مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT سايكس – پيكو) (7) (الحلقة الأخيرة)
د. مهدي كاكه يي
النضال الكوردستاني في ظل إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة
التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وزوال الحدود السورية والعراقية التي تمّ رسمها تبعاً لإتفاقية سايكس – پيكو وظهور كيانَين سياسيين جديدَين في جنوب وغرب كوردستان اللذَين قائمَين الآن داخل الحدود المرسومة من قِبل الإتفاقية المذكورة ويُداران من قِبل إدارتَين كوردستانيتَين، وإنهيار العراق وسوريا كَكيانَين سياسيَين عملياّ، حيث أنهما اليوم عبارة عن كانتونات طائفية، تتحكم بها المجموعات الإرهابية والطوائف والميليشيات السورية والعراقية والأجنبية المختلفة. كل هذه التطورات أنهت إتفاقية سايكس – پيكو عملياً وأنّه أخذ يتبلور ظهور خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وحقوق وحرية وتطلعات شعوب المنطقة بِنظر الإعتبار.
بناءً على ما تقدم، فأن منطقة الشرق الأوسط الكبير تمر بتطورات حاسمة تقود الى تفتت كيانات العديد من دول المنطقة، من ضمنها الدول المُغتصِبة لكوردستان وتأسيس دول جديدة على أنقاضها، أهمها كوردستان، حيث أنها ستصبح أكبر دولة في المنطقة. لذلك على القيادات الكوردستانية أن تتدارك التطورات الحاصلة في المنطقة وتهجر العقليات القديمة التي عفى عليها الزمن وتحمل عقلية العصر لكي تكون قادرة على رسم إستراتيجية إستقلال كوردستان وتوفير مستلزمات ومقومات نجاحها وذلك بإستثمار الفرصة التاريخية السانحة حالياً والتي خلقتها الظروف الكوردستانية والإقليمية والدولية وأن تضع مصلحة شعب كوردستان فوق المصالح الشخصية والحزبية. تتحمل هذه القيادات مسئولية تاريخية كبرى أمام شعب كوردستان وأمام التاريخ والضمير الإنساني في القيام بتوحيد الصف الكوردستاني وترتيب البيت الكوردستاني والإبتعاد عن المحاور الإقليمية وعدم التعاون والتحالف مع الدول المُغتصِبة لِكوردستان، وإلا ستقود القيادات الكوردستانية شعب كوردستان الى الكوارث والتراجيديا وستقود نفسها الى الفناء والسقوط و عندئذ سيلعنها التاريخ والأجيال الكوردستانية القادمة. لِتفادي التراجيديا الكوردستانية ولعنة التاريخ والضمير الإنساني ولِقيادة شعب كوردستان الى الحرية والإستقلال، يجب عقد مؤتمر كوردستاني عام بأسرع وقت ممكن، تشارك فيه على الأقل الأحزاب الكوردستانية الكبرى (حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني وگۆڕان وحزب الإتحاد الديمقراطي) وشخصيات وطنية وأكاديمية وممثلو منظمات المجتمع المدني ويؤسسوا خلال المؤتمر مرجعية سياسية جامعة وقيادة عامة للقوات المسلحة الكوردستانية وتأسيس جيش مهني موحّد، بعيد عن الولاءات الحزبية ووضع دستور ينص على علمانية النظام السياسي الكوردستاني والمساواة والعدالة الإجتماعية وحرية المعتقد والرأي والتملك وتداول السلطة السياسية من خلال صناديق الإقتراع والمساواة بين المرأة والرجل وضمان حقوق الطفل والمُسنّ.
رغم كون أكثرية مواطني كوردستان مسلمين، إلا أن شعب كوردستان هو شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية وأنه شعب غير متزمتٍ دينياً وليس عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم. هكذا فأنه يُشكّل جزءاً من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية والحرية. تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة، وهي ثروة بشرية كبيرة في المنطقة والتي لا يمكن الإستهانة بها وأنّ كوردستان بلاد كبيرة، تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلومتر مربع. كما أن لِكوردستان موقع إستراتيجي مهم وأنها غنية بمواردها الطبيعية من بترول وغاز طبيعي (يبلغ إحتياطي النفط في كوردستان 160 مليار برميل، أي أنها ثامن أغنى دولة نفطية في العالم وتملك 5,7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي) وكذلك فأنها غنية بالمعادن والمياه، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها. لذلك ستلعب كوردستان، عند إستقلالها، دوراً أساسياً في التوازنات الدولية في المنطقة و تساهم في تطويرها وتقدمها و في بناء جسر يربط بين العالم الشرقي والغربي في مختلف مجالات الحياة. هكذا فأن كوردستان بحاجة الى قيادة سياسية وطنية مخلصة ومحنكة لقيادة شعب كوردستان وتحريره من الإحتلال وتأسيس دولة معاصرة، يعيش في ظلها مواطنوها بِعزّ وكرامة وحرية و في رخاء وفي نفس الوقت يبدأ شعب كوردستان بالتواصل مع أمجاد أسلافه العظام ويساهم من جديد في بناء الحضارة الإنسانية.
ملاحظة: تمّ تقديم هذه الدراسة التي تمّ نشرها في 7 حلقات، الى الندوة التي أقيمت من قِبل المركز الكردي للدراسات في المانيا بتاريخ 22-05-2016 بمناسبة مرور مائة عام على إتفاقية سايكس- پيكو.[1]