الدين اليزداني كان الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية
د. مهدي كاكه يي
تعقيباً على مقالي المعنون (إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الأول))، أثار الأستاذ (حاجي علو) مواضيعاً مهمة التي أغنت المقال. أشكر الأستاذ (حاجي علو) لمتابعته المستمرة لكتاباتي ولِإثرائه لها. نظراً لأهمية الموضوع، أنقل هنا نص تعقيبه وردّي على التعقيب.
التعقيب
مقالاتك مهمة جدّاً وقيمة وتنطق بالحقيقة فقط ، لكن دائماً أرى فيها بعض التناقض وشيء من التجاهل وذرّ ة من الإنكار شأن كثير من اليزيديين الذين يحومون حول الحقيقة وينكرونها عندما تتجلى لهم فمثلاً تتكلم عن 400 سنة ق ب وهذا لاشك فيه مطلقاً فمذ نشوء الدولة الميدية وإلى نهاية الساسان كان الحكم فيدرالية الممالك شاهنشياً ولابد أن كانت في كردستان عدة عوائل ملكت ممالك مستقلة فيدرالية، واحدة منها مملكة الداسنيين التي ينحدر منها باشيخ الئيزديين الحالي الختاري , ثم تقول دينهم يارساني، هذا لم يكن قبل العصر العباسي الإسلامي، ،، اليارساني والشيعي والئيزدي والكاكئي .... كلهم دين واحد قبل الإسلام وهو الدين الزرادشتي المزداسني الذي نتسمى به حتى اليوم تعرض إلى السيف الإسلامي فانقرض الدين وأسلم الجميع إلاّ من كان نائياً بقي بشيء من دينه الذي تشوّه كثيراً ، وبعد إبادة الدولة الإسلامية على يد هولاكو إستقرّت الطوائف المختلفة في الأماكن المختلفة على ما وصلت إليه من التدهور، ومعظمها قبلت عليّاً بدرجات متفاوتة إلاّ اليزديون قبلوا سنيّاً وهو الشيخ عدي والأمر سيان، لا يوجد دين يزداني هي طوائف زرادشتية مختلفة وهي ديانات شمسانية.
ثم نأتي إلى أسرة بابان العريقة ، نحن في كردستان لم نجد أسرة عريقة واحدة لا تُنسب نفسها للعرب بصفة سادة أو أحفاد أحد من الصحابة أو إحدا العشار العربية القديمة مثل طي وبني مُضر فكيف شذّت هذه منها ؟ إسأل بنفسك وتأكد ، أنا أيضاً لا أشك في عراقة كردية الجميع لكن هم يُنسبون أنفسهم ويصرّون والإعتراف سيد الأدلة ، وهو كذب فرضه السيف في عصر الخوف والرعب واكتسبته الأجيال , هذا مرض سرطان في كردستان ، يُقاتل ويُناضل من أجل شيء لا يُؤمن به ، كلهم كانوا أبياراً بنسب راقي قبل الإسلام يتزعمون شعوبهم ، بعد الإسلام نسبوا أنفسهم إلى أصول إسلامية رفيعة ، حتى سادة الشيعة المستعربين وغير المستعربين نفس الشيء ، عشائر السادة نعيم والهاشميين والبدريين هم سنّة وهم أحفاد علي ، ثم لم يكن هناك مذهب ديني شيعي خاص بعلي وأولاده ........
الرد
المقال يتناول إمارة بابان ويشير الى أن اليارسانيين كانوا حُكّام هذه الإمارة وأنّ ظهورها قد يكون بدأ قبل سنة 400 قبل الميلاد. المقال لا يتطرق الى الأديان الكوردية القديمة ولا يقول بأن تاريخ ظهور هذه الأديان يعود الى عدة قرون قبل الميلاد ولا يذكر بأن اليارسانيين كانوا يحكمون جميع الممالك الكوردستانية، حيث أن التاريخ يذكر حكمهم لإمارة أردلان وبابان فقط.
الأديان الإيزدية والهلاوية واليارسانية (كاكەیی) والدروزية والشبكية والزردشتية كلها هي فروع للدين اليزداني. هذه الفروع لا تعود للدين الزردشتي، حيث أن الدين الزردشتي نفسه هو فرع من فروع الدين اليزداني كباقي الفروع الأخرى. عند ظهور الدين الإسلامي، كانت غالبية الشعب الكوردي تعتنق الدين اليزداني وأن إدخال بعض الشخصيات الإسلامية الى فروع الدين اليزداني كالإيزدية والهلاوية واليارسانية وغيرها، هو لِحماية أصحاب هذه الديانات من القتل والإضطهاد والإهانة وللحفاظ على هذه الأديان ولذلك نرى أن معتنقي هذه الأديان إضطروا أن يجعلوا معتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم الدينية سرّية خوفاً من القتل والبطش والإرهاب وبمرور الزمن أصبح معتنقو هذه الأديان يظنون أن المحافظة على سرّية أديانهم هي من الفرائض الدينية، وإلا فأن الدين اليزداني هو إمتداد للمعتقدات السومرية وتتجلى فيه الديانة المثرائية التي كانت سائدة بين الزاگروسيين والآريين خلال فترة الحكم الهوري – الميتاني وما بعدها. تفادياً للإطالة أرفق في نهاية هذا الرد مقالاً قيّماً ووافياً للصديق الدكتور أحمد خليل حول هذا الموضوع. كما أنني في المستقبل القريب سأتحدث بالتفصيل عن الدين اليزداني خلال حديثي عن دين ومعتقدات الميديين ضمن حلقات سلسلة المقالات المعنونة (نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم).
في الحقيقة أن الأسَر الكوردية العريقة لم تدّعي أن نسبها يعود الى العرب، بل أن العنصريين العرب يُحرّفون تاريخ هذه الأُسر ويزوّرونه وينسبونه الى العرب. كما نرى بالنسبة للأسرة البابانية الحاكمة التي هي أسرة كوردية عريقة كان أفرادها يعتنقون الدين اليارساني.
نص مقال الدكتور أحمد خليل
المسألة الدينية في كُردستان والحقائق السبع
عمر تشابكات الدين والسياسة في كُردستان لا يقلّ عن 25 قرناً، وقد عبرتْ مع كل تعقيداتها من العصر القديم إلى العصر الوسيط، ووصلت إلى العصر الحديث وهي أكثر تعقيداً، وصارت في عهدنا هذا أكثر خطراً على الأمّة الكُردية وعلى مشروعها التحرّري. ولتوضيح ذلك نسرد بإيجاز الحقائق السبع التالية.
حقائق تاريخية:
الحقيقة (1): صراع الديانات هو، في العمق، صراعُ ثقافات وذهنيات وسياسات، وكذلك كان الصراع بين اليَزْدانية (الأَزْدائية الدين الوطني الميدي/الكُردي) والزَّرْدشتية السياسية (الدين الرسمي للدول الفارسية)؛ فالفرس- كبقية الأقوام الصحراوية المنشأ- كانوا عاجزين عن إبداع فكر حضاري متقدّم، لكن ماهرين في السطو على الثقافات الأخرى الأكثر تقدّماً، وتوظيفِها لخدمة مصالحهم التوسّعية، وقد سطوا على الزَّرْدشتية، وهي في الأصل جزء من الثقافة الميدية، ومن إبداعات الفكر الميدي، وسخّروها لمشروعهم الإمبراطوري، وهم منذ خمسة قرون يلعبون اللعبة ذاتها مع الإسلام الشيعي، وقد انتقلوا باللعبة الآن إلى مرحلة أكثر نشاطاً.
الحقيقة (2): رغم مشاريع القهر والصهر الماكرة المتوحّشة ضد اليَزْدانيين، لم تنجح الحكومات الفارسية إلا في زَرْدَشَة نسبة قليلة من الكُرد، وهم في الغالب كُرد المدن، والكُرد الذين ارتبطت مصالحهم بالدول الفارسية، وظلّ معظم الكُرد متمسّكين ببقايا اليَزْدانية (أَيزْدي، مَزْدَكي، يارساني/كاكائي، آلاوي/عَلَوي)، وصحيح أن هذه الفروع اليَزْدانية تعرّضت- كأيّ دِين آخر- للانحرافات والخرافات، لكنها ظلّت محصّنة إلى حدّ كبير ضدّ الزوال، ولم تستطع الزَّردشتية السياسية افتراسَها وهضمَها بشكل كامل.
الحقيقة (3): في العهود الإسلامية، واجهت اليَزْدانية صراعاً على جبهتين:
- صراعُ ضدّ الزَّردشتية السياسية الفارسية الطابَع، فكثير من نُخَب الفُرس اعتنقوا الإسلام، واستمرّوا، تحت ستار الإسلام، في اضطهاد اليَزْدانيين وتبشيعهم، وهذا واضح في الروايات التي نَسبت الكُرد إلى الجِنّ الكفّار والإماء المنافقات، وواضح في ملحمة شاهْنامَه للفِرْدَوْسي، إذ حُوِّل الملك الميدي الأخير وحامي اليَزْدانية أَزْدَهاك إلى Ejdeha (تِنّين)، وواضحٌ أيضاً في تعاون كبار قادة الفُرس مع دولة الخلافة العبّاسية، للقضاء على ثورات الخُوراميين اليَزْدانيين في القرنين (2، 3ﮪ).
- صراعٌ ضد الإسلام العقائدي والسياسي، ورغم افتقار اليَزْدانيين إلى مرجعية دينية وسياسية جامعة، فقد قاوموا الغزو الإسلامي، وسُمّوا مشركين1. ومنذ سنة (137 ﮪ/754 م)، ظهر قادة يَزْدانيون وطنيون، وقادوا ثورات ذات توجّه اجتماعي قومي ديني عُرفت بالثورات الخُرَّمِيّة (الخُورامية، نسبة إلى خُور/هُور = الشمس)، وسُمّوا (المُحَمَّرة) أيضاً، لأن شعارهم كان اللون الأحمر (لون النار، ظلّ باقياً عن كُرد آلاوي/عَلَوي الذين سمّاهم الترك: قِزِلْ باش= الرؤوس/العمائم الحُمر)، وكان أكبر تلك الثورات وأقواها وأطولها عمراً ثورة بابَك الخُورامي (باب، بابَك، مرتبة دينية يَزْدانية، ولعلّها من كلمة Bav أب الكُردية)، ودامت ثورة بابَك بين (201 -222 ﮪ/816 – 837 م) 2.
الحقيقة (4): ظلت فروع اليَزْدانية سائدة بين الكُرد إلى القرن (12 م)، فحتّى ذلك الوقت كانت دولة الخلافة قد ضعفت، وظهرت حكومات كُردية ذات حكم ذاتي، منها (رُوآدي في أَذَربَيْجان وجنوبي القوقاز، وبَرْزَيكاني في هَمَدان، وشَبانْكارَه في بلاد فارس، وشدّادِي في أرمينيا وأَرّان المقسَّمة بين أَذَرْبَيجان وأرمينيا وجورجيا، ودوسْتِكي في وسط وشمالي كُردستان). وفي القرن (5 ﮪ/11 م) حصل تحالف بين الخلافة العبّاسية والترك السلاجقة، فغزا السلاجقة غربي آسيا، وسيطروا عليها، وقضوا على الحكومات الكُردية، وخلخلوا المجتمع الكُردي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، وكان من الطبيعي أن تنتقل الخلخلة إلى المنظومة الدينية، وبدأت نسبة الأسلمة تزداد بين الكُرد3.
الحقيقة (5): مع نهاية القرن (15 م)، كانت فروع اليَزْدانية قد أُرهِقت، وبدأت تضعف، وذلك بسبب القهر الديني والتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تدفّق البدو التورانيين (السلاجقة الغُز/أُوغوز، والخُوارِزميون، والمُغول). في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليَزْدانية (أَيزْدي، يارْساني(كاكه يي)، آلاوي/عَلَوي، الشَّبَك) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية إضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والظلم وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل.
ونذكر على سبيل المثال، أن الملاك ميكائيل سُمّي (الشيخ أبو بَكْر) في الأَيزْدية، وأصبح الإمام عليّ بن أبي طالِب شخصية مقدّسة رئيسة عند طائفة (علي- إلهي) اليارْسانية الكُردية وعند العَلَويين الكُرد. وحلّت الأسماء العربية محلّ الأسماء الكُردية عند أتباع هذه الفروع اليَزْدانية، فالاسم الكُردي العريق (آدي) مثلاً، كان اسم أحد آلهة المَجْمَع الإلهي الحُوري (خُوري/هُوري)، بصيغة (أَدَّو) Addaw، واقتبسه البابليون والآشوريون بصيغة الإله (أَدَد)، واقتبسه الآراميون بصيغة الإله (حَدَد/هَدَد)، وقد صار اسمه عند الأيزديين عربياً بصيغة (عَدِي)4.
ونسب أمراء الأَيزْديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، واتخذوا بعض أسمائهم (مُعاوية)، ولم ينهجوا وحدهم هذا النهج، فبعض أمراء الكُرد السُّنّة فعلوا ذلك أيضاً، ومنهم أمراء جزيرة بُوتان، فقد انتسبوا إلى الصحابي العربي خالد بن الوليد، مع أن المصادر العربية تؤكد أن الطاعون قضى على ذرّية خالد في وقت مبكِّر، قال النُّوَيْري :
وقد انقرض ولد خالد بن الوليد، فلم يبق منهم أحدٌ شرقاً ولا غرباً، ... وكلُّ مَن ادّعى إليه فقد كذب5.
الحقيقة (6): بسبب غزو السلاجقة الترك (كانوا أتباع المذهب الشافعي السُنّي)، ثم بتأثير الدولة الأيّوبية الكُردية (كانت تتبع المذهب نفسه)، أصبح معظم الكُرد في الوسط والشمال مسلمين شوافع. وبسبب مجاورة الفُرس، ثم بسبب القهر الصَّفَوي، اضطرّ عدد كبير من اليارْسانيين في جنوبي كُردستان إلى اعتناق المذهب الشيعي الإسلامي. وهكذا لم يَعُد الانقسام الديني في المجتمع الكُردي يقتصر على الكُرد المسلمين والكُرد من أتباع الفروع اليَزْدانية، وإنما ظهر انقسام جديد بين الكرد السُنّة والكُرد الشيعة.
الحقيقة (7): المثير للانتباه أن المسيحية والإسلام هيمنا على الشرق الأوسط، وهضما كثيراً من الديانات القديمة، وقطعا صلة كثير من الشعوب بعقائدها الوطنية، فالآن لا صلة للمصريين، والفينيقيين، والفلسطينيين، والسُّريان (الآراميين) والآشوريين، والأرمن، بعقائدهم الوطنية، في حين ظلّت اليَزْدانية، رغم مشاريع القهر والصهر المتوحّشة، صامدة كفلسفة وقيم وتشريع عند الكُرد الأَيزْدي، واليارْساني، والآلاوي/العَلوي، وما زالت بعض عناصرها العقائدية باقية أيضاً عند الإسماعيليين والدُّروز. وهذا الصمود جزء من صمود الأمّة الكُردية في وجه مشاريع الافتراس والهضم والدمج؛ وقد لخّص بعض جيران الكُرد هذا الصمود في المقولة الشهيرة عقل كُردي!؛ يقصدون العناد ويباسة الرأس.
وما أروعه من عناد! وما أعظمه من يباسة رأس!
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
المصادر
- انظر ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 4/993.
2 - أبو حَنِيفة الدِّينَوَري: الأخبار الطِّوال، ص 403. الطَّبَري: تاريخ الطَّبَري، 8/622. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 5/560، 6/37.
3- عبّاس إقبال: الوزارة في عهد السلاجقة، ص29. أحمد كمال الدين حِلْمي: السلاجقة في التاريخ والحضارة، ص21، 25. عبد النعيم محمد حسنين: سلاجقة إيران والعراق، ص16. Mehrdad R. Izady: The Kurds, p. 135. Mehrdad R. Izady: The Kurds, p. 144 .
4- جِرْنُوت فيلْهِلْم: الحوريون، ص 100. سَبَتينو موسكاتي: الحضارات السامية القديمة، ص 183.
5 - ليدي دُرور: طاووس ملك اليَزيدية، ص 68. محمد عبد الحميد الحمد: الديانة اليزيدية بين الإسلام والمانوية، ص 221. شرف خان بدليسي: شرفنامه، ص 245. محمد أمين زكي: تاريخ الدول والإمارات الكُردية في العهد الإسلامي، ص 363.)
[1]