شيعة العراق هم أحفاد الإيلاميين و السومريين و الميديين
د. مهدي كاكه يي
الإكتشافات و التنقيبات الأثرية تؤكد بأن السومريين كانوا من الأقوام الآرية و أنهم قد نزحوا من كوردستان الى وسط العراق و من هناك توجهوا الى جنوب العراق فإستوطنوا فيه، حيث يذكر باحثون من أمثال صاموئيل هنري كوك و صاموئيل نوح كريمر و جورج رو و طه باقر، بأن الموطن الأول للسومريين هو المنطقة الجبلية الكائنة شمال بلاد ميزوبوتاميا أي كوردستان و منها نزحوا الى الجنوب و بنوا فيه صرح الحضارة السومرية.
الدلائل التأريخية تُثبت بأن شيعة العراق الحالي و شيعة خوزستان الإيرانية هم آريون من أحفاد الإيلاميين (العيلاميين) و السومريين و الميديين. كانت مملكة إيلام تضم اجزاءً من بلاد ما بين النهرَين وشرق ايران، حيث كانت حدود الدولة العيلامية تمتد من أصفهان شرقاً و ضفاف نهر دجلة غرباً والخليج جنوباً والطريق الموصل بين بابل وهمدان شمالاً. بلاد سومر كانت تمتد من المدائن (سلمان باك) الى القفقاس. كانت تحد الإمبراطورية الميدية من الشرق أفغانستان، بل كان بعض أراضي أفغانستان جزء من ميديا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال مناطق كادوس فيما وراء نهر آراس ومن الجنوب الخليج الفارسي، حيث كانت الإمبراطورية الميدية تضم كلاً من فارس و أرمينيا و آشور و إيلام و هيركاني و شمالي شرقي سوريا و جزء من باكستان على المحيط الهندي. من خلال الحدود الجغرافية لمملكة إيلام و بلاد سومر و الإمبراطورية الميدية نرى بأن منطقة وسط و جنوب العراق الحالي كانت جزءً من هذه البلدان الثلاث. في هذه المقالة أشير بشكل مختصر الى الأصل الآري لشيعة العراق و شيعة خوزستان في إيران، حيث سأنشر دراسة متكاملة عن كون السومريين أسلاف الكورد و شيعة البلدَين المذكورَين في سلسلة مقالات مستقلة.
يذكر كل من هنري فيلد و عالم الآثار سيتن لويد بأن سكان الأهوار في جنوب العراق هم أحفاد السومريين. كما يقول الدكتور شكر مصطفى سليم بأن عشائر سكان أهوار دجلة، أي المجموعة الشرقية، كانوا منذ أزمنة بعيدة على إتصال وثيق مع جيرانهم الشرقيين عن طريق الهجرات والتزاوج وعلى نفس المنوال كان سكان أهوار الفرات، أي المجموعة الغربية على إتصال مع جيرانهم البدو. يقول هنري فرانكفورت بأن منطقة الأهوار في جنوب العراق كانت مأهولة منذ الألف الخامس أو الرابع قبل الميلاد و أن سكانها قد قدموا من كوردستان.
هذه الإكتشافات و الدراسات تُثبت بأن سكان الجنوب العراقي و الكورد ينتمون الى شعب واحد. الشيعة في العراق كانوا يعيشون على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظات واسط و ميسان و بغداد و ديالى الحالية، حيث كان الكورد يُشكّلون أغلبية سكان الوسط و الجنوب العراقي آنذاك، إلا أنهم عُرّبوا و إستعربوا بعد الغزو العربي الإسلامي لبلاد ما بين النهرين في زمن عمر بن الخطاب. هكذا فأن الكورد و الشيعة، لا يشتركون فقط في الظلم التأريخي الذي تعرضوا له عبر تأريخهم الطويل و كونهم ضحايا المقابر الجماعية و الأسلحة الكيمياوية و الإبادة الجماعية، و إنما هم أيضاً يرتبطون بصلة الدم و القربى، حيث أنهم أحفاد الإيلاميين (العيلاميين) و السومريين و الميديين. الشعبان الكوردي و الشيعي هم أحفاد السومريين الذين بنوا أول حضارة إنسانية متمدنة على أرض الرافدين في العالم. هكذا فأن الغالبية العظمى من الشيعة الناطقين بالعربية هم مستعربون، تجري في عروقهم دماء كوردية، حيث كان وسط و جنوب العراق موطناً للكورد الذين إستعربوا مع مرور الوقت بعد إحتلال المنطقة من قِبل العرب.
في كتابه الجبايش - الجزء الأول، ينقل الأستاذ شاكر مصطفى سليم رأي بعض علماء الانثروبولوجيا، من أمثال العلماء هنري فيلد و سيتن لويد وثيسيغر، بأنهم قد لاحظوا الشبه الكبير بين سكان الأهوار و الإيلاميين و السومريين، من حيث مقاييس الرأس و البنية الجسدية و الأدوات الزراعيه و آلات الصيد المستخدمة. كما أنهم يذكرون بأن نمط حياتهم و ظروفهم المعيشية تشبه الى حد كبير نمط حياة و الظروف المعيشية للسومريين. كما أن مضائف شيوخ سكان أهوار العراق الدائرية والمبنية من القصب و الطين تشبه بشكل كبير هياكل المعابد السومرية.
لهجة سكان وسط و جنوب العراق لا تزال تحتفظ بكثير من الألفاظ السومريه مثل الكلمات (أزا عزا، ماشه، ماكو، مسكوف، مشط) وغيرها من المفردات التي لا يزال شيعة العراق يستخدمونها. كما أن السكان الشيعة لا يزالون يستعملون في لغة التحادث العديد من الحروف الكوردية السومرية التي لا توجد في اللغة العربية، مثل چ و گ.
بلا شك، نحتاج الى الكثير من التنقيبات الأثرية و البحوث و الدراسات للتعمق في تأريخ المنطقة و الإهتداء الى الحقائق المتعلقة بتأريخ الأقوام القاطنة في منطقة الشرق الأوسط و كشف الحلقات التأريخية المفقودة و إلقاء الضوء على الجوانب المبهمة من تأريخ المنطقة. إن التقدم البشري الحالي و ثورة المعلومات و الإنترنيت و الكومبيوتر و سقوط النظام البعثي في العراق، كلها يمنح فرصة ممتازة لعلماء الآثار بالتنقيب و البحث عن الآثار القديمة، خاصة في كوردستان و وسط و جنوب العراق. الظروف الجديدة توفّر أيضاً مجالاً واسعاً للباحثين في مجال التأريخ القديم، للبحث في ثنايا الوثائق و المستندات و الرسائل و الكتب القديمة للكشف عن المزيد من المعلومات التأريخية عن الكورد و الشيعة و الأقوام الأخرى القاطنة في منطقة الشرق الأوسط. إن القيام بمثل هذه التنقيبات ضرورية جداً، حيث أن تأريخ المنطقة تم تزويره و تشويهه من قبل الحكام و المؤرخين العنصريين. إن تصحيح و تنقيح المعلومات التأريخية و تقديمها بشكل موضوعي و شفاف، بات مُلحّاً و ضرورياً لتبيان الحقائق التأريخية و الأدوار التي قامت بها الأقوام و الشعوب و الأمم في المنطقة و الأحداث و النشاطات و الفعاليات التي وقعت في هذه المنطقة، لإنصاف هذه المجاميع البشرية و معرفة دور كل منها في كتابة و تسجيل التأريخ الإنساني القديم و مدى مساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية. كما أنه من المهم جداً أن يقوم اللغويون بدراسة لهجة سكان وسط و جنوب العراق و المفردات اللغوية المتداولة في هذه المنطقة لمعرفة التواصل اللغوي للشيعة مع اللغة السومرية و الكوردية.
كما تجدر الإشارة أيضاً بأنّ بلاد ما بين النهرين كانت تحمل إسماً كوردياً وهو (سورستان) أي (البلاد الحمراء) قبل الإحتلال العربي لها، حيث أنها سُمّيت بهذا الإسم نظراً لخصوبة أرضها و حَمارها بسبب النسبة العالية للحديد في تربتها.
إنّ الإسم السومري لمحافظة ميسان (العمارة) هو (ميشان)، حيث أنّ كلمة ميش في اللغة الكوردية تعني حيوان و اللاحقة ان هو علامة الجمع و بذلك إسم ميشان يعني حيوانات. في يومنا هذا تعني كلمة ميش في اللغة الكوردية الحيوان، و كذلك تعني الفأر و الذباب و ميشوله تعني بعوض. كما لا تزال هناك منطقة تقع بين مدينة العمارة و مدينة الأهواز تُسمّى بدَشت ميشان، حيث أنّ دَشت باللغة الكوردية تعني خارج أو إمتداد أو براري و ذلك لكون دَشت ميشان تُشكّل إمتداداً لمدينة ميسان (ميشان). كما أن الأستاذ محمد جميل روژبياني يذكر بأن كلمة الهور هي مفردة كوردية و أن الكلمة الكوردية هوراو تعني المستنقعات.
من الدلائل الأخرى التي تُثبت بأن السكان الحاليين في جنوب و وسط العراق هم أحفاد الكورد و لا ينتمون الى العرب بأية صلة تُذكر، هي الأسماء الشخصية للمواطنين الشيعة في وسط و جنوب العراق، حيث أن أسماء الكثير من أسلافهم هي أسماء كوردية خالصة، ربما قد تمت عليها بعض التحويرات البسيطة التي حدثت خلال الحقب التأريخية المتعاقبة التي مرت بها المنطقة. على سبيل المثال، لا الحصر، الأسماء الشيعية (سباهي) متحورة من الكلمة الكوردية (سپاه) التي تعني (جيش) و (إبريسم) المأخوذة من الكلمة الكوردية (هوريشم) التي تعني (الحرير) و (چلاب) الآتية من الكلمة الكوردية (گول آو) التي تعني (ماء الورد) و الإسم الشيعي (خنياب) المأخوذة من الكلمة الكوردية (خوين آو) والتي تعني (ماء الدم أو ماء الحياة). كلمة (شروگي) التي تُطلق بالعامية العراقية على الشيعة والتي تعني (شرقي)، هي للإستدلال على أن منبع الشيعة هو الشرق أي شرق دجلة (كوردستان).
الشعبان الشيعي و الكوردي كلاهما ينحدران من السومريين الذين أسسوا أول حضارة مدنية متقدمة في العالم. الشيعة، كإخوانهم الكورد و الفرس و البلوش و الأفغان و غيرهم في المنطقة، ينتمون الى الأقوام الآرية و ليست لهم أية صلة بالساميين. من هنا يتأكد المرء بأن الشيعة في وسط و جنوب العراق و في خوزستان هم مستعربون. بعد الإحتلال العربي الإسلامي لبلاد الرافدين، تم تعريب القسم الأكبر من الكورد القاطنين في وسط و جنوب العراق و الذين يُشكلّون الشيعة العرب (المستعربين) العراقيين، بينما إستطاع قسم آخر من سكان المنطقة الإحتفاظ بقوميتهم و لغتهم الكوردية وهم الكورد الفيليون. من هنا نرى أن الشيعة و الكورد ينتمون إثنياً الى شعب واحد و يرتبطون برابطة الدم و القرابة، بالإضافة الى العلاقات التأريخية و رابطة الجيرة و المصالح التي تربط بين الشعبين منذ فجر التأريخ. بعد الحكم الطائفي في بلاد الرافدين الذي بدأ في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، تحمل الشيعة و الكورد معاً الإضطهاد و القتل و الإلغاء و الفقر الذي فرضها عليهم الطائفيون الغرباء، الى أن تكللت جهودهم و نضالهم المرير، التي إستمرت لقرون طويلة، بالنجاح، حيث إستطاعوا إزاحة الحكم الطائفي البدائي في العراق في سنة 2003 ليصبحوا أحراراً في بلدهم لأول مرة في تأريخهم الحديث. إذن العلاقة بين الكورد و الشيعة هي ليست وليدة اليوم، و إنما تمتد جذورها في عمق التأريخ، حيث ينحدرون من السومريين. إنها علاقات صميمية شامخة، متأتية من تراكمات وشائجية هائلة عبر التأريخ.
من الجدير بالذكر هو أن أول نزوح عربي بدأ الى الحيرة في القرن الرابع الميلادي، حيث وافق الساسانيون على نزوح العرب و جعلهم رعية لهم لإستخدام العرب النازحين في محاربة البيزنطينيين الذين كانوا يحكمون سوريا آنذاك. البيزنطينيون أسكنوا بدورهم قبائلاً من العرب االغساسنة قبالة الساسانيين، مستخدمينهم كدروع بشرية ضد الهجمات الآتية من الساسانيين. عند نزوح القبائل العربية الى العراق الحالي في القرن الرابع للميلاد، كان الكورد يُشكّلون أكثرية سكان العراق، حيث أن الكورد هم الذين وضعوا اللبنات الأولى لصرح مدينة بغداد.
قد يتساءل المرء لماذا تم إستعراب سكان وسط و جنوب العراق بعد إحتلال المنطقة من قِبل العرب خلال العهد الإسلامي، بينما كان من المفروض عملياً أن تصبح الأقوام الغازية، التي كانت تشكل الأقلية بين سكان المنطقة المحتلة، جزء من السكان الأصليين و تذوب فيهم! إن هذه الحالة العكسية حصلت نتيجة أربع أسباب رئيسة. العقيدة الإسلامية و لغة القرآن العربية ساهمتا بشكل كبير في هيمنة اللغة العربية و الثقافة العربية على لغة و ثقافة السكان الأصليين في وسط و جنوب العراق. العرب المحتلون كانوا أكثر قوة من السكان الأصليين، بدليل تمكنهم من إحتلال بلاد الرافدين، و شدة بطش و عنف المحتلين العرب، كانت عاملاً آخراً في تعريب شيعة العراق. منطقة وسط و جنوب العراق هي محاذية و قريبة للجزيرة العربية، التي منها إنطلق العرب المسلمون للإستيلاء على المنطقة، مما سهّلت من عملية إستعراب الشيعة، حيث أن وقوع المنطقة بجوار موطن المحتلين، ساهم في إحكام قبضة المحتلين على المنطقة و السيطرة عليها و التحكم بحياة السكان الأصليين و إرسالهم قوات كبيرة الى الوسط و الجنوب العراقي لتعزيز حكمهم و سيطرتهم على المنطقة و التي أدت الى زيادة هيمنتهم و نفوذهم فيها. كَون جنوب و وسط العراق منطقة سهلية مفتوحة، تفتقد الى تضاريس أرضية دفاعية، ساهم في تسهيل عملية تعريب الشيعة لسببين: الأول أن تضاريس المنطقة أجبرت سكان المنطقة على الخضوع للمحتلين بسبب عدم قدرتهم على المقاومة، و السبب الثاني هو أن الطبيعة السهلية للمنطقة ساعدت على سهولة إختلاط و إحتكاك السكان الأصليين مع المحتلين العرب و التي ساعدت في سيادة اللغة العربية و الثقافة العربية في المنطقة و تعريب سكانها.
لولا الطبيعة الجبلية المحصنة لكوردستان و ُبعد القسم الجبلي من كوردستان نسبياً من الجزيرة العربية، ربما كان الكورد الجبليون سيواجهون نفس المصير الذي واجهه إخوانهم الكورد في وسط و جنوب العراق و كانوا يستعربون مثلهم. هكذا بالنسبة للفرس و الباكستانيين و الأفغان و غيرهم من الشعوب التي أُجبرت على إعتناق الدين الإسلامي، بعد إحتلال بلدانهم من قِبل العرب المسلمين، حيث أنه لولا بُعد بلدانهم عن الجزيرة العربية و الطبيعة الجبلية لبلدانهم، لَكانوا قد إستعربوا، كما حصل لسكان الوسط و الجنوب العراقي الشيعي.
المصادر
المسعودي (1981) . مروج الذهب ومعادن الجوهر. الجزء الرابع، الطبعة الرابعة، دار الأندلس / بيروت، الصفحة 60.
باجلان، إبراهيم (2002). حول العلاقة بين السومريين و الكرد الفيليين و الحقائق. جريدة الإتحاد، العدد (455) و الصادر في 11/1/2002.
زاده، صديق صفي (بوركەئي) (1361 ش). بزرگان يارسان. سازمان چاپ خوشە، چاپ اول، تهران، ايران. (باللغة الفارسية).
ليرخ، ب. (ترجمة الدكتور عبدي حاجي) (1992). دراسات حول الأكراد. دمشق، الطبعة الأولى.
معين، محمد (1371 ش). المعجم الفارسي، الجزء الأول، طهران. (باللغة الفارسية).
الحموي، ياقوت بن عبدالله الرومي (1906) معجم البلدان. طُبع في مصر.
الطبري، محمد بن جرير (؟). تأريخ الأمم و الملوك. طُبع في مصر.
بيرنيا، حسن (1921). ايران قديم. (باللغة الفارسية).
زكي، محمد أمين (1945). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان- من أقدم العصور التأريخية حتى الآن. الجزء الأول، الطبعة الثانية. ترجمة محمد علي عوني.
زكي، محمد أمين (1948). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان- تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، الطبعة الثانية. مطبعة السعادة، مصر. ترجمة محمد علي عوني.
زيار، د. (2000). إيران ثورة في إنتعاش. طُبع في باكستان.
كوردستانى، محەمەد مەردۆخى (1991). مێژووی كورد و كوردستان. وەرگێرانی عه بدول كه ريم محه مه د سه عيد. مطبعة أسعد، بغداد. (باللغة الكوردية).
آميه، پير (1372 هجري). تاريخ ايلام. ترجمهي شيرين بياني، انتشارات دانشگاه تهران.
كتاب الجبايش، شاكر مصطفى سليم.
Durant, W. (1954). The Story of Civilization.
[1]