=KTML_Bold=محمود عباس : مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الخامس عشر”.=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
عن مصداقية محتويات الكتاب-5
7- في مواقع أخرى، وخاصة في الصفحات (39-40) يحاول الكاتب دعم فبركته حول كوردستانية الجزيرة ما بين الفرات ودجلة بإدراج سقطة تاريخية أخرى لإسناد غايته، فإلى جانب تضخيمه للفبركة التاريخية حول حضور قبائل ربيعة ومضر وبكر في منطقة ميزوبوتامية،، يقوم بعرض مفاهيم بعض المؤرخين الحديثي العهد حول أصول الشعوب السورية المسيحية الأصلية، كالسريان والأراميين والكلدان في ديار الجزيرة وأنسابهم، فيتناسى وعلى هديهم، الإشكالية التاريخية التي خلقتها السلطات العروبية الإسلامية على مدى القرون الماضية، فيقدمهم مستنداً على دراساتهم المطعونة فيها من قبل كبار المؤرخين العالميين، على أنهم من القبائل العربية الحضر في المدن المنتشرة في المنطقة، متغاضين على أن العلاقة بين الشعوب السورية الأصلية والقبائل العربية مقولة سياسية روجتها السلطات العروبية، شوهت بها تاريخ شعوب المنطقة، بعد فبركة طويلة لتاريخهم وعلى مراحل، وكثفت في القرن الماضي، وفي الواقع لا اسنادات اركيولوجية منطقية لها، وبعض المؤرخين العروبيين الإسلاميون استندوا على خلفية الأصل السامي لهذه الشعوب، كمدخل لإثبات العنصر العربي في المنطقة تحت أسم هذه الشعوب. وننوه أن المصادر الملحقة في آخر تلك الصفحات من كتابه، لا توثق ولا تسند ادعاءاته، مع ذلك يوردها ويحشو بها دفتيها، لتمويه القراء.
فباتباع الحيز السامي التاريخي، والذي من حيث المنطق العلمي تسمية مطعونة فيها، مسنودة إلى الكتب السماوية، أطلقها العالم النمساوي (شولترز) عام 781م، وأستند المؤرخين العرب الإسلاميين على هذا المصطلح، ليضعوا فرضيتهم بأن اللغة العربية هي الأقدم وبالتالي الشعب العربي هو الأصل، ولكن من حيث متابعة الدراسات التاريخية الأركيولوجية والتطورات الحضارية في المنطقة، فإن الشعب العربي هو الذي سينتمي اليهم وليس العكس، لأن العرب كشعب، تشكل من قبائل مختلفة، حديثة التكوين، لغة وانتماءات، وظهر التقارب مع بدايات الإسلام، بل وحتى في المراحل الأولى من الإسلام كانت القبائل العربية تفرق بين قبيلة قريش وعرب اليمن العاربة والبائدة والقبائل العربية المستعربة القديمة، والحديثة كالغساسنة والمناذرة، وكانت بينهم اختلافات واسعة في اللغة، وسميت لاحقا باللهجات، والعديد من القبائل لم تكن تفهم بعضها، والبعض من المؤرخين الإسلاميين يعرضون نظرية أن اللغة العربية هي أقدم اللغات السامية وأخرهم تدوينا، والسريانية هي الأقدم في التدوين، وهنا يحاولون الاستناد على لغة العربة البائدة، وهي في الواقع غير مثبتة اركيولوجية فيما اذا كانت عربية أصلاً، فالدراسات والكتب الصادرة من المراكز السريانية عديدة في هذا المجال، وتثبتها بوثائق وبنهج أكاديمي، ومن بينهم الأب رفائيل نخلة في كتابه (غرائب اللغة العربية)، على أن الأراميين بعكس القبائل العربية، كانت تنتمي إلى اصل واحد وتتحدث وتكتب بلغة واحدة، وهي إحدى الركائز التي بنيت عليها الحضارة الآرامية، لغة “المسيح” والثقافة لقرون طويلة في المنطقة، وبكل مرتكزاتها، في مراحل كانت القبائل العربية لا تزال تعيش البداوة، طريقة في العيش والثقافة وبعيدة عن الكتابة والنسخ، واللغة الواحدة، وهذا ليس طعن في المجتمع العربي، ولا في اللغة العربية، المجتمعة حول نصها الإلهي القبائل العربية، وتكونت منهم أحد أعظم الإمبراطوريات، وامتدت على جغرافيات واسعة، وبلغت سويات عالية من التطور، إلى أن أصبحت عالمية، تشمل شعوب عديدة اليوم. وكما ذكرنا في الحلقات السابقة، ولا يعني هذا أن كل من تحدث العربية ينتمي إلى العرق العربي. وحمله للنص الإلهي، لا يعطيه الأقدمية على لغات كانت مبنية عليها حضارات، وأقدم وبقرون من أي تشكل لعربية موحدة، فالتحوير التاريخي غايته ألغاء هوية الشعوب الأصلية من المنطقة، وخاصة شعوب الحضارات القديمة، وبالتالي تطبيع جغرافية المنطقة بالصبغة العربية.
من المعروف أن معظم العرب ومن بينهم النصارى من قبائل بكر وربيعة ومضر وغيرهم، كانوا من القبائل الرحل، وكانت طبيعة أغلبيتهم ترفض الحضر، والزراعة أو السكن، وتحفز على الرعي والغزو والسبي كأساليب مثلى للعيش، وتوجد أمثلة عديدة على هذه الحقيقة، في التاريخ الإسلامي، فالحياة الاجتماعية تتناقض وأساليب المعيشة لشعوب الجزيرة المسيحيين الأصليين، من الكورد والسريان والأثوريين( المصطلح الذي خلقه الفرنسيون في بدايات القرن الماضي) والأرمن، المعتمدين على الحياة الحضرية الزراعية كمصدر رئيس للمعيشة، ومناطقهم كانت تنعم بالخيرات الزراعية، والرعي كان المصدر الثاني للمعيشة، فحتى أن العديد من المراجع تذكر بأنه بلغت عدد السدود وقنوات الري في الجزيرة 90 مشروعا، والكاتب ذاته يوردها في الصفحة(50) من كتابه، لكن لا بد من الانتباه إلى الخلاف بين المعلومة والنتيجة التي يطرحها، متناسياً أن القبائل العربية الجاهلة الغازية للمنطقة كانوا أوائل المدمرون لذاك العمران قبل غزوات تيمورلنك للمنطقة بقرون، التي يضع الكاتب كل مخلفات التدمير الزراعي عليهم، مبرأً القبائل العربية منها، والتي كانت تتأفف وتأبى الزراعة أسلوباً للعيش، بل وكانوا ينظرون إلى المجتمع الزراعي بدونية، فلم يجدوا ذاتهم إلا غزاة، يعيشون عليه كمصدر رزق بعد الرعي، فلذلك هدموا معظم البنى التحتية للحضارات الزراعية، ومن بعدهم بقرون عديدة أتى تيمورلنك( تولد 736ﮪ ، 1336م) على البقية الباقية من الحضر، ولا شك أن هؤلاء أيضاً كانوا يحتقرون المجتمعات الزراعية مثلهم، لكن تيمورلنك لم يستمر في احتلال المنطقة اكثر من عقد من الزمن، لتعود السلطات العربية إلى الحكم، ليتبعهم العثمانيون الأتراك.
8- لا يوجد تفسير غير البعد العروبي، الذي دفع بالكاتب إلى تشويه تاريخ الجزيرة أو شارك في تعميق الموجود من الفبركة، وتتوضح هذه عندما يعرض تاريخ المنطقة والإمبراطورية الإسلامية تحت أسم (العالم العربي) في الصفحة(51) ليتبعها بإسقاط المصطلح القومي الجاري ( الوطن العربي) على تلك المرحلة الزمنية، والتي كانت لا تزال علاقات الشعوب متينة على خلفية مفهوم الأمة الإسلامية بشكل أو آخر، كخيمة إنسانية عقائدية جامعة، رغم استمرارية الصراعات السياسية، التي لم تهدأ يوما، إن كانت مبنية على الانتماءات القبلية، أو اللغة، أو على الخلافات السياسية-المذهبية، علماً أن الكاتب عندما يأتي على ذكر الحروب الجارية بين الصفويين والعثمانيين في بدايات القرن الخامس عشر الميلادي، يعطي التفاتة مهمة، وربما لغاية مخفية، للوجود الكوردي في المنطقة ولبلادهم كوردستان، وللمناطق التي سيطرت عليها كل من العثمانيين والصفويين حتى مناطق الفرات الأوسط، وهي الجغرافية التي كانت في بدايات كتابه ينسبها إلى القبائل العربية المستعربة (بني ربيعة؛ وبني مضر؛ وبني بكر) وكان ينكر حينها على الكورد جغرافيتهم هذه! وعليه من الأهمية عرض الفقرة التالية من كتابه(ص51): “أفضت الحرب العثمانية-الصفوية بين السلطان سليم الأول والشاه إسماعيل الصفوي في عام 1514م ” من معركة جالديران في 23-08-1514 شمال شرق بحيرة وان، على معركة ” قرة غين دده” في محور ماردين-أورفه، وتحديداً جنوب ماردين في أيار/مايو 1514″ إلى سيطرة العثمانيين على بلاد كوردستان والجزيرة الفراتية.) ولا نجد هنا ذكر لديار بكر ولا ديار مضر أو ربيعة، بل بلاد كوردستان، والجزيرة الفراتية كانت جزء منها، وهو سرد تاريخي يقدر عليه، لمصداقيته هنا على إسقاط الحقيقة التاريخية دون بتر؛ أو فبركة. وفي مقطع آخر له من الصفحة التي بعدها (52) يؤكد ثانية وبشكل غير مباشر على أن الجزيرة الفراتية كانت قسم من جغرافية كوردستان عندما يقول “الاعتداءات الخارجية، وفق معاهدة تعتبر أول معاهدة تعقدها الدولة العثمانية مع الإمارات والعشائر في بلاد الجزيرة الفراتية العامة (كردستان وشمال العراق). ونجح البدليسي في أثر ذلك في تقسيم ديار بكر المترامية الأطراف”. والملاحظ هنا بأنه يعود ليلحق بها اسم (ديار بكر) بشكل اعتباطي، متجاوزا أسمها التاريخي، وجغرافية الاسم (كردستان وشمال العراق) والتي كنا قد قدمنا مصادر عديدة على أنها كانت تسمى (آمد) حتى بدايات حكم السلاطين العثمانيين…
يتبع…
[1]