=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء الثاني=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
نعود إلى البحث، ونأمل ألا نخرج من الحوار المنطقي، مثلما فعله السيد الباحث بأسلوبه الشيق والمبطن في العرض. ولا شك لن نقف على جميع المغالطات المقصودة والمبتورة بتعمد، فهي تحتاج إلى عدد لا يقل عن عدد صفحات بحثه، فقط سنقف على بعضها. ولكن قبلها، وكما ذكرنا سابقً، لا بد من تنبيه بعض الحكومات العربية وهيئاتهم السياسية ومؤسساتهم الثقافية إلى قضية مهمة تخص مصداقيتها العلمية ومكانتها وهي:
1- إن تشكيل مؤسسات بمستوى (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) الموجودة في إمارة قطر، والمصروف عليها الأموال الضخمة، وتوظيف المفكرين والباحثين، وإرشاد البحوث والمفاهيم والأفكار العلمية بشكل منحرف، والنصوص المبتورة، والمصادر غير المسنودة، تؤثر سلبا عليها وتجلب بغض وكراهية شعوب المنطقة إلى نفسها، ناهيكم عن الإساءة إلى سمعة العرب إسلاميا. لا بد وأن وراء نشاط هذه المراكز وبهذه الأساليب، قوى تريد الشر للعرب قوميا، أو أنها مسيرة، وفي أفضل الأحوال يمكن اعتبارها على أنها ليست بسوية الوعي المطلوب لنشر ثقافة نوعية تنويرية، قادرة على إبراز القومية العربية عندما كانت في عزتها، وما هي إلا تلك القومية التي تتبناها السلطات العروبية الاستبدادية في الدول العربية، أو ربما تكون المجموعة المسيرة لهذه المراكز تؤمن بعروبة الأحزاب العروبية كالبعث والناصرية والعربي الاشتراكي والإخوان المسلمين وغيرهم، وينتهجون بشذوذ هذا الأسلوب لتشويه سمعة العرب المسلمين في العالم، وترسيخ الوباء الفكر العروبي الذي تحاول الجماهير العربية التخلص منه، وهذا ما يوهن قدرة المثقف العربي النبيه والنقي ويضعف من قوته، لتبقى السيادة لمفاهيم الأحزاب العروبية العنصرية البالية والتي عفى عليها الزمن؛ كي يزداد كره العالم للعرب وللعروبة الشريفة، والابتعاد عن أولئك الذين انتجوا المنظمات الإرهابية في العالم كالقاعدة وداعش وغيرها، وسببوا تراجعا للمد الإسلامي، وجعلوا العربي المسلم إرهابيا في نظر أغلبية البشر، وهو ليس لصالح العرب والعروبة؛ بينما رعاية أمثال المثقفين بسوية الباحث باروت يزيد القرب من تلك المنظمات الإرهابية ولا يعود على الرعاة سوى بالإساءة.
2- لا شك أن العروبة حقيقة واقعة، ولا تحتاج إلى من يضخ لها كل هذه الأموال ويجند لها هذه الأعداد من الباحثين الانتهازيين، وضيقي الأفق في الفكر العربي، فالقومية العربية تنأى عمن يضع الوثائق لإثباتها بهذا الشكل، فالقرآن الكريم خير الوثائق وأعظم المصادر، وكفى بالعربية أنها تتلى خمس مرات باليوم في جميع أصقاع العالم من قبل العربي وغير العربي، ولا أظن بانها تحتاج إلى توظيف مفكرين وباحثين وكتاب على هذه الشاكلة، لمهاجمة القوميات الأخرى وخاصة المدينة بالإسلام الحنيف لخلق العداوات بينهم ولإبراز القومية العربية بهذا المنظر المريب، وبالتالي سيؤدي إلى تعاون المغدورين مع أعداء العروبة النقية، طالما الأمر يخص الجانب القومي.
3- ما يفعله البعض ممن وظفوا في هذا المركز وغيره من المراكز، بضخ الأبحاث المبتورة، والمشوهة، والتلاعب بالتاريخ والديموغرافيات، لإلغاء حقوق الشعوب الأخرى في المنطقة، تشويه للقيم العربية الأصيلة، وإحياء للذهنية العربية الجاهلية، التي كانت مبنية على الصراعات القبلية، هؤلاء يفعّلون تلك العقلية من جديد بنقلها بين الشعب العربي والشعوب الأخرى، ولمصلحة من ينتهج هؤلاء هذا النهج، إن لم يكن لمضرة العروبة التي كانت رمز الصفاء في نظر الشعوب المسلمة والمسيحية غير العربية.
4- ومن الغريب ألا تنتبه قادة دولة قطر إلى هذا الدرك والهاوية التي ترمي بالذات العربية فيها، ولا تنتبه إلى أن الجزيرة العربية لا تحتاج إلى من يصدر لها صكوك الانتماء العربي، فهي خارج شهادات ودفاع هذه المجموعات الموظفة ضمن المراكز، والتي عليها التركيز على قضايا رفع هيبة الشعوب الموجودة في المنطقة معاً، كما فعله العرب قبل أربعة قرون ونيف، فكانت العروبة، حتى ولو كانت تحت عباءة الإسلام، المثال والقدوة للشعوب المجاورة. والطرق المتبعة حاضرا، ليس فقط لا توصلهم إلى حتى اللحاق بالدول الحضارية، بل تجرهم إلى الصراعات مع الشعوب المسلمة والمسيحية الأخرى.
5- والأغرب كيف لا ينتبه قادة قطر ودول الجزيرة العربية، إلى أن ما يجري في معظم قاعات المؤتمرات، والحوارات التي يجريها هؤلاء الموظفون في المراكز، عودة إلى أحياء عادات القبائل الجاهلية، وثقافة اللات والعزى، وانحراف أو تشويه على ما بلغته يوما الأمة الإسلامية، والتي كانت بمشاركة كثيفة من الشعوب الأصلية في المنطقة، وخاصة تلك التي كانت تنتمي إلى الأديان الأخرى، وظل على رأسهم العرب تحت الهيمنة الإسلامية. فطمس المراحل المشتركة بين جميع شعوب المنطقة وليس العرب وحدهم في إمبراطورية سادت فيها العز والمجد للجميع، دليل على أنانية وتفاضل العروبيين أنفسهم على شعوب تلك الإمبراطورية.
6- ما يفعله هؤلاء الموظفون، ضمن مراكز الأبحاث والدراسات والمؤسسات الفكرية، بعث لثقافة الغزو والسبي، ثقافة القبائل البدوية في العصر الجاهلي، ومعاداة الشعوب، وطمس حقوق الأخرين، وخنق الحريات، بذريعة إبراز الحق العربي راهنا، سيؤدي بالعرب والعروبة إلى الركوع أمام القوى العظمى كما كانوا يركعون في الجاهلية لكسرى وقيصر. وما يؤسف له التغاضي عما قاله الإمام العادل عمر، رضى الله عنه، بحق العرب والإسلام. ومن الغرابة ألا ينتبه قادة دولة قطر ودول الجزيرة العربية إلى هذه القضية المصيرية، والتي تجرف بالعرب مسلمين وغير مسلمين إلى هاوية الانهيار، والضياع في الظلمات، ونداؤنا لهم أن يتداركوا هذه المصيبة قبل أن تستفحل، وتصل إلى نقطة اللاعودة.
7- أسماء عديدة ضمن هذه المراكز تجلب الانتباه، ولسنا بصدد التركيز والحصر في القضايا الشخصية، ولكن وبما أن المثار هو كِتاب يخص السيد الباحث محمد جمال باروت، والمؤدي إلى أن البعض من الباحثين والمفكرين في تلك المراكز قد بدأوا يتعمدون الاستشهاد به، كمصدر رئيس عند طرح القضية الكردية في غربي كردستان، دون غيرها من الأبحاث ذات المصداقية، والأبعد تحيزا؛ غير مبالين أن الباحث تقصد البتر، والقطع المتعمد في مصادره، وذكر وثائق دون أخرى، لإسناد غايته من البحث، وهي نفسها التي ذكرناها سابقاً بأنها تؤدي إلى التشهير بالشعوب الأخرى، وإحياء ثقافة عرب الجاهلية، والعودة إلى منطق الغزوات والتفاخر بخروج العرب من الجزيرة العربية كغزاة جاهليين، وإضفاء صفة الاحتلال على جغرافيات الأخرين، لا كما جاء الإسلام للهداية والإنقاذ من الضلال والظلام إلى النور، بل إلى سيطرة القبائل العربية، وهي في جوهرها انتقاص للقومية العربية، قبل أن يكون تحقيق حق، أو توسيع لجغرافية الوطن العربي، المصطلح الذي أخترعه الأحزاب العروبية العنصرية.
8- يتناسى السيد عزمي بشارة كرئيس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في قطر، عند طرحه للقضية الفيدرالية في غربي كوردستان، وعرض الدولة الوطنية بدل اللامركزية السورية، أن الوطن العربي بجامعتها كمفهوم يقترب كل الاقتراب من الفيدرالية، رغم اقتصارها على العنصر العربي، فضلا عن هذا، فرابطة العالم الإسلامي شبيه بالنظام الكونفدرالي. ومن الغرابة أن السيد عزمي بشارة، يتغاضى عن نظام مجلس التعاون الخليجي، ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي لا بد أن يعرفهما السيد المذكور جيدا. والمشكل هنا لا يستقر الرأي على دراسة هذا النظام عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب الأخرى، ويخرج من نطاق القومية العربية، وهم يتغاضون أن هذا التعنت يقتل القومية العربية قبل أن تقضي على حقوق الشعوب الأخرى، فالوطنية الصادقة هي الاعتراف بالآخر، ووضع دستور متكامل يؤمن بحقوق الآخرين كالإيمان بالحق العربي من دون نقصان (سنخصص مستقبلا بحثاً في رؤية البعض من المفكرين العربي) …
يتبع…
[1]