مستقبل الكيان التركي (4)
د. مهدي كاكه يي
الصراع الطائفي في المنطقة
تنقسم سكان دول منطقة الشرق الأوسط الكبير الى فريقَين طائفييَن عدوَين، الفريق السُنّي بقيادة كل من السعودية و تركيا و الفريق الشيعي بقيادة إيران. بالرغم من الإتفاق المؤقت الذي تم إبرامه بين إيران و الدول الغربية حول الحد من البرنامج النووي الإيراني، فأنه من المتوقع أن تفشل هذه الإتفاقية لأسباب عديدة، و من أهمها معارضة إسرائيل لها لتخوفها من إستغلال إيران لهذه الإتفاقية و التمكن من أن تصبح دولة نووية، كما أن السعودية، بأموالها الضخمة تحاول بكل قوة إفشال الإتفاقية المذكورة و بلغ بها الذعر و الهلع لدرجةٍ تفكر بشراء سلاح نووي من باكستان. كما أن الطموحات الإيرانية في صنع أسلحة نووية و خلق توازن في القوة مع إسرائيل، لا يمكن أن تتوقف، بل سيستمر الإيرانيون بشكل سري في تطوير برنامجهم النووي لأغراض عسكرية. هذا التخندق الطائفي و إمكانية إندلاع حروب مذهبية مدمرة في المنطقة، سيؤثر على تركيا و على مستقبل وجودها ككيان سياسي، بالإضافة الى إضطرارها تخصيص مبالغ طائلة لتطوير قوتها العسكرية و التي بدورها تؤثر سلباً على إقتصادها المتدهور.
تعارض المصالح الغربية و الإسرائيلية مع المصالح التركية
بدأت تظهر معالِم تعارض المصالح التركية مع المصالح الغربية في المنطقة، و خاصة الأمريكية و مع مصالح إسرائيل في مسائل عديدة. بالنسبة للمشكلة السورية، تريد تركيا إزالة الحكم العلوي في سوريا و إستلام الحكم فيها من قِبل جماعة إخوان المسلمين الرديفة لحزب العدالة و التنمية التركي. لهذا الغرض بدأت حكومة أردوغان بمساعدة التنظيمات الإسلامية الإرهابية في سوريا لإيجاد نفوذ لها في توجيه مسارات التغيير في سوريا و في محاولة منها لمنع السكان الكوردستانيين من التمتع بحقوقهم في الحرية و الإستقلال في غرب كوردستان، بينما الدول الغربية و إسرائيل لا تريد مجئ حكم إسلامي متشدد في سوريا و إنتشار الفوضى في بلد يجاور إسرائيل. الخلاف التركي – الغربي يدور أيضاً في مسألة إزاحة الرئيس المصري السابق مرسي عن الحكم من قِبل الجيش المصري و كذلك في مسألة الإتفاق المؤقت بين الدول الغربية و إيران حول البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة الى علاقات تركيا مع كل من جنوب كوردستان و الحكومة العراقية. من المتوقع أن تتعمق هذه التقاطعات في المصالح مع تطور الأحداث في المنطقة.
نمو الإحتجاجات الشعبية
توجّهْ حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا نحو تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدريج و تدهور الإقتصاد التركي، حيث البطالة، و خاصة في صفوف الشباب و فشل السياسة الخارجية التركية فيما تخص العلاقات التركية مع دول الجوار و دول المنطقة و تخلف عقلية الحكام الأتراك عن مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية، قد تؤدي الى إندلاع إحتجاجات و تظاهرات شعبية كبيرة تُطيح بحكومة أوردغان و تنتشر الفوضى و تندلع حرب أهلية بين الأتراك و الكورد و بين العلويين و الأتراك السُنّة و التي قد تقود الى إنهيار الكيان السياسي التركي و إستقلال شمال كوردستان و ظهور دولة علوية و دولة سُنية تركية. في هذه الحالة قد تتدخل كل من بلغاريا و أرمينيا و اليونان لإستعادة أراضيها التي تحتلها تركيا.
تعاظم الدور الكوردستاني في المنطقة
إن الكوردستانيين بعد أن كان يتم إستغلالهم من قِبل محتلي كوردستان في ظل الحرب الباردة، برزوا كقوة مؤثرة في المنطقة بعد إنتهاء الحرب الباردة و ظهور إقليم جنوب كوردستان و أخيراً تأسيس الإدارة الذاتية في غرب كوردستان. إن تطور القضية الكوردستانية و تعاظم دورها سيؤديان بكل تأكيد الى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بشكل منصف، تحترم إرادة شعوب المنطقة و تتجاوب مع تطلعات شعوب المنطقة في الحرية و الإستقلال. في هذه الحالة، فأن شمال كوردستان سيستقل و بذلك يؤثر في الصميم على تركيا ككيان سياسي في المنطقة، حيث تُقدّر نفوس سكان إقليم شمال كوردستان بحوالي 25 مليون نسمة أي بنسبة 36% من المجموع الكلي لسكان تركيا البالغة حوالي 70 مليون نسمة و هذا العدد الكبير لكوردستانيي الشمال سيُغيّر المعادلات و التوازنات في القوة في المنطقة. في هذه الحالة أيضاً قد تتدخل دول جوار تركيا لتحرير أراضيها من الإحتلال التركي.
علاقات تركيا مع دول الجوار
بالنسبة الى الشعوب المسيحية الجارة لتركيا مثل الشعب اليوناني و البلغاري و الأرمني، فأنّ العداء التأريخي و الحضاري و الديني و التباين الثقافي بين الأتراك و هذه الشعوب من العوامل المهمة التي أدت إلى إستفحال حالة العداء المزمن بين الشعوب المذكورة و الأتراك. إنّ الأتراك قد إحتلوا العديد من البلدان الأوروبية في عهد الدولة العثمانية، و وصلت القوات التركية الى أسوار مدينة فيينا. كما قام العثمانيون بقتل الكثير من الأوربيين و إختطفوا عشرات الآلاف من الأطفال الأوروبيين و قاموا بعزلهم و تربيتهم و ترسيخ الأفكار الإسلامية في عقولهم و من ثم تشكيل الجيش الإنكشاري منهم و إستعمالهم وقوداً لحروب العثمانيين لإحتلال الدول الأخرى و إستعباد شعوبها. كما أن التأريخ يُحدثنا عن الإبادة المروعة التي تعرض لها الأرمن من قِبل العثمانيين، حيث تمت إبادة أكثر من مليون أرمني.
العثمانيون إحتلوا العراق و سوريا و السعودية و غيرها و تم إستعباد شعوب هذه الدول، بالإضافة الى الخلاف الطائفي للأتراك مع شيعة هذه الدول. أما العلاقة السيئة لتركيا مع إيران، فأنها ناتجة عن أسباب تأريخية و مذهبية، حيث خاضت الدولتان العثمانية و الصفوية حروباً كثيرة ضد بعضهما البعض. كما يعود الخلاف بين هاتين الدولتين الى المنافسة بينهما على النفوذ و المصالح الإقتصادية في المنطقة.
[1]