=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الثامن والعشرون”..=KTML_End=
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
قضية الجزيرة الكوردستانية والبعث
حدد الكاتب محمد جمال باروت عام 2010م كبداية لظهور المطلب القومي الكوردستاني، كالفيدرالية أو ما بعدها، للتعتيم والتغطية على:
أولا، الخلفية القومية الكوردستانية المدموجة بالوطنية، وعلى عمليات الطعن المتتالية بالقضية القومية الكوردستانية من قبل السلطات السورية العروبية وخاصة البعث والأسد، وقد ركز عليهما في صفحات من كتابه، وألحقها بمصادر من أروقة المربعات الأمنية، جلها للتعتيم على النهج الكوردستاني القومي-الوطني، الذي برز من مرحلة ظهور الفرنسيين وخاصة في الثلاثينات من القرن الماضي، وقد أثبتتها الوثيقة الموقعة من قرابة عشرون رئيس عشيرة كوردية مرسلة إلى القنصل السامي الفرنسي يطالبون فيها بالإدارة الذاتية، وقد تبناها الأمير جلادت بدرخان، توضحت فيها الوطنية المتفقة مع الغاية القومية الكوردستانية. والتعتيم على المطلب القومي الكوردستاني مع تشكل البارتي، ولربما يعلم أن انشقاق الحزب في السنوات الأولى من تشكله كان من أحد أسبابه خلفية المطلب الكوردستاني لجنوب غربي كوردستان. وهو بذاته يأتي على هذه القضايا ويشكل مفصل في الفصل الرابع عشر، لكنه ينفي ارتباطها بالمنطقة جغرافيا، وديمغرافية، وتمثل جنوب غربي كوردستان المجزأة عن كوردستان الكل، بل كحركات سياسية قومية لمهاجرين كورد إلى سوريا. وعلى رفع حزب اتحاد الشعب شعار الإدارة الذاتية الموسعة في الثمانينات من القرن الماضي. وخدعته الكبرى تظهر من خلال عدم اعتبارا الحركات الكوردية الخارجية، من ضمن الحركات الكردستانية، لأن مطالبها لا تعكس مفاهيمه، كالمجلس الوطني الكوردستاني السوري المتشكل في عام 2006م، وحركات أخرى أقدم كانوا في أوربا، وكانوا خارج هيمنة سلطتي البعث والأسد، أي سلطة المربعات الأمنية، مطالبهم عكست طموح الشعب الكوردي، بدءً من المطالبة بالفيدرالية إلى حق تقرير المصير، واللامركزية الفيدرالية في سوريا.
والثانية، أساليب السلطات الشمولية العروبية المتعاقبة على الحكم في سوريا بعد الانتداب وحتى اليوم، والمتصاعدة في فترتي البعث والأسدين، وبشاعة تعاملهم مع الحركة الكوردية الخارجة من دائرة أوامرهم، ويتناسى وبخبث، وكتتمة على هذه الخلفية، بأنه لم ترد في أي من أدبيات تلك السلطات أو خطاباتهم السياسية كلمة الكوردي، وكان أي نشاط تحت أسم الكورد محظورا، والقائمون عليها سيكونون متهمون سلفاً حتى درجة الخيانة، وتجاوز أي حزب سياسي أو شخصية سياسية أو ثقافية للحدود المرسومة لهم في المربعات الأمنية كانت تؤدي بهم إلى التعذيب والسجن، بتهمة خيانة الوطن، أو اقتطاع جزء من أراضي سوريا، وغيرها من الأحكام، التي أجبرت الجميع بالتكتم على طموحه ورغبة الشارع الكوردي وغاية الحركة الكوردستانية، ومن ضمنها الأحزاب.
ولتمييع القضية الكوردستانية في جنوب غربي كوردستان، يجزأ تاريخ الحركة السياسية الكوردية، وذلك بدءً من الفصل الرابع عشر الصفحة(749) ومن فترة خويبون وما بعدها، فيدرج مراحل نشاطات الكورد في جزئه الجنوبي الغربي كنضال من أجل الجزء الشمالي، وهنا يتناسى بأنه في تلك الفترة الزمنية أن جزئي كوردستان كانتا جغرافية واحدة، ومراحل تشكل وتكوين سوريا وتركيا، والحدود السياسية التي لم تكن لها وجود قبل ظهور الحركات القومية الكوردستانية في المنطقة، وظهورها الحركة القومية الكوردستانية في هذا الجزء مثل غيرها من الحركات القومية التي أرادت تشكيل كياناتها بعد انهيار الدولة العثمانية، والتقسيمات الجديدة لجغرافية المنطقة تمت مؤخراً من قبل بريطانيا وفرنسا. وينتهي بالكاتب إلى جعل سنوات بداية الثورة السورية النهوض الحقيقي للمطلب الكوردستاني لجنوب غربي كوردستان!
لا شك بروز هذا المطلب الكوردستاني في عام 2010م المتناقض مع الأدبيات الحزبية السابقة، لم تكن طفرة أو ولادة قيصرية، بل كانت عملية إزالة الغطاء عن النهج والغاية وعن المكنون الذاتي، وذلك إثر ملائمة الظروف وظهور جو من الحرية، وخروجهم الجزئي من تحت هيمنة المربعات الأمنية والسلطة الشمولية العنصرية، وليس كما يدعيه الكاتب وغيره من المثقفين والسياسيين العروبيين، بأن الحركة السياسية الكوردية لم تكن تطالب أو لم تكن ترغب في ذلك، أو أن الوعي الكوردي القومي كان ناقصا وغير ناضج، بل بالعكس، فالظروف ساهمت في إبراز ما كانوا يطمحون إليه طوال القرن الماضي، ومنذ نشوء الدول اللقيطة في المنطقة ومنها سوريا الحديثة. وهذا التحول بَّين عن نوع من الوعي المتفتح، ودراستهم المنطقية للحيز الأمني والاستبداد الشمولي، فكانت الحركة الكوردستانية تعرض النهج الأمثل للمرحلة في أدبياتها، لحماية الشعب وعدم إعطاء الحجج للمراكز الأمنية، أو تقديم مستمسكات إلى السلطات العنصرية تبرر لهم إرهاق وتعذيب وتهجير الشعب الكوردي أكثر مما كان يتم، وسلطة البعث والأسد كانوا يتنمون مناهضة كوردية معادية أو شبه مسلحة، ليملكوا الحجة على تدمير المنطقة، وتهجير الكورد بشكل جماعي، وتاريخهم في هذا معروف، فحماة وحلب خير مثال، ولما تقاعسوا في تطبيق ما فعله صدام بحلبجة أو الخميني بشرق كوردستان وتركيا بشمالها، حيث إزالة الألاف من القرى الكوردية وتهجير ساكنيها إلى المدن الكبرى كإستنبول وأزمير وأنقرة.
وفي الحقيقة أن الكتاب الذي نتناوله لا يختلف عن أي مستنقع مليء بالأوساخ الفكرية والمفاهيم المشوهة، وتندرج، كما ذكرناها سابقاً، ضمن سلسلة من الدراسات والكتب التي أصدرها البعث والمراكز العروبية كالمركز القطري الذي يخدم فيه الكاتب، والصفحة(820) واحدة من عشرات الصفحات التي تبين هذه الحقيقة، وفيها يحاول تبرير أعمال البعث العنصرية تجاه الكورد، على مدى العقود المظلمة السائدة على سوريا في عهدهم، فيبحث في قضيتهم على أنها قضية اجتماعية ومواطنين عرب سوريين، بل ويخلق التبريرات للمراسيم الرئاسية الجائرة، ولقوانين البعث الاستثنائية، كقانون الحظر على التطور الاقتصادي ، ويمجد بالأسد على أنه فتح المجال بإعادة المطالبة بالجنسية بشكل فردي. وهنا ينفي عن البعث العنصرية العروبية، ويلغي عن الكورد الصفة القومية، ويمن عليهم بيوم العطلة في عيد نيروز، تحت اسم عيد الأم. إجمالا لا يخرج الكاتب من إطار البحث عن تكريس صفة المهاجرين لشعب جنوب غربي كوردستان، الجزء المستعمر سورياً، ويعيد غايته من الكتاب بصيغة مغايرة، وهي أنهم مهاجرين قادمون من كوردستان الشمالية، حيث تركيا، وحقهم هضم كمواطنين لاجئين ضمن سوريا العربية، عطف عليهم البعث والأسد عندما حاول أن يعيد إليهم حقوق المواطنة.
يجب التوقف على الصفحة (835) مطولا، رغم أن فقرات منها تكرار لسابقاتها، كعملية تبريره لأعمال البعث، وهنا يضيف الصفة الاشتراكية والوطنية على البعث، وتغييب العنصرية والشوفينية، والتمويه على عمليات التعريب، فلا يعتبر الاستيطان، ولا الإحصاء ولا مستعمرات الغمر تعريباً، وكذلك القرارات والقوانين الاستثنائية، كالقرار الاقتصادي 49 عنصريا، يعتبرهم قرارات وطنية لصالح كل سوريا، ويتناسى بأن الصفة الشوفينية العنصرية فضحتها وهي في مهدها، عندما طبق بشكل سافر وبتركيز على المنطقة الكوردية، بمدنها وريفها، وعلى بعض المناطق الحدودية المعادية لسلطة الأسد، ونتائجها على جنوب غربي كوردستان وعلى الشعب الكوردي عرتها وأظهرت خلفياتها. ثم أنه يعطي تحليلات تلفيقيه وتمويهية وساذجة على الحزام العربي، وفي المحصلة يسرد استنتاجاته لتبرير جرائم البعث والأسد، ويتغاضى عن عرض القضية الكوردية على حقيقتها وإشكاليات الشعب الكوردي مع السلطات السورية المتعاقبة، لئلا تظهر بأنها قضية قومية وليست قضية مواطنة، وهنا تكمن لب الموضوع، وقمة الخلاف والصراع بيننا وبين العروبيين وسلطاتهم.
ويحاول الكورد في جنوب غربي كوردستان وعلى مدى العقود الماضية الطويلة إقناع الأنظمة العروبية وبكل الطرق بكوردستانية المنطقة، والتمسك بالأرض، والوقوف في وجه محاولات تطبيع المنطقة وشعبها، وتم حوارات عديدة مع شريحة واسعة من السياسيين والمثقفين العرب السوريين وغير السوريين حول قضية جنوب غربي كوردستان، ومعظمها ذهبت سدى أمام ديمومة نزعة الغزو والاحتلال. والكاتب محمد جمال باروت خير مثال، فدفع به تأثره بثقافة البعث ليرى القبح جمالا، ومخططات البعث كالحزام العربي منة على الكورد، وقد عنون الجزء الثالث من الفصل الثالث عشر، في الصفحة(741) ب: “الحزام العربي” بين الواقع والأسطورة. وبدأ يعللها بقضية سد الفرات، والإصلاح الزراعي، وغيرها من التبريرات، وعناوين معظم الفصول التالية في هذا الموضوع تعكس مصداقيته وخباثة التحليل. ومن جملة تلفيقاته ما يقوله في الصفحة ( 836) “وفي هذا السياق كان “الحزام العربي” (أي الفلاحون المنقولون أنفسهم) من ناحيتي الحجم الديمغرافي والتسييس القومي والأيديولوجي أسطورة أكثر منها حقيقةً، لكن أسمه الطنان بقي يضخ الحكايات الأيديولوجية ويذكي من أوارها” نعم ظلت أسطورة، وستبقى لعقود مديدة، وهي كذلك لأن ما فعله البعث والأسدين في الواقع الفعلي وما نتج عنه من الطعن والغبن والقهر والمعاناة وتدمير الشعب الكوردي بلغت حدود الأسطورة، ونادرا ما تحصل في التاريخ، وبدون أن تثير الرأي العام العالمي، بسبب التكتم عليها إعلاميا، وتم التعتيم عليها لبشاعتها، ولم ينتبه إليها المنظمات الإنسانية، فالطرق المخادعة، فأساليب التكتم عليها، أصبح طبيعياً أضفاء صفة الأسطورة عليها، وليس من حيث أن الكورد ضخموها لتصبح أسطورة، بل هي اضخم بكثير مما قال وكتب عنها الحركات السياسية والثقافية الكوردية…
يتبع…
[1]