=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً “الجزء التاسع”.=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
أ) القبائل المصنفة الشمالية المستعربة، أسمائها، ووجودها، كرحل أو حضر، لم تذكر أبعد من شمال شبه الجزيرة العربية وجنوب البادية السورية إلا بعد الغزوات العربية الإسلامية المتأخرة. وهي نفسها التي اجتمعت عدد من بطونها كتغلب وبكر ليشكلوا العنزة الوائلية، المستوطنة في النجد، رغم ترحالها ضمن المناطق المذكورة، كقبائل تبحث عن الكلأ، ولم يتوسعوا أبعد منها، حتى في نهاية الخلافة الأموية وقيام ثورة أبو مسلم الخرساني التي أمالت بعضا من قبائل ربيعة معه وجلبوا إلى خراسان ليحارب بهم القوات الموالية للأمويين، ومع ذلك لم يسكنوا هناك، ولم يتم سكنهم في حضرها، ولم يصبحوا من سكنة خراسان، بل تواجدوا في تلك الجغرافيات كقبائل غازية، مثلهم مثل بعض العشائر العربية الأخرى وضمنهم الأزدية اليمنية، والتي هي من قبائل العرب العاربة، والذين ظهروا في تلك الجغرافيات مثل قبائل بني تغلب والبعض من بني ربيعة هناك بفرض من الحكام، والتي كانت معظمها لا تزال مسيحية، لدعم غزوات القبائل العربية المسلمة وغير المسلمة المرافقة للجيوش الإسلامية، وعادوا بعد فترة إلى مناطق سكناهم الأصلية المذكورة آنفاً، باستثناء شريحة أحاطت بالحكام. علماً وهنا وفي البعد التاريخي والملكية على الأرض، والادعاء، بأن القبائل العربية هذه أصحاب الجغرافيات التي غزوها وسميت لاحقاً بالفتوحات، يهدم المنطق التاريخي، تحت جدلية المستعمر، فالحكام العرب المسلمون أصبحوا السلطة ووجودهم في جميع الجغرافيات خارج شبه الجزيرة العربية ومنطقة الأنبار وجنوب بادية الشام، حيث موقعي الغساسنة والمناذرة، يعتبر استيطان استعماري ( وبالمناسبة، فهناك شكوك حول الرباط اللغوي القومي بين الغساسنة والمناذرة بالعرب أو لغة قريش، فاللوحات الأركيولوجية تبين بأنه لا قرابة أو تماثل بين لغتهم وكتاباتهم وحروفهم وقريش أو العرب المستعربة الأخرين) أنظر دراسة الباحث محمد مندلاوي، (مهنة العروبيين) وما تلاه من تاريخ ليس سوى صفحات فرضت تلك السلطات كتابتها، وظهرت متعارضة مع الوجه القانوني، وخالية من الحيز الإنساني؛ أو الإلهي، بحكم الشريعة الإسلامية التي انتشروا وحكموا تحت عباءتها ورايتها، وأبدلوها بعد قرون قليلة إلى حكم العرب، وتنامى كاستعمار عروبي، وما كتب وسيكتب عنه في حق الملكية على تلك الجغرافيات، أو الوجود الأبعد من الإسلام لا تتعدى فبركة أوامر السلطات. وفي البعد التاريخي والأنثروبولوجي، لا توجد مؤشرات، خارج المفبركات التاريخية العصرية، على تحضر مجموعات من تلك القبائل العربية في فترة الغزوات العربية الإسلامية الأولى في الجغرافيات المسماة الأن جدلاً بالدول العربية، ومن ضمنها منطقة الشام وشمالها والجزيرة السورية والعراق الأوسط والشمالي. يقول الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) الجزء الثالث ص(372) عن سنة 12 هجرية: ” كان أبو بكر رحمه الله قد عهد إلى خالد أن يأتي العراق من أسفل منها، وإلى عياض أن يأتي العراق من فوقها، وأيكما ما سبق إلى الحيرة فهو أمير الحيرة؛ فإذا اجتمعتما بالحيرة إن شاء الله وقد فضضتما مسالح ما بين العرب وفارس وأمنتم أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليقم بالحيرة أحدكما، وليقتحم الأخر على القوم،” وهنا نحن أمام حقيقة من أقوال الخليفة أبو بكر الصديق ذاكراً العرب وليست الجيوش الإسلامية، وعلى أن الحيرة هي المدى الأبعد لجغرافية القبائل العربية. وفي الصفحة التالية (373) يفيض الطبري ويقول: ” وأقام خالد على كربلاء أياماً، وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإني إنما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا من خلفهم، وتجيئنا العرب أمنة وغير متعتعة” ومنها تتبين أنه لم يكن للعرب وجود في المنطقة قبل الغزوات الإسلامية، وأسكنهم فيها خالد بن الوليد، ونحن نتحدث عن جنوب العراق الحالي وليست عن وسطها وشمالها، حيث كوردستان. وبشكل عام، ظهر التواجد العربي الحضري الأول في المناطق الجنوبية لكوردستان في منتصف العصر العباسي، وليست كما يدعيها الباحث جنوب ومنتصف كوردستان. وفي رواية أخرى، أن عمر بن الخطاب بعث لعتبة بن غزوان يقول “: انطلق أنت ومن معك، حتى إذا كنتم في أقصى ارض العرب وأدنى أرض العجم، فأقيموا” فنزلوا موضع البصرة. فأقام عتبة بن غزوان شهراً، ثم خرج إليه أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فمنحه الله أكتافهم وانهزموا” راجع البلاذري، فتوح البلدان، الجزء الأول ص(337). وفي رواية مقارنة، يقول الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) في الجزء الثالث ص(414) ” فيما بين ملك أبي بكر إلى قيام عمر ورجوع المثنى مع أبي عبيد إلى العراق، والجمهور من جند أهل العراق بالحيرة، والمسالح بالسيب، والغارات تنتهي بهم إلى شاطئ دجلة، ودجلة حجاز بين العرب والعجم” فمن الملاحظ هنا أنه لو كان الفاصل بين الجنود لذكر أن دجلة حجاز بين المسلمين والعجم أو الفرس، وليس العرب والعجم، ومن المعروف أن العديد من القبائل العربية كانت تحارب إلى جانب الفرس ضد المسلمين، لذا فهنا يبين الفاصل العرقي وليس العسكري، مثلما كانت الأنبار منطقة الفصل بين العرب المستعربة والشعوب الأخرى قبل الإسلام، والتي هي اصل العرب إذا حللنا في تاريخ منشأ إسماعيل بن إبراهيم الخليل، جد العرب المستعربة. قبله لم يكن للعرب المستعربة وجود، والعاربة انقرضت معظمها مع التاريخ، واليمانية هي البقية الباقية منهم، والمؤرخين والأركيولوجيين المعاصرين، وباحثي اللغات، واستنادا على الدراسات الحديثة والتقنيات العصرية، تؤكد على أن إبراهيم من الأكاديين وهؤلاء والسومريين هم قبائل هاجرت من جبال زاغروس إلى السهل، وعليه تتأكد يوما بعد آخر على أن العرب المستعربة، وعلى الأغلب قريش، هم من الشعوب التي تنحدر منها الشعب الكوردي، وليس العكس، كما يدعيه بعض الكتاب العروبيين الناهضين والمستندين على التاريخ المفبرك في أقبية المراكز الأمنية.
ب) لم نجد ذكرا لوجود القبائل العربية الشمالية، بني ربيعة والقيسية، قبل الإسلام، عند الطبري ولا ابن الأثير ولا ياقوت الحموي ولا الشهرستاني ولا ابن القيم الجوزية ولا المسعودي أثناء سردهم لجميع الفتوحات أو الغزوات العربية الإسلامية الأولى، كأصحاب لمناطق غربي مجرى الفرات الأوسط، أو أبعد من شمال بادية الشام، ونحن لا نتحدث في الحضر فقط، والتي لم تعرفها هذه القبائل يوما، بل كقبائل تجوب في شمال بادية الشام بحثاً عن الكلأ، باستثناء حوادث عرضية تصادمت فيها بعض فروعهم على أطراف الفرات الأوسط، عند مصب الخابور مع الفرات، وفي بادية الشام. وحتى في عصر الخلافتين الأموية والعباسية، لم يذكرهم أحد من المؤرخين الإسلاميين أو غيرهم في شمال هذه المناطق، كقبائل مستقرة، حضرية، أو متمركزين بشكل دائم للعيش، أو أنها كانت مراعٍ دائمة أو فصلية لمواشيهم، ولم يتحدث عنهم أي مؤرخ عربي ضمن جيوش الإسلامية الأولى. وفي هذا السياق يذكر الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) الجزء الثاني الصفحة (115) ” لما هلك ربيعة بن مضر…أن حسان أبن تبان اسعد أبي كرب، سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض العجم، كما كانت التبابعة قبله تفعل، حتى إذا كان ببعض أرض العراق، كرهت حمير وقبائل اليمن السير معه، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهاليهم…” وهنا ننوه القراء إلى أن الطبري يورد جغرافية العراق أرض ليست عربية، والعراق هي كل ما تقع شرق مجرى الفرات. ومن المعروف أن قسما من قبائل الشمال كانوا نصارى، وفي هاتين القضيتين يذكر ابن الأثير في الجزء الأول من كتابه (الكامل في التاريخ (الصفحة (302) في ذكر مآثر سابور بن بهرام بن سابور بن أردشير بن بابك الكوردي مؤسس الإمبراطورية الساسانية فيقول: ” ثم قطع البحر إلى الخط فقتل مَن بالبحرين؛ لم يلتفت إلى غنيمة. وسار إلى هَجَر وبها ناس من تميم، وبكر بن وائل، وعبد القيس، فقتل منهم حتى سالت دماؤهم على الأرض؛ وأباد عبد القيس وقصد اليمامة؛ وأكثر في أهلها القتل وغور مياه العرب؛ وقصد بكراً وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق؛ فقتل وسبى وغور مياههم”.
لم تعتنق تلك القبائل العربية الشمالية الإسلام إلا في بدايات الخلافة العباسية، وقبلها كانوا في عداوة مع المسلمين الأوائل، ودخلوا في حروب معهم، أثناء محاولة المسلمين اجتياز مناطقهم في شمال الجزيرة العربية ومنطقة الأنبار الحالية والفرات الجنوبي، ونجد والبحرين، قبل بلوغ التجمعات الحضرية في شرق الفرات وعلى ضفاف دجلة (تيز) والتي كانت بالأسماء الفارسية-الكوردية، وتاريخ الغزوات تبين هذه الحقيقة، وكذلك أسماء التجمعات الحضرية في جنوب مناطق البيزنطيين التي كانت تمتد حتى جنوب البادية السورية الحالية ومناطق الشام…
يتبع…
[1]