العفلقية المتجدّدة .. ردّ على د.خالد المسالمة ومدرسته 1
الكاتب والباحث السياسي الكوردي وليد حاج عبدالقادر
على الرغم من انشغال البشرية جمعاء بوباء كورونا ، لا بل وفي ذروة الصراع معه ، ورغم الكمّ الهائل من المعلومات والأرشيفات بوثائقها المتداولة والتي أزيحت عنها السريّة ، وبات لأيّ باحثٍ جادٍّ في اية قضيةٍ في هذه البقاع وعلى مجمل خارطة السلطنة العثمانية الحصول على معلوماتٍ وفيرةٍ وموثّقةٍ حسب التعريف البحثي المهني ، ناهيك عن الحقائق والوقائع التاريخية ، ومع هذا ؟ لايزال هناك من يصرُّ على أن يتحفنا بمخيالياتٍ ذهنية وكنتاجٍ لعقلية استعلاءٍ متضخّمٍ تطيح بكلّ مقوّمات الوعي المعرفي إلى درجة الوقوع في تناقضاتٍ مدهشةٍ في مقارباته ذاتها وتحليلاته إنْ للمسألة الشرقية ككلٍّ ، أو تقسيمات – مشاريع – الدولة العثمانية وبخاصةٍ أيالاتها الجنوبية ، هذه الكتابات الإنشائية أشبه ماتكون بدروس تعبيرٍ ابتدائيةٍ ، أو نصوصٍ تعبويةٍ ثقافيةٍ لشبية – الثورة – أو أعضاء مبتدئين بفرق البعث ورسالته التعريبية الخالدة ! والمدهش .. ؟ في كلّ شيءٍ يؤجرم أنظمة البعث ! ولكنه يتقمّص أيديولوجيته التعريبية للحجر والجبل والشجر ؟ .. مثل هذه النمطيات ! هي بالتأكيد نتاج فكرٍ مأزومٍ و محنّطٍ لازالت بعضِ من – المنصات العربية – تستميت في تسعيرها ، لتنعكس وبشكلٍ مباشرٍ على العلاقات العربية معه وهي أكثر مَنْ تدفع ضريبتها وليخطفها – هذه النزعة المحنّطة – بؤساء حقيقيون وجهلاء فعليون في آلية تقديم رؤىً / وجهات نظر ، ودراسات حقيقية ، بقدر ماهي تعليلات مخيالية لرؤىً حزبيةٍ عقديةٍ – عقائدية ترتكز على إرثٍ ماضوي ، ولكنها لاتستند – وبتحدٍّ – على أية مشروعيةٍ علميةٍ أو روحٍ بحثيةٍ ، اللهم ! سوى بالإرتكاز على عقيدة عفلق ومنمنمات الأرسوزي وإن حاول الأخير – جبراً وتحت سطوة الحقائق – أن ينحاز ولو بآلية ديكورية فيذكر من الوقائع أقلّها ، أما الآخرون فإنْ كلّ ما يفعلونه هو : تثبيت التقارير الأمنية والحزبية و .. منحها الصفة القدسية وبجبريةٍ لا تجيز – مطلقاً – الجدل فيها . وباختصارٍ ، أودُّ هنا التذكير بسجالاتٍ عديدةٍ مع هكذا – نماذج – وأيضاً حوارات إعلامية مباشرة وجهاً لوجهٍ وإن ثبت عقمها ، ولا بدَّ من التذكير بأنّ قاماتٍ علميةً وثقافيةً وأكاديميةً عربيةً قد تجاوزوا هذه العقلية منذ زمنٍ طويلٍ ، لا بل وخاضوا عملياً نقاشاتٍ جادةً في محاربة زاعمي نفي الوجود القومي الكُردي في الجزأين المتماسين مع دولتين عربتين وفق إفرازات خرائط سايكس بيكو وبالرغم من أنها كما وعد بلفور نتاجِ وضعيٌ ل – سياساتٍ استعماريةٍ – ولكنها و كديكومنت مطوب وكحقٍّ توراتي مقدّسٍ يُستخَدم كغطاءٍ مشوّهّ وفظيعٍ لبديلٍ وطني – مسحوبة منها خيره – ولكن ؟ لصالح وحدانية تتشظّى بذاتها ولذاتها في عودةٍ غير حميدةٍ إلى خطوطها الدينية والمذهبية بمناطقيتها من جهةٍ وحتى تفسّخٍ في انتمائياتها القومية منها والخرائطية ، كلّ ذلك بحنينيةٍ إنْ لمآدب السلطان أو تراتيل مدائحياتٍ موشّحةٍ في ايوانات الشاه .. و قبل الدخول في تفاصيل الردّ على الطبيب خالد المسالمة الذي هجر رداءه الأبيض في زمن الوباء الكوروني وحمل مبضعاً للأسف يستخدمه في قصقصة ما عجزت عنه أدوات أنظمته الشوفينية بعزّ قوتهم و .. تحت يافطة المعارضة واسقاط الاستبداد عربياً ! يستند على ذات رؤية النظم الشوفينية وكوثائق مطوبةٍ يستخدمها في نفي الوجود والقضية الكُردية في سوريا المحدثة وفق خرائط سايكس بيكو ، وقبل التفاصيل سأذكر أمرين
الأول : الاستشهاد تجزيئاً لنسف الفكرة – لا تقربوا الصلاة
– والثاني :
ما كُتب على أحد المعابد في تدمر باللغة الآرامية التدمرية عبارة:” لا تشتم إلهاً لا تعبده ! .. هذه العبارة التي كُتبٍت قبل 2500 عامٍ تقريباً، لم تُكتب عبثاً بل رسالةً لكلّ الأجيال بأنه عندما تشتم إله الآخر (دينه ، طائفته ، عشيرته ..إلخ، فإنك بذلك الفعل تخلق منه عدواً
ونظراً للجهل المنظّم الذي يمارسه كثيرون ممن جعلوا من القضية الكُردية في كلٍّ من سوريا وعراق سايكس بيكو ، وبات – أيّ كلامٍ – بحقّها وهي ترتكز في الأساس على فوبيا ذاتية مرتهنة على حقدٍ دفينٍ لا تسعف كلّ مصطلحات التخفيف المعلّب سواءً لمواطنة أو مساواة يعجز غالبيتهم إقناع أنفسهم بها قبل الآخرين ، وأمام هكذا أنماطٍ ولشرح القضية استناداً على الوثائق التاريخية بحيثياتها ومجرياتها و المدوّنة كما المحفوظة في عقر دار السلطنة العثمانية ، وكلّ هذه المحاولة ليست دفاعاً عن أمرٍ مفرغٍ من حقيقته بقدر ماهي تبسيط عملي لمن مسّه خللٌ عقليٌ – معرفي وأثّرت على ملكات التحقّق من المعطيات التأريخية بحقائقها الوجودية على أرض الواقع ، هذه السمات لأولئك الرهابيين – دفعتني – بعد أكثر من 15 سنةً للعودة إلى هكذا سجالات ، لسرد مسارات القضية الكُردية وباختصارٍ سأتجاوز كثيراً من المراحل التأريخية لا تهرّباً أو لقلة المعلومة بقدر ما – أراه – كمعضلةٍ في ذهنية أولئك المتكلّسين و – سأتركها – ل – عرض حال – المناقشة حتى لو امتدّت إلى بداية تشكّلات المجموعات البشرية من مدن وممالك مروراً إلى الإمبراطوريات الكبرى ، وذلك كشواهد أولاً وتتبع لسريالية تأريخية ثانياً تدخل فيها كثير من العوامل المساعدة كاللغات والنمط الإرثي الميثولوجي بتراكماتها الفولكلورية وتطوّرات الوعي وذلك الكمّ الهائل للمخزون الشفاهي من جهة ، وقوة الثبات في وجه ثلاثةٍ من أقوى الثقافات في المنطقة ، وأعني بها العربية بالدرجة الأولى كخلفيةٍ دينية ومن ثم الفارسية والتركية ، وعليه ولسعة وضخامة المرحلة الزمنية – التأريخية – سأبدأ – بإيجازٍ عن وضع كُردستان بدءاً من مرحلة ما أسمّيه بالغزو – الاحتلال العثماني لقسمٍ من كُردستان ، وما كان عليه الوضع قبل التقسيم العملي – احتلالاً صفوياً وعثمانياً كواحدةّ من نتائج معركة جالديران وذلك كقسمٍ أول دون ذكر الانتفاضات والثورات الكُردية العديدة ضمن الجزأين المحتلّين رغم أهمية استعراض بعضها وبشكلٍ أخص ثورة ال – جان بولاتية – حيث كان لها أثر كبير على بعضٍ من المتغيّرات في محيط ريف الشهبا للإجلاءات القسرية والنفي العثماني الجماعي لهم حتى إلى لبنان ، وسأركّز في القسم الثاني على مرحلة طفح المسألة الشرقية مروراً إلى مرحلة نهاية الدولة العثمانية وتتبّعات مسار الثورة العربية وخلفيات – حقيقة الخرائط التي وضِعت وباختصارٍ وضع كُردستان – المحتلة عثمانياً – كقسمٍ ثانٍ فيما الجزء الأخير ساركّز فيه على مرحلة تطبيق توافقات دولتي الإنتداب .
وعليه : فمع بداية التغلغل العثماني في المنطقة ، والذي ولحدّ الآن يتحاشى كثيرون كقوىً وأفرادٍ في توصيف حملتهم على المنطقة ، وبزخمها القوي خاصةً في عهد سليمان القانوني الذي وجّه الأنظار نحو الجنوب ، وفي عهد سليم الأول دخلت مدينة الموصل مع مدن ماردين وأورفة والرقة وسنجار وحصن كيفا والعمادية وجزيرة ابن عمر تحت الإحتلال العثماني بعد معركة جالديران 1514م التي انتصر فيها العثمانيون على الصفويين بقيادة شاه اسماعيل الصفوي ولينهي السلطان سليم بذلك طموح التوسّع الصفوي تجاه غرب إيران ، وجاءت تلك الإنتصارات بفضل مؤازرة معظم الكُرد لهم تلبيةً للجهود التي بذلها الملا إدريس البدليسي ، وذلك انتصاراً للمذهب السني مقابل الشيعي الصوفي ، حيث سعى البدليسي الذي اعتبر نفسه زعيماً سنياً للكُرد و ممثّلاً للسلطان سليم الأول إلى اصطفاف الإمارات الكُردية إلى جانب العثمانيين مقابل حفاظهم على امتيازاتهم ، حيث أصدر السلطان أمراً بتشكيل أيالة آمد مع منح مرتبة مير ميران لحاكم الآيالة ، و احتفظت خمسة حكوماتّ بإماراتهم المتوارَثة – كورد حكومتلري – ولتشمل هذه الإجراءات بعدها كلّ الإمارات الكُردية ال – 33 – في النطاق العثماني ، وقد تضمّنت المعاهدة في أهم بنودها :
1 – اعتراف الدولة العثمانية بالأمراء الكُرد على أرض كُردستان .
2 – تكون الإمارة في المناطق الكُردية وراثية أو حسب العادات والتقاليد الخاصة بكلّ منطقةٍ.
3 – مساعدة الكُرد للعثمانيين في حال تعرّضهم لأيّ خطرٍ خارجي.
4 – مساعدة العثمانين للكُرد ضدّ أيّ هجومٍ خارجي.
5 – تقوم الإمارات الكُردية بمنح هدايا وهِبات سنوية لخزينة المال – منقول بتصرف عن كومينار – معاهدة قصر شيرين .
ويعدُّ الأمر الرسمي الذي استصدره الملا ادريس من العثمانيين وتشكيل حكومةٍ خاصةٍ بالكُرد ومستقلة عن الحكم العثماني وأشبه ما تكون بالحكم اللامركزي وقريب إلى الفيدرالية التي قبَلَ بها الأمراء الكُرد ، هذا الأمر الذي يُعدُّ أول اعترافٍ رسمي بالحقّ القومي الكُردي من قبل واحدة من دولتين كانتا محتلتين لكُردستان .
واستمرّ هذا الأمر مع حدوث حالات مدٍْ وجذرٍ إلى مايقارب من 150 سنة ولتبدأ بعدها تدخّلات الحكومة المركزية في شؤون الإمارات الكُردية وذلك منذ عام 1683 ، ويعد منتصف القرن 19 كانت نهاية حكم الإمارات الكُردية رسمياً من قبل العثمانيين وذلك بالتوافق مع سقوط إمارة بابان عام 1851م ، ولكنّ ذلك القرار بقي في إطاره النظري دون المساس الفعلي بهيبة ودور كما وحكم الأمراء في مناطقهم ( الملا ادريس البدليسي وأحداث القرن السادس عشر الميلادي .. بقلم : علي تتر وترجمة عبد الحميد الزيباري .. )
..
يتبع
[1]