اللعبة السياسية في إقليم كوردستان بين الإستراتيجية الوطنية و تكتيك الأحزاب و المنظمات الكوردستانية
محمد مندلاوي
عندما يتعرض الوطن للمخاطر، الواجب الوطني يحتم على كل مواطن أن ينهض للدفاع عنه، كل من موقعه، و حسب إمكانياته و قدراته. ليس بالضرورة أن يكون الإنسان منتمياً لحزب أو منظمة سياسية لكي يذود عن أرضه و كرامته. إن الدفاع عن الوطن،و صيانة انجازاته ومكتسباته من المخاطر، لا يكون في حالة الحرب فقط، هناك حالات حدثت في العالم، وقف فيها أبناء الوطن الشجعان، ضد الشخص أو الحزب الذي يريد أن يأخذ البلد إلى الهاوية. على سبيل المثال، والمثل يضرب ولا يقاس . نأخذ الشخص المعتوه صدام حسين، عندما استلم زمام السلطة في العراق، نهض الكثير من رجال العراق، من السياسيين المحنكين، وقفوا ضده، ولم يقبلوا شخصاً معتوهاً مثله يقود بلداً بحجم العراق، لأن هؤلاء الرجال كانوا يقرؤون جيداً أفكار و مآرب صدام حسين المدمرة، و إلى أين سينتهي المطاف بالعراق على يديه. هؤلاء السياسيون، لم يساوموا على وطنيتهم مع صدام حسين وحزب البعث المجرم، و نتيجة لهذا الموقف البطولي الشهم، دفعوا حياتهم ثمناً له. إن السنين العجاف التي مر بها العراق على يد هذه الطاغية، أكدت صحة أقوال هؤلاء الشرفاء، و أنهم كانوا على حق. لقد شهد العالم أجمع، ماذا فعل صدام حسين و حزبه بالعراق، بعد ثلاثة عقود ونيف من التسلط على رقاب الشعب العراقي بالحديد والنار. فليتصور المرء بان الشعب العراقي في حينه، لو كان ناضج سياسياً، هل كان يسمح لهذا الشخص المهوس وعصابته المجرمة استلام قيادة البلد؟ هل كان العراق و كوردستان قد مرا بهذه الأهوال و المآسي؟ و التي في نهايتها المواطن العراقي و الكوردستاني دفع ثمنها. توضيحاً للحقيقة، و لكي لا نظلم نظام الحكم الذي كان قائماً قبل انقلاب حزب البعث الأسود سنة (1968)، لم يكن في طبيعته نظاماً ديمقراطياً، لكنه لم يكن دموياً، ليس هناك أوجه المقارنة بين صدام حسين الدموي المجرم و الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف، حيث لم يكن ديكتاتوراً، ولم يكن قاتلاً مجرماً كما شخص المقبور صدام حسين، و سنوات حكمه كان هادئاً نسبياً، ولم يصعد مع دول الجوار، ولم يتدخل في شؤونهم، ولم يشن الحروب العبثية، كما فعل صدام حسين و حزب البعث المجرم.
إن أوجه المقارنة بين الحالة السياسية السائدة في إقليم كوردستان الآن، و الحالة السياسية التي كانت سائدة في العراق، قبل انقلاب البعث سنة (1968)، شاسعة، حيث أن النضوج السياسي و الوعي الوطني عند الشعب في العراق كان دون المستوى، لذا لم ينزل المواطن في بغداد إلى الشارع لمواجهة الانقلابيين حفاظاً على استقرار و أمن الوطن،و لم يهتم بما حدث، وكأنه شيء عابر، لا يمسه ولا يمس مستقبله و مستقبل الأجيال القادمة، لا من قريب ولا من بعيد. نتيجة تقاعس الشعب في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة، حدث ما حدث للشعب و الوطن، حيث سالت دماء العراقيين على مدى أكثر من ثلاثة عقود، و أهدرت مئات المليارات من الدولارات من أموالهم في نزوات قائد الضرورة. بينما اليوم يستطيع المواطن الكوردستاني في ظل الديمقراطية الوليدة و بمحض إرادته و دون إكراه و بكامل حريته من خلال صناديق الاقتراع أن يأتي بمن يريد إلى دفة الحكم لكن قبل كل شيء يجب عليه أن يعي جيداً الأهمية البالغة لصوته و يعرف لمن يمنحه لأنه في ظل النظام الديمقراطي يتحمل المواطن درجة كبيرة من وزر وأخطاء الحكومة التي ينتخبها لأنها هو الذي يجيء بها إلى سدة الحكم و هو المسئول عن تصرفاتها.
إن الديمقراطية التي نتطرق لها نحن هنا، هي الديمقراطية الأصيلة، لا المزيفة، التي تفرض بوسائل القوة أو الخداع، كما في العديد من بلدان شرق الأوسط،حيث أنها أنظمة ديكتاتورية قبيحة، و تدعي الديمقراطية زوراً و بهتاناً. نحن هنا كما أسلفنا نتحدث عن الديمقراطية الأصيلة، التي مرت بمراحل عديدة عبر قرون من الزمن، وهي نتاج عقل الإنسان الحر،وهي نسبية في تطبيقاتها، حيث أنها تختلف من بلد إلى بلد، لأن الإنسان هو من يحددها، حسب بيئته و ثقافته و موروثاته التاريخية، لكن هناك ثلاثة أشياء في النظام الديمقراطي الأصيل تواجدها شرط أساسي من شروط الديمقراطية، و بدونها ممكن إن يطلق أي اسم على النظام الا الديمقراطي، وهي أولاً تعدد الألوان، أي وجود الأحزاب بكافة اتجاهاتها. و ثانياً الانتخاب الحر المباشر. و ثالثاً وجود برلمان منتخب. إن أي نظام، يتبنى هذا الثالوث المقدس، فهو بلا شك نظام ديمقراطي أصيل. ثم تأتي تباعاً، إنشاء المؤسسات الديمقراطية التي تحمي النظام الديمقراطي من النزوات الفردية المريضة. كما أسلفنا أن الديمقراطية فيها تعدد الألوان أي تعدد الآراء و الاجتهادات، لأنها عقيدة وضعية من إبداع و ابتكار العقل البشري، خلاف العقائد السماوية، التي فيها لونين فقط، الأسود والأبيض، و تحديد مصير الإنسان يكمن فيها، بين أمرين فقط افعل ولا تفعل.
نأتي الآن على تجربة إقليم كوردستان، هل هي تجربة ديمقراطية أصيلة أم تجربة ديكتاتورية قبيحة. رغم أنه سؤال ساذج، لكننا لكي نوضح الأمر، سنشير إلى بعض الجوانب الديمقراطية فيها، والتي قلنا سابقاً، أنها من أولويات النظام الديمقراطي، مثال الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة التي جرت في الإقليم، حسب ما أورده الأعلام، كان هناك خمسة مرشحين رشحوا أنفسهم لرئاسة الإقليم، وهذا يدل على أن هناك عملية ديمقراطية ناجحة تجري على قدم و ساق. ثم في نفس الانتخابات شارك فيها حركة لم تمض على تأسيسها عدة أشهر، رغم حداثتها لكنها حققت فوزاً كبيراً، حيث حصلت على (25) مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان المائة و خمسة وعشرون. أليس هذا مؤشر واضح على أن الديمقراطية في كوردستان بخير. ثم انتشار الأحزاب و المنظمات في إقليم كوردستان، و جميعها لها قنواتها التلفزيونية و صحفها و تملك وساءل الأعلام الأخرى، و اتجاهات هذه الأحزاب تبدأ من أقصى اليمين و ينتهي بأقصى اليسار، كذلك وجود أحزاب و منظمات إسلامية التي إيمانها بالديمقراطية تكمن لحين وجودها في المعارضة. هذه النقاط الأساسية الثلاثة هي التي تحدد معالم النظام الديمقراطي السليم.
سؤال يطرح نفسه على بساط البحث، ألا وهو، أليس التغيير موجود في جوهر الديمقراطية، حيث تتغير و تجدد نفسها في كل دورة انتخابية ديمقراطياً، من دون ضجيج. إذاً لماذا تأسيس حركة بهذا الاسم (التغيير) و النزول إلى الشارع بطريقة هستيرية، و التمرد على النظام والقانون. من المعروف إن دعاة التغيير ينهضوا في دول الديكتاتورية، التي ليست فيها ديمقراطية، مثال الاتحاد السوفيتي السابق، أو المملكة العربية السعودية، أو العراق في زمن صدام حسين الخ. ثم هل التغيير يأتي بعد ست سنوات فقط من التحرير، و الحكم الوطني الكوردستاني لم يخطوا بعد أولى خطواته. ليس هناك شعب في دولة ما في العالم، رفعت راية التغيير بعد ست سنوات من الخلاص من نظام ديكتاتوري بشع . التغيير ضروري في ظل النظام الديكتاتوري حيث الفساد الإداري يعشش في هيكلية الدوائر و الأخطاء و السلبيات ضاربة أطنابها في كل مكان، كذلك المحسوبية و المنسوبية جميع هذه السلبيات تترك دون حل ومعالجة، لذا حاجة البلد والمواطن تستوجب أن تؤسس الجماهير (حركة تغيير) لتصحيح مسار الدولة وإنقاذ المواطن من الوضع المأساوي الذي وضعه فيه النظام الفاسد. أما في ظل نظام ديمقراطي، بإمكان أية أكثرية برلمانية أن تغيير كل شيء تحت قبة البرلمان دون الضجيج و دون دغدغة مشاعر المواطنين، من أجل كسب أصواتهم في صناديق الاقتراع. إن البدعة التي جاءت بها حركة التغيير، تشبه تلك البدعة التي تنادي بها بعض الجهات الإسلامية، التي ترفع شعار الوحدة الإسلامية، حيث تزعم أنها مسلمة وتدعوا إلى توحيد المسلمين، لكنها في واقعها، أنها تحاول بهذه الادعاءات، تجيير الإسلام لمآربها الفئوية و الحزبية الضيقة. لأن العقيدة الإسلامية تؤكد أنها دين التوحيد والوحدة، فلا يجوز أن ترفع شعار الوحدة الإسلامية داخل المنظومة الإسلامية، لأن الالتزام بالإسلام هو الوحدة، و هناك سور و آيات قرآنية و أحاديث نبوية كثيرة تؤكدها، كما جاءت في سورة الأنبياء آية (92) (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وأيضاً في سورة المؤمنون آية (52) (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون). كما أشرنا أعلاه، ما هذه إلا هرطقة، تقوم بها حركة التغيير، حيث ترفع شعار التغيير بأسلوب استفزازي، وهي تعلم، أن أية أكثرية في برلمان كوردستان، تستطيع بكل هدوء، أن تغيير كل شيء في الإقليم دون ضوضاء.
نعود ثانية إلى كلام كنا قد تطرقنا له، و كان محور مقالنا السابق، الا وهو ما يردده العنصريون، أن الكوردي يجيد كل شيء ألا السياسية، أكدنا في المقال، إن حركة التغيير بعد أن طرحت نفسها كبديل لكتلة التحالف الكوردستاني، فقد أثبتت عملياً، أن جانباً من هذا الإدعاء العنصري أكد صحته. لأن الإنسان السياسي يجب أن يكون محنك، ويقرأ الأشياء قبل وقوعها أو صدورها على صفحات الجرائد، و يجب عليه أن يعرف نوايا خصمه السياسي جيداً، و يعرف مضمون برنامجه التي وعد شعبه بأنه سينفذه حال فوزه في الانتخابات وكم النسبة المئوية من برنامجه التي يستطيع تنفيذها خلال الدورة الانتخابية، مثال برنامج التحالف الكوردستاني الذي فيه مجموعة من النقاط المهمة يحتم عليه بعد هذه الدورة الانتخابية أن يجد التحالف لها حلولاً لصالح الإقليم، من النقاط المهمة فيه مراجعة الدستور الفيدرالي. عودة المناطق المستقطعة إلى إقليم كوردستان التي تعادل مساحتها نصف مساحة الإقليم أضف إلى هذا موضوع البناء والتنمية في الإقليم الخ الخ الخ أليس حرياً بالسياسي المحنك أن ينتظر كيف تحل هذه النقاط الصعبة جداً بين الإقليم وبغداد؟. حسب تصريحات قادة حركة التغيير أن التحالف الكوردستاني عاجز،عن إيجاد حلول لهذه النقاط مع الحكومة الفيدرالية، والفترة الزمنية للتوصل إلى حل لهذه النقاط هي الأربع سنوات القادمة لا غيرها، و بعدها أما عودة المناطق المستقطعة إلى الإقليم و التي تبدأ من جصان و تنتهي في شنگال (سنجار)، وهذه العودة الميمونة أن حدثت، فهي انجاز وطني عظيم، يجب على حركة التغيير مباركتها قبل الجميع، لأن دور المعارضة ليس فقط معارضة الأكثرية في كل شيء تعملها، بل يجب على المعارضة أن تثمن عمل الأكثرية، إن هي حققت انجازاً للشعب والوطن. وأن لم تستطع التحالف الكوردستاني من تنفيذ وعودها، فالنتيجة معروفة ليس فقط خسارته لقيادة الحكومة التي يرأسها بل سوف تشمل خسارته لغالبية المقاعد البرلمانية كأكثرية، و أزيد من الشعر بيتاً، لربما تصل خسارة الأحزاب السياسية المنضوية تحت راية التحالف الكوردستاني، إلى نهاية حياتها السياسية، أن هي لم تنجح بعودة جميع المناطق المستقطعة إلى إقليم كوردستان.
ألا يلاحظوا السياسيون في إقليمنا الكوردستاني، فطنة (باراك أوباما – Barack Obama) السياسية، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية؟، ببقائه وزير الدفاع (روبرت گيتس – Robert Gits) الذي هو من الحزب الجمهوري في إدارته الديمقراطية. يا ترى لماذا تصرف هذا السياسي المحنك ذات الجذور الأفروأمريكي مع خصمه اللدود بهذه الطريقة؟ حيث ترك إدارة وزارة الدفاع بيد الجمهوريين، من خلال قراءتنا لهذه الحالة، يتضح لنا أن (أوباما) كسياسي، لا يحبذ أن يحمًل حزبه، وزر الحرب التي أعلنها الجمهوريون إبان حكمهم على الإرهاب. بهذه المهارة السياسية التي نفذها الرئيس، أخلى مسؤولية حزبه الديمقراطي من الحرب الدائرة في العراق و أفغانستان و تبعاتها، أو على الأقل لم يدع الجمهوريين يفلتوا من أوزارها وبذالك ستكون تأثيراتها السلبية عليهما مناصفة و أقل ضرراً. كان بإمكان الجمهوريين رفض المنصب، لكنهم حسبوها جيداً، إذا رفضوا المنصب سوف يتحملون مسؤولية الحرب كاملة أمام المواطن الأمريكي، لأنه يعرف أن الحرب بدأت في عهدهم، فأية هزيمة أو انكسارات عسكرية فيها تسجل عليهم سلباً في لائحة الانتخابات القادمة. ثم قبول الجمهوريون، الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع، سيبقي لهم صوت داخل الإدارة الديمقراطية، وهذه حالة نادراً ما تحصل. و أيضاً إحراز أي نصر في الحرب الدائرة ضد الإرهاب، سيشملهم جزء منه، يستطيعون توظيفه في الانتخابات القادمة لدعم مرشحهم لمنصب رئيس ولايات المتحدة الأمريكية. أليس في هذه اللعبة السياسية التي انتهجها الحزبان الأمريكيان، الديمقراطي و الجمهوري، قد أظهرا حنكة وبراعة سياسية فائقة؟. أليس هذا هو العمل السياسي الناجح؟، حيث يحاول كلا من الحزبين، أن يخلي مسؤولية حزبه من التأثيرات السلبية للحرب الدائرة ضد الإرهاب، على العملية السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية و التي قد تطول لعقود قادمة. هل سيكون عندنا في المستقبل، من يجيد اللعبة السياسية وفق قواعدها ومعطياتها، دون أن يعرض الأمن القومي الكوردستاني للمخاطر؟؟؟.
[1]