غير ذلك ليس هناك أي صراع عنيف بين العرب والكرد بوصفهم كذلك.
9-هل ترجم اتفاق هولير على الأرض؟ ما هو أثر سلاح ال “ب ي د” على الاتفاق، و على إدارة المناطق الكردية في سوريا؟
10-هل توجد قوى أخرى فاعلة على الساحة الكردية لم يشملها الاتفاق؟ أين تقع تلك القوى في المسافة بين البي واي دي و المجلس الوطني الكردي؟ و ما هي حدود نفوذها سياسيا و شعبيا و عسكريا؟
بدرخان علي:
لم يُترجم الاتفاق، و لا أعتقد بذلك في المستقبل . و السبب يعود إلى هيمنة طرف من الاتفاق ( و هو التنظميات الموالية والرديفة لحزب العمال الكردستاني: ب ك ك- ب ي د ) على الأرض بقوّة التنظيم المسلّح وممارسة الضغط والعنف على من هم خارج تنظيماته، وبالأخص منتقديه أو مخالفيه ونشطاء الثورة الميدانييّن ، و رضوخ الطرف الثاني (المجلس الوطني الكردي) لشروطه تفادياً لصدام أهليّ (كرديّ -كرديّ)، لا يبدو أن الطرف المسلّح يتردّد في المضي فيه ولا شيء يردعه عن ذلك. ما دامت بوصلة تحركاته تصب في صالح الهيمنة المطلقة على المنطقة . ولا يتردّد هذا الطرف نفسه بالقول صراحة أنه لن يقبل أيّ سلاح خارج سلاحه لأن ذلك سيؤدي إلى حرب أهليّة كرديّة! الكلام واضح و لا لبس فيه. حتى أن الحزب يعارض عودة المجندين الكرد السوريين الموجودين في إقليم كردستان العراق إلى أهلهم ومناطقهم.
لكن سياسة الحزب لا تتوقف عند عدم القبول بوجود أطراف كردية أخرى مسلّحة، بل تتعدى إلى وجوب ألاّ تخرج مظاهرة كردية واحدة دون أن يحدّدوا هم شعاراتها و وجهتها و مكانها وأعلامها و إلاّ فالمتظاهرون خونة باعوا أنفسهم لأردوغان ( ولأسباب مجهولة هناك دوماً “وثائق” تثبت تلك العمالة في حوزة من يعارض الحزب تكتشفها وكالة فرات للأنباء). هناك رغبة جامحة عند رفاق حزب العمال الكردستاني في سورية، بأمر من القيادة في جبال قنديل وبالتنسيق مع جهات متعددة، في احتكار الساحة الكردية السورية و العمل كسلطة أمر واقع على كرد سوريا، بما فيها إقامة “محاكم ميدانية” للنشطاء الكرد و احتجازهم و ترهيبهم ، أو الاعتداء الجسدي عليهم، أما التخوين والتشويه بحق المخالفين لهم فمن أهون الأمور، لأن هناك “وثائق” تثبت عمالتهم.
لا أظن أنّ اتفاقاً سنّ تحت ضغط الخوف من الحرب الأهليّة الكرديّة وبدون إرادة حقيقية للسلم الأهلي واحترام الجميع من قبل الطرف المسلّح سُيكتب له النجاح في الوقت الذي نشهد انتهاكات مستمرة للاتفاقية منذ توقيعها في هولير-كردستان العراق . لا بل أن الاتفاقية بدأ يروّج لها ، و من قبل من ينتهكها يومياً، كي تكون بمثابة إسكات لأصوات المنتقدين لأنّ ” الهيئة الكردية العليا ” المنبثقة عن هذا الاتفاق بدأت تشكل غطاء قومياً لانتهاكات أعضاء ب ي د- ب ك ك وممارسة القمع، بما فيه على من ينضوي تحت إطار هذه الهيئة.
هناك ملاحظات أخرى على الاتفاق والهيئة المنبثقة عنه مثل لماذا يحتاج كرد سوريا إلى مرجعية قومية خارج سورية كي تتدخّل بينهم …لكن هذه الملاحظات قليلة الأهمية أمام ما يجري في الواقع من سياسات خطيرة وانتهاكات ، بدا كان الاتفاق يُشرعن لها على الأرض. هناك قوى أخرى خارج الطرفين المذكورين ويبدو أنها قليلة النفوذ شعبياً، لكنها موجودة ومشاركة في فعاليات الثورة. وبالمناسبة هي أكثر عرضة لانتهاكات مسلّحي ب ي د ولجانهم الشعبيّة، علماً أنها لا توفّر أحداً.
ينبغي أن نذكر أيضاً أن سلاحاً حزبياً مستنفراً في مواجهة الآخرين، وبغرض إخافتهم وإخضاعهم، سوف يستجرّ تسليحاً في الجهات المقابلة الأخرى أيضاً وجهات مجهولة كذلك.( هذا هو “القانون” في كل مكان وليس في حالتنا فقط . في لبنان و العراق و و و). وهذا يعني مواجهة خطيرة ودموية. والتفسير الوحيد لعدم نشوب حرب أهلية كردية – حتى الآن- بسبب تصرفات ب ك ك المتواصلة منذ سنة ونصف باستفزاز غيرهم والاعتداء على معارضيهم هو قبول الآخرين بسلطتهم ، والخشية من الاقتتال الأخوي . وعدم دخول جهات غير كردية على الخط حتى الآن. لأنّ- والحق يقال- الطرف المسلّح المهيمن لا يهمه أي عواقب لتصرفاته ومسلكه. والأطراف الأخرى هي التي تبلع المرارات والمهانات اليومية. لكن من يضمن استمرار ذلك في الوقت الذي لا يتوقف الطرف المُهيمِن عن سياسته اللامسؤولة الأحادية العمياء و الأنانية الخطيرة؟
أتمنى أن أكون مخطئاً في تقديراتي هذه.
بكر صدقي:
السؤال التاسع: ليس اتفاق هولير هو الأول من نوعه، فقد سبقه اتفاقان مماثلان بين الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني والمجلس الوطني الكردي. جميع هذه الاتفاقات كان الهدف منها منع صراع داخلي كردي – كردي في سوريا. فالأحزاب التقليدية الكردية المجتمعة تحت مظلة المجلس الوطني الكردي وتلك التي خارجه أيضاً، لطالما تضررت من وجود حزب مسلح في مناطق نفوذها، يقوم بدور سلطة قمعية تمنع نشاط تلك الأحزاب. وإبان الثورة الشعبية في سوريا، كان طبيعياً أن يزداد الاحتقان بين الطرفين بعدما انسحب نظام دمشق من تلك المناطق لصالح سلطة الأمر الواقع المسلحة لpyd.
المشكلة مع بي يي دي، لا تقتصر على كونه الطرف الوحيد المسلح، بل أكثر من ذلك، هي أنه لا يمكن الوثوق بتعهداته. ثلاث مرات، آخرها اتفاق هولير برعاية مسعود بارزاني، تعهد بي يي دي بعدم التعرض لنشاطات المجلس الوطني الكردي، بما في ذلك المظاهرات المناهضة للنظام. لكنه عاد إلى قمع تلك النشاطات بذرائع قائمة غالباً على الكذب الصريح، من نوع أن “المتظاهرين حملوا الأعلام التركية أو صور أردوغان” الأمر الذي لم يحدث أبداً (وحتى لو حدث، فهذا لا يشكل مبرراً لقمع مسلحي أوجالان لتلك المظاهرات القليلة أصلاً) أو أن “ما حدث هو تجاوزات فردية” وهو ما تنفيه البنية الستالينية الفولاذية للحزب المسلح، إضافة إلى أنه لم يحاسب يوماً عنصراً من عناصره بسبب تجاوزه للتعليمات القيادية كما يزعمون.
الكذب لدى حزب العمال الكردستاني سلاح أمضى من الكلاشنكوف، يقوم باغتيال الحقيقة وتضليل الرأي العام وتبرير جرائم الحزب الأوجالاني بحق الكرد.
النقطة الأهم التي تجب الإشارة إليها هي عدم وجود أي استقلالية لحزب الاتحاد الديموقراطي (بي يي دي) عن حزب العمال الكردستاني بقيادته الميدانية في جبل قنديل، بخلاف ادعاءاته الكاذبة. لا يعدو صالح مسلم كونه واجهة ناطقة باسم تلك القيادة، ولا يملك أي قرار. وهو ما يضطره للكذب كل يوم تغطيةً على الحرج أمام الجمهور الكردي. فهذا الجمهور لم يعد “قطيعاً من الغنم” كما كان عبد الله أوجالان يراه. والشعب الكردي، مثله مثل الشعوب الأخرى، أصبح مفتوح العينين، يتابع ما يجري حوله من أحداث بنظرة ذكية.
السؤال العاشر: طبعاً هناك أحزاب وقوى سياسية كردية لم تتمثل أصلاً في المجلس الوطني الكردي. لا أعرف بالضبط حجم نفوذها. لا وجود للسلاح في بنى جميع الأحزاب الكردية باستثناء حزب العمال الكردستاني، سواء تلك المنضوية في إطار المجلس الوطني الكردي أو خارجه. ولكن هناك معلومات متواترة عن وجود مسلحين كرد سوريين في إقليم كردستان تحت رعاية بيشمركة بارزاني، يقال إنهم قد يدخلون المناطق الكردية في سوريا “في اللحظة المناسبة”. كما شكل اتفاق هولير “هيئة عليا” بين البي يي دي والمجلس الوطني، من المفترض نظرياً أنها شكلت لجاناً نوعية مشتركة بما في ذلك لجان أمنية. لا أعرف ما إذا ترجم ذلك على الأرض بحواجز مسلحة مشتركة في بعض المناطق. ما أعرفه أن اتفاق هولير ترجم على الأرض كاتفاق إذعان من المجلس الوطني تجاه الحزب المسلح. أي أن المجلس استسلم لشروط شريكه المسلح تحت غطاء التوافق، أي أن الوضع السابق استمر كما كان عليه.
11-ما هو موقف حكومة كردستان العراق من المحورين المتشكلين في المنطقة؟ و كيف تستقرء علاقتها المستقبلية مع حكومة ما بعد الأسد، و مع القوى الكردية في سوريا مستقبلا؟
بدرخان علي:
إجمالاً حكومة كردستان العراق أقرب لعدم الانخراط في المحورين الإقليميين، السني التركي الخليجي، والشيعي الإيراني. وذلك بسبب حساسية الموقع الكردي في المعادلة هذه. رغم أن حكومة إقليم كردستان العراق تبدو أقرب للمحور “السنّي”، وعلاقة حذرة مضطربة مع تركيا وبشكل خاص الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان، بينما الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه السيد جلال الطالباني رئيس العراق، يتمتع بعلاقة قديمة مع إيران، و أقوى مع النظام السوريّ وهذا ما يردده السيد الطالباني دائماً .
لكن جميع القوى الكردية في العراق تركز على ضمان الحقوق الكردية في سورية المستقبل. وتنأى بنفسها عن الانخراط الفعلي الميداني في وقائع الثورة السورية. وقد أصبح إقليم كردستان العراق ملجأ لآلاف الجنود الكرد السوريين المطلوبين للجيش أو الهاربين منه والنشطاء المطلوبين للأمن وآلاف العوائل، وهذا يشكل ضغطاً على حكومة الإقليم والمنظمات الإنسانية لتأمين مستلزمات الحياة اليومية لهؤلاء. كما أن هناك معسكر لإيواء وتدريب العسكريين الكرد السوريين لتأهليهم عسكرياً وعودتهم إلى سورية بعد سقوط النظام.
سقوط السلطة السورية سيغيّر كثيراً من التحالفات السياسيّة والعلاقات الأهلية في المنطقة. ولا استطيع التكهن بالعلاقات القادمة بين حكومة إقليم كردستان العراق وحكومة ما بعد الأسد( متى ستتشكل هذه الحكومة؟ بل متى سندخل إلى مرحلة ما بعد الأسد ..أيضاً لا أعرف… بالإذن من عدد من الحكومات التي شكلها بعض المعارضون السوريون في الخارج) ومصير العلاقة بين سورية والعراق عموماً. إلا أنّه من المفترض أن يكون الإقليم الكردي في العراق داعماً وسنداً لكرد سوريا. وهذه إحدى المحدّدات المحتمَلة لعلاقات حكومة كردستان العراق مع النظام القادم في سورية.
وكما هو معلوم أن حكومة الإقليم تدعم المجلس الوطني الكردي بشكل أساسيّ وهي أشرفت على توقيع اتفاق هولير بين “المجلس الكردي” و “مجلس شعب غرب كردستان” ( حزب العمال الكردستاني في سوريا- ب ي د) .
بكر صدقي:
بالنسبة لسياسة قيادة إقليم كردستان من الثورة في سوريا: ينظر مسعود بارزاني إلى العالم من منظور المصلحة الوطنية لكرد الإقليم أولاً ولعموم الكرد في المرتبة الثانية. ويتصرف مسعود بارزاني من موقع الزعيم القومي للكرد. ويصطدم في ذلك مع الزعامة الكردية المنافسة، أعني زعامة أوجالان. هذا ما يدفعنا إلى رسم حدود الاستقطاب الكردي بصورة مبسطة كما يلي: تتسق سياسة الإقليم السورية مع “المحور السني” الممتد من السعودية وقطر إلى تركيا فجماعة 14 آذار اللبنانية. وربما ضم هذا المحور مصر أيضاً بقيادة مرسي. بالمقابل تندرج سياسة حزب العمال الكردستاني في إطار “المحور الشيعي” الممتد من طهران إلى المعارضة التركية (اليسار والعلويون) وحكومة المالكي في العراق وحزب الله وحلفائه في لبنان، إضافة إلى النظام السوري المتهالك. طبعاً هذا مخطط تبسيطي يطمس غنى التفاصيل التي لا مجال هنا للدخول فيها.
من المحتمل أن تشكل سياسة النظام الجديد من المكون الكردي في سوريا عاملاً محدداً في تشكيل سياسة بارزاني منه. كلما استجابت الثورة لمطالب كرد سوريا وتمكنت من إدماجهم في الجسم الوطني، كلما انعكس ذلك إيجاباً في علاقة الإقليم بالنظام الجديد. لكن ليس هذا هو العامل الوحيد بطبيعة الحال. عموماً يتوقف تحديد السياسات الكردية على تفهم الأطراف الأخرى للمصالح والخصوصيات الكردية واحترامها. ذلك أن الإقليم، والكرد عموماً، محاطون بدول كبيرة وقوية، وليس لديهم منفذ بحري. من مصلحتهم إذن قيام علاقات ودية مع تلك الدول، وقبل ذلك “اتقاء شرها” فلطالما تعرضوا للأذية والإنكار من الدول المجاورة: تركيا وإيران وسوريا والعراق.
[1]