أنا ولجنة التحديد والتحرير – 6 – محمود عباس
د. محمود عباس
والغريب، ولأسباب ما، أدرك الوالد بأنه هناك تحرك لا يقل خطراً من مرسوم الاستيلاء، رجحها على أن السلطة تخطط لخلق صراع ضمن القرية، وهو ما لم يحدث، كما وذكر بأن الاستيلاء سيتأخر، وفعلا تأجل تطبيق الاستيلاء على نصران حتى 7 حزيران عام 1986، لذلك ولما نوه إليه، ترك الوالد القرية وهجرها ليسكن والعائلة ومن تبقى من الأخوة في المدينة، وفعلا تبين لاحقاً أن قرار مصادرة الأملاك وليس فقط الاستيلاء على الأرض، كان قد صدر بعد انتهاء لجنة التحديد والتحرير من عملها في عام 1972م ولم تبلغ إلا بعد سنوات لتصبح العملية قانونية، بلغوا الوالد بها رسميا في عام 1984م وبحضور الأخ عباس عباس، وليس كما ورد في نص اللجنة على أنه كان في عام 1985م.
والأغرب وبعد محاولات الوالد تقديم شكاوى ولعدة مرات إلى القصر الجمهوري طوال السنوات العشرة السابقة؛ وبالتأكيد كانت دون نتيجة، أمر المحافظ، ورئيس الأمن العسكري حسب بعض التسريبات، إعادة النظر في المصادرة وتشكيل لجنة خاصة لذلك، وجاء في محضرهم التالي ( لجنة الاستيلاء الفرعية المشكلة بقرار السيد محافظ الحسكة رقم (1184) تاريخ 23/4/1984 والمؤلفة من السادة…) وهم ستة أشخاص (زكريا السيد حقوقي رئيس، ياسين إبراهيم أغا – مهندس زراعي، يونان شليمون – مساح، حسين العزاوي – مندوب الحزب، عبد الرحمن عبد الله – مندوب الفلاحين، إسماعيل عثمان – مراقب – أمينا للسر) تعديل قرار مصادرة جميع أملاك العائلة المنقولة وغير المنقولة، إلى الاكتفاء بتطبيق ما جاء في محضر الاستيلاء، وبدأ حكم اللجنة بالتالي ( بعد الاطلاع على الفقرة (7) القضية (7) من محضر جلسة لجنة الاعتماد رقم (1) تاريخ 31-10-1986 والتي تم بموجبها ألغاء محضر المصادرة المنظم بحق المالك محمد العباس والمؤرخ في تاريخ 20-10-1985 واعتباره حسن النية والاكتفاء بالاستيلاء على الأراضي الزائدة لديه بعد إعطائه المساحة المستحقة من الاحتفاظ والتنازل …).
والمصادرة كانت تشمل جميع الأملاك، البيوت وأراضي القرية ومن ضمنها أراضي الفلاحين، لأنهم ليسوا منتفعين، واعتبروها من ضمن أملاك العائلة في القرية، إلى جانب قطيع الماشية، وأثاث البيوت وغيرها، ولعلم الوالد بذلك، ترك القرية كليا لئلا يرغم بالتوقيع على التنازل كما ورد في نص القرار ب (حسن النية) وما ورد في النص كان خداع للتغطية على الحقيقة؛ وإيهام المطلعين على أن الوالد تنازل لقرار الاستيلاء، والواقع هو خلاف ذلك، لم يوقع الوالد القرار كليا ولم يعد إلى القرية إلا في زيارات عابرة وظل في قامشلو حتى وفاته.
بعد الانتقال إلى قامشلو وبتخطيط، انهدمت المنازل والديوان في القرية وأصبحت أطلال، ولم يعد إليها أي من أفراد العائلة كليا طوال قرابة ربع قرن باستثناء زيارات عابرة، إلا قبل قرابة سنتين بعودة الأخ (عباس عباس) من ألمانيا عام 2023م وبناء دار فوق تلك الأطلال، يسكنها الأن، تشاركه في السكن كبيرة العائلة الأخت (سعادة) ومعها (رفعه) أبنة العمة المرحومة فاطمة.
لم تكن قد بقيت للعائلة أملاك في المدينة أيضاً، وقد كان واضحا للوالد أنه إذا أمتلك دار في قامشلو سيتم مصادرته، وبقيت الحالة تلك لأكثر من عقد من الزمن، أي بدون أملاك وبيت في القرية والمدينة، إلى أن تم تنفيذ قرار الاستيلاء في عام 1986م، بنص خبيث وقرار عنصري، بعدها أشترى الوالد بيتا في المدينة.
لا أعرض الماضي من باب المظلومية، وقد تجاوزنا هذا المنطق، فمن السذاجة محاولة إقناع الأعداء والطلب منهم إزالة مخلفاتها، أو حتى عرضها على المحاكم الإنسانية، وهي منظمات ترضخ لمصالح الدول، شبه معدومة في حضور القضية الكوردية، بل نعيد التذكير بها على أمل أن توقظ حراكنا المعاني والمتصارع، ولتعرية السلطات الحالية المحتلة لكوردستان والتي لا زالت مستمرة في مخططاتها وتحاول تطبيقها بأساليب مختلفة تتلاءم والعصر، كما وهي شهادة لتصحيح التاريخ المحرف وأخذ العبر لإنجاح حاضرنا.
كما ونوهت إلى الفكرة، وأنا أتذكر بعد سنتين من أعمال اللجنة، أي في بداية صيف عام 1974م، وكنت حينها في الثانية والعشرين من العمر، كيف اصطدمت بأحد أمر اللحظات في حياتي، أثناء مراجعة دوائر الحسكة لعمل يتعلق بالملكية، عندما قيل لي، أنهم سيعيدون النظر في ملكية العديد من القرى الكوردية المتبقية والتي لم يتم الاستيلاء عليها، بل والبعص من تم، والسلطة تقوم بتعديل القرارات السابقة، قرار الإصلاح الزراعي ومزارع الدولة، وستصدر عن قريب مرسوم جديد لتخفيض سقف الملكية، وهو ما تم كما ذكرت وتم تخفيض الملكية من 120 هكتاراً إلى 85 هكتار بعل…
يتبع…
[1]