معد فياض
قال الكاتب والسياسي العراقي عبد المنعم الاعسم ان: منظومة السياسين الذين حكموا العراق بعد 2003 لم تكن لديها القدرة على ادارة الدولة، بل هم ليسوا على معرفة بقوانين بناء الدولة الجديدة، وبدلا من ان يتجهوا الى المعابر الصحيحة لبناء الدولة، راحوا الى معابر اخرى هي الطائفية والنهب وبدأوا يتصرفون مع ثروات العراق باعتبارها ثروات آبائهم. مشيرا الى ان: هناك ردة في التزام شروط الدولة الاتحادية ..هناك ردة من بغداد وتراجع وخوف وعدم ايمان بالدولة الاتحادية.. لم اجد احد في الطبقة الحاكمة وله سطوة يتحدث عن الدولة الاتحادية، او انهم يحترمون هذه الدولة والتزاماتهم امام اقليم كوردستان.
وتحدث الاعسم، الذي يتمتع بتاريخ طويل من العمل السياسي، في حوار مع شبكة رووداوعن تجربة الكورد، قائلا:الوضع الكوردي كان في حالة ثورة وعصيان مدني وسياسي اسفر عن قيام أقليم فيدرالي شرعي حسب الدستور العراقي، وهذا الاقليم قام بفعل صراع مديد خاضه الشعب الكوردي بالسلاح والتضحيات والعمل الاحتجاجي والسلمي والمفاوضات.
وفيما يلي نص الحوار:
رووداو: بعد اكثر من 20 عاما على تغيير النظام في العراق، ونحن على اعتاب عام 2024..كيف ترى الاوضاع راهنا؟
عبد المنعم الاعسم: انا من المحللين الذين كانوا يراهنون على تغيير الاوضاع بعد 2003، وربما مثل ملايين العراقيين الذين اصيبوا بخيبة امل مما حل بالعراق بتجربة التغيير واين انتهت، انا لا ابتدع او اخترع شيء وهذه النتيجة توصل اليها الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن العراقي. السؤال هو لماذا وكيف ومن المسؤول عن ما حل بالعراق ولماذا طالت فترة ما نسميه نحن مرحلة الانتقال من العهد السابق الى العهد الديمقراطي؟ عادة الدول والشعوب التي بمثل حالتنا تمر بمرحلة انتقال، وكان يجب ان تكون هذه المرحلة في العراق مختصرة وقصيرة، ممكن اشهر او سنة او سنتين، اعتمادا على ان العراق عنده دولة عريقة وجيش من الموظفين وخبرة وكفاءات في مختلف المجالات وجيش عراقي، ثم ننتقل الى الرخاء والاستقرار وتبادل سلمي وسلس للسلطة حسب ما يقره النظام الديمقراطي، لكن هذه المرحلة طالت منذ 2003 ونحن اليوم نشرف على عام 2024، وليس هناك في الافق ما يشجع على ان نقول باننا انتهينا المرحلة الانتقالية.
الجهل ببناء الدولة
رووداو: في عام 2003 تم لغاء الدولة بمؤسساتها المدنية والامنية، هل تعتقد ان هذا التصرف كان لصالح بناء دولة جديدة ام انه قاد الى المزيد من الخراب؟
عبد المنعم الاعسم: من وجهة نظري، ان القوى الدولية التي ساهمت باسقاط نظام صدام حسين لم يكن لديها تصور لبناء دولة عراقية بديلة عن الدولة السابقة، بل لم تكن هناك خطة موضوعة على الورق حول شكل الدولة الجديدة في العراق وتُرك الامر لاسياد اللعبة السياسية من العراقيين. وبمرور سنوات قليلة اكتشفنا ان هذه المنظومة من السياسيين لم تكن لديها القدرة على ادارة الدولة، بل هم ليسوا على معرفة بقوانين بناء الدولة الجديدة، وبدلا من ان يتجهوا الى المعابر الصحيحة لبناء الدولة، راحوا الى معابر اخرى هي معابر الطائفية والنهب وبدأوا يتصرفون مع ثروات العراق باعتبارها ثروات آبائهم وثروات شخصية وتمتعوا بحقوق اسطورية بالهيمنة على ثروات العراق وكل شيء.
رووداو: هذه الشخصيات التي حكمت وتحكم العراق كانت مشاركة في مؤتمر المعارضة الذي عقد في فندق المتروبوليتان في لندن عام 2002 قبل التغيير، وانتم كنتم هناك وتعرفون هذه الشخصيات مسبقا، على اي اساس بنيت تفائلك بحدوث تغيير حقيقي بعد 2003؟
عبد المنعم الاعسم: مؤتمر لندن وضع قاعدة صحيحة من وجهة نظري، وهي ان العراق القادم لا ينبغي ان يُحكم من قبل شخص واحد ولا طائفة او قومية واحدة، هذا البلد اذا اراد ان يدخل العصر الجديد فعليه ان يؤمن بالشراكة وعليه ان يقيم نظام حكم تشارك فيه جميع فئات المجتمع العراقي ، هذه هي القاعدة النظرية التي وضعت وهي صحيحة، وسميت وقتذاك بارضية العمل السياسي، ولكن ما استلم اصحاب هذه القاعدة السلطة في العراق حتى ظهروا بانهم ليسوا بمستوى تطبيقها وقاصرين عن فهم شروط بناء دولة تقوم على الشراكة وهذه هي المشكلة، واكتشفنا بعد 2005 و2006 ان البلد دخل في نفق مظلم ولا احد يعرف ما سيجري، البلد تفكك وتهدمت آخر طابوقة في بناء هيه الدولة.
رووداو: باعتقادك لماذا حدث الذي حدث وماذا بعد؟
عبد المنعم الاعسم: لماذا حدث هذا واضح من وجهة نظري، منظومة الحكم هذه التي حكمت العراق منذ 2003 وحتى اليوم استنفذت وظيفتها التاريخية، هذه ليست فلسفة وانما نحن نتحدث من الناحية الفكرية، هذه الطبقة لم تعد مؤهلة لبناء دولة.
التجربة الكوردية
رووداو: هنا مفارقة، الكورد لم تكن عندهم دولة بل استقلال شبه ذاتي منذ عام 1991 وبعد 2003 وعملوا على بناء اقليم فيدرالي بمواصفات دولة من حيث القوانين والمؤسسات التشريعية والاعمار وانت الان في اربيل وتعرف ذلك، بينما كانت في العراق دولة لكنها تفككت بعد 2003؟
عبد المنعم الاعسم: هذه المفارقة تنتسب الى خصوصيات تطور القضية الكوردية. الوضع الكوردي كان في حالة ثورة وعصيان مدني وسياسي اسفر عن قيام أقليم فيدرالي شرعي حسب الدستور العراقي، وهذا الاقليم قام بفعل صراع مديد خاضه الشعب الكوردي بالسلاح والتضحيات والعمل الاحتجاجي والسلمي والمفاوضات. اما الحالة العراقية الاخرى فهي ان جيوش اجنبية دخلت للبلد وسلمت السلطة لمجموعة من السياسيين كانوا مقيقين في الخارج، ربما بعض الجماعات منهم خاضوا صراع مع النظام السابق، لكنهم في الحقيقة جاءوا غرباء عن البلد وكنا نعتقد ان بمرور السنوات سوف يتعرف عليهم العراقيون، والمشكلة انهم بدلا من ان يظهروا للناس ويكونوا قريبين منهم أنشأوا بطانات، كل فئة وزعيم كون بطانة من المنتفعين وليس على اساس الولاء للوطن او المواطن، بل الولاء اصبح للطائفة وهذا ما يدفعني لاقول اننا وصلنا الى خيبة امل هذه حقيقة معروفة، بينما القيادات الكوردية التي استلمت حكم الاقليم هم في الاصل عايشين في كوردستان سواء في الجبال او في الارياف والاطراف، وهم جزء من خميرة هذا البلد، الاقليم، لهذا ولائهم لارضهم ولشعبهم. في العراق الولاء ليس للوطن. قبل فترة سالني احد السياسيين عما املكه من ثقة بالمنظومة الحاكمة وقلت له ثقتي صفر وكلما استمرت هذه المنظومة بالحكم فان العراق يتجزأ ويتهرأ ويتحلل ويضعف يوما بعد يوم.
بلا ديمقراطية
رووداو: في الدول الديمقراطية يكون الرهان على صناديق الانتخابات للتغيير، لكننا في العراق مررنا بعدة انتخابات تشريعية وبلدية وانتهينا توا من انتخابات مجالس المحافظات ولم يتغير اي شيء منذ 2003؟
عبد المنعم الاعسم: هناك علة حقيقية..المنظومة الحاكمة تعتقد ان الديمقراطية هي انتخابات فقط..انك تنتخب ومن ثم يتم تشكيل حكومة. هذه ليست ديمقراطية بل هذه فاصلة واحدة وشرط من شروط الديمقراطية. الديمقراطية ممارسة..الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين.. ما يصير مستبدين وغارقين بالفساد ومحميين من ميلشيات مسلحة يتحولون بين ليلة وضحاها الى ديمقراطيين.نعم جرت انتخايبات مجالس المحافظات وهي مفصلة على مقاسات منظومة الحكم.. ربما انتخابات 2021 التشريعية اوصلت 40 نائبا من المستقليين وتحت شعارات مدنية، وكان لتيار الصدر 73 نائبا، حدث ذلك خارج تصورات وحسابات الاحزاب الحاكمة.. لكن انتخابات مجالس البلدية الاخيرة اعتبرت ردة شنيعة الى الماضي. الحرية الضيقة للتعبير وحق الممارسة انتهت..الذي حدث هو ان الانتخابات جرت بدون ان يقر قانون الاحزاب وجرت الانتخابات بالرغم من ان الدستور يؤكد عدم جواز مشاركة اية كتلة لها ميلشيات مسلحة خارج القانون لكن هذه الجماعات التي تمثل الميلشيات المسلحة شاركت في الانتخابات. مع كل هذا دعنا نتحدث عن الارقام ومدى تعتيمهم عليها ..الكتل المرشحة حصلت على اصوات 6 ملايين عراقي، هم يقولون من اصل 16 مليون ناخب، وهذا غير صحيح هناك 27 مليون عراقي يحق لهم التصويت لكن غالبيتهم لم يحدثوا بطاقاتهم الانتخابية، هناك 6 ملايين ناخب فقط من 27 مليون صوتو، الاحزاب الحاكمة حصلت على 3 ملايين صوت وال 3 ملايين الاخرى توزعت على بقية القوائم والمرشحين بين مستقلين ومدنيين وعاشر والتصويت الخاص الذي أُجبر فيه الموظفون والحمابات للتصويت لهذا المسؤول او ذاك..والكتلة التي تدعي انها فازت حصلت على 3 ملايين صوت وهذه الاصوات لمحازبين ومجاميع قريبة منهم وهي مقسمة على مجموعة الكتل وبالتالي فان شرعيتهم في هذه الانتخابات ترتكز على جزء بسيط للغاية لا يتجاوز ال 12 او 13 بالمئة من حجم الشعب العراقي.
التيار المدني بحاجة لبناء
رووداو: باعتبارك مدني ديمقراطي..التيار المدني الديمقراطي كان مراهن كثيرا على نتائج هذه الانتخابات وبانهم سيفوزون ويحققون التغيير المنشود لكن نتائجهم جاءت مخيبة لامالهم..هل تعتقد ان الخطأ في التيار المدني الديمقراطي ام في جمهور الناخبين؟
عبد المنعم الاعسم: هنا يجب ان نتوقف ونحلل لماذا اخفق التيار المدني الديمقراطي في الحصول على موقع وجزء من العملية السياسية..هذا التيار يمتلك في الشارع جمهور يؤهله للعب دور في العملية السياسية ولكن تأهيل هذا الجمهور في المؤسسة التشريعية كان ضعيف.. وبالنسبة لي فمن الخطأ ان نلقى المسؤولية على الناخب او الظروف المحيطة. انا اعتقد ان البنية الداخلية للتيار المدني بحاجة لاعادة بناء وتشكيل وتغيير الوسائل والادوات وحتى تغيير الزعامات..الزعامات ليست مقدسة، اي زعيم عليه ان يضرب المثل بمواجهة جمهوره وباخفاقه بادارة هذه الشريحة او القطاع في ان يوصله لتحقيق اهدافه ويترك المجال لغيره للعمل على تحسين الاداء، هذا ما يحدث في جميع انحاء العالم الديمقراطي، وننتظر ماذا سيحل مستقبلا..هذه انتخابات بلدية وتعطي صورة عن الانتخابات التشريعية القادمة وعلى التيار المدني ان يركز لخوض معركة لاجل تصحيح الاوضاع والعمل ضد قانون الانتخابات السائد وتشريع قانون انتخابات جديد وان لا تكون مفوظية الانتخابات معينة من قبل الاحزاب السياسية الحاكمة المشاركة في الانتخابات، وهذه مشكلة، وان تكون هناك فرص متساوية للمتنافسين لا يجوز ان ياتي مرشح سارق مليار دولار وينافس مرشح آخر لا يملك اي شيء، وهذا واضح بالعلن هناك العشرات من المرشحين لا يملكون الاموال ليضعوا صورهم كدعاية انتخابية في الشارع بينما الاخرين تزدحم الشوارع بصورهم ودعاياتهم الانتخابية.
بغداد واربيل
رووداو: هل تتوقع تطور في العلاقات بين بغداد واربيل في العام القادم 2024؟
عبد المنعم الاعسم: انا انظر بريبة وبقلق على مصير الدولة الاتحادية ..دستوريا العراق دولة اتحادية لكن بغداد لا تتعامل سياسيا وفق هذا المفهوم وفي احيان كثيرة نطلع على تصريحات وممارسات مسؤولين ببغداد ونجدهم بانهم يريدون اعادتنا الى النظام المركزي.. هناك مثال بسيط، غالبية من اهالي البصرة يريدون تحويل محافظتهم الى اقليم، وما ان يعلن اي شخص ذلك حتى تتم مهاجمته ووصفه بالانفصالي.. كذلك هناك طروحات لان تكون الانبار اقليم، وقبل ايام استمعت لآراء ثلاثة محللين سياسيين، ومع انهم يعرفون ان الدستور يمنح الحق لاية محافظة او اكثر لتكون اقليم، لكنهم تحدثوا بقسوة عن الانبار وخلصوا الى ان الانبار اذا تحولت الى اقليم فستكون هذه خطوة على طريق اقليم كوردستان وكأن اقليم كوردستان مثل سيء مع انه على العكس تماما مثل نير في التجربة الفيدرالية. مع ان كل العراقيين يعرفون ان اقليم كوردستان تعمر ويمضي في طريق بناء دولة؟
رووداو:باعتقادكم هل هذا هو سبب في ان تكون العلاقة مزعزعة بين بغداد واربيل، اعني التطور الذي يشهده اقليم كوردستان على العكس مما يحصل في باقي مناطق العراق، الى حد قطع رواتب موظفي الاقليم؟
عبد المنعم الاعسم: المشكلة ان هناك ردة في التزام شروط الدولة الاتحادية ..هناك ردة من بغداد وتراجع وخوف وعدم ايمان بالدولة الاتحادية.. لم اجد احد في الطبقة الحاكمة وله سطوة في بغداد يتحدث عن الدولة الاتحادية، او انهم يحترمون هذه الدولة والتزاماتهم امام اقليم كوردستان. هناك التزامات ازاء الاقليم والكورد..اقليم كوردستان جزء لا يتجزأ من العراق والكورد جزء مهم ومكون من مكونات الشعب العراقي ولا يصح ان يتم التعامل معه بقسوة بسبب خلافات مع قيادة الاقليم او لاية اسباب سياسية اخرى وتنسحب تلك الخلافات على الشعب الكوردي.. هذه تصرفات اقل ما يمكن وصفها بانها انانية وقصيرة النظر ونتائجها ليست انسانية ولا في صالح العراق.[1]