قدسية النار في الديانات الكوردية القديمة و إنعكاسها في الديانات السماوية الأخرى (4 - 4)
محمد مندلاوي
في القسم الأول من هذه السلسلة من المقالات، ذكرنا بأنّ الكورد كانت لهم الأسبقية في إكتشاف النار. عند الإنطلاقة الثانية لدورة الحياة بعد الطوفان، الذي لم يبقِ على شيء من البشر و الحيوانات، حسب ما جاء في الكتب السماوية و كتب التاريخ، فأنّ الجميع متفقون على أن سفينة النبي نوح (ع) قد رست على جبل ( آرارات) (گوتی = جودي) (الگوتیون هم أحد الأقوام التي ينحدر الكورد منها). كما جاء في القرآن الكريم، سورة هود، آية (44)،(و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين). جاء في ( التورات) إنّ سفينة نوح رست على سلسلة جبال ( آرارات) (إستقر فلك نوح بعد طوفان الماء فوق جبال اراراط). إنّ (آرارات) هي عبارة عن إسم السلسلة الجبلية الواقعة في شمال كوردستان، بينما (جودي) هي إحدى قمم هذه السلسلة الجبلية، أي أنّ الإسمين ذو مدلول واحد. بعد أن إستقرت السفينة و هبط منها الرجال و النساء الذين رافقوا النبي نوح، بدأوا ببناء المساكن. حسب المصادر كان عدد الذين رافقوا النبي نوح ثمانين شخصا،ً بنوا لأنفسهم ثمانين مسكناًً، حيث أنّ تلك القرية تُسمى ب (هشتايان) إلى الآن. (هشتايان) تعني في اللغة الكوردية (ثمانين)، أي قرية الثمانين دار. في سفح جبل (جودي)، توجد مدينة كوردية إسمها (شرنخ) و التي تعني في اللغة الكوردية (مدينة نوح) و كذلك توجد هناك (دشت نوخ) أي (سهل نوح). جاءت في المصادر العبرية و الآرامية قبل الميلاد ذكر مدينة (بيت قوردو)، حيث يذكر إسم هذه المدينة مؤرخو العصر الإسلامي، كإبن أثير و ياقوت و المسعودي وغيرهم بإسم (بقردى). هنا يستوجب الوقوف قليلاً لتوضيح هذا الإسم المكوّن من مقطعين، هما (بيت) و (قوردو). إلى يومنا هذا يستعمل اليهود و المسيحيون بكل طوائفهم إسم (بيت) للدلالة على منطقة مثال: (بيت لحم )، (بيت لاهيا)، (بيت الدين) ولا زال يقول المسيحيون لبلاد (بين نهرين) (بيت نهرين) الخ. أما كلمة (قوردو) فهي في الأصل (كوردو) أي (الشعب الكوردي)، إلا أنّ العنصر السامي، الآراميين والعبريين والعرب، كانوا يقلبون الكاف قافاً مثال: (گريك) أي (يونان) يقولون (إغريق) و (كرمنشاه) – (قرمسين) وهذه الطريقة في قلب الكاف قافاً باقية إلى اليوم عند بعض الطوائف المسيحية حيث يقولون ل(البنك) (بنق) و يقولون ل(الكارت) (قارت) الخ.
الجانب الفكري و الفلسفي للأمة الكوردية، نراها جلياً في عقائدها التوحيدية و الوضعية التي تزخر بالحِكَم و الفلسفة في تلك الحقبة التي كانت البشرية تعيش حياة الكهوف، فقدّم الكورد للبشرية رجالاً عظماء، طوّروا الفكر الإنساني و خدموا الإنسانية جمعاء. النبي (زرادشت) كان واحداً من هؤلاء العظماء الذي جاء بكتاب (الآفستا)، و الذي يحوي على تعاليم الدين الزرادشتي.هذا الكتاب تعرض للحرق، على يد إسكندر ذو القرنين في سنة 331 ق. م ولم تُسلم من هذا الكتاب إلا 182 الف كلمة، وهو الجزء القليل الذي تبقى من ذلك الكتاب المقدس. لقد تم جمع ما تبقى من (الآفستا) في عهد الملوك الساسانيين (224- 647 م)، حيث أصبحت الزرادشتية الدين الرسمي للإمبراطورية الساسانية. كما تمّ إستدعاء حفظة النصوص الآفيستية في صدودرهم و تم تدوينها و إضافتها الى تلك التي أسلمت من الحرق. للأمانة التأريخية، يجب أن نشير الى أنّ جميع المصادر الموثوقة تذكر بأنّ الدين الإزدي التوحيدي هو أقدم من الدين الزرادشتي بآلاف السنين، حيث تذكر تلك المصادر (معبد إزي) في سومر و للإيزديين الآن كتابَي (الجلوة) و (مصحفي رَش) و اللذين مدوّنَين باللغة الكوردية و لهم نتاجات وفيرة عن عقيدتهم و أداء طقوسهم الدينية و التي هي في غاية الروعة و الإبداع من حيث الأداء الفني وفيها الرمزية في غاية السمو التي تربط الإنسان بخالقه.
من بقايا الأديان الكوردية القديمة الأخرى و التي يعود تأريخها إلى قبل المسيح و الإسلام، هي الصارلية، الشبك، الباجوران، علي اللاهية و العلوية. قسم من أتباع هذه الديانات يؤدون طقوسهم بسرّية تامة ولا يسمحون للغريب بحضور مراسيمهم الدينية. تسرب إلى هذه الأديان بعض العقائد و الطقوس من الأديان الأخرى المحيطة بهم نتيجة التجاور و العلاقات و أحياناً لدرء الخطر.
تعتنق شرائح كبيرة من الكورد، الدين الكاكائي.هؤلاء متواجدون في شرق و جنوب كوردستان، في المدن الكبيرة، مثل: كرمنشاه و إسلام آباد و كركوك وخانقين و مندلي ومدن أخرى و لهم مجموعة من الكتب التي تُقرأ في أداء المراسم الدينية و يؤدون طقوسهم على أنغام الموسيقى. من معتنقي هذه الديانة، فطاحل الشعر و الأدب الكوردي مثل: بابا طاهر همداني العريان الذي عاش بين سنة (390- 450 هجرية). تُعتبر نتاجاته قلعة شامخة من قلاع الأدب العالمي، حيث تمت ترجمة أعمال هذا العالم إلى لغات حية عديدة. أحد أبناء الكاكائية كان عمرو بن لهب الملقب ب(بهلول) المولود في مدينة الكوفة و الذي عاصر الخليفة هارون الرشيد، هو أول إنسان رفض حكم العباسيين و دعى الى الثورة عليهم. رحل هذا العالم الجليل عن الدنيا و إنتقل إلى الرفيق الأعلى في سنة (219 هجرية). لبهلول أشعار و حكم باللغة الكوردية و العربية، نذكر هنا شيئأً من شعر هذا الحكيم الزاهد الذي يتضح فيه سموه و أخلاقه النبيلة:
حسبي الله توكلتُ عليه .... من نواصي الخلق طراً في يديه
ليس للهارب في مهربه .... ابداً من راحة الا إليه
ربّ رام لي بأحجار الأذى .... لم أجد بداً من العطف إليه.
من أبناء الديانة الكاكائية، نعمة الله مير بهرام مكري، الملقب ب (مجرم ). لهذا العالم الجليل كتاب شعر مسمى ب(شاهنامه الحقيقة) الذي يحتوي على (11117) بيت شعر، من إسم الكتاب، يتضح للقارئ أنه رد على (شاهنامة) الفردوسي الذي يحوي أساطير و خرافات إيران القديمة.
تطرقنا لعدد من الأديان الكوردية، التي إعتنقها الكورد قبل المسيح، و لاتزال لها معتنقين في عموم كوردستان، ليس لشيء و إنما أردنا إظهار الجانب الفلسفي للأمة الكوردية، التي أقبلت على هذه الأديان برحابة صدر وبتفاني قلّ نظيره. من البديهي أنّ ظهور أي دين سماوي أو وضعي يحتاج إلى فكر و فلسفة و نتاجات أدبية و دينية كبيرة. من هنا يطرح سؤال نفسه: إذا لم تكن هذه الأمة صاحبة حضارة ضاربة جذورها في عمق التاريخ، كيف إستطاعتْ إذن أن تُبدع في إغناء هذه الأديان بنتاج فلسفي ثري، الذي هو موضع إهتمام العلماء إلى يومنا هذا، سواءً في الشرق أو الغرب. في الوقت الذي كانت البشرية تعيش في ظلام الجهل و التخلف و الإنحطاط، إتخذ الكورد النار بأشكالها المتعددة رمزاً لقدرة الخالق. أدرك الكورد قبل غيرهم ما تحويه النار من خاصية تختلف عن بقية المكونات و العناصر الأخرى بحيث أنها تكون مدمّرة إنْ أُسئ إستعمالها من قِبل البشر و مثمرة إنْ أُستعمل بدافع الخير و ستكون حينئذٍ رمزاً للنور.
النار عند العرب قبل الإسلام
يذكر أبوهلال العسكري أنه كان للعرب الأوائل قبل الإسلام ثلاث عشرة ناراً:
1- نار المزدلفة: وهي نار توقد في المزدلفة ليراها من دفع من عرفته، و أول من أوقدها كان قصي بن كلاب.
2- نار الإستمطار: كانوا في الجاهلية الأولى، إذا احتبس المطر عنهم، جمعوا البقر و عقدوا في أذنابها و عراقيبها السلع و العشر ثم يصعدون بها في الجبل الوعر ويشعلون فيها النار، و يزعمون أن ذلك من أسباب المطر.
3- نار الحلف: كانوا إذا أرادوا عقد حلف، أوقدوا النماء و عقدوا الحلف عندها، و يذكرون خيرها، و يدعون بالحرمان والمنع من خيرها على من ينقض العهد ويحل العقد. يقول أبو هلال العسكري: و إنما كانوا يخصّون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان لا يشاركه فيها غيره من الحيوان.
4- نار الطرد: إنهم كانوا يوقدونها خلف من مضى و لا يحبون رجوعه.
5- نار الأهبة للحرب: كانوا إذا أرادوا حربا أو توقعوا جيشاً، أوقدوا ناراً على جبلهم ليبلغ الخبر أصحابهم فيأتونهم.
6- نار الحرثين: كانت في بلاد عبس، فإذا كان الليل فهي نار تسطع، و في النهار دخان يرفع.
7- نار السعالي: وهي نار ترتفع للمقفر و المغترب فيتبعها فتهوى بها الغول على زعمهم كما تقدم في الكلام على أوابد العرب.
8- نار الصيد: وهي نار توقد للظباء تغشاها لتعشي إذا نظرت إليها.
9- نار الأسد: وهي نار توقد إذا خافوا الأسد لينفر عنهم فان من شأنه النفور عن النار، لأنه إذا رأى النار حدث له فكر يصده عن قصده.
10- نار السلم: توقد للملدوغ، كانوا يوقدون النار للملدوغ إذا لدغ يساهرونه بها، و كذلك إذا نزف دمه، و المضروب بالسياط، و من عضه كلب، كي لا يناموا فينتابهم الأمر حتى يؤدي بهم إلى التهلكة.
11- نار القرى: وهي نار توقد ليلاً ليراها الأضياف فيهتدوا إليها.
12- نار الفداء: كان الملوك منهم إذا سبوا نساء قبيلة، خرجت إليهم السادة للفداء والاستيهاب فيكرهون أن يعرضوا النساء نهارا فيفتضحن أو في الظلمة فيخفى قدر ما يحسبون لأنفسهم من الصفى فيوقدون النار لعرضهن.
13- نار الوسد: وهي نار التي يسم بها الرجل منهم خيله وإبله، فيقال له ما سمة إبلك فيقول نار كذا. قيل مرّ امرؤ القيس بثلاث شعراء فأنشدوه شعراً، فقال إني لأعجب كيف لايمتلىء عليكم بيتكم ناراً من جودة شعركم، فعرفوا فيما بعد ببنو النار.
قيل أن أشتاتاً من العرب قبل الإسلام، (عبدة) النار سرى إليها من إيران. المنجمون (دا 2: 27) هم الذين يزعمون بأنهم يعرفون الغيب و يكشفون المستقبل بواسطة مراقبة النجوم و رصد حركاتها. يقوم زعمهم على إيمانهم بأن الكواكب تسيطر على حياة الإنسان، وهو إيمان موروث عن عبادة النجوم في الأزمنة القديمة. كان معظمهم من الكلدانيين، حيث ترعرعت أعظم حضارة فلكية و حيث نشأ دين وثني لعبادة الأجرام السماوية. بمقدار ما كان علم الفلك علماً نافعاً للبشر، كان التنجيم والزعم برجم الغيب تزييفاً للحقيقة وخرقاً لإرادة الله التي ترفض القول بالغيب ما لم يكن يوحى به من الله.
قبل ظهور الإسلام، كانت توجد قرب الكعبة عدداً من الأصنام التي كان العرب يعبدوها. من بين هذه الأصنام كان (اللات) الذي كان يرمز إلى كوكب الزُهرة و (العُزى) الذي كان يرمز الى الشمس. من هنا نكتشف بأنّ العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الكواكب المضيئة التي كانوا يرونها و يتأثرون بها و لذلك كانوا يُقدسونها.
الشرق هو جهة شروق الشمس و بزوغ ضوء الشمس منه. الشرقة هي إسم صنم عند العرب قبل الإسلام. الشرقة هي لقب قيس بن معد بن يكرب. والشاعر عبد الشارق بن عبد العُزَى.
النار في الديانة الإسلامية
كيف يصف الإسلام النار في الدنيا و في الآخرة، وكيف أشار، لها الله في القرآن الكريم، و ما موقعها في الأحاديث الصحيحة، و عند الأئمة و ما التسميات، التي تسمى بها في الإسلام؟ حسب معرفتي، فأنّ ( النار) تم ذكرها في القرآن الكريم ( 120 ) مرة، 99 مرة مع ( ال) التعريف و 21 مرة بدونها أي بصيغة نكرة. ( تمّ ذكر (الماء) 34 مرة بصيغة النكرة و 17 مرة بصيغة المعرفة . جاءت كلمة (جهنم) 77 مرة، و من أسماء جهنم: الجحيم و الحطمة و السعير و السموم، ( والجان خلقناه من قبل مِن نار السموم. الحجر آية 27 ) . جاءت كلمة (الجنة 66) مرة في القرآن، و من أسمائها الجهاد و الصلاة و الصدقة و الضحي. هناك سور قرآنية تحمل أسماء تدل على النار، على سبيل المثال، وليس الحصر، سورة الشمس، و سورة القمر (للقمر نور، وللشمس ضياء، وجاء في قاموس اللغة، الضوء ذاتي، والنور عرضي، أي زائل، لأنه مكتسب، ومن المعروف، أن القمر يستمد نوره من الشمس، والشمس خلقها الله عبارة عن حمم بركانية، تتفجر و تولد هذه الطاقة الهائلة، التي يصل جزء منها إلى الأرض فتعطينا الدفء و الضوء والحياة، وهي مصدر كافة الطاقة الأرضية)، سورة الواقعة، (فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) آية 75-76،القرآن. سورة الطارق، لأن الطارقَ نجمُ ناري، (وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب)، آية 2 القرآن، سورة التكوير( إذا الشمس كورت)،آية 1 القرآن، و التكوير في قاموس اللغة، يعني لف الشيء على نفسه و إنطفاءه و إضمحلاله، سورة الدخان ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) آية 10 القرآن، من المعلوم، لا دخان، بدون نار كما يقول المثل. هناك سور أخرى، أسماؤها في القرآن، لهاعلاقة بالنار، أو النور، مثل سورة الفجر، ضوء الصباح ، وهو حمرة الشمس في سواد الليل، (سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر آية 5 القرآن. الشهاب ، يتلألأ، شهاب النار: الشعلة المضيئة من النار،(إلا مَن خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب)، صافات آية 10 القرآن و الضحى، ضوء الشمس، ارتفاع النهار وامتداده، ( والشمس و ضحاها)، آية 1 القرآن و الجن ( قال ادخلوا في أُمم قد خلت مِن قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أُمة لعنت أُختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأٌلاهم ربنا هؤلاءِ أَضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكُل ضعف ولكن لاتعلمون) الأعراف آية 38 القرآن، وهو خلاف الإنس، (مخلوق من النار)، و الرعد صوت يدوي عقِب وميض البرق، (ويرسل الرعد ويسبح) الرعد آخرالآية 10 القرآن. جاءت في سورة البقرة في جزء من آية 201: ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. هذه الآية يقرءها المسلم كلما تذكر الآخرة وعقاب الله ونار جهنم. (فاليوم لايؤخذ منكم فديه ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم و بئس المصير) الحديد آية 15 القرآن.( نار الله الموقدة) الهمزة آية 6 القرآن.
قال النبي محمد (ص)، لاينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار. ذات يوم أحرق علي قوماً مخالفين معه، قال ابن عباس لعلي، لاتعذب بعذاب الله. أَتَى النبي صَلى اللَّه عليَه وَسلم رَجل مِنْ يَهود يُقَال لَهُ بُسْتَانَة الْيَهودِي, فَقالَ لَهُ : يَا مُحَمد أَخبِرنِي عَنِ الْكَوَاكِب التِي رَآهَا يوسف سَاجِدة لَهُ , مَا أَسمَاؤها ؟ قَال: فَسَكَت رَسول اللَّه صَلى اللَّه علَيهِ وَسَلم , فَلَمْ يُجِبهُ بِشَيْءٍ , وَنَزَل عَلَيهِ جبرائِيل وَأَخبَره بِأَسمائِها. قَالَ : فَبعَث رَسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسلمَ إِلَيْهِ , فَقَالَ : هَلْ أَنْتَ مُؤْمِن إِنْ أَخْبَرتك بِأَسْمائِهَا ؟ قَالَ : نَعَم , فَقَالَ : جَرْبَان وَالطَّارِق , وَالذيال , وَذُو الْكَتِفَينِ , وَقَابِس , وَ وَثَّاب وَعَمُودَان , وَالْفَلِيق , وَالْمُصْبَح , وَالضروح , وَدُو الْفَرغ , وَالضياء , وَالنُّور . فَقَال الْيَهودِي : وَاَللَّه إِنَّهَا لَأَسمَاؤهَا. قال رسول الله (ص) لعمه أبو طالب عندما اتى اليه موفداً من اشراف مكه : والله ياعم لو و ضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على ان اترك هذا الأمر مافعلت حتى يظهره الله او اهلك دونه. عن ابي داود قال رسول الله (ص) لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون. جاء في الحديث الناس شركاء في ثلاثة: الماء و الكلأ و النار.عن ابن حجر قال النبي: اليس تشهدون: ان لاإله إلاالله وان محمد عبده ورسوله وان الجنة حق وان النار حق والموت حق.
عندما يطفئ المسلم ناراً بالماء يقول أثناء سكب الماء على النار بسم الله الرحمن الرحيم و هذا يدل على مكانة النار عند الإنسان المسلم. من العادات عند المسلمين في العراق لايجوز إشعال سيجار من نار نارجيلة أحدهم لأنها يعتبر عاراً على صاحب النار و هذا أيضاً إنعكاس لتلك المكانة التي ذكرناها. السنة الهجرية القمرية و الشمسية التي إعتمدها الإسلام للمسلمين تعتمد على ضياء الشمس وإشراقتها ونور القمر و طلوعه. في كل سنة يحتفل العراقيون بعيد زكريا حيث يتسوقون الجرزات والحلويات والشموع الكبيرة، ثم يسهرون حتى الصباح و يقال لتلك الليلة، ليلة محيا. أظن أنّ هذا العيد ليس مختصراً على المسلمين فقط، بل يحتفل به معتنقو الديانات الأخرى أيضاً. شهر رمضان الذي يصوم فيه المسلم، حيث أنه، طيلة هذا الشهر الفضيل، يعتمد في صومه و إفطاره و عيده و في تحديد مناسباته الدينية على الشمس و القمر. كما أنّ رمضان سُميّ بهذا الإسم لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه، حيث كانت الفترة التي سمي فيها شديدة الحر. في شهر رضان، تصادف ليلة الفدر التي هي خيرُمن الف شهر. عند طلوعه في بداية الشهر، يُسمى القمر هلالاً، حيث إتخذه المسلمون رمزاً لهم ويضعوه فوق المنائر و في المساجد والحسينيات والأماكن المقدسة. إسم المنارة نفسها أتية مِن(مَنْوَرة)، التي هي موضع النور و منه منارة المراكب و المسرجة والمئذنة، أي مكان يوضع فيه نار للإنارة (المثل القائل: كل النار فوق المنار). الزُهرة هي أحد كواكب المجموعة الشمسية، وهي ثاني كوكب في البعد عن الشمس، و تقع بين عطارد والأرض، وهي شديدة اللمعان، و سميت ب (فينوس) نسبة إلى آلهة الجمال. الزُهر إسم لثلاث ليالٍ من أول الشهر القمري في السنة الهجرية الإسلامية . شُهب الشهر: إسم لثلاث ليالٍ، من الثالث عشر إلى الخامس عشر من الشهر القمري في السنة الهجرية الإسلامية. في المناسبات الإسلامية يوقد المسلمون الشموع والأبخرة في الأماكن المقدسة عند الأضرحة و على القبور. في المواكب الحسينية للشيعة في النجف، يحملون الشمعدان الكبير ذات ال20 شمعة و الذي يزن حوالي 40-50 كيلو، قد يكون حمل الشمعدان (النار) بهذه الطريقة من الموروثات القديمة، حيث إنتقلت عبر الزمن إلى المواكب الحسينية بهذه الصورة التي نراها في أيام عاشوراء. في القرون الماضية، جرى تغيير وتبديل أشياء كثيرة في الجنوب العراقي حيث ألبسوها ثوباً ليس بثوبها و إسماً ليس بإسمها.
الصورة: الشمعدان في الموكب عاشوراء الحُسيني
في الدين الإسلامي، لقد أُعطيت للنار مسؤولية هلاك الكفار في الجحيم و إذا تم التطرق إلى إسم النار مع المسلم، فأنّ أول ما يتبارى إلى ذهنه هو نار جهنم وعذاب الآخرة، حيث جرى في هذا المقال عرض السور والآيات والأحاديث التي تتطرق إلى النار على الأرض أو في السماء، كالشمس و النجوم التي تحتوي على النار على شكل براكين أو إنعكاس ضيائها كنور القمر الذي يستمد نوره من ضوء الشمس و كذلك السنة الهجرية كالشمسي و القمري أو منارة المسجد التي تعني النور، والنور كما أسلفنا هو إنعكاس لضوء النار. من أسماء المسلمين للذكور و الإناث التي ترمز إلى النار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هي: مشعل و نجم و شهاب و لهيب و ضياء و صباح و شعلة و منار و منير و منيرة و نويرة و نورية و أنوار و أنور و نيران و قمر و شروق و ضحى. من هنا يفرض سؤال نفسه هو كيف يفسر هذا إذا لم تكن النار مقدسة؟ النار تعطينا كل شيء و لولاها لما وجدت الحياة على كوكبنا، ولذا ذكرها الله في كتابه الكريم بعشرات السور، وأشار إليها نبي الإسلام محمد (ص) في أحاديثه النبوية الشريفة التي جاءت في المرويات الصحيحة.
بعد عرضنا لأسماء النار ومكانتها عند الإنسان في العصور القديمة و وجودها المادي و الرمزي عند أهل الأديان. و دورها عند الإنسان بعد تحضره و سيادته على كوكب الأرض، يظهر جلياً بأن هذا العنصر الحراري هو شيء مقدس و له مكان بارزعند الأديان سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بإسمها الشائع، النار، أو بأسماء أخرى كالشمس و الأجرام و النيازك والشُهب وما إلى ذلك من مسميات و التي جميعها يعني شيئاً واحداً هو النار على الأرض أو في السماء، كالنجوم التي تحمل البراكين في النتيجة جميعها معجزات الله الخالق.
مما سبق ندرك قدسية النار في الديانات الثلاث، اليهودية و المسيحية و الإسلام دون أن يُشار إلى قداستها.
صورة الطاوس و المعبد الإزدي
النار في الدنيا أو في الآخرة أو على الأرض أو في السماء، عند الأمة الكوردية، بجميع أديانها وطوائفها و مذاهبها هي رمز لقدرة الخالق العظيم و آية من آيته لبني البشر و هي أيضاً عندهم رمز الحب و الحياة والعطاء. نرى أنّ الشمس قد أصبحت أهم رمز كوردي في وسط عَلَم كوردستان، مرفرفاً في سماء كوردستان. الشمس هي إرث كوردي قديم منذ أيام سومر، حيث كان الكورد في ذلك الزمن يقدسون الشمس التي في كبد السماء. في يومنا هذا نرى الكوردي إذا لم يخلّف طفلاً فيقال له باللغة الكوردية (وجاغي كوره) أي أنّ (نار موقده خامد) وهذه من بقايا موروثات تلك الأزمنة القديمة التي كانت النار فيها موقدة على الدوام حيث يعني القول المذكر بأن الرجل لم يخلف بعده مَن يوقد في بيته ناره المقدسة. اليوم يُشاهد في عموم كوردستان، على سبيل المثال، في إيلام و أيوان وخرم آباد و دهوك و كرمانشاه و شهركورد و في شمال و غرب كوردستان، هناك المئات من آثار مواقد النار الزرادشتية التي صمدت و حافظت على بقائها رغم الهجمات الشرسة التي تعرض و ما زال يتعرض لها الشعب الكوردي و أرض كوردستان، حيث ظلت هذه الكنوز الأثرية شامخة تصارع الزمن. أما الآخرون الذين إقتبسوا النار و مدلولاتها من الكورد، فنراهم اليوم في عصرنا الحاضر يوقدونها في المناسبات الدينية والنذورات والأعياد و في الأفراح و الأتراح ويضعوها خلفهم كرمز وطني أو كرمز للنور الوجداني أو كطقس من طقوسهم الدينية أو كدليل البهجة و السرور في حياتهم الدينية و الدنيوية. يقومون بكل هذه التبركات و طلب المراد و غيرها كما أسلفنا، وهم يحملون النار ولكن تراهم يكابرون ولايقرّون بقدسية هذه الطاقة الفريدة التي منً الله بها على بني البشر. لكن الكوردي إتخذ هذه النار منذ اليوم الأول لإكتشافها قبل آلاف السنين، كعنصر مقدس في حياته و كطاقة حرارية على الأرض أو كقرص مضيء في كبد السماء لأن الإثنين شكل من أشكال الطاقة الحرارية و الضوئية التي تمنحنا الضوء و الحرارة و تعمل على إستمرارية الحياة، لذلك يتوجه الإزدي نحو الشمس في كل يوم عند طلوعها و عند غروبها لأنه قدسها و جعلها جزءً من الفرائض المقدسة في ديانته القديمة إلى اليوم. إن الكورد قبل غيرهم أدركوا بأنّ لولا النار التي تأتينا ضيائها من الشمس لم و لن يكون بمقدور الإنسان والحيوان من العيش و لم يكن بمقدور النبات و الشجر أن تنمو و لِكُنا لم نجد المياه على كوكبنا ولم يكن هناك من تعاقب الليل و النهار ولذلك فأنها مقدسة عند عموم الكورد.
بعد عرضنا لمقتبسات من نصوص التورات والإنجيل و سور و آيات من القرآن والأحاديث الشريفة و شيء عن النار في تاريخ العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية، يتضح لنا قدسية النار عند هذه الأديان و الشعوب بكل تفاصيلها الذي ذكرناها من ظهور الله و حوله النار للنبي موسى كما جاء في التورات إلى حديث يوحنا المعمدان في إنجيل متى عن النبي عيسى الذي يقول عنه إنه يعمد بالروح القدس و بالنار. يقسم الخالق في القرآن الكريم بمواقع النجوم في سورة الواقعة،(فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) آية 75-76،القرآن، يعلم الإنسان أن النجوم عبارة عن براكين تتفجر وتولد حرارة وطاقة، كالشمس مثلاً، جاءت في سورة يونس آية 5 (هو الذي جعل الشمس ضياءً و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الأيات لقوم يعلمون). وأيضاً جاءت في سورة الهمزة آية 6 ( نار الله الموقدة). جاءت في سورة الشمس آية 1و 2 و 3 والشمس وضُحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها. النبي محمد قال لعمه أبي طالب عندما كان موفداً من قريش يدعوه لترك الدعوة الإسلامية فقال النبي محمد قوله الشهير والله ياعم لو و ضعو الشمس في يميني و القمر في يساري على ان اترك هذا الأمر مافعلت حتى يظهره الله أو اهلك دونه. حسب رواية ابن عباس ذات يوم عذب الإمام علي بن ابي طالب قوماً بالنار قال له ابن عباس لاتعذب بعذاب الله، لأن الله هو الذي يعذب بالنار في الآخرة. أيضاً ذكرنا في سياق المقال لأهمية عنصر النار إنها دخلت في مفردات حياة الإنسان اليومية حيث يسمون بها أسماء الذكور و الإناث ويصفون الأشياء و الأحداث بها كقولهم (أوقد نار الحرب)، تبادل إطلاق النار، عند بدأ الحرب و وقف إطلاق النار و عند إنتهائها و (أشهر من نار على علم) الذي يقال للإنسان المشهور و (جبل النار) للبركان و (شيخ النارالشيطان) و الإنتظار أحر من النار و كالنار تحت الرماد و إستضاء بناره، أي أخذ برأيه و أحرق الأخضر و اليابس و حامض المركز المعروف عند العامة بماء النار و نار الحب و نار الغيرة و غيرها وكما ذكرنا في سياق المقال المثل الشائع: كالنار على المنار.
بعد الذي عرضناه عن النار التي تحمل للبشرية الدفء والضياء و لولاها كما أسلفنا، لكان كوكبنا الآن خالياً جرداء من الحياة. دعونا نتساءل للمرة الثانية: هل أن النار بحق غير مقدسة؟ نرى عند بعض هذه الأديان و الشعوب التي ذكرناها أشياء لها قدسية ولم تفد البشرية بشيء. إذن لماذا يُعتبر كفراً عندما يتوجه الإزدي و الزرادشتي الكوردي نحو الشمس أو النار لأداء فريضته؟ ألم يكتشف هذا الكوردي إن لاشيء أهم في الكون للإنسان بعد الله (خدا) غير الشمس؟ ألم يقل الكوردي الإزدي والزرادشتي و الكاكائي و المسلم و معتنقو طوائف ومعتقدات أخرى من هذا الشعب للاله الواحد (خدا)؟ لو أجهد الآخرون من غير الكورد أنفسهم قليلاً و قاموا بترجمة و تفسير هذه الكلمة المقدسة (الله) و الذي هو في اللغة الكوردية (خدا)، لأدركوا أنّ الكورد الإزديين و الزرادشتيين و الكاكائيين يؤمنون بوحدانية الله و تكون ترجمة كلمة (خودا) كالآتي: كلمة (خُد) تعني (هو) و كلمة (دا) تعني (العاطي)، ( الخالق)، و بذلك يعني (خودا) الذي هو إسم (الله) باللغة الكوردية (خالق نفسه). جاء في القرآن الكريم في سورة الإخلاص آية 3 ( لم يلد و لم يولد) الذي له نفس المعنى لكلمة (خودا) الكوردية. كم كان هذا الكوردي فطناً عندما أدرك في العصور الغابرة وقبل جميع الشعوب على كوكبنا، أهمية و حيوية هذا العنصر الفريد، النار، الذي لو كان معدوماً، لكنا، نحن معشر البشر، لم نجد أنفسنا على الكوكب الأرضي؟! ألم يجب على شعوب العالم الإنحناء أمام هذا الشعب تبجيلاً و تقديراً له والذي كان له السبق في إكتشاف النار على الأرض و التي تتنعم بها البشرية إلى ما يشاء الله.
المصادر
القرآن المجيد.
الموسوعة العالمية.
طه باقر و فؤاد سفر. المرشد إلى موطن الآثار و الحضارة، الرحلة الرابعة، إصدار مديرية الفنون و الثقافة الشعبية في وزارة الثقافة و الإرشاد العراقية، بغداد 1965 ص 8.
قاموس الكتاب المقدس.
محمد جواد مغنية. لزوم ما لا يلزم و شرحه.
محمد مردوخ. تاريخ كورد و كوردستان.
معجم الغني.
معجم محيط المحيط.
[1]