قال الأكاديمي والمعارض السياسي السوري والأستاذ في جامعة السوربون في باريس الدكتور #برهان غليون# ، اليوم الخميس 28-09- 2023، إنه يمكن معالجة المشاكل والاضطرابات التي تُعاني منها منطقة الشرق الأوسط، من خلال تأسيس دولةٍ ديمقراطية يكونُ الجميعُ فيها شُركاء.
جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج الكورد في عيونٍ معاصرة الذي يُعد إضافةً قيّمة للمشهد الإعلامي الكوردي، ويُعزِّزُ التفاعل، كما يعكس التطورات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم حالياً.
وقال برهان غليون، لكي نهدء الأوضاع المتفجرة بين القوميات في آسيا وإفريقيا، يجب أن نعود قليلاً إلى التاريخ، مشيراً إلى أن الحياة في المناطق العربية والإسلامية كانت تخضع لثقافة وأفكار وسلطة واحدة عبر الممالك المتعددة، والناس جميعاً كانوا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم مسلمين، من كورد وعرب وأذربيجانيين وغيرهم، والشعور الرئيسي الذي كان يجمعهم هو الإسلام، وكانوا يقولون إننا مسلمون بغض النظر عن اللغة التي نتحدث بها.
وأضاف: لكي نعود إلى الجذور، بدأ الخلاف (بين الكوردي والعربي والتركي والفارسي) عند ظهور الفكرة القومية، ولولا ظهور الفكرة القومية كان يمكن تحديث الامبراطوريات مثلما حدث في الهند، وأن تعيش الناس مع بعضها، وأن يُبدوا اهتماماً أكثر بتطوير بلدهم بادخال الحداثة والتقدم في الانتاج والزراعة والصناعة ومراكز البحث العلمي، وهذه هي أسس حضارة اليوم.
وأشار إلى أن الفكرة القومية هي التي نزعت الأمور، والمسؤول الأول عن إدخالها والذي دمر العلاقات بين كل هذه الشعوب، هي في الحقيقة القومية التركية. الناس تفكر أن العرب بدأوا بذلك، لا ليس كذلك، العرب كانوا الأقرب في الدفاع عن الحكم الذاتي بداخل الدولة العثمانية، وكانوا متحمسين ومتمسكين بالدولة العثمانية، وكانوا على حق لأن الصراع الدولي كان عنيفاً ولم يكن بامكانهم مواجهة الغرب لوحدهم، وهنا أقصد الغرب الصاعد والمهيمن.
ولفت إلى أن التفاهم كان موجوداً بين شعوب المنطقة، وكان هناك تزاوج بينهم، وليس هناك عربي إلا في عروقه دماء كوردية والعكس، ولا سيّما سوريا، وأيضاً في العراق، وهذا الاختلاط موجودٌ منذ أكثر من 10 قرون.
وأكد أنه عندما طرح كمال أتاتورك الفكرة القومية بصيغتها العنصرية، وكان هناك صراعٌ مع الغرب، اضطرت كل القوميات الأخرى التابعة للدولة العثمانية أن تنكفئ، وأن تطور هي أيضاً نزعةً قومية، لكي تدافع عن نفسها، وحينها كانت النزعة القومية تعني بناء دولة مستقلة.
وتابع: واضحٌ أن الغرب أيضاً شجع العرب ولا سيما في الثورة العربية الكبرى أن يدخلوا بالخط القومي، ووعدهم إن استقليتم عن الدولة العثمانية ستؤسسون ممكلة أهم من الدولة العثمانية تمتد على كل آسيا الناطقة بالعربية (الجزيرة العربية وسوريا والعراق والشام).
وذكر أنه لم تكن هناك دولة إسلامية بمعنى الدين، بل كانت إسلامية بمعنى الثقافة والمدنية والرابطة السياسية، ما يعني أن الدولة العثمانية لم تكن دولة إسلامية، بل دولة أصحابها مسلمين، وكان هناك فصلٌ بين الدين والسياسة.
وشدد على أنه لم يكن هناك صراعٌ في تركيا بين الكورد وغير الكورد، بل كان مجتمعاً يعتبر نفسه بأنه ينتمي لملة واحدة، وأمة واحدة، وهي الأمة العثمانية، مبيناً أنه عندما دخل الفكر القومي بدأ التفكك في كل المجتمعات، وعندها بدأ الجميع بالتفكير في تأسيس دولة مستقلة، وهذا هو جوهر الخلاف الذي شجع على بناء الدولة.
وتساءل: ماذا فعل هذا المذهب القومي بنا؟، عِوضاً أن يوحدنا مثلما حدث في أوروبا، ويخلق دولاً قوية، قسّم هذه الدول، وشدد على أنه إذا كان الآخرون سيؤسسون دولاً قومية مثل الأتراك وغيرهم، فإن من حق الكورد كذلك أن يطالبوا بدولةٍ مستقلة.
ومضى يقول: لو أسس الأتراك دولة ديمقراطية مثل السابق، وغير قائمة على فكرة القومية، كان يمكن للكورد أن يكونوا شُركاء فيها، وهذا هو الحل، الحل هو أن نؤسس دولةً ديمقراطية يكون الجميع شُركاء فيها، وتؤمِّن شروط التقدم المادي والاقتصادي والأمن والاستقلال والسيادة، لأن بدون ذلك الناس سيتقاتلون.
وأضاف: أعتقد أنه ليس هناك أي سبب للصراع (لا بين الكورد والعرب، ولا بين الكورد والأتراك، ولا بين الكورد والآخرين)، مبيناً أن الصراع يظهر نتيجة طبيعة النظم السياسية التي تكونت على أساسٍ قومي، ويكفي أن نعيد تأسيس هذه النظم السياسية بحيث لا تكون محصورةً لعرقٍ أو قومية مُعيّنة، وإنما دولة ديمقراطية لجموعٍ من المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم، وعندها سيحصلُ استقلالٌ ثقافي، والناس ستتحدث بلغتها.
وتابع: الحل اليوم هو أن نفهم جميعاً أن المشروع القومي الكلاسيكي للأوروبين بالقرن التاسع عشر هو مشروعٌ مُدمر، وليس له أي قيمة أو معنى.
وأشار إلى أن الكورد السوريين نظموا مؤتمراً في عام 2008، وحينها كنت السوري الوحيد المدعو إلى المؤتمر، وأخبرتهم يومها أن السوريين ذاهبون نحو ثورة ديمقراطية، وأدركوا (السوريين) فشل مشروعهم القومي، لأن هذا المشروع ليس بيدنا نحن، بل بيد القوى المُهيمنة الدولية.
وأكد أنني أخبرتهم حينها أن للكورد حقاً تاريخياً في تأسيس دولةٍ قوميةٍ مستقلة، والموضوع ليس محلاً للنقاش، مبيناً أن ظروف اليوم لا تسمح بأن يؤسس الكورد دولةً مستقلة.
وبيّن نصحتهم بأن يفكر الكورد في كل دولةٍ يتبعون لها بالحصول على الحكم الذاتي، وبعدها تستطيع هذه الإدارات الذاتية (الكوردية) تأسيس تحالفٍ واتفاقٍ مع بعضها البعض، والحدود ستصبح مفتوحة، وعندها ستعالجون المسألة القومية.
وذكر أنه بالنسبة لسوريا أخبرتهم أن الشعب ذاهبٌ نحو الديمقراطية، ولم يعد يريد الحديث عن القومية العربية، بل يريد دولة الحريات وحقوق الإنسان، وأنتم أيضاً في هذه الفترة اذهبوا مع الديمقراطية، وهذا سيكون أسهل لكم لكي تعالجوا مسألة الحكم الذاتي، مشدداً على وجود استجابة كبيرة لهذه الفكرة، وشبه إجماعٍ عليها.
وأردف: أخبرتهم أن يذهبوا معنا نحو مشروعٍ ديمقراطي، وهو سيفتح الباب بشكل أوضح نحو حل المشكلة الكوردية في سوريا حلاً ديمقراطياً، موضحاً أن العلاقات الكوردية العربية في سوريا لم تكن معقدة، باستثناء التاريخ الماضي.
وقال إن مجموعةً صغيرةً فقط رفضت الفكرة، وقالت أنت تريد أن تحيدنا عن هدفنا الرئيسي، ولا يمكن انتزاع حقوقنا إلا بالسلاح، مبيناً : قلت لهم أنا لا أنزع منكم سلاحكم، الذي يود أن يحارب فليذهب ويحارب، فقط أنا أعتقد بأن الأجدى لكم ولنا هو أن ندخل في حوارٍ ديمقراطي، وأن نعمل من أجل ديمقراطيةٍ تعترف بحقوق الأقليات.
وأشار إلى أن السوريين كلهم كانوا مؤيدين للقضية الكوردية في تلك الفترة، ولم يكن هناك أي صراع، وكل الطبقة السياسية السورية كانت مع الحقوق الكوردية، وبالعودة إلى التاريخ وقبل اندلاع الثورة السورية، كل الأحزاب الكوردية إما كانت ضمن إعلان دمشق أو هيئة التنسيق الوطنية ومنهم (حزب الاتحاد الديمقراطي).
وشدد على أنه لم تكن هناك حساسية عند السوريين العرب تجاه القضية الكوردية، بل العكس كان هناك تضامنٌ حقيقي، وفي عام 2004 عندما تم إطلاق الرصاص على انتفاضة الكورد في سوريا، حينها ظهرتُ على التلفزيون وقلت إن هذا النظام لا يتفاهم إلا بالرصاص، وقانونه هو الرصاص، ودافعت عنهم.
وتابع: عندما قُصفت حلبجة بالأسلحة الكيماوية، كنت المثقف الوحيد الذي أصدرت البيان وأدنت ذلك، مشدداً على أن ما أود قوله بالإجمال، هو أنه من المفيد أن نُراجع خططنا، وأننا نحن الذين نخلقُ المشكلة بالاستراتيجية التي نختارها.
وبيّن أنه لكي نعيد العلاقة بشكل أعمق داخل سوريا بين الكورد والعرب، يتجوب علينا جميعاً أن نتحاور ونراجع أنفسنا، لا يجوز أن لا تراجع الأحزاب العربية والكوردية أنفسها، بل ينبغي أن يكون هناك مراجعة واعتراف بأننا أخطأنا بحق بعضنا البعض.
وشدد على أن الحل يكمن في الاعتراف بالحقوق الأساسية للكورد ضمن سوريا الموحدة، وبنفس الوقت عودة الكورد إلى مشروعٍ ديمقراطي سوري واحد، وبناء دولة سورية للجميع على مبدأ المشاركة.[1]