=KTML_Bold=صورة «العربي» في التراث الشفاهي الكردي=KTML_End=
مروان محمود
العدد الثاني من مجلة كردستان نوفمبر 2023
• الإمام جلال الدين السيوطي: الكُرد شعب شديد الغيرة وقوي المراس… وهم “فرسان الشرق” بمعنى الكلمة
• مثل شعبي دارج بين كُرد منطقة “الجزيرة السورية”: أيها “العربي النافع” أنت حقًا أفضل من الأب والأخ
• شخصية “حاتم الطائي” الذي اشتهر بكرمه وجوده تحتل مكانة مهمة في المرويات الشفهية الكُردية
تؤكد الأدبيات التاريخية أن العلاقة بين العرب والكُرد، هي إحدى أقدم العلاقات المتشكِّلة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مدار طويل من التعايش، تشارك خلالها الطرفان فى أمور كثيرة، وامتزجت ثقافتهما مرات متعددة.
وبينما التجأ العرب قرونًا في صحرائهم، فإن الكُرد اعتصموا بجبالهم المنيعة، ومع ظهور الإسلام كان العرب يخرجون ليحسموا الصراع على هذه المنطقة بصورة نهائية، ووجد الكُرد أنفسهم في حلف تاريخي مع العرب، فالجنود الكُرد لم يصنفوا يومًا خارج العباءة العربية، كما كانت الحالة القائمة مع الفرس والأتراك، ولم تكن مسألة قبول القيادة الكُردية مشكلة لدى العرب في زمن صلاح الدين الأيوبي.
كذلك، لم يجد الكُرد مشكلة في الاندماج مع العرب ضمن الحضارة الإسلامية، وفي حالة تحديد أي الشعوب يمثل الإسلام مكونًا أساسيًا في الهوية يمكن أن يسمو على النزعة العرقية، فالعرب والكُرد يأتون أولًا، بمعنى أنهم تشربوا الدين بصورة كبيرة قياسًا ببقية الشعوب، مع التأكيد على وجود التمايز الفردي الذي يؤسسه الحديث الكريم في قضية الإيمان وليس الانتماء العرقي دليلًا على وجود ذلك الإيمان أو ضمانة له.
ولا شك أن العرب والكُرد مكونان أساسيان في تاريخ المنطقة، وكان التعايش القائم بينهما نموذجًا يحتذى، وما كان يحدث في السنوات الماضية يجب أن يعتبر طارئًا تاريخيًا يجب تجاوزه ففي النهاية تقوم رسالة الإسلام على إلغاء الفوارق العرقية وتبديدها، وأحد شروط ذلك هو الخروج من الأساطير العرقية وليس الترويج لها وتبنيها لتتحول إلى أساس ثقافة التعصب والكراهية.
وبلغت هذه العلاقة الممتدة أوجها فى التاريخ الإسلامي؛ وتأصلت في عهد الدولة العثمانية، واستمرت ضمن إطار طبيعي بعد سقوط العثمانيين، حيث اتسمت العلاقات بين الكُرد والعرب بحسن الجوار والتآلف، في أغلب الأحيان، وقد نجد من الغريب، أنّ هنالك أحلاف قبلية نشأت في فترات تاريخية سابقة بين قبائل كردية وعربية، تناحرت مع أحلاف أخرى تضم عربًا وكُردًا آخرين، بحسب مقتضيات المصلحة والنفوذ.
تاريخ واحد.. وتراث مشترك
هذا التجاور الجغرافي ووحدة الحال، أديا إلى تشكّل صور نمطية وقاموس لفظي وقصص وأمثال ومحكيات شفهية، تنحو في مدلولاتها المباشرة والمضمرة نحو تكريس صور نمطية عن الآخر، فهنالك محكيات للكُرد حيال العرب وأخرى للعرب تجاه الكُرد، وهي في عمومها إيجابية.
في منطقة الجزيرة في سوريا، على المستوى الثقافي، هناك اختلاف بين العرب والكُرد لجهة أنماط المعيشة والحياة الاجتماعية، إذ يميل الجيل الجديد من الكُرد إلى تحديد النسل والاكتفاء بعدد محدود من الأطفال، إلا أن العرب ما زالوا يكثرون من إنجاب الأطفال، وهناك تشابه من جهة أخرى.
وفيما يخص الحراك الاجتماعي، فقد كان ميل الكُرد أسرع في الانتقال من حالة البداوة إلى العيش في حواضر (قرى ومدن)، بينما تأخر العرب نسبيًا في ذلك، وهذا جعل من الكُرد متطورين في الزراعة وتربية الدواجن والأبقار، بينما بقيت تربية قطعان الغنم أكثر التصاقًا بالعرب.
من جهة ثانية، كان المجتمع الكُردي منذ القدم مجتمع زراعة وإقطاعات، بينما كان المجتمع العربي مجتمع مضارب وخيام وصيد وتربية إبل وغنم، وما تزال رواسب الثقافة المختلفة تنعكس على طرائق التفكير وأنماط الحياة والمعيشة. وفي الوقت الذي كانت نخبة المجتمعات الثقافية هي الملالي ورجال الدين، كانت هذه النخبة معدومة لدى عرب المنطقة، وكانوا يلجأون للشيوخ والملالي الكُرد في قضايا الدين والتحكيم الشرعي.
العربي النافع
لا يخلو الموروث الشفاهي الكُردي من مضامين إيجابية إزاء العرب الذين يعيشون معهم في بيئة واحدة، إذ يقول المثل الكردي “أيها العربي النافع، أنت أفضل من الأب والأخ”.
كان أبناء عشائر كردية بذاتها يتباهون بلبس الكلابية والعقال وكانوا يصفون الأشخاص ذوي المهابة والأناقة بأنهم يشبهون شيوخ العرب أو شيوخ شمر (قبيلة عربية كبيرة وذات نفوذ ولها امتداداتها في العراق والأردن والسعودية أيضًا، وعلاقاتها كانت مميزة مع الكُرد).
والشكل الأبرز للتراث الشفاهي الكُردي هي الأغاني الملحمية والشفاهيات المغناة والمواويل الكُردية القديمة، وفيها يتردّد التغزل بالفتيات العربيات من ذوات القامات الممشوقة والعيون الكحيلة وليس أجمل من صوت المغني الكردي شاكرو، وهو من أشهر مغني الفولكلور الكُردي المحكي، له أداء انفعالي ذو طبقات صوتية متعددة. هو من كُرد تركيا، وأصوله من منطقة سرحدا غير أنه استقر في ديار بكر لفترة طويلة، وهو يصدح في واحدة من أشهر الأغاني الفلوكلورية واصفًا محاسن (عربه) وجمالها.
كما يرد ذكر الخيام العربية المصنوعة من شعر الماعز كثيرًا في تلك الأغاني والمواويل، التي رافقت الكُرد في حلهم وترحالهم، ويرد ذكر مدن العرب وحواضرهم في هذا الشكل من التراث الشفاهي.
وتحتل شخصية حاتم الطائي العربية، وهو شاعر عربي جاهلي وأمير قبيلة طيء، توفي 605 م، اشتهر بكرمه وجوده، وشخصيات أخرى شهيرة مكانة مهمة في المرويات الكُردية، حتى أن أشهر قصائد الكُرد التي ألفها أحمدي خاني، وهي أولى الدعوات الواضحة للقومية الكُردية، يوازي فيها الشاعر الكُردي الأبرز، كرم الأمراء الكُرد بكرم حاتم الطائي.
ويتطلب التراث الشفوي للشعوب المتجاورة منهجية دقيقة في التوثيق والجمع، ولن يكون بمقدر أي كاتب أن يجمل مرويات عقود وقرون في مقالة أو ورقة، فمن المؤكد أنّ لدى عرب المنطقة أيضًا ما يروونه بشأن الكُرد سلبًا وإيجابًا.
ومن الضروري أن تظهر الصورة دومًا دقيقة وجريئة، وأن يستدرك ما فات دون توثيق بتشجيع أكبر على التوثيق والتسجيل الصوتي للمعمرين، الذين يعدون منجمًا حقيقيًا للمرويات والقصص والأمثال المتضمنة نظرة أجيال من الناس حيال بعضهم البعض، ومنبعًا لحكمة لا تنضب.
الكُرد “فرسان الشرق”
في المقابل، ثمة اتجاهان في التراث العربي تعريف الشعب الكُردي، الاتجاه الأول يلحق الكُرد بالعرب مثل المسعودي الذي ينسبهم إلى ولد كُرد بن مرد بن صعصعة بن هوازن، ولسكنهم في الجبال حالوا عن لسانهم وتكردوا، أو أنهم أولاد ربيعة بن نزار (الفرع العدناني) أو أولاد عمرو مزيقياء (الفرع القحطاني).
وحظي الكُرد باهتمام ثقافي بالغ على مر العصور، وكانت صورتهم في التراث العربي منذ القدم صورة إيجابية، خصوصًا أن منهم قادة عظام مثل صلاح الدين الأيوبي، وأنهم حافظوا على ارتباطهم التاريخي والثقافي مع العرب حتى هذه اللحظة.
وفي الماضي، كان ثمة آراء «متحاملة» على الشخصية الكُردية، مثل آراء المسعودي والجاحظ وغيرهما، بسبب جهلهم بطبيعة الكُرد، لكن ثمة آراء محايدة مثل رأي الإمام جلال الدين السيوطي الذي يذكر في أكثر من موضع أنهم شعب شديد الغيرة وقوي المراس، وأنهم “فرسان الشرق” بمعنى الكلمة.
المصادر:
1- عن صورة العرب في الموروث الشفاهي الكردي، موقع أوبن ديمقركراسي، 03-08-2015.
2- عرب وكرد.. وئام أمْ خصام؟ موقع مجلس سوريا الديمقراطية، 18-02-2021.
3- محنة الأكراد.. دروس مستمرة ولا من معتبر، موقع رأي اليوم، 10-10- 2019.
[1]