=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الثالث والثلاثون”..=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
التكرار والتناقضات: وجهله في عدم التمييز بين ثورة الشيخ سعيد بيران وحركة الشيخ سعيد النورسي الدينية.
3- من بداية الكتاب وحتى الفصل الثاني، أي نهاية الصفحة (124) لا يستطيع محمد جمال باروت أقناع القارئ النبيه بجدلية الغياب الكوردي وترسيخ الوجود العربي البدوي في المنطقة، وفي عمق الجزيرة العليا وشمال الفرات الأوسط، رغم التلاعب بين مراحل الحضر والرحل، وتنقلات القبائل العربية، وفبركة تاريخ وقائع المعارك، عن طريق الدمج بين الماضي والحاضر، مبتدئً من فترات قبل الإسلام وبداياته إلى الحاضر، مغيبا فيها خلفيات ظهورهم المفاجئ في جنوب الجزيرة، حيث الغزو العربي الإسلامي، مستنداً على المعارك التي جرت في المنطقة، وخاصة تلك المعارك العرضية بين قبائل كانت تلتقي وتتقاتل على مرابع الكلأ التي وفرتها لهم المد الإسلامي، على حساب انحسار السيطرة البيزنطية على المنطقة.
يتناسى الكاتب المعارك والحروب التي جرت في المنطقة بين مراكز الحضر، التابعة في عمقه إلى الشعوب الأصلية في المنطقة، أصحاب الأرض، خلفاء الحضارات، كالكورد والأراميين والسريان والأرمن وغيرهم، وبين قبائل عربية غازية، ويتغاضى من عرضها لأنها إثباتات تاريخية على أن الوجود العربي الحاضر في المنطقة ليسوا بأكثر من أحفاد القبائل الغازية، ولم يشكلوا يوما حضرا في المنطقة، بل اندمجوا مع السكان الأصليين وضمن حضرهم، والصفة العربية التي راجت على المنطقة ظهرت على خلفية لغة السلطة والقرآن. كما ولتمييع هذه الجدلية المتعارضة مع هدفه، يركز على التنقلات الموسمية إلى الجزيرة، والتي يصفها بالهجرات، رافضا أن تكون جنوب غربي كوردستان (الجزيرة) امتدادا طبيعيا للتجمعات الحضرية الكوردية في شمالها الجغرافي، انقطعت فقط تحت عاملين، الأول رسم الحدود الجغرافية بين فرنسا وتركيا الكمالية. والثانية فرض الحكومات العروبية شروط قاسية على الكورد، مقابل سماحها ومساندتها للقبائل العربية بالتمدد في تلك المناطق. والكاتب يدرك أن التنقلات التي جرت بعد تشكل سوريا وتركيا، والموصوفة بالهجرات، كانت سياسية، والثورات الكوردية كانت ردات فعل على الفصل الديمغرافي لأمتهم والتقسيم الجغرافي لوطنهم دون إرادتهم، والتمييز العنصري وعمليات التهميش وتطبيع الكورد. وإعادة الكاتب الوجود الكوردي في جغرافيتهم ضمن جنوب غربي كوردستان، تحت عوامل الهجرات والتي يسميها الهجرات الأولى والثانية والثالثة، ليست أكثر من سذاجة تحليل بعد فبركة الحقائق، أمام الوجود الكوردي التاريخي في المنطقة، والحضور البدوي العربي إلى المنطقة في بدايات القرن الماضي، معظمها على خلفية خسارتهم أمام أل السعود.
للتعتيم على هذه الحقائق، يحاول التلاعب على إشكالية تنقلات العشائر الكوردية ما بين حضرهم ومراعيهم، وعرضها كحركة شعوب مهاجرة من دولة إلى أخرى، متناسيا وبجهالة أن الحدود السياسية المستندة عليها ظهرت في العشرينات من القرن الماضي، وجدلية الوجود الكوردي تمتد في العمق التاريخي إلى قرون قبل ظهور الإسلام، رافضا أن يكون هناك شعب كان يتنقل ضمن جغرافيته الكوردستانية، المجزأة دون إرادته. ولعزل هيمنة الحكومات العروبية والتركية عن خلفيات هذه القضية يفرد لها فصلا كاملا بدءً من (217) ويركز فيها على التنقلات الموصوفة بالهجرات، ليخرج بنتيجة خبيثة، أستند عليها معظم الكتاب العروبيين حاليا، وهي أن الكورد حديثي العهد في سوريا والهجرات المذكورة توضح الحقيقة، وهم بهذا يلغون التاريخ والواقع الجغرافي، وخلفيات السلطات الحاكمة وغاياتهم العنصرية، ومراحل تجزئة كوردستان وتقسيم الشعب الكوردي وعشائرهم. إلى أن تجرأ البعض من سياسييهم ومثقفيهم السذج بالقول إن موطن الكورد هي خارج كوردستان الحالية. وبالاطلاع على المواقع العربية يمكن التعرف على شريحة الكتاب والمعلقين المجندون من قبل السلطات الإقليمية والذين مهمتهم نشر الفبركات التاريخية حول الكورد وقضيتهم، مسخرين لهم مراكز علمية، كالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في قطر، الذي جمع فيه معظم البعثيين أمثال محمد جمال باروت.
4- من أحد أهم مطبات الكاتب، عدم معرفته، أو ربما التقصد بعدم المعرفة، أن ثورة الكورد في عام 1925م كانت بقيادة (الشيخ سعيد بيران 1865م-1925م) وليست لها علاقة بالحركة الدينية الإسلامية التي أسسها ونشرها الداعية الكوردي (الشيخ سعيد النورسي 1876م-1960م) والمعروف ببديع الزمان. عارضاً الثورة في مجمل كتابه باسم (ثورة النورسي). لا شك خطأ لا يغفر له، وهي أكثر من مجرد مغالطة تاريخية غريبة، لا نعلم كيف سقط فيها، واستمر عليها طوال صفحات الكتاب، رغم اطلاعه على العديد من المصادر والمراجع التي تبحث في الثورة والحركة بشكل مفصل. وهنا لا بد وأن تكون هناك إشكاليات حول هذه القضية:
1- إما أنه لم يكن يطلع على محتويات المصادر التي يستند عليها، ويسقط أسماؤها مع اقتباسات عشوائية ضمن صفحات كتابه، وهو ما توضح لنا في مواقع عدة وحول حوادث أخرى غير هذه، وبرزت بشكل فاضح حول هذه الثورة.
2- أو انه تقصد هذا الخلط للتضليل على القارئ، وتشويه الثورة وتاريخها، وعرضها كحركة دينية إسلامية سياسية، وتجريدها من بعدها القومي، ولربما عرضها كدعم لدعاية كمال أتاتورك حول الثورة، على أنها لم تكن قومية –كوردية بل كانت دعما للخلافة العثمانية المنهارة.
في الواقع أبسط باحث في القضية الكوردية، ومطلع على المراجع الكوردية والعالمية، مستخدما المصادر المتنوعة والعديدة كالتي يعرضها الكاتب، سيعرف من هو المفكر والفقيه الديني (بديع الزمان الشيخ سعيد النورسي) المشهور على سوية ليس فقط تركيا بل على مستوى العالم الإسلامي. مواليد قرية نورس القريبة من بحيرة (وان) والذي كان في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي يهز أركان الحكومات التركية، وعليه، بعد وفاته ودفنه في مدينة أورفه(رها)، تم حظر التجوال فيها ليوم كامل، لينقب مرقده وتخرج جثته وتنقل إلى مكان مجهول. فقد هيمن، ولا يزال، على شريحة واسعة من المجتمع التركي، وأثر بشكل سلبي على الحركة السياسية العلمانية الكمالية، وأفكاره لاتزال منتشرة جدا، وأتباعه بالملايين في عموم تركيا، ومن بينهم أردوغان وحزبه.
والغريب هنا كيف لباحث في القضية الكوردية، ومطلع على تاريخ تركيا، السقوط في هذا الخطأ؟! ولا يملك المعلومات الكافية للتميز بين الشخصيتين، ولم يسمع بحركة بديع الزمان النورسي، وغير مطلع على رسائله المعروفة حتى ولو كان بالاسم (رسائل النور). والغريب أنه كرر الخطأ والمغالطة، مع استنساخ نفس المعلومات ويلحقها بتحليلات ساذجة لدعم مفهومه حول تنقلات العشائر الكوردية أو ما يسميها بالهجرات، في الصفحات (210-211-212-213-214 والهامش 130 من ص 214 حتى ص 246،245، -287-وفي الهامش 127 من الصفحة 354. و705)، والغريب يعرضها أحيانا كهوامش، وأحيانا ضمن سردية الكتاب، كما وعرضها في فصل خاص. أورد بعضها تحت صيغة الاقتباس من كتاب السيد جميل قدري باشا! ولا يعقل أن يدخل السيد جميل باشا في هذه المغالطة، فهو ابن المنطقة وعاش الأحداث، بل هاجر على خلفية الثورة، وهو من أحد السياسيين المعروفين، وكان على خلفية ثقافة عالية وهو من باشوات مدينة آمد، فالاقتباس فيه تحريف وفبركة، ومغالطات الكاتب وبهذه الطريقة دلالة بأنه يتصرف بالمصادر بدون شفافية مضيفا عليها فبركة تخدم أهدافه…
يتبع…
[1]