=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الحادي والعشرين”..=KTML_End=
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
حول الديمغرافية الكوردية وهجراتهم
قبل الموضوع الوارد في الحلقة العشرون، وفي صفحات سابقة، وخاصة في الصفحة(316) كان الكاتب قد بحث في قضية ديمغرافية-دينية لا تقل عن اللاحقة تشويها لواقع المنطقة، لربما ولم ينتبه بانها وحسب سرده تتناقض ما يتأمل منها، بل وتطعن في هدفه، أو لربما كان يتوقع بأنه مجرد ذكر اليهود والبحث في علاقتهم بالكورد أثناء وجوهم التاريخي في المنطقة، كافية لتكون ناقصة في التاريخ والجغرافية الكوردستانية الجنوبية الغربية، أي (الجزيرة) والحديث يجري عن ديمغرافية وتهجير يهود الجزيرة والذين كانوا كوردا بديانة يهودية، مع ذلك يستغل الكاتب الصراع الديني، ومن خلاله يود الضرب على وتر العلاقة اليهودية بالكورد المسلمين في بدايات القرن الماضي، محاولاً إقحام اليهود على خلفية الصراع على فلسطين في قضية الجزيرة، المفترضة سلفا بخلوها من السكان، فيثير خبرا تم نشره في بدايات القرن الماضي في بعض الصحف العربية، مطعونة في مصداقيتها، وهو أن أنظار الدول الكبرى اتجهت نحو توطين اليهود، القادمين من الخارج إلى إسرائيل، في الجزيرة الكوردية، وهذه كانت مجرد دعاية لمخطط سياسي عروبي، لم تبحث في أية دولة أو على سوية هيئات معنية بالأمر حينها، وليؤكد على مصداقيته في هذه القضية يقول بإن اليهود والشركات اليهودية الخارجية بدأوا بشراء الأراضي في الجزيرة الكوردية، والخبر بمجمله كان مفبركاً.
1- بالنسبة لقضية شراء الأراضي: دعاية، كانت تقف ورائها السلطات العروبية، وأثارتها بعد عام 1948م، لا إثبات عليه، ومن المعروف أن نسبة اليهود في المنطقة ومنذ الأربعينيات تناقصت. وفي الواقع أن المجتمع اليهودي كانوا أبناء المنطقة وكأي شريحة كوردية كانت لهم أملاك وعقارات، ولم يحصل أبدا في تاريخ القرى والمدن الكوردية بأن ظهرت فيها جاليات يهودية خارجية وقاموا بشراء الأراضي، أما امتلاك العائلات المهاجرة، من القرى إلى المدن الكوردية، للعقارات أو شراء بعضها، ظهرت بعد الهجرة العامة للكورد من الريف إلى المدينة، وخير مثال كان والدي وأعمامي وبعض مشايخ قرى منطقتنا الشيتية يقولون بأنه كانت توجد في قرية دوكر حاضرة آل عباس ما يزيد عن عشرين عائلة يهودية، وكانوا يسكنونها منذ بدايات نشوء القرية، هجرت نصفها إلى قامشلو في الثلاثينيات، وهناك اشتروا الأراضي وبنوا مساكنهم وشكلوا مع مهاجرين آخرين من قرى أخرى كتل شعير سوقهم المعروف، والنصف الأخر الذين كانوا فلاحين هجروا عن طريق تركيا إلى إسرائيل بسبب ضغوطات المربعات الأمنية العربية السورية، وبالمناسبة نفس أولئك الضباط العرب رؤساء المربعات الأمنية في قامشلو وبرشاوي ضخمة، إلى جانب الاستيلاء على ممتلكاتهم، ساعدوهم على عبور الحدود السورية التركية. أما حول شراء عقار من قبل شركات أو منظمات أو عائلات يهودية من خارج المنطقة، فلم يحصل، ولا توجد أية وثيقة تثبت هذا التلفيق.
2- وفي الحالة الأولى مخطط توطين اليهود في الجزيرة: على الأغلب يحاول الكاتب أيهام القارئ على وجود علاقة سياسية ما بين الكورد والحركة اليهودية عن طريق شركاتهم الرأسمالية، ويعتم على الحيز التاريخي في العلاقة، وبها يود أن يحكم على كورد الجزيرة (جنوب غربي كوردستان) ومن المنطق العروبي بالخيانة لسوريا المغطاة سلفاً باللباس العربي، ويتناسى بأنه لولا السلطات العروبية والتي استخدمت الخلافات الدينية لكان اليهود الكورد اليوم جزء من نسيج جنوب غربي كوردستان. وما يقوم به الكاتب من خلال تحريك طروحات عرضها بعض المحللين السياسيين العروبيين حينها قبل الأوربيين في جعل كوردستان منطقة بديلة لليهود عن فلسطين، لم تكن سوى لعبة سياسية خاسرة لعبها بعض المنظمات العروبية، ويود الكاتب تحريكها، ويتناسى أن تحليل مماثل كان قد تم من قبل بعض السياسيين عرضوا فكرة نقل الفلسطينيين الهاربين عام 1948م إلى كردستان، وفي الحالتين كانت جغرافية كوردستان تستخدم كبقعة مشاع، أباحتها الدول الاستعمارية، وعلى هذا المفهوم قسمت وقدمت لأربع دول. وبالمناسبة لا أظن بأن الكاتب لا يعلم أن اليهودية مثلها مثل الزرادشتية والمسيحية كانت ديانة أبناء المنطقة، وهي بالذات كانت ديانة أغلبية الحضر في شبه الجزيرة العربية في فترة ظهور الإسلام، مقابل غالبية القبائل العربية الوثنية.
ويحاول دعم هدفه، بالطرق على خلو الجزيرة من السكان ومن العنصر الكوردي في الصفحات اللاحقة وخاصة في الصفحة(321) وأن ظهور الكورد فيها نتجت عن طريق الهجرة، ويسميها بهجرتهم الأولى التي أدت إلى تسكين المنطقة وظهور الديمغرافية الكوردية فيها، متناسيا، عدة إشكاليات، منها الكثافة السكانية للمنطقة، وعدد سكانها حينها بشكل عام، وملكية المنطقة التاريخي، وخلفية ظهور العنصر العربي هنا، وضحالة الجدلية التي يستند عليها، تقسيم المنطقة بين جغرافيتين فقط سوريا وتركيا دون كوردستان، وبين الشعب العربي والتركي، وترك الكورد كعنصر ثانوي. وغيرها، وهنا يفصل بين الجزيرة، بتسميتين، “الجزيرة التركية” و” الجزيرة العليا السورية” ويركز على عام 1925م أثر انهيار ثورة الشيخ سعيد البيراني (والتي يسميها مرة أخرى بثورة النورسي) فيقول بأن الجزيرة العليا كانت ” خالية من أي أثر للعمران الحي” ويستند فيها على المصادر أمثال (إسكندر داود) وشريط مسجل لعائلة ألياس مرشو وعلى صالح هواش المسلط، وهي اسنادات هشة وحديثة العهد، ولا تسند بمصادر بل يتم فيها تناسي العمق التاريخي للمنطقة، ولا يمكن الحكم على الانتماء الجغرافي لمنطقة من خلال عقدين من الزمن.
ومن ضمن الكتاب نفسه يمكن الإثبات على عدم صحة هذه المعلومات، فهو بذاته يذكر في الهامش (7) من الصفحة(323) وتحت ملحق قرار حكومة تاج الدين الحسيني السورية والصادر في الجريدة الرسمية العدد (731) تموز 1932 أنه كان في النواحي الثلاث لقضاء القامشلي 38 قرية، منها (21) قرية في ناحية عاموده وحدها، ونحن نعلم أن هناك قرى كانت موجودة في شرقي قامشلو تاريخ تحضرها تعود إلى بدايات القرن الثامن عشر، ومنها قرية دوكر وتل شعير وديرونا آغي وحلوة وغيرها. ولا شك هذا الفضاء الخالي من التحضر، بل من البشر، تنطبق على المنطقة الجنوبية للجزيرة العليا حيث البادية ومنطقة الهول وجبل عبد العزيز وضفاف الخابور الأدنى حتى مصبها في الفرات، وعلينا ألا ننسى نسبة الكثافة السكانية في العالم، وكذلك ليس فقط في كوردستان بل في كل الشرق الأوسط، وديمغرافية سوريا الوليدة جميعها لم تتعدى حينها مليوني إنسان.
فلم يعد غريباً أن عملية التوطين العربي لجنوب غربي كوردستان جرت من حينها، عندما حاولت السلطة السورية العربية، ومن تحت هيمنة فرنسا توطين العشائر العربية في منطقة الجزيرة، فوزعت أراضي بلدية الحسكة وقامشلو عليهم، وكانت الألوية للمهاجرين من الفرات الأدنى، ومنطقة دير الزور، وأعفتهم من أية ضرائب ووزعت عليهم الأراضي الزراعية، وسمحت لهم التصرف بالأملاك، وحق البيع والشراء، أنظر في هذا إلى كتابه هو الصفحة(324).
وفي هذه الفترة الزمنية ذاتها، أي بداية الثلاثينات من القرن الماضي، بدأت قبائل الجبور والشمر والجوالة والطي بالتحضر، والكاتب بذاته يحددها من عام 1936م أنظر الصفحة(333) حول تحديد السنة، ومعرفة خلفية التحضر السكني، وهي سنة الانتخابات البرلمانية، وكانت محاولة لإيجاد برلماني عربي تحت صفة الحضر…
يتبع…
[1]