مستقبل الكيان التركي (3)
د. مهدي كاكه يي
التخلف الإقتصادي و العلمي
في الحلقتين السابقتين، تم الحديث عن أزمة الهوية والإنتماء التركية و الفكر العنصري التركي والصراع بين العلمانيين والإسلاميين ومشكلة خرق حقوق الإنسان وحرية التعبير وتراجع النهج الديمقراطي في ظل الحكم الإسلامي في تركيا والتمهيد لِترسيخ حكم فردي دكتاتوري من قِبل الرئيس التركي أردوغان. هذه المشاكل تُشكّل تهديداً كبيراً لِتركيا ككيان سياسي. في هذه الحلقة يتم التركيز على التخلف الإقتصادي والعلمي التركي الذي هو عامل مهم، يساهم في إنهيار تركيا.
العداء التركي المتزايد للرأسمال الأجنبي في تركيا و الإنتفاضة الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان والمشكلة السورية و إندلاع الإحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة التركية التي حصلت في مدن تركية عديدة، و خاصةً في إسطنبول، والتفجيرات التي حدثت في أنقرة، دفعت الكثير من المستثمرين الى ترك تركيا، حيث أنهم لا يودون المخاطرة بإستثمار رؤوس أموالهم في تركيا بسبب الظروف غير المستقرة فيها.
للأسباب الآنفة الذكر، لقد فقد مؤشر بورصة إسطنبول ثلث قيمته و إنخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية، حيث فقدت 20 ٪ من قيمتها مقابل الدولار و إرتفعت عائدات السندات إلى 10% و فشل البنك المركزي التركي في وقف هذا الإنخفاض الناتج عن إخراج المليارات من الدولارات من البلاد، بالرغم من صرفه أكثر من 15% من الإحتياطي الصافي له.
الإنكماش الحاصل في نمو الإقتصاد التركي، يفنّد إدعاء الحكومة التركية بأن الإقتصاد التركي قد تفادى الكساد الإقتصادي. يذكر السيد (ميرت يلدز)، كبير الإقتصاديين في بنك (برقان) تركيا بأن الإقتصاد التركي يواجه أزمة كبيرة و سينمو بشكل بطئ يُشبه الركود الإقتصادي لسنين عديدة. في عام 2011 إزداد العجز في الحساب الجاري في البلاد الى مستوى قياسي الذي كان مقداره 78,4 مليار دولار أي 10% من إجمالي الناتج القومي التركي و إنخفض النمو الإقتصادي من 8,8% الى 2,2%. وصلت نسبة التضخم في تركيا إلى 6.1 في المائة في عام 2013.
كانت الأزمة الإقتصادية العالمية تؤثر بشكلٍ سلبي أكثر على الإقتصاد التركي، إلا أن التطورات السياسية التي حصلت في العراق و بلدان شمال أفريقيا ساعدت الإقتصاد التركي على الصمود، حيث أن هذه البلدان أصبحت سوقاً رائجة للمنتوجات و الشركات التركية، لا سيما في جنوب كوردستان و العراق، حيث عقدت الحكومة التركية إتفاقيات مجحفة مع حكومة جنوب كوردستان، من خلال الضغط السياسي و العسكري، و تقوم بشراء البترول و الغاز الكوردستاني بأسعار رخيصة جداً قياساً لأسعار النفط و الغاز في الأسواق العالمية.
في محاولة لِتضليل الرأي العام التركي والإقليمي، تنشر الحكومة التركية والإسلاميون السائرون في الفلك التركي، معلومات كاذبة ومضللة عن الإقتصاد التركي للإستدلال على نجاح الحكم الإسلامي. لذلك أود هنا أن أشير الى بعض الحقائق عن الإقتصاد التركي لفضح أكاذيب حكومة أردوغان وحلفائه. الناتج القومي لتركيا عام 2013 لم يكن ترليون ومائة مليار دولار كما تدّعي الحكومة التركية، بل كان 819,4 مليار، وهو لا يساوي
مجموع الناتج المحلي لأقوى إقتصادات ثلاث دول في الشرق الاوسط ايران والسعودية و الإمارات فضلاً عن الأردن وسوريا ولبنان كما يدّعون، حيث أن الدخل القومي الإيراني كان 489,6 مليار والسعودي 748,4 مليار دولار في عام 2013 وهذا يعني ان الناتج القومي الإيراني والسعودي كان 1238 مليار أي أكثر من الدخل القومي التركي بنسبة أكثر من 50%. لو كانت إيران لم يُفرض الحصار الإقتصادي عليها ولم يتم إستنزاف إقتصادها على التسلح والمساعدة المقدمة لكل من النظام السوري وحزب الله وحكومة العراق واليمن والفلسطينيين، لَكان دخلها القومي أكثر من تركيا. كما يجب الإنتباه الى أنه لا يمكن المقارنة بين إقتصاد بلد صغير مع إقتصاد بلد كبير مثل تركيا وفي هذه الحالة يمكن مقارنة الإقتصاد التركي مع الإقتصاد الإيراني في المنطقة. تركيا تحتل المرتبة 18 في العالم من حيث الدخل القومي والمرتبة 77 من حيث حصة الفرد من الدخل القومي.
كيف يكون الدخل القومي التركي أعلى من الدخل القومي الفرنسي كما تدّعي تلك المعلومات المضللة؟!! في عام 2013 كان الدخل القومي الفرنسي 2806 مليار دولار والذي هو 3,4 مرة أكثر من الدخل القومي التركي وأن حصة الفرد الفرنسي من الدخل القومي في عام 2013 كان 43520 دولار أي ما تعادل تقريباً 4 أضعاف حصة الفرد التركي. تحاول التقارير التركية والإسلامية تضليل الرأي العام التركي والإقليمي، حيث أنها تذكر بأن تركيا غير مُدينة لأحد، بل أنها أقرضت البنك الدولي مبلغاً قدره 5 مليارات دولار، في الوقت الذي بلغت الديون التركية للدول والمصارف الأجنبية في سنة 2013 388,2 مليار دولار أي ما تعادل 47% من الدخل القومي التركي. يدّعون بأن مطار إسطنبول هو أكبر مطار في أوروبا، وهذا غير صحيح، حيث أنه رابع أكبر مطار في أوروبا.
إن تقدم البحث العلمي في أي بلد هو من أهم الشروط المحددة لتقدم ذلك البلد و تطوره و أنه من أهم مستلزمات و متطلبات تطور البلدان و رفاهية شعوبها، غير أنّ (تركيا) لا تزال تفتقد الى الإيفاء بهذا الشرط الأساس لتستطيع مواكبة الدول المتقدمة، حيث أن تركيا هي من الدول المتخلفة في هذا المجال و تفصلها عن الدول الصناعية المتطورة مسافات طويلة. على سبيل المثال، هناك 70 عالِماً لكل عشرة آلاف شخص في الدول الغربية، بينما يقابله سبعة علماء فقط في تركيا. في الدول المتقدمة، يتم تخصيص نسبة تتراوح بين 1 و 3% من الدخل القومي للأبحاث العلمية، بينما تبلغ هذه النسبة في (تركيا) 2 في الألف (0.002). يُشكل البحث العلمي في مجال القطاع الصناعي في الدول الغربية 70% من البحوث، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 10% في تركيا.
[1]