(تركيا) ..... الى أين؟ (3)
د. مهدي كاكه يي
الدولة العثمانية
2. معاملة العثمانيين للشعوب الرازحة تحت إحتلالهم
إتبع العثمانيون الأتراك سياسة وحشية ضد العنصر غير التركي و غير المسلم و الشيعة و التي تُظهر بجلاء الفكر العنصري الذي يحملونه ضد الشعوب غير التركية و تعصبهم الديني ضد المسيحيين و نظرتهم الطائفية ضد الشيعة. هنا أختار بعض الأمثلة لتسليط الضوء على المظالم الرهيبة التي تعرض لها كل من المسيحيين و الشيعة و الكورد بسبب إنتمائهم الديني أو المذهبي أو القومي و بعد ذلك أتناول الوضع المزري الذي كان تعيشه الشعوب الرازحة تحت الحكم العثماني.
الفظائع التي إرتكبها العثمانيون أثناء إحتلالهم البلدان الأخرى
المسيحيون
في سنة 1453 الميلادية، إستطاع السلطان العثماني محمد الثاني إحتلال مدينة القسطنطينية و إنهاء الإمبراطورية البيزنطية و تغيير إسم المدينة من القسطنطينية الى إستانبول. بعد إحتلال المدينة، أمر السلطان العثماني جنوده بقتل سكان المدينة و نهبها لمدة ثلاث أيام متتالية، حيث قاموا بمجازر رهيبة في المدينة. قاموا بقتل أعداد كبيرة من السكان الأبرياء و أحرقوا الكنائس و مراكز العبادة فيها و قاموا بإغتصاب النساء و قتلهن بعد ذلك. كما أن السلطان العثماني أمر بذبح أفراد عائلة الدوق نوتاراس و أقاربه، حيث حضر الى هناك و شاهد عملية الذبح تلك بنفسه. كما قام العثمانيون ببيع الملايين من الأسرى البيزنطينيين في بلدان إسلامية ليعملوا كعبيد هناك. عمل العثمانيون نفس الشئ أيضاً مع الأسرى المجريين فيما بعد.
عندما كانت اليونان محتلة من قِبل العثمانيين، كان المستوطنون الأتراك المسلمون في اليونان هم أصحاب الأراضي و المزارع و الأملاك، بينما كان أهل البلد، اليونانيون، يعملون كخدم و عبيد عند الأتراك. أثناء الثورة اليونانية، قام الأتراك بمذابح فظيعة ضد اليونانيين في مدن مثل إسطنبول و إزمير و في سلانيك و قبرص. في سنة 1821 الميلادية، بدأت تظهر بوادر ثورة اليونانيين و المطالبة بالإستقلال، حيث نجحوا في تحقيق هدفهم و تم إستقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية في سنة 1827 الميلادية بعد تضحيات كبيرة في الأرواح و الممتلكات.
إحتل العثمانيون في سنة 1571 الميلادية جزيرة قبرص، حيث قاموا بمجازر وحشية بحق سكان المدينة، فقاموا بقطع أجساد حاكم المدينة و معاونيه بالسيوف، لدرجة أن الجنود قاموا بسلخ جلد حاكم المدينة و حشو جسده بالتبن و جعله لعبة يتسلون بها و يتلذذون بممارسة تلك اللعبة الوحشية.
دبرت الحكومة العثمانية ثلاث مذابح طائفية وحشية ضد المسيحيين في لبنان و سوريا في الأعوام 1841 و 1845 و 1860 الميلادية و المذبحة الأخيرة سُميّت مذابح الستين. خلال مذابح الستين، تم تدمير أكثر من ستين قرية مسيحية في منطقتي الشوف و المتن في لبنان و في مدينة حاصبيا، كانت التعليمات تقضي بقتل كل ذكر مسيحي يبلغ عمره ما بين سبع سنوات الى سبعين سنة. في مدينة زحلة، تم إحراق جميع البيوت العائدة للمسيحيين. بلغ عدد قتلى المسيحيين في لبنان أكثر من إثني عشر ألفاً.
في دمشق، دفعت السلطة العثمانية الرعاع المسلمين و الدروز على قتل المسيحيين و نهب ممتلكاتهم و تم إشعال النار في أحيائهم السكنية لمدة خمسة أيام متتالية، و التي جعلت تلك الأحياء خراباً و أطلالاً و المذبحة سبّبت في هلاك عشرات الآلاف من المسيحيين الأبرياء.
حدثت مذابح رهيبة بحق الأرمن في عهد السلطان العثماني عبد الحميد، حيث تم إعتقال أعداد كبيرة من الأرمن في مدينة أورفة و أضنة و من ثم أُقتيدوا الى وسط المدينة و تم قتلهم رمياً بالرصاص حتى الموت، كما قام الجنود الأتراك بإغتصاب النساء الأرمنيات.
صدر العثمانيون كتاباً جاء فيه على كل مسلم أينما وجد، و في أية زاوية كان في العالم، أن يقسم قسماً رسمياً بأنه سيقتل ثلاثة أو أربعة مسيحيين على الأقل، و كل من يطيع هذه الأوامر فإنه سيتخلص من هول الدينونة في اليوم الآخر.
إختطاف الأطفال المسيحيين و القيام بغسل أدمغتهم ليكونوا وقوداً لحروب العثمانيين
سنّت الدولة، في فترة حكم السلطان العثماني أورخان (حكم من سنة 1326 الى سنة 1359 الميلادية)، وبإشارة من الوزير قره خليل جاندارلي، قانوناً يقضي بتشكيل جيش سُمي بالإنكشارية. بمقتضى هذا القانون يؤخذ أطفال ذكور من المسيحيين في البلدان التي يحتلونها أو يغزونها، ويُعنى بتربيتهم إسلامياً و تتم عملية غسل الدماغ لهمً و تربيتهم على القسوة، حتى إذا بلغوا سن التجنيد، أُرسلوا إلى الثكنات العسكرية في العاصمة؛ ليتولوا الدفاع عن أراضي الدولة العثمانية.
تم تكوين هذا الجيش عن طريق قيام الدولة العثمانية بإختطاف االأطفال المسيحيين في الدول المسيحية المجاورة التي كانت ترزح تحت الحكم العثماني، من منطلق أن هؤلاء الأطفال كانوا ينتمون الى بلاد الكفر، لذلك يجوز نهب أي شيئ من تلك البلدان سواء كان بشراً أو متاعاً. كان العثمانيون يقومون بالإغارة على الدول المسيحية بين حين و آخر و يستولون على أعداد كبيرة من الأطفال المسيحيين الذين كانو ا يُسمّونهم ديوشرمه التي تعني الالمقطوفين، فيعودون بهم و يودعونهم في مدارس خاصة، لتنشئتهم إسلامياً و عسكرياً. الطفل المقطوف الذي كان ينشأ مثل تلك النشأة كان ينقطع صلته بأهله و ذويه و بلده و يتربى من قِبل العثمانيين على الإخلاص للدين الإسلامي و للدولة العثمانية و القتال من أجلهما و يتشبع بفكرة الجهاد، حيث أنه بعد أن يكبر و يشترك في الحروب، كان يؤمن في قرارة نفسه بنيل إحدى الحسنيين، الإنتصار و غزو الشعوب الأخرى أو الشهادة و الذهاب الى الجنة. الجيش الإنكشاري العثماني كان له دور هام و محوري في توسع الدولة العثمانية و إزدياد قوتها و نفوذها.
الشيعة
تحركت قوات السلطان سليمان القانوني نحو بغداد، التي كانت تحت الحكم الصفوي في ذلك الوقت، فدخل بغداد في اليوم الأخير من سنة 1534 الميلادية. في عهد الشاه عباس، تمكن الصفويون من إستعادة بغداد و ذلك في سنة 1623 الميلادية، إلا أن العثمانيين نجحوا في إحتلال بغداد مرة أخرى بعد مرور 15 عاماً و ذلك في عهد السلطان مراد الرابع. في هذه المرة قام الجيش العثماني بقتل و ذبح أفراد الحامية الإيرانية في بغداد بعد إستسلامها، حيث لم ينجُ من أفراد الحامية الإيرانية التي كانت مؤلفة من زهاء عشرين ألف شخص، سوى ثلاثمائة جندي. بعد أيام قليلة وقع إنفجار في مخزن للبارود في بغداد و الذي أدى الى قتل ثمانمائة جندي إنكشاري. هذا الإنفجار دفع العثمانيين الى الذبح و القتل العام لأهالي بغداد إنتقاماً. يذكر المؤرخون بأن العثمانيين قاموا بقتل ثلاثين ألفاً من سكان بغداد الأبرياء. يذكر المؤرخ لونكريك أن السلطان العثماني مراد الرابع أمر بقتل ثلاثمائة زائر إيراني الذين كانوا قد جاءوا في تلك الفترة لزيارة العتبات المقدسة في الكاظمية و كذلك أمر بقطع رقاب ألف أسير إيراني جئ بهم من ساحات الحرب.
في عهد السلطان مراد الثالث في سنة 1584 الميلادية، قام الجيش العثماني الذي كان مقره قرب مدينة تبريز، بقتل أعداد كبيرة من الشيعة في مناطق سلدوز و ميان دوآب و مراغة و قام أيضاً بعمليات النهب و السلب في تلك المناطق. في سنة 1610 الميلادية، قام قويجي مراد باشا بنهب و سلب و تخريب المناطق التابعة لمدينة تبريز، ثم قفل راجعاً من حيث أتى.
وقعت حرب أخرى بين الدولة العثمانية و الإيرانية في سنة 1731، حينما كان نادر شاه (نادر قلي) يحكم إيران و السلطان محمود الأول على رأس الدولة العثمانية، حيث قُتلت أعداد هائلة من الجانبين. في سنة 1733 الميلادية، قام الإيرانيون بحصار بغداد الذي إستمر سبعة أشهر، حيث كان العثمانيون يحكمون بغداد، فإستفحلت المجاعة فيها بحيث إضطر الناس الى أكل الكلاب و القطط و الحمير و بلغت المجاعة حداً أجبرت بعض الفتيات البغداديات العذارى الى بيع أنفسهن لقاء قطعة رغيف خبز الشعير. يذكر المؤرخون بأن هذا الحصار أودى بحياة أكثر من مائة ألف من المواطنين البغداديين جراء الجوع و إنتشار الأمراض و الأوبئة.
خلال النزاع العثماني الأفغاني الذي حدث في سنة 1726 الميلادية، ترك العثمانيون إثني عشر ألف قتيل في ساحات المعارك التي دارت بين الجانبين في منطقة كانت تقع بين همدان و أصفهان.
في سنة 1842، عندما كان محمد نجيب باشا والياً على بغداد، هاجمت القوات العثمانية مدينة كربلاء المقدسة و قامت بمحاصرتها لمدة ثلاثة و عشرين يوماً. بعد ذلك قامت القوات العثمانية بتوجيه نيران مدافعها على أسوار كربلاء و إستطاعت إحتلال المدينة و عندها بدأت هذه القوات بإرتكاب مجازر وحشية رهيبة بحق سكان كربلاء و قاموا بنهب المدينة. هاجم قائد الجيش العثماني، الفريق مصطفى باشا مرقد الإمام عباس (ع) و كانت أبوابه مغلقة، فقلع الجنود الترك أحد الأبواب و هاجم الجنود أهالي كربلاء، الذين كانوا يحتمون داخل الصحن العباسي و أخذوا يقتلونهم بوحشية، حيث وُجدت فيما بعد أكثر من ثلاثمائة جثة في داخل السرداب الذي هو تحت رواق العباس. يذكر المؤرخون بأن عدد القتلى من سكان كربلاء الأبرياء في هذه المذبحة الوحشية وصل الى أربعة و عشرين ألف شخص.
السلطان سليم ياووز كان يرى أن قتل إنسان شيعي واحد يساوي حسنة أكبر و أجر أعظم من قتل سبعين مسيحياً. كما أن مراد باشا، الحفار العثماني، دفن أكثر من أربعين ألف شخص من العلويين وهم أحياء في الحفر و الآبار و الكهوف.
الكورد
بعد إحتلال بغداد من قِبل العثمانيين، كان ملك أحمد باشا، صهر السلطان العثماني مراد الرابع، و الذي كان حاكماً على مدينة آمد دياربكر، لا يتوانى عن تطبيق السياسة التركية القاضية بالقضاء على الإدارات الكوردية، فأرسل لهذا الغرض جيشاً لمحاربة يوسف خان أمير مزوري و هاجم مدينة العمادية و أطلق العنان لقواته لنهب و سلب ممتلكات المواطنين الكورد هناك. قام بعد ذلك بالهجوم على قلعة سنجار و إرتكب مجازر وحشية ضد سكان المدينة، حيث قام بتدمير المدينة بأكملها. هاجم إمارة شوشيك التي كان يحكمها الأمير مصطفى بك و ذلك في سنة 1640 الميلادية و دمر المملكة دماراً تاماً. في سنة 1666 الميلادية، إمارة بدليس الكوردية هوجمت من قِبل ملك أحمد باشا الذي كان والياً عثمانياً لولاية وان، حيث قام بالإستيلاء على قلعة المدينة و نهب الجيش العثماني المدينة و صادر أموال أمير بدليس عبدال خان و تم نهب خزائنه و أمواله، إلا أن الأمير و عائلته تمكنوا من الفرار من الإمارة و بذلك أنقذوا حياتهم من القتل و الفتك بهم. هكذا نتيجة السياسة العنصرية التركية، تم تقليص الحكم الكوردي في كوردستان بحيث أصبح يقتصر على مقاطعة وان فقط.
قام الجلاليون في الأناضول بإنتفاضة ضد الحكم العثماني في أوائل القرن السابع عشر الميلادي. بعد فشل إنتفاضتهم، تم إلقاء القبض عليهم من قِبل الحكومة العثمانية. قام مراد باشا قويوجو (وهو صدر أعظم عثماني توفي في آمد ديار بكر في عام 1611 الميلادي). قام بدفن المعتقلين الجلاليين أحياءً في آبار، ُحفرت خصيصاً لهذا الغرض و لذلك لُقّب بقويوجو التي تعني الآبار باللغة التركية.
في سنة 1715 الميلادية، أرسل والي بغداد جيشاً لإحتلال إمارة بابان، حيث إستطاعوا قتل الأمير الكوردي بكر بك بابان، كما أن العثمانيين دمروا و نهبوا إمارة سوران الكوردية و ثم إحتلت قواتهم مدينة سنجار و قاموا بمجازر رهيبة بحق سكانها. في سنة 1717 الميلادية، هاجم العثمانيون ولاية لورستان فإستولوا عليها و إضطر واليها علي مردان خان الى الهرب، إلا أنه عاد الى الولاية و قدم الطاعة للدولة العثمانية. بعد عام من إحتلال لورستان، إستطاع العثمانيون إحتلال مدينة همدان بعد معارك طاحنة و تم قتل أعداد هائلة من العسكريين و المدنيين. في سنة 1726 الميلادية، جهز العثمانيون جيشاً ضخماً لإحتلال العاصمة الإيرانية، إلا أنه تمت هزيمتهم من قِبل الإيرانيين و قُتل أكثر من إثني عشر ألف مقاتل عثماني في الهجوم المذكور. بين أعوام 1730 و 1737 الميلادية، خلال حكم نادر شاه لإيران، حدثت معارك شرسة بين العثمانيين و الإيرانيين التي خلالها فقد الجانبان عشرات الآلاف من مقاتليهما.
الأوضاع المزرية للشعوب الرازحة تحت الإحتلال التركي
الإحتلال العثماني جاء عقب فترة الإحتلال المغولي و التتري، التي كانت فترة لم تتوفر فيها حكومات حضرية تهتم بتشجيع الإنتاج و التجارة، لذلك يعتبر المؤرخون تلك الفترة من أسوأ الفترات و أكثرها إنحطاطاً في تأريخ الدول التي رزحت تحت حكم المغول.
معظم الشعوب التي إحتلها العثمانيون عانت من مظالم العصبية والسياسة الشوفينية للعثمانيين، حتى وصل الأمر بهذه الشعوب إلى مستوى الإنحطاط الثقافي والإجتماعي بسبب العقلية العنصرية و الطائفية للعثمانيين و القسوة التي كانوا يتصفون بها، حيث لا زالت آثار التخلف و الإنحطاط ظاهرة على هذه الشعوب نتيجة عيشها تحت تلك الظروف البائسة و المتردية.
النعرة الطائفية أثناء الحكم العثماني كانت تستمد جذورها من الفقه الإسلامي الذي يعتبر الإنسان المسلم أرفع درجة من الإنسان غير المسلم. حول معاملة الحكم العثماني لمواطنيه المسلمين و غير المسلمين، يذكر ساطع الحصري ما يلي: إنّ الحكومة العثمانية كانت تعامل رعاياها المسلمين معاملة خاصة تختلف عن معاملة غير المسلمين، فهي كانت تعتبرهم كأنهم أهل الدولة و تعتبر غيرهم كأنهم غرباء عنها.
كان سكان الدولة العثمانية يتألفون من عرب و كورد و تركمان و بوذيون و دروز. بالرغم من أن هذه الأقوام كانت تدين بالإسلام، إلا أنها كانت تتعرض للمظالم العثمانية بسبب قوميتهم و مذهبهم، لذلك كانوا يقومون بإنتفاضات و ثورات مستمرة و يرفضون الخضوع للسلطة العثمانية، حيث كانوا يشنون الهجمات المستمرة على السلطة في مختلف الولايات ولا تقتصر غاراتهم على القوافل والمسافرين، بل على المدن المحصنة أيضاً، كما حدث لمدن مثل البيرة و أورفا و قوجحصار و نصيبين و غيرها. كانت تلك الأقوام تحصل على أتاوات، تأخذها من المسافرين، حيث كانت لا تعترف بسلطة الدولة العثمانية و هذه الهجمات أدت الى إفقار المدن. كما أن تلك الأقوام كانت ترفض الإنخراط في الجيش العثماني، و تمتنع عن تأدية الضرائب لعدم توفر الإمكانيات المادية لديها.
إبتعاد السكان عن المدن نتيجة ثقل الضرائب و الحروب المستمرة و إنتشار الأمراض و الأوبئة مثل الطاعون و إنتشار البطالة، كلها قاد الى فوضى عارمة و إنتشار الجرائم و السرقات و النهب و الإنتفاضات في العهد العثماني. الحروب الأهلية والثورات التي كانت تنشب هنا وهناك و الحروب المستمرة ضد الدول الأخرى ساهمت في زيادة معاناة المواطنين و إضعاف سلطة الدولة.
بسبب الحروب المتواصلة و الثورات و الإنتفاضات، تدهورت حركة التجارة و الإعمار و الخدمات. الى جانب هذه الحروب كانت الضرائب المجحفة التي كانت تتم عن طريق جباية الحبوب و حيوانات النقل تُثقل كاهل المواطن و كانت من العوامل التي أدت الى إنتشار قطاع الطرق، الذين كانوا يسيطرون مثلاً على مناطق مثل منطقة قبائل أهوار البصرة. حتى أن قوافل الحجاج لم تسلم من هجمات و غزوات قطاع الطرق، حيث إضطرت الحكومة العثمانية الى تشكيل وحدات مسلحة لمرافقة تلك القوافل و حمايتها. إنخفضت أعداد الزائرين للعتبات المقدسة في النجف و كربلاء و الكاظمية و سامراء بسبب إنتشار الفوضى و عدم الإستقرار و الأمان.
كان العثمانيون يحكمون الشعوب المسلمة بإسم الدين الإسلامي و لم يهتموا بالثقافة و لم تكن لديهم خبرة في الحكم و إدارة البلاد. كانوا يبنون المساجد، دون العمل بجانبها على فتح المدارس و شق الطرق و بناء المستشفيات. تعيين القضاة و الضباط كان يتم من دون تحديد مرجعيات أو سلطات قضائية أو سياسية أو عسكرية للإشراف عليهم و مراقبتهم. قام العثمانيون بحل مشاكل العشائر بإستعمال العنف الشديد أو الإستسلام لمشيئتها و تنفيذ مطالبها، تبعاً لظروف الحكومة. النزاع و الخصومات بين الموظفين الكبار و الذين كانوا يستندون الى القوة العسكرية، كانت من المشاكل العويصة الأخرى التي كانت البلاد تئن تحت وطئتها. الإصلاحات المالية و الإجتماعية كانت تقام لخدمة طبقة صغيرة خاصة، في الوقت الذي كان أناس معدمين كثيرين يموتون من الجوع و المرض و بسبب الحروب.
كان والدي يُحدثني عن الأوضاع التي عاشها الناس تحت الحكم العثماني، نقلاً عن والده، عندما كنا نتبادل الحديث عن التأريخ و السياسة. كان يروي لي الكثير عن المآسي و المشاكل التي كان المواطنون يعانون منها في تلك الفترة. بسبب الغزوات و الحروب المتواصلة للإمبراطورية العثمانية، كان الأتراك يقومون بإلقاء القبض على كل رجل قادر على حمل السلاح و تسويقه الى جبهات الحروب العثمانية التي كانت لا نهاية لها. لهذا السبب كان الكثير من العوائل يتسترون على ولادة الأطفال الذكور و يمتنعون عن تسجيلهم في سجلات الأحوال المدنية. هذه الظاهرة خلقت مشاكل كبيرة لهذه العوائل و لأبنائهم فيما بعد، حيث حُرّموا من التعليم و عاشوا تحت ظروف الإختباء و الملاحقة في زمن العثمانيين و بعد تأسيس دولة العراق، أصبح هؤلاء الذكور يفتقدون الى وثيقة رسمية تُثبت عراقيتهم. كما كان بعض العوائل تلجأ الى تزوير أعمار أولادهم في الدوائر الرسمية، و ذلك بتسجيلهم أصغر عمراً لتأجيل سوقهم الى الخدمة العسكرية، أما بالنسبة الى الشباب منهم، فأنهم كانوا يعملون على دفع الرشاوى لموظفي الدولة لتغيير أعمارهم و جعلها أكبر بكثير من أعمارهم الحقيقية ليتجاوزوا سن الشباب و التخلص بذلك من الإلتحاق بالجيش و النجاة من الموت في ساحات الوغى. كان العثمانيون يستولون على المحاصيل الزراعية و الإنتاج الحيواني للمواطنين من حبوب و لحوم لإطعام جنودهم و جندرمتهم. عليه، كان الناس يحصدهم الجوع و الأمراض و الأوبئة و تنتشر المجاعة في كل قرية و مدينة في المنطقة.
المصادر
الحصري، ساطع (1956). محاضرات في نشوء الفكرة القومية. بيروت.
الوردي، علي (2004). لمحات إجتماعية من تأريخ العراق الحديث. الجزء الأول.
الوردي، علي (2004). لمحات إجتماعية من تأريخ العراق الحديث. الجزء الثاني.
أمير، محمد خليل (؟). علاقة الأكراد بمذابح الأرمن.
زكي، محمد أمين (1961). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان من أقدم العصور التأريخية الى الآن. ترجمة محمد علي عوني. الجزء الأول، الطبعة الثانية.
لونكريك، ستيفن همسلي (1968). أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث. ترجمة جعفر الخياط، الطبعة الرابعة، بغداد.
مظهر، كمال أحمد (1984). كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى. ترجمة محمد الملا كريم. بيروت.
نور الدين، محمد (1997). تركيا في الزمن المتحول – قلق الهوية و صراع الخيارات. الطبعة الأولى، رياض الريس للكتب و النشر، لندن – بيروت.[1]