مستقبل الكيان التركي (5) (الحلقة الأخيرة)
د. مهدي كاكه يي
في الحلقات السابقة، تم الحديث عن أزمة الهوية والإنتماء التركية و الفكر العنصري التركي والصراع بين العلمانيين والإسلاميين ومشكلة خرق حقوق الإنسان وحرية التعبير وتراجع النهج الديمقراطي في ظل الحكم الإسلامي في تركيا والتمهيد لِترسيخ حكم فردي دكتاتوري من قِبل الرئيس التركي أردوغان والصراع الطائفي في منطقة الشرق الأوسط والقضية الكوردستانية والتخلف الإقتصادي والعلمي التركي. هذه المشاكل كلها عوامل مهمة تُشكّل تهديداً كبيراً لِتركيا ككيان سياسي. في هذه الحلقة نستمر في تشخيص العوامل المتبقية التي تساهم في إنهيار تركيا.
العلويون
تبلغ نفوس العلويين (الكورد و الأتراك) في تركيا حوالي 20 مليون نسمة أي نسبتهم هي حوالي 30% من المجموع الكلي لسكان تركيا. إن نصف العلويين في تركيا أي 10 ملايين نسمة، هم كورد، بينما الملايين العشرة الباقية هم أتراك. يُعاني العلويون من التفرقة المذهبية و الإضطهاد في تركيا و لا يتمتعون بحقوقهم الدينية و المدنية. لذلك فأن العلويين الأتراك المضطهدين هم حلفاء طبيعيين للكوردستانيين و يمكنهم التحالف مع البعض للنضال معاً في تحقيق أهدافهم.
كما أن هناك أقليات دينية و مذهبية و قومية في تركيا. أعداد الشيعة في تركيا تصل الى حوالي ثلاثة ملايين نسمة. إستناداً الى هذه الأرقام و مع أخذ نفوس القوميات الأخرى غير المذكورة هنا بنظر الإعتبار المقدرة بحوالي 3 ملايين نسمة، نتوصل الى أن نفوس الأتراك السُنة الذين يحكمون تركيا تبلغ حوالي 26 مليون نسمة أي حوالي 37% من المجموع الكلي لسكان تركيا و بذلك فأن نفوس الأتراك السُنة هي أقل بكثير من نفوس الكورد و العلويين معاً التي تبلغ حوالي 35 مليون نسمة أي حوالي 50% من المجموع الكلي للسكان. كما أنّ هناك دراسات تشير الى أن نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و تركيا ستصبح أكثر من نفوس الأتراك بحلول عام 2020.
القوى الإسلامية الإرهابية
تُمثّل تركيا بيئة خصبة لنمو و ترعرع تنظيم القاعدة و الحركات الإسلامية المتطرفة الأخرى. إن شعبية حزب العدالة و التنمية الإسلامي خير دليل على قوة العامل الديني للمجتمع التركي و ضعف الفكر الليبرالي و العلماني فيه. لهذه الأسباب فأن تركيا هي مرشحة لتكون قاعدة كبيرة للمتطرفين الإسلاميين و أن يُشكلوا خطراً كبيراً على الأمن في تركيا و في المنطقة من خلال عمليات عسكرية و تفجيرات تقود الى زعزعة الكيان السياسي التركي.
العيش في أحلام الإمبراطورية العثمانية
إنّ الأنظمة التربوية التركية و المؤسسات الثقافية و الإعلامية فيها، خلقت أجيالاً تركية خيالية، تم تخديرها بأمجاد الأتراك و تأسيسهم للإمبراطورية العثمانية و حُكمهم لكثير من الشعوب و الدول في كل من قارة آسيا و أوروبا خلال تلك الحقبة الزمنية. هذه العملية التربوية خلقت عقليات تتوهم بأنّ الزمن قد توقف منذ الحكم العثماني و أنّ الأتراك لا يزالون قادرين على التحكّم بمصائر الشعوب و القوميات، كما كانوا يفعلونها خلال الحكم العثماني. هذه التربية رسخت في عقل المواطن التركي التفكير بعقلية زمن الإمبراطورية العثمانية. كما أن هذه التربية خلقت، بشكل عام، شخصية تركية متغطرسة، تؤمن بتفوقها على الشعوب الأخرى و بكونها أحسن و أرقى من هذه الشعوب. من نتائج هذه التربية أيضاً هي إعتقاد الأتراك بأنّ الشعوب و القوميات غير التركية هي أدنى مستواً منهم و ما على هؤلاء إلا أن يكونوا تابعين لهم، كما صرح بذلك بعض القادة الأتراك بكل صراحة. من جهة أخرى، فأنّ هذه التربية الإستعلائية تُسبب الإحباط و اليأس عند المواطن التركي، حينما يتأكد من أنّ الواقع يُفنّد ما غُرس في عقليته، حين يكتشف بأن تركيا هي بلد شرقي فقير و متأخر، تتحكم فيه الدول الكبرى و أنّ الكثير من الشعوب الأخرى لها مستواً معاشياً أعلى بكثير من ذلك الذي لدى الشعب التركي.
الإستنتاج
من خلال دراسة المخاطر التي تواجهها تركيا و التي تم تحديدها في هذه السلسلة من المقالات، يمكن الإستنتاج بأن القضية الكوردستانية و العلوية و الصراع الطائفي بين شعوب الشرق الأوسط والعولمة وإنخفاض أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وإسرائيل، ستكون عوامل حاسمة في التسبب في إنهيار الدولة التركية، حيث أن تركيا، ككيان سياسي، تتجه نحو التفكك و أن شمال كوردستان في طريقه نحو الإستقلال، كما لا يمكن الإستهانة بدور العوامل الأخرى المذكورة في هذه السلسلة من المقالات في إضعاف الكيان التركي و بالتالي إنهياره.
[1]