=KTML_Bold=حوار مع الأكاديمي الكردي الدكتور سربست نبي=KTML_End=
كورداونلاين
فالكورد موحدون في موقفهم إزاء النظام المستبد الحاكم في دمشق, إلا أن الانقسام والاختلاف يشوبان موقفهم وتعاطيهم إزاء المعارضة السورية. ليس هنالك كتلة كوردية يعتّد بوزنها المجتمعي أو الشعبي مترددة في موقفها نحو إسقاط النظام
• الكثير من أعضاء المجلس الوطني يقولون أن الأكراد مازالوا مشتتين الرؤية حيال #الثورة السورية# .. ماذا تقول؟
** ينطوي هذا الرأي على انطباع غير بريء ومضلل سائد عند العديد من المعارضين السوريين ممن يريدون من الكورد أن يتحركوا سياسياً على هواهم ووفق منظورهم الخاص أو مقاسهم الأيديولوجي دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تفهم هواجس الكورد السياسية ومطالبهم . ويتجاهلون واقع أن الحالة الكوردية كانت الأكثر تماسكاً ووعياً في رفضها لنظام بشار الأسد المستبد والعنصري على الأقل منذ ربيع 2004. في الوقت الذي التزم رهط كبير من هؤلاء جانب الصمت وتواطئ مع مع النظام في قمعه للكورد طوال تلك الحقبة معللين موقفهم المخجل هذا بذرائع شتى أقلها تلك التي روّج لها المؤسسة الإعلامية للنظام من أن الكورد انفصاليين ويهددون وحدة البلاد...الخ
حريّ بهؤلاء السعي نحو تفهم مطالب جميع مكونات المجتمع السوري الدينية والقومية, وليس الكورد فحسب, عوضاً من الانهماك في التنظير المجرد وإطلاق الأحكام العمومية والمطلقة. الأولى بهم طرح خطاب سياسي بديل يخلق الطمأنينة لدى الجميع بدلاً من إثارة الانقسام السياسي والفزع لديهم. وهذا هو السبيل الوحيد لانخراط جميع السوريين في مسيرة التغيير بثقة واستقطابهم حول المعارضة البديلة عن نظام الاستبداد.
حين يمتلك المجلس الوطني مشروعاً متماسكاً وجذرياً للتغيير الديمقراطي, بديلاً عن الاستبداد العنصري, وحين يكتشف الكورد حلاً حقيقياً لقضيتهم القومية في الموقف السياسي للمجلس, حينها فقط سيكف هؤلاء عن الثرثرة والنظر إلى الآخرين على أنهم مشتتين الرؤية حيال الثورة ومترددين. لأنهم ببساطة سيجدون أنفسهم متمثلين للرؤية الكوردية وممثلين لها بالفعل. لكني مع ذلك لا أبدو متفائلاً إزاء قدرة على تخطي هذه الخطوة السياسية الجريئة لأن وعي هؤلاء لا يزال محكوماً بقدر كبير من المصادرات الأيديولوجية التي يشتركون بها مع خطاب النظام السياسي.
واقع الحال أن معظم المدن الكوردية انتفضت ضد النظام منذ الأسبوع الثاني من الثورة, أي قبل اللاذقية ودمشق وحماة وحلب وإدلب وغيرها من المدن السورية الأخرى, وانتفض الكورد بوقت طويل قبل هؤلاء المعارضين المزايدين اليوم في المجلس الوطني الذين كانوا يجرون حوارات سرية مع النظام حتى الشهر الثالث من الثورة, بعد أن أسقطوا من حسابهم مطلب إسقاط النظام بطلب من راعيهم التركي.
• هل تعتقد أن وحدة الصف الكردي يزيد الضغط على النظام بدرجة كبيرة.. أم هي مسألة ثانوية بالنسبة للنظام؟
** هذه بداهة لا تتعلق بالكورد وحدهم, بل تصح في كل زمان ومكان. إلا أن خصوصية وحدة الموقف الكوردي تتصل بالدرجة الأولى إزاء المعارضة لا إزاء النظام. فالكورد موحدون في موقفهم إزاء النظام المستبد الحاكم في دمشق, إلا أن الانقسام والاختلاف يشوبان موقفهم وتعاطيهم إزاء المعارضة السورية. ليس هنالك كتلة كوردية يعتّد بوزنها المجتمعي أو الشعبي مترددة في موقفها نحو إسقاط النظام. القوى الفاعلة حسمت خيارها السياسي منذ البدء في الانخراط في الثورة وفي عد نفسها جزءاً من الحراك الثوري التغييري. إلا أن الموقف السياسي الكوردي لايقف عند حدود إسقاط النظام وحسب, إنما يتخطى هذا المطلب. هناك اعتقاد سائد إن إسقاط النظام سيترتب عليه بالضرورة حلّ عادل للقضية القومية ويضمن المساواة بين الكورد والعرب. وهذا الاعتقاد, على أهميته العملية, لايتسق مع ألف باء السياسة والتاريخ. ذلك أن واقع التمييز والاضطهاد كان قائماً قبل مجيء هذا النظام, وسيبقى كذلك لمجرد إسقاط النظام دون إحداث تغيير بنيوي شامل في مؤسسة الدولة السورية بالذات, وفي مبدأ تأسيسها. فهذا الكيان تأسس أصلاً على مقدمات وأسس عرقية إقصائية كرّست لهيمنة عنصر دون آخر وثقافة دون أخرى. إن مطلبنا التاريخي لا ينبغي أن يقف عند حدود إسقاط النظام دون المساس بالأسس الأيديولوجية والسياسية والدستورية للدولة ذاتها.
هذا الاعتقاد يستند إلى خلط جوهري بين البنية والنظام, ويتجاهل التمييز والأولوية بينهما. هل البنية هي التي أوجدت النظام وحددت خياراته التاريخية والسياسية أم العكس؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدد الأولويات بالنسبة لنا, أيهما أجدر وأحق بالتغيير أولاً؟ ومن هنا نؤكد على مطلب التغيير البنيوي الشامل الذي يبدأ بإسقاط النظام وينتهي بتفكيك بنية الدولة القومية الشمولية وإحداث التغيير الجذري بغية تأسيس العلاقة بين القوميتين الرئيستين, على قاعدة عقد شراكة جديد يضمن المساواة بين الطرفين, وهذا المطلب أجدى وأهم بالنسبة لنا ولمستقبل الديمقراطية في سوريا من أيّ مطلب سياسي آخر.
لن أشهر سرّاً إن اعترفت بأن النظام يدرك بعمق حجم التأثير الكوردي ويقدره أكثر من المعارضة السورية في الخارج. ولهذا السبب ينأى بنفسه عن إثارة الشارع الكوردي واستفزازه وردعه بتلك الطريقة التي مارسها في ربيع 2004. برغم أن حجم المظاهرات في المناطق الكوردية هي أكبر من نظيراتها.إنه يعي تماماً أن من شأن انتفاضة كوردية أخرى بتلك النوعية والكمية التي شهدها ربيع 2004 أن تطيح به. إن الشمال السوري- الكوردي هو من الناحية الجيوبولتيكية والديمغرافية بمثابة حمالة جنازة النظام, ومن دونه محال على أي طرف أن يضمن لنفسه الانتصار على النظام. لدينا تجربة انتفاضة آذار الكوردية(2004) التي تمنحنا درساً مهماً. فقد تمكن الكورد من إسقاط سلطة النظام خلال عدد من الساعات في مناطقهم شمال سوريا. إن قوة الأكراد تنبع من الوحدة السياسية للمجتمع الكوردي حول أهدافه. ولهذا أجد من الصعوبة الحديث عن إمكانية إسقاط نظام بشار الأسد دون الانخراط الشامل من طرف الأكراد في الانتفاضة كما حدث عام(2004). فضلاً عن ذلك ستلعب المكانة الجيوبولتيكية لمناطقهم دوراً حاسماً في إسقاط النظام, وبخاصة في مدينة كبيرة ك( حلب) وريفها,’ حيث يتمتعون بوزن ديموغرافي كبير. كل ما سبق يعني أمراً جوهرياً.
إن المعارضة السورية في واقع الأمر تطيل من عمر النظام وتزيد من حجم تضحيات الشعب السوري حين تتجاهل مطالب الأكراد السياسية. والأكراد بطبيعتهم حذرون من مواقف ونوايا المعارضة في التغيير والمساواة. إذن أعطني معارضة حقيقية, تؤمن بقيم المساواة والديمقراطية والتعددية, أعطيك شعباً ثائراً يطيح بالاستبداد خلال أيام معدودة.
في هذه الحالة( إذا توحد الكورد مع المعارضة) يمكن لخيار العصيان المدني الشامل والانتفاضة أن يكون الحل الأمثل لإسقاط النظام, ونتجنب بذلك الكثير من الخيارات الصعبة المدمرة للمجتمع والبلاد. وفي نفس الوقت يصبح النظام عاجزاً عن ممارسة القمع ضد هذه الجبهة الواسعة التي ستشمل جميع المناطق السورية والسيطرة عليه..
• يقال أن الأكراد مختلفون في كل شيء، فما سبب خلاف الأكراد حول إحياء عيد النيروز..المجلس الوطني الكردي دعا إلى إحيائها داخل المدن من دون الخروج إلى التجمعات الكبيرة، على عكس حزب الاتحاد الديمقراطي.
** الاختلاف أو الخلاف الكوردي في هذا السياق لايعكس اختلافاً سياسياً نوعياً اتجاه الموقف من النظام بقدر مايعكس اختلافاً في الأداء السياسي والتكتيكي. وبكل الأحوال برهنت المراسيم والطقوس النوروزية المليونية هذا العام على حيوية وقوة الشارع الكوردي وتماسكه إزاء التحديات. حيث استحالت إلى ممارسات احتجاجية ضد الاستبداد وممارساته القمعية في المدن السورية الأخرى. وقد حاول إعلام النظام اختراق حشود النوروزيين بغية تجيير مظاهر هذه المناسبة لنفسه وخلق انطباع معاكس عنها, إلا أنه استحال عليها تحقيق ذلك نظراً للشعارات والمظاهر الرمزية والمادية التي طغت على التجمعات والحشود التي عكست حجم السخط في المجتمع الكوردي على النظام.
في نهاية المطاف دعونا نعترف بأن الجذر الحقيقي لهذا الاختلاف في الأداء السياسي- التكتيكي مرده عدم استقلال القرار السياسي الكوردي نسبياً, أو حالة الاصطفاف الكوردستاني الذي يخترق سطحاً وعمقاً الحراك السياسي الكوردي في سوريا, ويصل أحياناً إلى درجة من التبعية القصوى للبعد القومي الخارجي.
• هناك متظاهرون أكراد رفعوا لافتة خلال مظاهرات في مناطق كردية مقتبسة من مقولة لك تقول: سوريا ليست عربية بقدر ما لن تكون كردية، وهي ليست كردية بقدرما لن تكون عربية.. هل يمكن أن نعتبر هذه المقولة كأساس لحل المشكلة القومية في سورية عربياً وكردياً؟
** الأصل في هذا المطلب( الشعار) الذي أعلن وأشيع كثيراً في المظاهرات وأثار نقاشاً واسعاً هو(سوريا كوردية بقدر ماهي عربية, وهي لن تكون كوردية بمقدار ما لن تكون عربية) انطلاقاً من واقع ينبغي الاعتراف به هو أن الدولة السورية دولة متعددة القوميات, والعرب والكورد يمثلان القوميتين الرئيستين فيها, وأن الانتماء لسورية ينبغي أن يكون أعدل الأشياء قسمة بين السوريين, إذ ليس هناك سوري أكثر سوريّة أو أقل من سواه. سوريا المستقبل يجب أن تكون لجميع السوريين دون تفاوت أو تفاضل.
رفض عدد من المعارضين السوريين هذا المبدأ متذرعين في ردودهم عليه بأن الأكثرية القومية في سوريا هم من العرب ولهذا ينبغي أن تبقى سوريا دولة عربية فحسب في هويتها القومية حسب رأيهم, هم لايجدون حرجاً من القول إن أكثرية سوريا من العرب, فمن الطبيعي أن تكون سوريا عربية وبصفتها هذه تعرّف. واقع الحال أن هذا الاعتقاد يقوم على خلط تاريخي وسياسي عميق.
واقع الحال أن الكيان السوري تأسس أصلاً على مقدمات وأسس عرقية إقصائية كرّست لهيمنة عنصر دون آخر وثقافة دون أخرى. إن مطلبنا التاريخي لا ينبغي أن يقف عند حدود إسقاط النظام دون المساس بالأسس الأيديولوجية والسياسية والدستورية للدولة ذاتها. من هنا فأن تفكيك بنية الدولة القومية الشمولية وإحداث التغيير الجذري بغية تأسيس العلاقة بين القوميتين الرئيستين, على قاعدة عقد شراكة جديد يضمن المساواة بين الطرفين, أجدى بالنسبة لنا ولمستقبل الديمقراطية في سوريا من أيّ مطلب سياسي آخر. إن عقد التأسيس للدولة السورية الحالية تنكر لإرادة شعب وقومية بكاملها, ولعبت الاعتباطية السياسية والعسف التاريخي دوراً رئيساً تقرير مصائر الجميع.
ثمة مصادرة أخرى تؤسس لهذا الاعتقاد الخاطئ لدى المعارضة وهي تتعلق بمسألة طبيعة وهوية الدولة السورية مستقبلاً استناداً إلى هوية الأكثرية. فلو أدرك هؤلاء التمييز بين الإرادة العامة والإرادة الأكثرية لما خلصوا إلى هذه النتيجة. لأن المسألة الأخيرة لا تتعلق بالكم أو بالزيادة والنقصان, أو بالأكثرية والأقلية, لأنها ليست مسألة انتخابية أو مسألة تصويت ديمقراطي تتعلق بإرادة الأكثرية, وهذه ما يمنح خصوم الحقوق الكوردية قدراً معيناً من الذرائع, ولهذا السبب بالذات. إنها تتصل في العمق بإرادة الشراكة الحرّة والمستقلة لدى الطرفين وحق الاختيار الحرّ في التأسيس لهذه الشراكة وفق عقد جديد يؤسس للدولة الوطنية. وهذا ما ينبغي أن نهتم به ونؤسس عليه أهدافنا. وعلى هوية الدولة مستقبلاً أن تكون شاملة وعاكس لهوية سوريا التاريخية. ولايهمنا كثيراً في هذا السياق الاعتراف الدستوري بالكورد كقومية ثانية أو حتى أولى. فهذا الإقرار لا يضمن اعترافاً جوهرياً و حقيقياً بالقضية القومية ذاتها, بقدر مايهمنا الإقرار التأسيسي السابق لهوية سوريا الجامعة (سوريا كوردية بقدر ماهي عربية, وهي لن تكون كوردية بمقدار ما لن تكون عربية) أي أن القومية الكوردية هي قومية رئيسة مثل القومية العربية مؤسسة للدولة السورية الجديدة.
* هل ترى أن الثورة السورية كان لها دور في تقبل شعبي عام أكبر للقضية الكردية مما كانت عليه في السابق؟؟ وهل ارتقت رؤية تشكيلات المعارضة السورية للقضية الكردية بحيث يطمئن الأكراد إلى مستقبلهم بحقوق يضمنها الدستور؟
** الثورة رحم ولادة جديدة, وإليها ستنسب سوريا من الآن فصاعداً. برغم من أن البعض يريد الآن لهذا المولود أن يكون مشوهاً عبر تصعيد الخطاب الطائفي أو العرقي. فقد شرع السوريون بالتعرف على بعضهم بعضاً للمرة الأولى, ودون مرايا, في هذه الثورة. صاروا يعرفون أنفسهم ويتواصلون, وينهون حقبة طويلة من الاغتراب الذاتي. أخذوا يتفاعلون معاً ويتبادلون هوياتهم الجزئية ويستردون ذواتهم التي بددها القمع والاستبداد.
من هذا المنظور يمكن تفسير حماسة الكورد السوريين في التفاعل مع المدن السورية الأخرى على أنه صدى للطمأنينة والثقة المتبادلة بين الشارعين الكوردي والعربي المنتفضان ضد استبداد بشار الأسد. والحق أن الكثير من الحشود الشعبية المنتفضة في المدن العربية عكست في شعاراتها ومطالبها تفهماً غير مسبوق وتواصلاً مع الهمّ الكوردي, بخلاف موقفها العام من انتفاضة الكورد ربيع 2004, الذي كان ينمّ عن رؤية مشوّهة وحذرة عززها إعلام النظام.
ومع ذلك فأن موقف المعارضة السورية يبدو لي مخيباً وقاصراً قياساً إلى موقف الشارع السوري العام. ولا يستطيع أن يرقى في جرأته السياسية ووضوحه إلى مستوى الموقف الشعبي العام. ولعل الفارق هنا يكمن في أن الشارع السوري المنتفض ينطلق من حسّ وطني مشترك بالمسؤولية التاريخية والرغبة في التعايش, في حين أن موقف المعارضة محكوم بأجندة سياسية ليس من الضرورة بمكان أن تكون سورية خالصة ولمصلحة التغيير الديمقراطي الوطني الشامل. وبوجه عام ليس ثمة بينة أو قرينة تنبئ عن استعداد المعارضة العربية السورية على الاعتراف بالحقوق القومية للكورد السوريين, أو إعلان القطيعة مع ميراث البعث العنصري وسياساته الإنكارية تجاه الكورد وقضيتهم حتى هذه اللحظة. وهذه القوى حين تجد نفسها مرغمة على الحديث عن الشأن الكوردي السوري إنما تتحدث بطريقة عمومية وضبابية أقرب ما تكون إلى تصريحات وزراء أعلام حكومة البعث وناطقيه. ويتعذر اليوم الحديث عن تحالف مشترك للمعارضة السورية, شامل للكورد والعرب, بغياب هذا الخطاب الديمقراطي, الجذري والشامل, الذي يحتوي مطالب الكل ويستغرقها, ويؤكد على عدالة القضية القومية للكورد السوريين.
• تدور مخاوف حقيقية مستندة على وقائع ميدانية بمخاطر حدوث صدامات كردية كردية في سوريا إذا لم يتوصل أكراد سوريا إلى إنهاء حالة الانقسام الحزبي الأيديولوجي..الموالون لمسعود البارزاني وجلال الطالباني منتظمون في المجلس الوطني الكردي، فيما الموالون لحزب العمال الكردستاني شكلوا ما أسموه مجلس شعب غرب كردستان...كيف تقيم هذه المخاطر؟
** دعونا نعترف بواقع الاصطفاف السياسي وبحالة الاستقطاب في الحراك السياسي الكوردي. وهذه هي سمة عامة طبعت الحركة السياسية الكوردية بطابعها منذ تأسيسها وحتى اليوم, وهي ليست عارضة, إنما أصبحت سمة ملازمة لوجودها وتكاد أن تكون جوهرية. وفي أوقات عديدة أصبحت عقبة أمام وحدة الحراك الكوردي, بل كانت سبباً رئيساً لضعف القرار السياسي الكوردي السوري المستقل. وبرأيي لا يمكن اعتبار ذلك مثلباً في عموم الأحوال وبصورة مطلقة إلا حينما يغدو عقبة أمام وحدة الموقف الكوردي إزاء القضايا الداخلية, الكوردية السورية. من هنا يمكن النظر إلى هذه الحالة على أنها طبيعية نظراً للشروط الجيوبولوتيكية للقضية الكوردية – الكوردستانية عموماً والكوردية- السورية خصوصاً. فلا يمكن النظر إلى الحركة القومية الكوردية في سوريا بصورة مجردة ومعزولة عن بعدها القومي الكوردستاني, آخذين بالحسبان العوامل الجغرافية والتاريخية المشتركة.
أما التوجس من حالة احتراب كوردي سورية أو نزاع أو صدام ما, فلا أجده واقعياً, وإن كان مشروعاً من زاوية نظر معينة, ولهذا يبدو لي هذا التوجس مفرطاً في تشاؤمه طالما وأن الكورد السوريين متوحدين حتى الآن حول المطلبين الرئيسين, أولهماً الموقف من النظام المستبد, وثانيهماً الحقوق القومية المشروعة في التحرر والمساواة.
تعزز هذه القناعة لدي موقف حكومة إقليم كوردستان مما يجري في سوريا. ومنذ البداية أظهرت حكومة إقليم كوردستان دعمها للتغيير الديمقراطي السلمي الشامل في سوريا على لسان الرئيس البارزاني. وقد أكد ذلك في مناسبات عديدة. الرئيس بارزاني لم يخفي أبداً تعاطفه مع مطالب السوريين عموماً في الديمقراطية والتغيير السلمي. لكن يبقى للشأن الكوردي في سوريا أهمية استثنائية وخاصة لديه. الرهان السياسي لقيادة الإقليم, كما يمكن استنتاجه, هو على إمكانية أن يلعب الكورد في غرب كوردستان دوراً فاعلاً ومؤثراً في تحديد مسارات التغيير على الصعيد السوري, بعد سقوط نظام الأسد, وأيضاً دعم حقهم في تقرير مصيرهم في نطاق سوريا الموحدة.
وفي لقاءات عديدة مع رئيس وزراء إقليم كوردستان(د. برهم صالح)، أظهر استعداداً قوياً لدعم الأهداف السياسية لكورد سوريا.
• يتخذ المجلس الوطني السوري من أنقرة مقرا لتحركاته السياسية، فهل يمكن القول أن تركيا تؤثر بشكل مباشر على هذا المجلس.
** هنا( رودوس, اقفز هنا) أو كما يقال في العربية( هنا مربط الخيل) وهنا يكمن برأيي الجذر الحقيقي للانقسام في المعارضة السورية عموماً, والحذر الحقيقي والارتياب المشروع لدى الكورد من الأجندة التركية والنوايا الحقيقية للسياسة التركية في سوريا مستقلاً.
المتتبع لإحداثيات السلوك السياسي التركي لابدّ وأن ينشأ لديه ارتياب عميق إزاء الأهداف التركية. ففي البدء لم تبد حكومة أردوغان حماسة لتغيير حليفها المذعن لمصالحها في دمشق, وقد رعت حوارات سرية على مدى ثلاثة شهور من عمر الثورة تقريباً بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين بهدف التوصل إلى المصالحة بينهما, وقد أسقط الإخوان مطلب( إسقاط النظام) من خطابهم بناء على رغبة من وزير الخارجية التركي. ولما وجدت تركيا أن عجرفة النظام تحول دون الاستجابة لشروطها السياسية, وبالمقابل بدا أن الشارع السوري خلال تلك الفترة قد أحرق جميع مراكب العودة إلى العهد السابق, صعدت بدورها من لهجتها إزاء النظام, وراحت تستعرض وصايتها وحرصها على مستقبل الشعب السوري. ومن هنا عمدت إلى سياسة احتواء المعارضة السورية التي أخذت مؤتمراتها تتوالى وتتزاحم في أنطاليا وأنقرة واسطنبول. إلى أن توجت جهود الساسة الأتراك برعاية وتأسيس المجلس الوطني السوري المعارض ونصبت حليفها الإخواني عليه. ورداً لهذا الجميل التركي صرح السيد ( رياض الشقفة)المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين ل( جريدة الشرق الأوسط) (مستعيراً لسان الشعب السوري) باسم الشعب السوري( إن السوريين يقبلون بالتدخل التركي ويرفضون التدخل الغربي؟) ثم توالت الإشارات من جانب أعضاء المجلس التي تؤكد على وصاية الأتراك ودورهم الفاعل.
وفي أكتوبر 2011 كشفت صحيفة لوبوست الفرنسية عن اتفاق وقعه المجلس الوطني السوري اسطنبول مع أنقرة و يتعلق بالكرد على وجه التحديد.
ويقضي الاتفاق بالحفاظ على الاتفاق الموقع بين تركيا والسلطات السورية في العام 1998. وبحسب الصحيفة فان الاتفاق مؤلف من ست نقاط هي يجب على الحكومة الجديدة بعد رحيل نظام البعث الحفاظ على اتفاق وقع في 1998 بين تركيا والنظام السوري. ويتعلق الاتفاق بمحاربة حزب العمال الكردستاني. وتتعهد سوريا بموجبه بعدم السماح للأنشطة على أراضيها التي تهدف الى تهديد أمن واستقرار تركيا. وفي النقطة الثانية إلزام الحكومة المقبلة بعدم الاعتراف بالكورد في الدستور السوري الجديد، وفي الثالثة العمل على إضعاف دور الأحزاب الكردية بما في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي المعارض. وينبغي لدولة لتركيا أن تكون قادرة على مد يد العون إلى الحكومة السورية ضد الإرهاب في المنطقة الكردية داخل الحدود السورية، وفقا للنقطة الرابعة بحسب ما تنقل الصحيفة. وجاء في النقطة الخامسة أنه يتعين على الحكومة المقبلة توفير السبل لجهود تركيا في مجالات الدعاية والإعلام والتعليم ضد الحركة الكردية.وبحسب ماتنقل الصحيفة فان النقطة السادسة تنص على السماح للسلطات التركية بتتبع الارهابيين في الحدود السورية إذا لزم الأمر.
أخيراً ألا تكفي هذه القرائن, وغيرها , لتبرر تحفظنا وارتيابنا بشأن الدور التركي في المعارضة السورية.؟؟؟
الحوار منشور في جريدة عكاز
المصدر : صفحة الدكتور سربست نبي على الفيس بوك
[1]