مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT سايكس – پيكو) (4)
د. مهدي كاكه يي
فشل الكيانات السياسية المصطنعة
دولة الهند الحالية التي كانت دولة واحدة والآن أصبحت ثلاث دول (الهند وپاكستان وبنگلادش)، الإتحاد السوفيتي السابق إختفى وإنبثقت منها دول عديدة. نتجت عن چيكوسلوڤاكيا دولتان، هما جمهورية الچيك وسلوڤاكيا، حيث أنّ هذين الشعبَين إنفصلا عن بعضهما دون إراقة دماء. يوغسلافيا السابقة تجزأت الى عدة دول، كما إستقلت في الآونة الأخيرة كل من كوسوفو وجنوب السودان. هكذا تستمر الشعوب في فرض إراداتها وليست هناك قوة على كوكبنا الأرضي قادرة على قهر هذه الإرادات. شعب كيوبك الناطقون بالفرنسية في كندا (تبلغ نفوسه 23.2% من سكان كندا) والشعب الأسكتلندي الذي تبلغ نسبتهم 8.5% من نفوس بريطانيا والشعب الكتلاني والباسك في إسپانيا و شعوب في الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، بما فيها شعب كوردستان، هي في طريقها نحو إستقلالها.
الدول الكبرى والإقليمية والكُتّاب والمثقفون والسياسيون الذين يصرّون على صهر شعوب المنطقة وإرغامها على العيش المشترك في كيانات سياسية مشتركة، متجاهلين واقع هذه الشعوب، يتهربون مما ينقله لنا التأريخ عن العلاقات العدائية الموجودة بين شعوب وقوميات وأديان ومذاهب المنطقة. إن هؤلاء هم أُناس حالمون، يعيشون على الأوهام والتمنيات. بإصرارهم هذا، سواء عن فهم أو بدونه، فأنهم يعملون على إستمرار نزيف شعوب المنطقة ودمار دول المنطقة ودوام تخلفها وتناحر شعوبها. إنهم يصرّون على إستمرارية الموت والحروب والدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، دون أن يردعهم ضميرهم الى التوجه الى حلول واقعية حكيمة لإنقاذ الإنسان في هذه البقعة الجغرافية من الحروب والمآسي التي يعيش فيها. على هؤلاء الإعتراف بفشل تجربة العيش القسري المشترك بين شعوب المنطقة بالضد من إرادتها ورغبتها. هؤلاء المتباكون على وحدة الكيانات السياسية المصطنعة في المنطقة، هم أناس يحملون عقليات فرض الإرادات بالقوة التي أصبحت جزءً من الماضي والتي تجاوزتها العقليات المتحضرة العصرية التي تتفاعل مع القيم والأفكار المُعبرة عن عالمنا الراهن. العقليات المتحجرة عاجزة عن التخلص من الأفكار الماضوية التي كانت سائدة خلال حُقب إزدهار الأفكار العنصرية وأنهم عاجزون عن فهم وإستيعاب التطورات الكبرى الحاصلة في الفكر والقيم والمفاهيم والإقتصاد والتكنولوجيا على كوكبنا الأرضي، فلذلك يصرون على تطبيق ما في عقولهم من أفكار بالية التي لا صلة لها مع واقع شعوب المنطقة، غير آبهين بمئات الآلاف من النفوس البريئة التي تفقد حياتها والدمار الذي تتعرض له بلدان المنطقة.
لِندع شعوب المنطقة تُقرر مصائرها بنفسها، دون وصاية، ونسمح لها في إستفتاء شعبي حر أن تختار هذه الشعوب مستقبلها ومصيرها، دون أن يدّعي أحد بتمثيله لها. في هذه الحالة فقط نحافظ على دماء هذه الشعوب وثرواتها ونفسح المجال لها للعيش بِحرية وأمان وطمأنينة، بعيدين عن أهوال الحروب ومآسي العنف. في هذه الحالة فقط ندع الجميع يتفرغون للبناء والإعمار والتقدم والتطور. بهذه الطريقة فقط نمارس الأساليب الديمقراطية ونحترم إرادة الشعوب وحريتها وتتحقق مساواة الشعوب وحرية الإنسان وسموّه.
يجب أخذ الدروس والعِبر من التأريخ، حيث عاشت شعوب المنطقة ضمن كيانات سياسية موحدة لِحوالي مائة سنة وخلال هذه الفترة الطويلة لم تلتئم لحمتها ولم تستطع الحفاظ على وحدة دولها الهشة المفروضة عليها من خلال البطش والإرهاب والعمل على إلغاء هويات وشخصيات ولغات وثقافات وتاريخ وتراث الشعوب المحكومة والمضطهَدة ونهب ثرواتها وغرق هذه البلدان في دوامة من الحروب والدمار والخراب والتخلف والجهل والجوع والمرض. كفانا نفاقاً و تباكياً على الوحدة القسرية لِدول المنطقة ولنكن جريئين صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين ونضع النقاط على الحروف بأن نضع مصلحة شعوب المنطقة فوق أي إعتبار آخر ويكون هدفنا المركزي هو حرية ورُقي وتقدم ورفاهية الإنسان في منطقة الشرق الأوسط. يجب عدم التباكي على كيانات سياسية أصبحت بمثابة سجون كبيرة، حُشرت فيها الشعوب حشراً كالقطيع، تاركينها تعاني وتتقاتل فيما بينها وتموت و في نفس الوقت تتم مباركة وضعها الإنساني المزري بحجة الحفاظ على الحدود المقدسة لهذه الدول ومباركة قيام الحكومات الإقليمية الدكتاتورية الشمولية في سعيها لإطالة أعمارها عن طريق قهر إرادة شعوب المنطقة وعلى حساب حرية هذه االشعوب وتقدمها ورفاهيتها.
[1]