إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الثالث)
د. مهدي كاكه يي
كان يُستعمل إسم (بابان) في القرن االسادس عشر الميلادي كإسم للعشائر الساكنة في المنطقة المحصورة بين نهر الزاب الصغير ونهر سيروان وتمّ ذكر بعض الأماكن ضمن هذه المنطقة، مثل پشدر ومرگه وسورداش وسرچنار وشارباژێر وشارَزور وقرَداخ1.
تأريخ إمارة بابان منذ نشأتها الى إختفاائها ليس تأريخاً مسجلاً بالتعاقب1. كما أن سلسلة الأسرة الحاكمة لِإمارة بابان، تمّ تغييرها وتحديثها لمرات عديدة بسبب إنعدام الخلف للحكام وبسبب قتلهم2. كانت إمارة بابان كبيرة قبل أن يصبح (سليمان پاشا الكبير) والياً على بغداد، حيث كانت تمتد حتى زنكباد ومندلي وكانت أربيل وآلتون كو پري تحت حكمها، حيث كانت حدود إمارة بابان تبدأ من كركوك غرباً الى قصرشيرين شرقاً وحتى مناطق خانقين ومندلي وبدرة وجصان جنوباً و أربيل ومناطق الزاب الأسفل شمالاً.
الحدود الجغرافية لإمارة بابان، كما يذكرها مستر(ريچ)، وكما ينقل عنه العلامة محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ السليمانية وأنحائها) تبدأ من حدود بغداد وشملت كلاً من الداوودة، كفري، دلو، زنگنه، كوم، زندآباد، شيخان، نوره، چمچمال، چياسور، كوجماله، شوان، جبوق قلا، عسكر، قلاسيوكه، كردخير، بازيان وأنحاء قره داخ والذي يشمل باني خيلان، سرچنار، سورداش، مرگه، پشدر، گلاله، شنيك، ماوەت، آلان، سيوەيل، سرآو، ميرآو، بالخ، كابيلون، بازار، بركيو، سروجك، گولعنبر، حلبجه، شميران، قزلجة، ترتول، قرە حسن، ليلان)1.
المرحلة الثانية من حكم إمارة بابان
تبدأ هذه المرحلة إعتباراً من سنة 1650 ميلادية عندما قام فقي أحمد بِتأسيس الأسرة البابانية الحاكمة، والذي كان من سكان (دارشمانه) ومن عشيرة نورالديني في منطقة پشدر (منطقة قَلادزه الحالية)3.
بدأ الكورد نشاطهم السياسي في مطلع القرن التاسع عشر من خلال الحركة التي قام بها عبد الرحمن باشا بابان، حيث أنه في سنة 1803 ميلادية، أصبح عبد الرحمن پاشا أميراً على إمارة بابان وأخذ يقوم بِتقوية سلطته وتوسيع إمارته4.
رغم معارضة والي بغداد (علي پاشا) لِحكم عبد الرحمن پاشا، إلا أنه إستطاع خلال فترة قصيرة من ترسيخ دعائم حُكمه، مستغلاً العلاقات المتأزمة التي كانت قاائمة بين الإمبراطورية العثمانية وإيران، حيث أخذ يحاول إيجاد حلفاء خارجيين له، فإتّصل بِحُكّام الإمارات الكوردية المجاورة و بِحاكم كرماشان، محمد علي ميرزا5.
في سنة 1806 ميلادية، تحالفَ الأمير الباباني عبدالرحمن پاشا مع حاكم كرماشان، محمد علي ميرزا الذي أعلن الحرب ضد والي بغداد، علي پاشا، فإنضّم هو وقواته إلى جيش حاكم كرماشان. خلال الفترة التي تلت هذا التحالف، أصبحت إمارة بابان تتعرض لتدخلات في شئونها الداخلية من قِبل كلِ من والي بغداد ونائب شاه إيران. بالرغم من الخلافات التي حدثت في بعض الأحيان بين الأمير عبدالرحمن پاشا مع كلِ من والي بغداد الجديد، عبدالله پاشا وحاكم كرماشان، إلا أن الأمير الباباني إستطاع بِحكمته أن يقوم بِتعزيز سلطته وتوسيع نطاق نفوذه في المنطقة. في سنة 1812 ميلادية، حدث قتال عنيف في مدينة كفري بين القوات البابانية وقوات والي بغداد، داود پاشا ومُنيت القوات البابانية بِهزيمة كبرى ومن جرّاء هذه الهزيمة تعرّض سكان منطقة (شارزور) لِمآىسٍ وويلات كبيرة. إضطر الأمير عبد الرحمن پاشا أن يلجأ الى إيران ويطلب الحماية من حكومتها، حيث إستجابت الحكومة الإيرانية لِطلبه وقامت بِشنّ غارات على المناطق العثمانية الحدودية المتاخمة لإيران6.
توفي الأمير عبدالرحمن پاشا في سنة 1813 ميلادية وإستلم سليمان پاشا حُكم إمارة بابان7. في سنة 1838 ميلادية توفى الأمير سليمان پاشا وخلّفه في الحُكم إبنه احمد پاشا الذي قام بِتقوية الإمارة، حيث قام بتأسيس جيش منظم ومسلًح بأسلحة حديثة ليكون قادراً على حماية إمارته من النفوذ الأجنبي وأن تستقل إمارة بابان وتُنهي سيطرة ولاة بغداد عليها. كاد الأمير الباباني أن يحقق هدفه في الإستقلال، إلا أن تدخّل بلاد فارس ودعمها لِعلي بن محمد بن عبدالرحمن بابان الذي إعتنق المذهب الشيعي والذي كان يدّعي أحقيته في الجلوس على عرش الإمارة، حال دون ذلك، حيث أن الأمير أحمد پاشا ترك الحُكم لمدة سنة واحدة (1841 – 1842م)، وتولى الحُكم عمّه محمود پاشا بِمساعدة القوات الفارسية. بعد مرور حوالى سنة واحدة، إستطاع الأمير أحمد پاشا طرد عمّه محمود پاشا عن طريق القوة العسكرية وإستعاد حُكمه من جديد في سنة 1842 ميلادية7.
تشير بعض النصوص الأدبية إلى إن الإمارة كانت في فترة من الفترات مستقلة تماماً عن النفوذَين الفارسي والعثماني إستناداً إلى قصيدة مشهورة للشاعر الكوردي المعروف شيخ رضا طالباني (1835 - 1909)8 المشهور بإسم (شێخ رەزاى تاڵەبانى). هنا نقتطف من قصيدته المذكورة المقطع التالي:
له بيرم دێ سولهيمانی كه دارولمولكی بابان بوو
نه مهحكوومی عهجهم، نه سوخرهكێشی ئالی عوسمان بوو
لهبهر قاپی سهرا سهفيان دهبةست شێخ و مهلا و زاهيد
مهتافی كهعبه بۆ ئهربابی حاجهت گردی سهيوان بوو
لهبهر تابووري عهسكهر ڕێ نهبوو بۆ مهجليسي پاشا
سهدای مۆزيقهوو نهقاره تا ئهيوانی كهيوان بوو
درێغ بؤ ئهو زهمانه، ئهو دهمه ، ئهو عهسره ، ئهو ڕۆژه
كه مهيدانی جريدبازی له دهوری كانی ئاسكان بوو
الترجمة العربية للمقطع الشعري
أتذكر السليمانية عندما كانت بيتاً ومُلكاً لِلبابانيين
لم يكونوا تحت حُكم الفرس ولم يخدموا آل عثمان
كان الشيوخ والملالي والزاهدون يصطفون أمام باب الحكومة
كان تل سَيوان قِبلة أرباب الحاجات
بسبب طوابير العساكر، لم يكن هناك طريق سالك الى مجلس الپاشا
كان صدى الموسيقى والطبول يصل الى بهو كَيوان
أسفاً لذلك الزمان، لذلك الوقت، لذلك العصر ولذلك اليوم
الذي كان ميدان الألعاب حول نبع الغزلان
بناءً على أوامر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1876 – 1909م)، قام والي بغداد، نجيب پاشا في سنة 1896 ميلادية بالهجوم على إمارة بابان والقضاء عليها وبذلك سقطت هذه الإمارة الكوردية وإختفت.
المصادر
1. كلوديوس جيم ريچ (2008). رحلة ريج؛ المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان- إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات.
2. نەوشیروان مستەفا (1998). میرایەتی بابان لە نێوان بەرداشی ڕۆم و عەجەمدا. چاپی دووەم، چاپەمەنی خاك، سلێمانی، لاپەڕە 36.
3. المصدر السابق، صفحة 45.
4. مەحەمەد حەمە باقی (2002). میرنشینی ئەردڵان، بابان، سۆران لە بەڵگەنامەی قاجاریدا 1799 – 1847 ز. چاپی یەكەم، چاپخانەی وەزارەتی پەروەردە، هەولێر، لاپەڕە 42-46.
5. المصدر السابق، صفحة 69.
6. المصدر السابق، صفحة 69-118.
7. عبد القادر رستم الباباني (1871). تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد. صفحة 151 (باللغة الفارسية).
8. شێخ محمدى خاڵ و ئومێد ئاشنا (2003). دیوانى شێخ رەزاى تاڵەبانى.
[1]