=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً “الجزء العاشر”.=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
ث) أول ظهور للقبائل العربية في كوردستان، بشكل عام، ومن ضمنها الجنوبية والجنوبية الغربية والتي يركز عليها الكاتب مستنداً على المفبركات التاريخية المعاصرة، والجزيرة حصراً، برزت بعد منتصف الخلافة العباسية وبالتحديد بعد تقليص دور البيزنطيين من مناطق الأناضول، وهي القبائل المشاركة في فتوحات الخلافة العباسية، ولا يوجد تأكيد تاريخي على استيطانهم لتلك المناطق، أما قبلها أي قبل الإسلام، فأبن الأثير هو أول من ذكرهم في التاريخ ضمن هذه المناطق، في كتابة (الكامل في التاريخ) في حادثة، أثناء أحد هجمات الفرس على القبائل العربية، وما كتب عنهم لاحقا بنيت معظمها على قصائد شعرائهم، الذين مجدوا بغزوات البعض من قادة المسلمين العرب والقبائل المنتمية إليها في المعارك التي جرت في الجغرافية المذكورة سابقاً، وكنا قد تحدثنا عن الحدود الفاصلة بين العرب بشكل عام والكورد أو الفرس والشعوب الأخرى في الحلقات السابقة، وللتوضيح ثانية، يورد أبن الأثير في كتابه المذكور الجزء الثاني، الصفحة(304) لسنة (14ﮪ) “وكان مقام سعد بالقادسية شهرين وشيئاً حتى ظفر فاستغاث أهل السواد إلى يزدجرد وأعلموه أن العرب قد نزلوا القادسية ولا يبقى على فعلهم شيء وقد خربوا ما بينهم وبين الفرات ونهبوا الدواب والأطعمة” والمذكور هنا العرب وليست الجيوش الإسلامية، وهي مذكورة في رسالة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، والتي يوردها الطبري لتاريخ تلك السنة ” وإذا انتهيت إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية…”.
ج) أبن الأثير وياقوت الحموي، المؤرخين اللذين عاصرا صلاح الدين، ومنتصف الخلافة العباسية، ذكرا مرارا اسم الجزيرة، بديار الجزيرة، أو الجزيرة، أو “ولاية بين النهرين” وهذا ما يذكره الكاتب أيضاً في الصفحة(42) دون أن تورد في كتبهم أي مصطلح تحت اسم ديار بكر؛ أو ديار ربيعة؛ أو ديار مضر في سياقها التاريخي قبل الإسلام، أو حتى نهايات الخلافة الراشدية، وما ذكر كانت تعني الجغرافية التي تمركزت فيها حركة تلك القبائل البدوية، وهي ما ذكرناه سابقاً، وعليه يذكر (ابن الأثير) اسمي ديار بكر وديار الجزيرة معا كجغرافيتين متجاورتين ومنفصلتين عن بعضهما، وقد ذكر أسم مدينة (آمد) بشكل دائم في تاريخه، باسمها الكوردي، فيقول في كتابه(الكامل في التاريخ) المجلد التاسع، الصفحة(274) تاريخ عام (528ﮪ) التالي” في هذه السنة اجتمع أتابك زنكي وتمرتاش وصاحب ماردين وقصدا مدينة آمد؛ فحصراها، فأرسل صاحبها إلى داود بن سقمان صاحب حصن كيفا يستنجده، فجمع عساكره وسار نحو آمد ليرحلهما عنه، فالتقوا على باب آمد…” ولم يذكر المدينة باسم ديار بكر بل كمنطقة في جنوب موصل والفرات، بل أورد المدينة باسم آمد والمنطقة المحاطة بديار الجزيرة، وفي سياق حديثه عن بشائع التتر وقبلهم مجازر المغول، في المنطقتين، تتبين أن المصطلحات الجغرافية الحديثة، تتناقض والتاريخ الإسلامي، ولتبيانها نعود إلى أبن الأثير في كتابه المذكور في الصفحة(1944) لسنة (628 ﮪ) في “ذكر وصول جلال الدين إلى آمد وانهزامه عندها وما كان منه” “لما رأى جلال الدين ما يفعله التتر في بلاد أذربيجان…وكان عازماً على أن يقصد ديار بكر والجزيرة، ويقصد باب الخليفة يستنجده وجميع الملوك على التتر، ويطلب منهم المساعدة على دفعهم، ويحذرهم عاقبة إهمالهم، فوصل إلى خلاط، فبلغه أن التتر يطلبونه، وهم مجدون في أثره، فسار إلى آمد” وفي الصفحة ذاتها يتمم ” لما أنهزم جلال الدين من التتر على آمد نهب التتر سواد آمد وآرزن وميافارقين وقصدوا مدينة أسعرد” والواضح هنا أن آمد كانت موجودة باسمها التاريخي لا الإسلامي إلى بدايات عهد السلاطين العثمانيين، والتاريخ عند أبن الأثير يتحدث في القرن السادس الهجري وليست السنوات الأولى للغزو الإسلامي، ويكرر أسم ديار بكر كاسم اطلق على المنطقة الجنوبية للجزيرة، بعد الإسلام وليست أبعد من أواسط الخلافة العباسية. ويذكر ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) الجزء الرابع الصفحة (453) في باب الكاف ” إن كركر حصن قرب ملطية بينها وبين آمد”. حرفت وفبركت بالأسماء الجغرافية ومدت بالحدود ومناطق القبائل العربية البدوية الشمالية، على خلفية تصاعد النزعة القومية العربية، وظهور الحركات العروبية، من بدايات القرن الماضي.
ح) أثبات على الفقرة السابقة، يذكر الكاتب بذاته، أن يزيد بن معاوية فصل الجزيرة عن المناطق الأخرى ووضعها تحت جند خاص وسماها ب “جند قنسرين” راجع كتابه الصفحة(41)، وفصل فيما بعد عبد الملك بن مروان الجزيرة الشمالية عنها وأطلق عليها أسم ” ثغور الجزيرة”. فلو كانت للقبائل المذكورة، بكر ومضر وربيعة حضور حينها، لما تردد الخليفتين تسمية المناطق باسمهما. ويتابع الكاتب بنفسه ويذكر أن البعض من الجغرافيين العرب (ونحن نسميهم الجغرافيون المسلمون) استقروا في العصور الوسطى على تسمية الجزيرة ب “جزيرة آقور” أو ” إقليم آقور” و “الجزيرة الفراتية” أو “بلاد الجزيرة” وهذه التسمية استخدمها أبن المنطقة، أبن الأثير، وغيره من المؤرخين المسلمين المعاصرين له أو اللاحقين، ويقر بها الكاتب نفسه في الصفحة(42) ثانية.
خ) لنفرض جدلاً أن العرب استوطنوا كوردستان، ونجتر هذا التجاوز، وأنهم استوطنوا حضريا حتى آمد (ديار بكر) أو الرها(أورفه) وغيرها من المدن الكوردستانية (نقولها كوردستانية لأنه هناك شعوب أخرى أصلية إلى جانب الكورد في المنطقة، رغم ضمورها الديمغرافي الهائل)، فأين تلك القبائل العربية الأن؟ هل عادوا إلى مناطقهم ضمن الجزيرة العربية وشمالها، والأنبار، أم اندثروا مع الزمن، أم انحلوا في الشعوب الأخرى، في هذه الفترة، أم استكردوا؟ ونسوا لغة القرآن وتعلموا الكوردية! وهل يعقل أن تسود اللغة الكوردية على لغة القرآن وتحت سلطة إسلامية عربية؟ وإن كان كذلك ونعتبر أن الكورد الذين يسكنون الأن في هذه المناطق الثلاث، والمسماة جدلا حسب البعض من المثقفين والمؤرخين العروبيين ومن ضمنهم الكاتب محمد جمال باروت بشكل ملتوي في الصفحة(45-48)، هم أحفاد هذه القبائل، وغيروا من قوميتهم العربية إلى الكوردية، أفلا يحق لهم أن يكونوا أصحاب أرضهم؟ ويحق لهم تكوين كيانهم الخاص، كعرب تخلوا عن لغة القرآن والقومية العربية واستكردوا، ويودون الاستقلال بجغرافيتهم كوردستان حتى ولو كانوا من قبائل بكر وربيعة ومضر قيس!؟ أياً كان نسب هذا الشعب القاطن في المنطقة، ألا يحق له حكم ذاته، وتقرير مصيره بيده؟ أما أنه يجب جلب تلك القبائل العربية من صحراء الجزيرة العربية وحولها؛ أو من مناطق أخرى واستيطانهم هناك؟ فمن يضمن بأنهم لن يتخلوا ثانية عن لغة القرآن، ويستكردو ثانية! أليس هذا اعتداء على العرب المستكردين؟ وهي نوايا السلطات الاستبدادية التي حكمت الدول العربية، مع مرور التاريخ. العروبيون هؤلاء أصحاب النظريات السفيه هذه، هم نفسهم الذين يثيرون قضايا تاريخية أخرى بين الكورد والشعوب الأخرى في المنطقة، ولا تقل عن الأولى خساسة، ودونية، فيقولون إن الأشوريين والأرمن وسريان المنطقة استكردوا أيضاً، وبهم تزايدت النسبة السكانية للكورد في كوردستان! والغريب هنا في جدلية التناقض التي يطرحها الكاتب وعدد من المؤرخين أمثاله، ما بين ادعاءاتهم في استكراد هذه الأقوام وبينهم قبائل عربية، وافتخار البعض من العشائر الكردية الكبرى بتنسيب ذاتها إلى العرب!
د) أم أن هذه القبائل عادت إلى مواطنها الأصلية في البادية ونجد وشمال شبه الجزيرة العربية، والمؤرخ يطالب بأرض (الجزيرة) جنوب غربي كوردستان ليعيد تلك القبائل إليها، ويستوطنهم فيها من جديد، سلميا أو بغزوات عصرية؟! وعلى الأغلب هذا هو منطق القوميين العروبيين، الذين حاربوا شعوب المنطقة، وقلبوا العلاقات الوطنية رأسا على عقب، ليشعروهم بأنهم غرباء عن مناطقهم، وإقناعهم بأن جغرافيتهم المحتلة من قبل السلطات العروبية الإسلامية الاستبدادية، ليست أوطانهم، وهم ليسوا بأكثر من مواطنين، في ضيافة العرب!
يتبع…
[1]