آن الأوان لشيعة العراق أن يؤسسوا إقليمهم الكونفيدرالي!
د. مهدي كاكه يي
لو نتصفح تأريخ الشيعة منذ ظهور المذهب الشيعي، فأننا نرى بأنهم عبر التأريخ كانوا مُستعبَدين، يتعرضون للإلغاء و الإبادة و تتعرض ثقافتهم و معتقداتهم و تراثهم للزوال و التحريف. الإستعباد الذي تعرض له الشيعة لفترة تأريخية طويلة، أدى الى تكوين شخصية شيعية تُمثّل دوماً دور الضحية و المعارضة و التبعية و الدونية. لذلك فأن أُولى مَهام المفكرين و المثقفين و السياسيين الشيعة تكون خلق ثورة على الذات الشيعية للتخلص من ثقافة قبول الظلم و تقبّل تمثيل دور الضحية و المعارض و الشعور بالدونية و التبعية. عندئذ سوف لا يقبل الشعب الشيعي إلا أن يكون سيّد نفسه و حاكِم وطنه و صاحب ثرواته. إنه يكفي الشيعة ما واجهوه من معاناة و عبودية. التأريخ الشيعي ينزف دماءً و ملئ بالمآسي و الإبادة و التشرد و الإذلال. هنا لا أريد العودة الى التأريخ المأساوي للشيعة الذي هو معروف، لذلك سأركز على الواقع الشيعي بشكل عام، و واقع شيعة العراق بشكل خاص.
إن عصر العولمة و الثورة الكبرى للمعلومات و الإتصالات، حيث أن الإنترنت و الفضائيات و الموبايل و الرأسمال قد أزالت الحدود الدولية، بل إخترقت الأسوار و الأبواب و أصبحت تتواجد في كل بيت و تصاحب الإنسان في ترحاله و موقع عمله و خلال كل نشاطاته و حتى في سرير نومه. هذه الثورة الجبارة الفريدة في التأريخ، جعلت الحدود الدولية المصطنعة، التي تعزل الشعب الشيعي عن بعضه، تنهار و تختفي، و بذلك أخذ الشعب الشيعي يحتضن بعضهم البعض الآخر، بعد أن فرّقتهم الحدود المصطنعة التي رسمها المستعمرون لحماية مصالحهم. إن جغرافية الوطن الشيعي موحدة و في النظام العالمي الجديد أصبحت الحدود السياسية المصطنعة المرسومة ضمن هذا الوطن عاجزة عن فصل و عزل الشيعة عن بعضهم. هكذا توحّد الوطن الشيعي عملياً بالرغم من بقاء الحدود السياسية للدول التي قسّمت بلاد الشيعة و تحتلها.
هذا الواقع التأريخي الذي يعيش فيه الشعب الشيعي، يتطلب من المفكرين و المثقفين و السياسيين الشيعة إنتهاز هذه الفرصة لترتيب البيت الشيعي في كل كيان سياسي يتواجدون فيه و بعد ذلك القيام بتأسيس إتحاد أو منظومة تجمع الشعب الشيعي في وطنه، للنضال من أجل التحرر و الذي يقود في المستقبل الى ولادة دولة شيعية كونفيدرالية أو فيدرالية. إن أصحاب المبادئ و الأفكار العلمانية و الديمقراطية هم المؤهلون لإداء هذه المهام الجسيمة و تحقيق الهدف الشيعي للتعبير عن ذاته و أفكاره و بناء شخصيته و ثقافته و الحفاظ على معتقداته و ممارسة شعائره و طقوسه بكل حرية و أمان، دون الخوف من إرهاب الدولة و أدواتها القمعية.
بعد زوال الحكم البعثي في العراق في سنة 2003، تحرر الشيعة في العراق لأول مرة منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي حسب إتفاقية سايكس – بيكو الإستعمارية بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى. ينبغي على الشيعة أن يأخذوا العِبر و الدروس من الخطأ التأريخي الذي إرتكبته القيادة الدينية و السياسية الشيعية عند إنهيار الإمبراطورية العثمانية و الإحتلال الإنكليزي للعراق الحالي، حيث حاربت هذه القيادة الجيش الإنكليزي القادم لإحتلال العراق و لم تتفاهم مع القوات الغازية في تلك الظروف الحرجة، بل قاومتها، مما مهّدت الطريق لتسليم السلطة الى العرب السُنة في العراق من قِبل الإنكليز و إستيرادهم لرجل حجازي وهو فيصل بن الحسين بن علي الى العراق و تنصيبه ملكاً عليها. المآسي و الويلات و الإبادة و المقابر الجماعية التي تعرض لها الشيعة في العراق منذ ذلك التأريخ هي ضريبة دفعها الشعب الشيعي في العراق لذلك الخطأ القاتل الذي إرتكبته القيادة الدينية و السياسية الشيعية آنذاك و أن هذه القيادات مسئولة أمام الله و التأريخ عن الإبادة و العبودية التي تعرض لها الشيعة منذ تكوين الدولة العراقية الى يوم تحرير العراق في نيسان عام 2003.
نتيجة الإبادة و البطش و التنكيل التي تعرض لها الشيعة في العراق خلال الفترة الممتدة من تأسيس الدولة العراقية الى يوم تحرر العراقيين من سطوة حكم البعث في عام 2003 و نتيجة التخلف الذي ينتشر بين الشيعة بسبب السياسة الطائفية التي تعرض لها الشيعة من قِبل الحكومات العراقية المتعاقبة و كذلك نتيجة تنظيم و تسليح صفوف الإسلامويين الشيعة العراقيين من قِبل الحكومة الإيرانية و تشرذم صفوف العلمانيين الشيعة و عدم توحدهم و كذلك بسبب الفراغ السياسي و الأمني الذي حصل بعد سقوط حزب البعث في العراق، إستطاع حزب الدعوة و المجلس الإسلامي الأعلى و الأحزاب الإسلاموية الأخرى و كذلك جماعة السيد مقتدى الصدر، التي قامت الحكومة الإيرانية بتأسيسها بعد تحرر العراق من الحكم البعثي، أن تستلم مقاليد الحكم كممثلين للشعب الشيعي. في العصر الذي نعيش فيه، فأن أفكار و مشاريع الإسلام السياسي المتخلفة عاجزة عن إستيعاب و فهم التطورات العالمية الجارية و بذلك فأنها غير مؤهلة في الإستمرارية و البقاء في عالمنا اليوم لأن هذه الأحزاب و التنظيمات تحمل أفكاراً شمولية تعيش خارج عصرنا و أنها لا تؤمن بالديمقراطية و إذا تسنح لها الظروف فأنها ستبني حكماً دكتاتورياً شمولياً يُعيدنا الى عهد ما قبل 1400 عاماً. هكذا نرى بأن التنظيمات الإسلاموية غير قادرة على الصمود أمام العالم الجديد الذي تعيش فيه البشرية الآن و أن بروز هذه التنظيمات هو ظاهرة طارئة لا تدوم، حصل نتيجة للأسباب الآنفة الذكر. هنا قد يتساءل المرء إذا كان الأمر كذلك، لماذا فازت التنظيمات الإسلاموية في الإنتخابات الرئاسية و التشريعية في الدول التي ثارت شعوبها ضد الحكم الدكتاتوري و الشمولي مثل العراق و مصر و تونس و غيرها؟ في الحقيقة فأن إستلام الإسلامويين للحكم يكون مؤقتاً و لا يدوم حكمهم طويلاً، حيث أنه عبارة عن رد فعل تلك الشعوب لتلك المظالم و القتل و الإرهاب و الحروب العبثية و الفقر التي عانت منها هذه الشعوب في ظل أنظمة قمعية مستبدة تدّعي العلمانية و تحمل الفكر العروبي العنصري. إن هذه الحالة الشاذة الناشئة في دول المنطقة، هي إعلان عن فشل الفكر العروبي و و نهايته. كما ذكرتُ أعلاه، فأن الإسلام السياسي عاجز عن قيادة الشعوب وهو طارئ على المسرح السياسي و أنه سيختفي سريعاً، حيث أن العولمة التي نعيشها ستساهم بشكل رئيس على توعية الشعوب لتكون قادرة على تحديد مصالحها و إختيار ممثليها الحقيقيين.
إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة إعادة تكوين خارطتها السياسية من جديد و إنتهاء إتفاقية سايكس – بيكو الإستعمارية، حيث تغيّرت عدة أنظمة لدول المنطقة و يدور الآن صراع مسلح في سوريا و سيأتي بعد ذلك دور إيران و السعودية و تركيا. في مثل هذه الظروف غير المستقرة في المنطقة و صعوبة تحديد الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة، يجب على شيعة العراق تنظيم أنفسهم و ترتيب بيتهم و الإستعداد للظروف التي تمر بها المنطقة للمحافظة على وجودهم و لعب دور متميز في تحديد خارطة المنطقة.
من أولويات العمل الشيعي لتحقيق المحافظة على وجودهم و لعب دور مُعترف به إقليمياً و دولياً و لتوفير الرفاهية و العدالة الإجتماعية و بلوغ التقدم و التطور، هي توحيد القوى العلمانية الديمقراطية في تنظيم أو تنظيمات سياسية تقود الشعب الشيعي في العراق نحو تحقيق الأهداف الآنفة الذكر، حيث أن القوى الإسلاموية الشيعية الحاكمة في العراق هي قوى طارئة على الساحة السياسية العراقية و عاجزة عن مسايرة النظام العالمي الجديد و سيكون مصيرها الزوال و الإختفاء. كما أن القيادات الشيعية الإسلاموية المتخلفة تستغل الدين في سبيل الوصول الى الحكم، فهي منشغلة بالتشبث بكرسي الحكم بكل الوسائل و نهب أموال الشعب، تاركةً المواطنين الشيعة في الوسط و الجنوب يعيشون في فقر و أمية، حيث أن الكثير منهم يفتقدون العمل و تفتقر المنطقة الى الخدمات الضرورية، بينما البعثيون المجرمون أُعيدوا للحكم و رجال أمن و مخابرات و فدائيو صدام تمت إعادتهم الى وظائفهم أو أُحيلوا على التقاعد، و في نفس الوقت فأن ضحايا البعثيين تُركوا ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم. من أجل الإحتفاظ بكرسي الحكم، قام رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بإعادة الضباط البعثيين الى الحكم، مجازفاً بذلك بخطر الإنقضاض على حكمه و جعل مصيره كمصير الزعيم عبدالكريم قاسم.
كما أنه ينبغي أن يقوم الشيعة بتأسيس إقليم في ظل نظام كونفيدرالي، الذي يضمن لهم أن تكون لهم قواتهم المسلحة الخاصة بالإقليم و يديرون شئوون إقليمهم الخارجية و المالية بأنفسهم. إن النظام الفيدرالي الذي تطالب به بعض الجهات الشيعية و يكتب عنه بعض الكُتّاب، لا يصلح و لا يمكن نجاحه في مجتمعات متأخرة، ذات شعوب و أعراق و طوائف متعددة و مختلفة، حيث أنه في الأنظمة الفيدرالية، تكون السياسة الخارجية و الدفاعية و المالية عادةً من صلاحية الحكومة المركزية، و بذلك تكون الحكومات الإقليمية تحت السلطة المركزية المباشرة من خلال إشرافها على الجيش و الشئوون المالية و العلاقات الخارجية. يجب على الشيعة أن يأخذوا الدرس من الخطأ التأريخي الذي إرتكبته قيادة إقليم جنوب كوردستان في تبنّيها للنظام الفيدرالي بملء إرادتها و ها نرى اليوم المشاكل و المخاطر التي يتعرض لها الإقليم نتيجة القرار اللا مسئوول الذي إتخذته هذه القيادة و الذي لا يمكن تبريره و يؤثر على مصير شعب كوردستان بأكمله (للإطلاع على النظام الفيدرالي و الكونفيدرالي في العراق، يمكن للقارئ العزيز قراءة أربع مقالات لي تتناول هذا الموضوع و التي موجودة في الروابط المرفقة في نهاية هذا المقال).
كما ينبغي أن يكون الشيعة واعين بأن لا يكونوا جزءً من الحلف الإيراني – السوري في المنطقة، حيث أن السيد نوري المالكي قد ربط مصيره بمصير بشار الأسد و ملالي إيران و بهذا العمل الخطير يريد زج شيعة العراق في حرب طائفية طاحنة في المنطقة ليكونوا قرابين لكرسي حكمه. إن النظام الإيراني و السوري يعيشان خارج العصر و أنهما سيختفيان في المستقبل المنظور، لذلك على الشيعة العراقيين أن لا يسمحوا بأن يكونوا وقوداً لحرب خاسرة لا مصلحة لهم فيها، بل يؤسسوا إقليمهم الكونفيدرالي و ينظموا أنفسهم و ليتمتعوا بنسيم الحرية و يوفروا الرفاهية لأنفسهم للتعويض عن المآسي التي عانوا منها خلال تأريخهم الدامي.
http://www.wattan4all.org/wesima_articles/articles-20060208-11132.html
http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=articles-20071005-4299
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=55502
http://www.akhbaar.org/home/2008/08/51588.html
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]