مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT سايكس – پيكو) (1)
د. مهدي كاكه يي
إتفاقية سايكس – پيكو
إتفاقية سايكس - پيكو التي أُبرمت في سنة 1916، كانت إتفاقاً سرياً بين فرنسا وبريطانيا، بمصادقة الإمبراطورية الروسية، على إقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى والتي كانت تحكم هذه المنطقة. هذه الإتفاقية كانت حصيلة مفاوضات سرية بين الدبلوماسي البريطاني (مارك سايكس) والدبلوماسي الفرنسي (فرانسوا جورج پيكو) التي جرت خلال الفترة الممتدة بين شهر تشرين الثاني/نوڤمبر من سنة 1915 وشهر مايس/مايو من سنة 1916. كانت هذه الإتفاقية على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارة الخارجية البريطانية والفرنسية والروسية القيصرية آنذاك. تمّ الكشف عن الإتفاقية عند تسلّم الشيوعيين للحكم في روسيا سنة 1917، والذي أثار إحتجاج ورفض الشعوب التي كانت الإتفاقية تتعلق بها، كما أن هذا الكشف أحرج كلاً من فرنسا وبريطانيا.
بموجب هذه الإتفاقية، تم تقسيم منطقة الهلال الخصيب، حيث حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال الخصيب (سوريا ولبنان وجنوب كوردستان)، بينما إمتدت المناطق التي سيطرت عليها بريطانيا من بلاد الشام الجنوبي، متوسعةً شرقاً لِتضم ولاية بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما أنه تقرر أن تصبح فلسطين تحت إدارة دولية، يتم الإتفاق عليها بالتشاور بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا. نصّت الاتفاقية أيضاً على منح بريطانيا مينائَي حيفا وعكا، على أن تكون لِفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا وتمّ منح بريطانيا من قِبل فرنسا بالمقابل إستخدام ميناء الأسكندرونة الذي كان سيصبح تحت إدارتها.
معاهدة سيفر وحق شعب كوردستان في الإستقلال
لقد تم التأكيد على نصوص إتفاقية سايكس - پيكو مجدداً في مؤتمر سان ريمو الذي تمّ إنعقاده في سنة 1920 والذي خلاله تمّ تحديد الحدود النهائية للمنطقة. بعد هذا المؤتمر، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الإنتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران/يونيو 1922. في شهر آب/يوليو 1920، تمّ إبرام معاهدة سيفر التي عقدت بين الحلفاء و(تركيا). المادة 62 و63 و64 من هذه المعاهدة كانت تتعلق بِشعب كوردستان، حيث نصت هذه المواد على إنشاء دولة كوردستان والتي نصوصها هي:
المادة 62: ستقوم لجنة مكوّنة من ثلاثة أعضاء تُعيّنهم الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية على التوالي وتتخذ إسطنبول مركزاً لها، بوضع خطة خلال ستة أشهر من تأريخ تنفيذ المعاهدة للإستقلال الذاتي للمناطق التي تسكنها أغلبية كوردية والتي تقع شرقي الفرات وجنوبي الحدود الجنوبية لأرمينيا، وشمال حدود تركيا مع سوريا والعراق. و ينبغي أن تشتمل الخطة على ضمان حقوق الأقليات الآشورية – الكلدانية والأقليات الدينية الأخرى التي تسكن في المنطقة.
المادة 63: توافق الحكومة التركية على تنفيذ قرارات اللجنة المذكورة في المادة 62 خلال ثلاثة أشهر من إخبارها بقراراتها.
المادة 64: إذا ظهر أنّ غالبية الشعب الكوردي، كما حُدّد في المادة 62، قد أظهر الرغبة في الإستقلال عن (تركيا) خلال عام واحد، وإذا إعتبر مجلس عصبة الأمم أن هؤلاء القوم قادرون على التمتع بهذا الإستقلال، فإنّ (تركيا) ستوافق على تنفيذ توصيات المجلس، وأن تتخلى عن جميع حقوقها وممتلكاتها في هذه المنطقة (أنظر الى هامش صفحة 40 من كتاب الدكتور شاكر خصباك المعنون الكرد والمسألة الكردية، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1989).
معاهدة لوزان
في 24 يوليو/تموز سنة 1923، تمّ إبرام إتفاقية جديدة التي عُرفت بإسم معاهدة لوزان والتي ألغت معاهدة سيفر وبذلك تمّ التراجع عن تأسيس دولة كوردستان. بموجب معاهدة لوزان، تم التنازل أيضاً عن معظم المناطق الكوردستانية التي كانت تحت الإنتداب الفرنسي لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى منح تركيا بعض المناطق التي كانت قد أُعطيت لليونان في معاهدة سيفر.
في وقتٍ لاحق تمّ تأسيس لبنان خلال فترة الإنتداب الفرنسي على سوريا، وتمّ فصل شرق الأردن خلال فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين، وأصبح الإنتداب البريطاني على العراق الذي تشكّل من ثلاث ولايات عثمانية وهي شارَزور (الموصل) وبغداد والبصرة. في سنة 1939، تنازلت فرنسا عن منطقة إيسوس (الإسكندرونة) لِتركيا.
حسب إتفاقية سايكس - پيكو، تم تأسيس الكيان العراقي من ولاية بغداد العثمانية مضافة اليها ولايتي شارزور ( الموصل لاحقاً) والبصرة، بعد إقتطاع أجزاء من الولايتين الأخيرتين وتوزيعها بين الكيانات الجديدة التي ظهرت في المنطقة، تركيا والسعودية وسوريا. كما تم تأسيس إمارات جديدة على أنقاض ولاية البصرة مثل إمارة الكويت وقطر.
كانت ولاية شارَزور تشمل آمد (دياربكر) و(وان) من الشمال وتحدّها ايران من الشرق ودير الزور من الغرب وولاية بغداد من الجنوب، أي أن ولاية شارَزور كانت تشمل كوردستان بأكملها ما عدا القسم الشرقي منها التي بقي تحت الحكم الفارسي حسب معاهدة أرض روم التي أُبرمت بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية في عام 1639. تم تقسيم الجزء الذي كان تابعاً للإمبراطورية العثمانية من كوردستان، حسب إتفاقية سايكس - پيكو، بين كل من العراق وسوريا وتركيا و بذلك أصبحت كوردستان مقسمة الى أربع أقسام وكل قسم يتبع احدى الدول الأربع التي مر ذكرها. أما ولاية البصرة، فكانت تشمل جنوب العراق والكويت ونجد وقطر والإحساء والقطيف وديزفول، حيث أُعطيت نجد والإحساء والقطيف للمملكة العربية السعودية وديزفول تمّ ضمها من قِبل إيران.
[1]