الكاتب : الأستاذ يوسف الأومري
تناولت ما سجله الشعر العربي من انطباعات نحو الكُّرد وصفاتهم التي رسخت عنهم في أذهان الناس، وطرف من أثرهم في حياة المجتمع وفي الحياة السياسية، وعلاقتهم بالعرب منذ الجاهلية حتى بداية عصر الدولة الأيوبية والمملوكية، وقد رجعت إلى كتب التاريخ ودواوين الشعر العربي، وتتبعت بوادر العلاقات بين الكُّرد والعرب التي انبثقت نتيجة للصراع القائم آنذاك بين الكُّرد والتُّرك ولماذا سمتنا العرب بتسميات عديدة مثل الفرس والعجم وأكراد وديلم وكان العرب يتدخلون في تلك الصراع أحيانًا لنجدة الكُّرد زمن الدولة الساسانية والوقوف إلى جانبهم ضد غارات الترك، ولعلّ الشعراء الذين أقاموا في الحيرة أو كانوا يترددون عليها قد عرفوا الكرد وميزوهم عن بقية أجناس الأعاجم الأخرى، ويُعَدُّ ذكر الكرد في شعر عدي بن زيد العبادي الذي قتل نحو عام 600م أقدم إشارة إليهم في الشعر العربي، كما أتى النابغة الذبياني على ذكرهم، وكذلك الأعشى الذي ذكر رقص نسائهم في مجالس الشراب، وبعد الإسلام وامتداد حركة الفتوحات الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية لتشمل بلاد الكرد المعروفة بأرض فارس آنذاك أو دولة أكاسرة بني ساسان، وازدادت صلة العرب بالكرد، ووقعت بينهم مواجهات عديدة، وقد حفل شعر الفتوح بذكرهم ووصف صلابتهم في الحرب، وقد امتدح الشعراء فرسان العرب الذين صمدوا أمام شراسة الكرد وخاصتا في يوم القادسية ونهوند وأشاد بعض الشعراء إلى كثرة عدد جند الكرد في الدولة الساسانية، وكانت الحرب سجالاً بين العرب والكرد طوال العصر الراشدي والعصر الأموي وخاصتا ثورة ابو مسلم الخرساني الكوردي ووجد الشعراء في ثبات قومهم أمام بأس الكرد مدعاة للفخر، وأشاروا إلى عادات الكرد التي أدركها العرب بمخالطتهم ومعاشرتهم لهم، وإلى ضخامة أجسامهم وكثافة شعرهم وحبهم لخيولهم وشدة عداوتهم. وقد زادت العلاقات بين الكرد والعرب في عهد العباسيين وكان نفوذهم وقوامهم كله على الكرد وانتهت تقريباً بالفتوحات في بلاد فارس حيث مدن الكرد المعروفة، وقد استخدمهم في أدارة الدولة الأسلامية وفي الجيش فقوي نفوذهم وبطشهم حتى أن العرب أثنوا عليهم ولقبهم بوزراء الدفاع الأسلامي وشاركوا فيما بعد في الدفاع عن المسلمين ضد الغزو الصليبي والمغولي خاصتا في معركة ملاذكرد وحطين وعين جالوت وهنا أسرد بعض أشعار العرب في مدحهم للكرد في العصر الجاهلي.
من شعر عدي بن زيد زمن الجاهلية
فَبِتُّ أُعَدِّي كَم أَسَافَت وغَيَّرَت
وُقُوعُ الَمنُونِ مِن مَسُودٍ وَسائدِ
صَرَعنَ قُباذاً رَبَّ فارِسَ كُلِّها
وَحَشَّت بأَيديها بَوارِقَ آمِدِ
عَصَفنَ عَلَى الَحيقار وَسطَ جُنودِهِ
وبَيَّتنَ في لَذَّاتِهِ رَبَّ مارِدِ
وجِئنَ بِكُّردٍ مِن قَرارِ بِلادهِمِ
يَسيرُ بِجَمعٍ كالدَّبَا الُمتَسانِدِ
وأَخرَجنَ يَومَ الَحوصِ سَيِّدَ حِميَرٍ
بِحَرِبَةِ جِّنيٍّ مِن الَحبشِ حارِدِ
ومُلكُ سُليمَان بنِ داودَ زُلِّزلَت
وريدانَ قَد أَلحَقنَهُ بالصَّعائدِ
وخَلفَ بَني النَّاصُورِ لَم يَبقَ مِنهُمُ
بِقَيَّةُ مَولوُدٍ ولا ذِكرُ والِدِ
وكانَ مُلوكُ الرُّومِ يُجبَى إليهمُ
قَناطيرُ مالٍ مِن خَراجٍ وزائدِ
فلا تَغبِطَن إنساً بِشَيءٍ يُنالُهُ
مِنَ الدَّهرِ لا مالٍ ولا عَيشِ واجِدِ
ونرى الشاعر هنا يذكر ملك الكرد قباذ وهو احد الأكاسرى ويصف قوة الكرد في الحروب وأستخدامهم للسيوف البارقة الآمدية وهي مدينة آمد المعروفة بدياربكر حاليا وهي من أكبر وأجل مدون الكورد ووصفهم كجمع الدبا المتساند والدبا في اللغة يعني الجراد المصفوف كالرتل العسكري.
عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ التَّمِيمِيُّ (توفي في 35 ق.ﮪ/587 م) كان شاعرًا نصرانيًا من أهل الحيرة، عاش في القرن السادس الميلادي وكان من دهاة الجاهلية، فصيحا، يحسن العربية والپهلوية الكوردية مصطلح تاريخي علميآخر وهو (فارسي)، ويجيد الرمي بالنشاب هو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، الذي جعله ترجمانا بينه وبين العرب، فسكن المدائن ولما مات كسرى وولي الحكم هرمز الرابع أعلى شأنه ووجهه رسولا إلى ملك الروم طيباريوس الثاني في القسطنطينية، فزار بلاد الشام، ثم تزوج هند بنت النعمان. وشى به أعداء له إلى النعمان الثالث بما أوغر صدره فسجنه وقتله بأن خنقه النعمان بنفسه في السجن.
الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني في قصيدته التي رثى فيها الامير الغساني نعمان بن الحارث بن أبي شبر:� قعدوا له غسّانُ يرجونَ أوْبهُ
وكُرْدٌ ورهطُ الأعجمينَ وكابل� وعلى نفس الشاكلة فإن الشاعر الجاهلي الأعشى ميمون بن قيس قال في قصيدة له:� ولقدْ شربتُ الخمرّ تر
كُضُ حَوْلَنا كُرْدٌ وكَابُلْ� كَدَمِ الذَّبِيحِ غَرِيبَةً
مِمَّا يُعَتَّقُ أَهْلُ بَابِلْ�
فذكر شعراء العصر الجاهلي الكورد في قصائدهم دليل واضح على معرفة بعضهم بعضا ولاسيما ذكرهم بأسماء أخرى مثل فارس وفرس وعجم وأكراد وديلم من خلال اتصال العرب بأرض فارس وبالملوك الكورد الساسانيين والمصاهرة العربية الكوردية قبل الأسلام يعطينا طابعا مهما بالعلاقات الكوردية والعربية ولقد بدأت العلاقات المباشرة بين الشعبين الكردي والعربي في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال صحبة الكورد له أمثال سلمان الفارسي وجابان ابو ميمون الكوردي وفيروز الديلمي وفي عهد الخلفاء الراشدين وخاصة في عهد الخليفة عمر بن خطاب اي بعد فتح بلاد فارس ووصول الجيش الاسلامي الى موطن الكورد حتى وإن كانت تلك العلاقات غير ودية.
الكاتب: يوسف الأومري
المصادر والمراجع
– الآلوسي، محمود شكري: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، تحقيق محمد بهجت الأثري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1913ﮪ.
– د. الأسد، ناصر الدين: القيان والغناء في العصر الجاهلي، ط3، دار الجيل، بيروت، 1988م.
– الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، تحقيق عبد علي مهنا وسمير جابر، ط3، دار الفكر، بيروت، 1995م.
– الأعشى، ميون بن قيس: الديوان، شرح وتعليق د. محمد محمد حسين، دار النهضة الحديثة، بيروت، 1974م.
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1967م.
الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: – البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، د.ت.
– رسالة الرد على النصارى، ضمن ” رسائل الجاحظ ” تحقيق وشرح عبد السلام هارون، ط1، دار الجيل، بيروت، 1991م.
– جاد المولى، محمد أحمد: أيام العرب في الجاهلية، مطبعة عيسى البابي الحلبي، د.ت.
الجمحي، محمد ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1952م.[1]