الفكر الوطني الكوردستاني (5)
د. مهدي كاكه يي
قد يتساءل البعض قائلين، بأن هناك شعوباً تعيش ضمن كيانٍ سياسي واحد فلماذا يتم إستثناء شعب كوردستان من العيش مع شعوب أخرى ضمن كياناتٍ سياسية؟ للإجابة على هذا السؤال نقول:
1. الشعوب العائشة ضمن كيان سياسي واحد قد تشترك في العيش معاً بمحض إرادتها أو بالقوة. كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول و يعاني شعب كوردستان من التعريب و التفريس و التتريك و العبودية و تتم إبادته و نهب ثروات بلاده.
2. لا تنحصر المسألة الكوردستانية في كيان سياسي واحد، حيث أن كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن جمع شعب كوردستان وتوحيد كوردستان ضمن إحدى الكيانات التي تغتصبها.
3. كلما تطول تجزئة كوردستان و عُزلة الأقاليم الكوردستانية عن بعضها، كلما تزداد خطورة التباعد الثقافي واللهجوي بين الكوردستانيين.
4. لا يمكن نجاح العيش المشترك بين شعوب متخلفة ضمن كيان سياسي واحد، حيث أنه من الصعوبة للشعوب المتحضرة أن تعيش ضمن كيانات سياسية موحدة، كما في حالة شعوب بلجيكا و كندا و إسبانيا والمملكة المتحدة و غيرها، فكيف يكون الأمر بالنسبة لشعوب متأخرة كالشعب الكوردستاني و التركي و العربي والفارسي؟
ه. بعد إستقلال كوردستان و تقدم وتحضّر شعوب منطقة الشرق الأوسط، قد تتطلب المصالح الإقتصادية و الأمنية لهذه الدول تأسيس كيان كونفيدرالي بينها.
بالنسبة الى الكُتّاب والمثقفين الكوردستانيين الذين يحملون الفكر الوطني الكوردستاني، هناك مشكلة في خطاب قسم منهم، حيث تطغى عليه الضبابية و الإزدواجية و التناقض و التذبذب و يفتقر الى الفكر الوطني الثابت. في الوقت الذي يتبنّى هؤلاء تحرير كوردستان وإستقلالها، يساهم هؤلاء في نفس الوقت، على سبيل المثال في إصدار بيان يؤكدون فيه على عراقيتهم و أنهم (يُقدّسون) العَلَم العراقي. إن الإزدواجية و ضبابية الأهداف عند الكاتب و المثقف الوطني الكوردستاني تخلقان تشويشاّ و إرباكاً في الفكر عند المواطن الكوردستاني، لذلك علينا، ككًتّاب و مثقفين و صحفيين، أن نتبنى الفكر الوطني الكوردستاني بوضوح و الذي يهدف الى تحرير و إستقلال كوردستان، و أن نتبنى خطاً فكرياً محدداً و واضحاً، بعيدين عن العفوية و المجاملات و التخبط و أن نختار مفرداتنا و مصطلحاتنا بدقة، لتُعبّر عن أفكارنا بشفافية، لكي تكون قادرة على إيصال أفكارنا الى القارئ و السامع بِدقة و وضوح.
الفكر الوطني الكوردستاني يرى كوردستان مُغتصَبة ومقسّمة ويتبنى النضال بكافة الوسائل، من فكرية و ثقافية و إجتماعية و علمية و سياسية و دبلوماسية و إعلامية و عسكرية، لتحرير كوردستان و توحيدها. كما أنه يعترف بالحقوق القومية والثقافية لكافة المكونات القومية والإثنية لشعب كوردستان و يعمل على صيانة لغات وتراث و تاريخ هذه المكونات و تطويرها والمساواة بينها في الواجبات والحقوق. كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى النظام الديمقراطي العلماني الذي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة وذلك طبقاً لإرادة الشعب الكوردستاني، و فصل الدين عن السياسة وإستقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية و حرية الصحافة والتعبير والإعتقاد وكافة الحريات الشخصية الأخرى و المساواة بين المرأة و الرجل و رعاية الطفل والمسنين وتحقيق العدالة الإجتماعية. الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى أيضاً الإعتراف بكافة الأديان والمذاهب والمعتقدات في كوردستان و إحترامها والمساواة بينها و قيام أصحابها بممارسة طقوسهم و شعائرهم الدينية بِحرية لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، له أهداف و مصالح و ثقافة مشتركة و مصير واحد. الفكر الوطني الكوردستاني يؤمن بالتقدم العلمي والإجتماعي و الثقافي ويناضل من أجل خلق مجتمع كوردستاني متطور و عصري، يكون مؤهلاً للمساهمة في رفد الحضارة البشرية بالإختراعات و الإبداعات في مختلف نواحي الحياة، ليواصل عطاءه كأسلافه العظام.
مما تقدم، فأن حاملي الفكر الوطني الكوردستاني الذين يعتبرون شعب كوردستان شعباً واحداً و مُستعمَراً و أن كوردستان هي بلاد مُغتصَبة يجب تحريرها، هم المؤهلون لِتأسيس وقيادة تنظيمات سياسية، لِتناضل و تقود شعب كوردستان نحو الحرية و الإستقلال، حيث أنها تنظيمات وطنية كوردستانية، تؤمن بالنضال الكوردستاني الموحّد في كافة أرجاء كوردستان. مثل هذه الأحزاب الوطنية الكوردستانية العصرية المؤمنة بِوحدة الهدف و النضال والمصير الكوردستاني والحاملة للفكر الديمقراطي، هي التي ستحرر شعب كوردستان و وطنه من براثن الإحتلال والإستيطان، بينما الأحزاب الكوردية المحلية التي هي أحزاب سورية و تركية و إيرانية و عراقية، فأنها تعيش خارج العصر و ستنهار و تختفي لأنها قاصرة عن تحقيق أهداف شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال والديمقراطية و التقدم و الرفاهية.
عليه، يجب تعرية الأحزاب الكوردية المحلية الكلاسيكية المتخلفة و التي تجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تعمل على تشتيت النضال الكوردستاني و تجعله نضال قوميةٍ، تعيش على أرضٍ سورية و تركية و إيرانية و عراقية، بدلاً من نضال شعب مُستعمَر، وطنه مُغتصَب، الذي يكافح في سبيل تحرير نفسه و وطنه. بالإضافة الى محليّة هذه الأحزاب الكوردية، فأن هذه الأحزاب هي أحزاب متخلفة تعيش خارج الزمن، ترتكز على الفردية و العشائرية و المناطقية و يسودها الفساد والمحسوبية، و تستخدم وسائل نضالٍ بالية، عفا عنها الزمن. لذلك فأن شعب كوردستان بحاجة الى أحزاب وطنية عصرية مخلصة وشجاعة، تحمل الفكر الوطني الكوردستاني وقادرة على التفاعل مع المفاهيم والقيم والأفكار المعاصرة ومؤهلة لمواكبة التطورات والتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية وبذلك تضمن تحرير كوردستان وتوحيدها.
[1]