=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الخامس والعشرون”..=KTML_End=
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
حول كوردستانية الجزيرة
7 – ما ذكره الأمير كاميران عالي بدرخان في محاضرته “المشكلة الكوردية” في تموز 1949م وأمام الجمعية الأسيوية بلندن، حول جغرافية شمال وجنوب غربي كوردستان، واضح ولا يحتاج إلى تأويل، مع ذلك يوردها الكاتب محمد جمال باروت في الصفحة (799) ضمن كتابه، وبشكل ملتوي، ويحللها حسب غايته، ذاكراً بأن الأمير يحدد جغرافية جنوب غربي كوردستان حسب الخط السياسي المار بين سوريا الحديثة وتركيا الكمالية، مع تلاعب بالمصطلحات والأدبيات الحربية التي كانت تطرح على خلفية الظروف السياسية القاهرة، كالمكتب الثاني الناصري، وما أتبعه من جور المربعات الأمنية، ويستخدم نفس التلاعب بدراسة أو محاضرة الأمير، علماً أن المنقول عن المنقول بحد ذاته يخلو من المصداقية. فالأمير يتحدث عن جغرافية شمال وجنوب غربي كوردستان كجغرافية واحدة، ويضع البادية السورية الحد الفاصل بينها والمنطقة العربية، ومحمد جمال باروت يتحدث عن جنوب وشمال كوردستان، ويرسم الحدود الفاصلة بين العراق وتركيا ماراً بقلب كوردستان، وهنا الحديث يجري بين منطقتين جغرافيتين وحدودين سياسيين، وجزأين مختلفين من كوردستان، الجزء الجنوبي الذي يتحدث عنه الكاتب، وكردستان الكبرى التي كانت تتضمن الجزء الذي تشكلت منها شمال سوريا لا حقاً أي الجزيرة والتي مرت ضمن دراسة الأمير. وحسب تحليل الكاتب، سيقطع الخط الجغرافي ذاته أي حدود سوريا وتركيا بين جنوب كوردستان وتركيا، وبالتالي ستلغى كوردستانية جنوب كوردستان أيضا، إذا أستمر بخط مستقيم وهو نفس الخط الذي سماه الأمير بقلب كوردستان، وقصد منه الخط السياسي الذي شكل حديثاً بين شمال وجنوب وجنوب غربي كوردستان، أي الخط الفاصل بين العراق وتركيا، وسوريا وتركيا، خاصة وأن الحدود أو الخط المعني قسمت جزيرة بوتان، مسقط رأس الأمير، وولاية بوتان التاريخية هي مركز أجداده، ويعتبرها الأمير كاميران قلب كوردستان، ومحمد جمال باروت يتخابث هنا على القراء على لسان الأمير، بأن الحد الفاصل بين كوردستان والجزيرة أو سوريا العربية هو الخط الذي تم به تحديد سوريا وتركيا ويتيه عند التقرب من الحدود المصطنعة بين العراق وتركيا! وإذا سلمنا بمنطق الكاتب فإن الخط الفاصل بين سوريا وكردستان الجنوبية ستكون على مشارف مدينة جزيرة بوتان وهي قلب ولاية بوتان، أي الحدود السورية العراقية أصبح الفاصل بين الديمغرافية الكوردية في جنوب كوردستان والجزيرة والتي يجردها من الكورد وكوردستانيتها! وأفضل رد على هذا التلاعب الخبيث تأتي فيما يورده الكاتب نفسه في الصفحة (799) الهامش (171) في المناقشات التي جرت بين الأمير كاميران والرائد سايلي بيل من بين ما يذكر، يقول الرائد كصيغة سؤال: “هل هذه الحركة تهدف إلى تشكيل دولة في حدود معينة، حيث تضطر تركيا والعراق وإيران وسوريا إلى التخلي عن جزء من أراضيها، أم تأمل حكماً ذاتيا كخطوة أولى؟” وهنا يتوضح أن جزء من كوردستان اقتطعت وضمت إلى سوريا المتشكلة حديثاً، والأمير لم يكن يعترف بالوجود السوري كدولة ذات سيادة، خاصة وهي أصحبت محتلة حديثا من قبل الفرنسيين، وكانت لا تزال من تركة العثمانيين، الدولة التي لم تعترف بها الدولة الكمالية إلا في عام 1962م عندما حولت قنصليتها إلى سفارة، وكان هذا المفهوم هو الدارج ضمن مطالب جمعية خويبون، قبل التلاعب والفبركة السياسية الذي حدث لجغرافية جنوب غربي كوردستان، وهو ما كان يقصده الأمير في جوابه ومحاضرته عندما لم يأتي على ذكر أسم سوريا، وتأكيدا على هذا ما ورد في أحد النقاط التي وردت ضمن المحضر الذي سنبحث فيه ضمن الفقرة(8).
8- ومن إحدى الأساليب التي بدأت تستخدمها السلطات المحتلة لكوردستان، ويركز عليها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات القطرية، المؤسسة المحتضنة لمحمد جمال باروت وغيره من العروبيين، محاولات الطعن في القضية الكوردية السياسية من خلال أدبيات الأحزاب الكوردية في سوريا بعد تحريفها وتقطيعها، وعرض مقاطع دون أخرى، كالتي أوردها في الصفحة(800) متناسيا الواقع السياسي المعاش تحت ظل سلطات قمعية شمولية، ومتغاضياً عن الواقع المرير الذي كانت الأحزاب الكوردية تعيشه، والمنافذ التي كانت تستخدمها لنضالها القومي، لئلا يتعرضوا إلى تهمة الخيانة بالوطن، إلى جانب ما كان يعانيه الشعب من المظالم والمعاناة. كما وفي تتمة الهامش(171) من نفس الصفحة يورد وثائق جمعية العائلة البدرخانية في محضرها(6489 المنعقد في 27 أيار عام 1920م) متناسيا أيضا الفترة الزمنية التي لم تكن فيها سوريا موجودة، والإمبراطورية العثمانية كانت قائمة، بشكل ما، وأن الإمارة البوتانية كانت تمتد حتى البادية السورية، وجنوب غربي كوردستان كانت امتدادها الاستراتيجي الجيوسياسي والديمغرافي، وإحدى مقاطعاتها الأساسية، وعليه يقول الأمير كاميران في مذكراته ” المتضمنة تعني ضم جزيرة ابن عمر إلى إمارة كوردستان، أو بعد سنة إلى دولة كوردية مستقلة، كما تم الاتفاق على تاريخ وملاحق حكومة الجزيرة الإدارية” والملاحق الإدارية هذه تعني المناطق التي استقطعت ولحقت بسوريا فيما بعد. كما وتتوضح من خلال الفقرة اللاحقة الواردة ضمن المذكرة المقدمة إلى مؤتمر الصلح مع العثمانيين عندما يذكرون ” ترك جزيرة ابن عمرو لسوريا” والقصد هنا جنوب غربي كوردستان.
9- والأبشع ما يورده في الصفحة(807) وما قبلها عندما يحاول وفي عدة مواقع عزل الوجود الديمغرافي الكوردي ما بين الجزيرة ومنطقة عفرين، مستنداً على دراسته الغارقة في التأويلات والتحليلات الخاطئة والمفبركات التاريخية، بدءً من فترة الغزوات الإسلامية العربية إلى مرحلة ظهور الأنظمة العروبية، ونتائجه حول الوجود الكوردي على جغرافيته الجنوبية الغربية، والتي يرفضها كوحدة جيوسياسية بتكامل ديمغرافي، فيقول” وذلك أثناء تحليله لهيمنة حزب العمال الكوردستاني على الواقع السياسي في كوردستان الجنوبية والصراع مع الأحزاب الأخرى ما بين عفرين والجزيرة. ذاكرا ” يفترض في الحساب الافتراضي أن تكون هيمنته كاملة على الجزيرة التي يتحدر معظم أكرادها من كوردستان تركيا، بينما أكراد عفرين أصليون” ووجه الغرابة هنا: هل أكراد عفرين أصليون ضمن جغرافية مستقطعة من كوردستان الكبرى؟ أم هي جزء من سوريا العروبية؟ وهل هم أكراد لاجئون أم أصليون في كوردستانهم؟ وتناقضه واضح من خلال جدليته الساذجة وتتبين من خلال إلغائه لكوردستانية الجزيرة، وخاصة شمال شرق سوريا، وبالتالي ستلغى معها كوردستانية عفرين. ويناقض الكاتب ذاته مباشرة معترفا أن “الكورد أمة” وهو الأعلم أن الأمة لا تتكون في عقد ولا في قرن، فكيف تمكن كورد الجزيرة الانتقال من العشائرية إلى وعي الأمة خلال نصف قرن من وجودهم مهاجرين في سوريا؟ فيؤلها حسب غاياته، ويقول” وما يفسر ذلك هو عامل الوعي القومي الذي تخطى الروابط العشائرية الأصلية إلى عوامل الأمة” متناسياً أن المرحلة الزمنية حسب تحليله التاريخي والتي تنحصر ضمن فترة تشكل سوريا كدولة، لا تتجاوز نصف قرن من الزمن، وفي الواقع هذه التحولات الفكرية الاجتماعية الثقافية تحتاج إلى مراحل زمنية طويلة تمتد إلى ما قبل ظهور القبائل العربية الإسلامية الغازية بقرون عديدة، وهو العمر الزمني الذي يسكن فيه الكورد ضمن جغرافيتهم، وحضاراتهم السابقة تثبت ذلك…
يتبع…
[1]