ياقو بلو.. الموهوم بانتسابه إلى الهوية الآشورية البائدة 3-5
محمد مندلاوي
يتمادى الأستاذ ياقو في تبجحه و غيه وهو يتحدث عن (بلاد بين النهرين) القديمة، قائلاً: دعنا يا سيد مندلاوي نناقش أصلك في ارض بلاد بين النهرين التي نسميها اليوم وطننا العراق. طرح جميل يا أستاذ ياقو لكن للأسف لم تناقش أصلي و وجودي في مقالك في هذه البلاد بمهنية، وجهت عدت تهم دون أن تذكر مصدر تاريخي واحد، أنت يا أستاذ كاتب وتدرك جيداً عندما تتحدث عن التاريخ يجب أن تذكر المصادر التي استقيت منها وإلا لا مصداقية لكلامك، ألم تقرأ في بواطن الكتب أنه لا تاريخ من دون وثيقة. لنرجع إلى محور حديثنا وهو إدعاءك بوطنك الذي تسميه اليوم العراق، شيء جميل يا ياقو لكن لم تقل لنا ما معنى اسم وطنك هذا؟ و لماذا اخترتم له هذا الاسم؟ و متى أطلقتم عليه اسم العراق؟. يا أستاذ كفاك أوهام و إدعاءات باطلة، لا تكن كالعروبيين الذين يزعمون أن العراق بلد عربي. بل وصل بهم الهوس القومي العروبي إلى درجة، أنهم يزعمون أن اسم العراق جاء من عرق النخل أو شاطئ النهر. مجرد إدعاءات كاذبة، ليس لها أي سند أو مصدر لغوي أو تاريخي يدعم إدعاءاتهم، ولغتهم العربية هي التي تفضحهم و تجعل منهم أضحوكة للعالم، لأن في اللغة العربية قاعدة اسمها الصرف، و عندما تريد أن تصرف اسم العراق لا ينصرف، و هكذا ينكشف زيفهم و خداعهم على الآخرين.
مرة أخرى يتحفنا العم ياقو بأطروحاته الفانتازيه، ويشكك هذه المرة بأصل العرق الكوردي. قائلاً: يدعي كل كوردي من باب التفاخر، أن الكورد من أصول هندوأوروبية أي (آريين)، ثم يقول، و الآري يا سيد مندلاوي لفظة سنسكريتيه تعني النبيل و يضيف لا اعتراض على هذا، إذا لا اعتراض عندك على هذه اللفظة لماذا تتطرق لها إذاً، أم أنك تريد الصيد في الماء العكر؟. يا أستاذ ياقو،لا تجعل من نفسك مرجعاً تاريخياً، و تفتي بما ليس لك به علم. وتطرق لكلمة الآري بأنها تعني النبيل و أنها لفظة سنسكر يتيه Sanskrit غير صحيح، أن اسم الآري ليس اسماً سنسكريتياً كما تزعم. أنه إدعاء ضعيف جاء في كتاب (منوشاستر) كتاب ديني هندي، يقول بأن اسم الآري يعني الشريف أو النبيل لكن هذا الادعاء أهمل و رُفض من قبل أصحاب الاختصاص، منهم العلامة (محمد مردوخ)، حتى تساءل المؤرخون بتهكم، هل بقية شعوب العالم بما أنهم غير آريين يكونوا غير شرفاء و غير نبلاء؟. جاء في بحث للدكتور (كمال علاونه) أستاذ العلوم السياسية، تحت عنوان الطائفية الدينية في الهند: التمييز في الهند .. وقانون منوشاستر. حسب هذا القانون الذي وضع وسن قبل الميلاد بثلاثة قرون في الهند و الذي عرف بقانون منوشاستر أو قانون منو وهو مؤلف من أنظمة مدنية وسياسية و مرجعية دينية في الآن ذاته، تطابقت بموجبه العنصرية و الطبقية، حيث ذابت الفوارق بين جناحين و جعلت منهما مزيجاً خاصاً، حيث تم تقسيم الهنود إلى خمس طبقات، هي: طبقة البراهمة و تشمل فئة الكهنة و رجال الدين، إذ اعتبروا صفوة الله و ملوك الناس و سادة الأرض وهم من البيض. و اعتبر البرهمي الذي يبلغ من العمر العاشرة من عمره يفوق على (الشتري) الذي بلغ المائة سنة من عمره. ثم يأتي في هذا الكتاب آنف الذكر شرح بالتفصيل عن سيادة و تفوق العنصر الآري في الهند، وما الآخرين من غير الآريين سوى خدم و أراذل. فلذا جاء في كتاب منوشاستر أن كلمة الآري تعني النبيل الشريف، وغيره في الدرك الأسفل من تسلسل السلم الاجتماعي. إن الكورد يا أستاذ ياقو عرقهم من أعرق و أنقى الشعوب الآرية ((Aryan peoples بشهادة الشعوب الآرية نفسها. اقرأ ما يقوله الأستاذ (سايس) في كتابه (تاريخ المؤرخ للعالم) كما جاء في كتاب (محمد أمين زكي) كورد و كوردستان ص (299):إن الميديين كانوا عشائر وقبائل أكراد ليس إلا، وأنهم من الوجهة اللغوية آريون (هندوأوروبي). قبل أطلاق تسمية الشعوب الهندوأوروبيةIndo-European peoples عليهم، كانوا يسمون بالشعوب الآرية Aryan. ثم ظهرت في القرون المتأخرة تسمية الشعوب الهندوأوروبية، لتعريف العالم بها كأمة تمتد أراضيها من شبه القارة الهندية إلى عموم القارة الأوروبية باستثناء إقليم الباسك و هنجاريا و فنلندا، فلذا جاءت التسمية هندوأوروبية التي تضم الشعوب الآرية العديدة، وفي داخل عائلة الهندوأوروبية توجد ثلاث مجموعات لها تسمياتها، المجموعة الهندية و المجموعة الأوربية و المجموعة الإيرانية، في آسيا توجد مجموعتان منها الأولى الهندية التي تتحدث السنسكريتية ولها (أربع عشرة لهجة)، ثم تأتي مجموعة اللغات الإيرانية المشتقة من أفستا لغة الكتاب المقدس للنبي زرادشت (ع) وهي: الفارسية والأفغانية و البلوجية و الكوردية و الآسية و الأرمنية. أما أنك تزعم بأن التسمية الآرية أنها تعني النبيل، باللغة السنسكريتية، ردي لك في هذا، يكون في جملة بسيطة، إن العرق الآري، يضم شعوب كبيرة، كيف تكون كل هذه الشعوب نبلاء؟، كلامك هذا يا أستاذ ياقو يذكرني بمسرحية لدريد لحام، إذا لا تخوني الذاكرة، كانت مسرحية (ضيعة تشرين) حيث كان دريد لحام (غوار الطوشي) حاكم لقرية من القرى، كبقية حكام العرب، كان ديكتاتوريا و مستبدا في حكمه لأهل القرية، أي غير ديمقراطي، ذات يوم ذهب إليه مختار القرية، وقال له، يا فلان يقال عنك أنك زعيم ديكتاتوري لا تؤمن بالديمقراطية، رد عليه غوار الذي هو الحاكم المطلق، طيب يا مختار ماذا تريدني أن أفعل، قال له المختار نجمع الشعب ونسأله من منهم يريد أن يرشح نفسه أمامك وإذا فاز تتخلى له عن الحكم و يصبح هو حاكماً علينا، قال له غوار طيب،أدعو الشعب إلى اجتماع لاختيار الرئيس، ما لبث أن حضر جميع أهل القرية،و بادرهم غوار بالسؤال، من منكم يريد يصبح زعيماً رفع الجميع أيديهم، التفة غوار إلى المختار، وقال له، ها يا مختار، شفت، شعب كله يريد يصبح زعماء، طيب من أين أجيب لك شعب حتى تحكمه، هذا ينطبق على كلامك إذا الآريين جميعهم نبلاء، يا ترى من تكون الرعية. إن كلمة الآري يا أستاذ، تعني حامل النار، لأن الآريين في قديم الزمان، كانوا يحملون النار دائماً في حلهم و ترحالهم، لذا جاءت تسميتهم بالآريين. ويشاهد المتتبع قدسية النار في ديانات الكوردية التوحيدية كالزرادشتية و الإزدية. واسم النار في اللغة الكوردية و في الكثير من اللغات الآرية هو (آر)، أما حرف الياء فهو ياء النسبة. راجع مقالنا (قدسية النار في الديانات الكوردية القديمة و انعكاسها في الديانات السماوية الأخرى). أو راجع (معجم الحضارات السامية) تأليف (هنري س.عبودي) الطبعة الثانية سنة (1991)ص (22) وهو مصدر مسيحي يقول: الآريون هم أجداد الشعوب الهندو – أوربية في الهند و إيران، واسم إيران مشتق من هذا الجذر – اسم إيران القديم هو آري آريان أي موطن الآريين) تطلق لفظة هندوأوروبية الهندية و الإيرانية للتمييز بينهما وبين سائر لغات المنطقة غير الهندوأوروبية. انتهى الاقتباس. ثم أطلق الاسم في زمن لاحق على إحدى الدول الأوروبية وهي (ايرلنده - Ireland) مكون الاسم من كلمتين (ارى - Ire) تحدثنا عنها و (لاند- land) في اللغة الإنجليزية و بقية اللغات الآرية الهندوأوروبية تعني وطن، بلد، أرض، الخ، مزجهما أو إلصاقهما مع بعضهما على الطريقة الآرية تصبح (Ireland) تعني وطن الآري. و يضيف الأستاذ ياقو قائلاً: لو تتبعنا كل الموجات البشرية الآرية، سوف نجدها تقف عند حدود الدولة الإيرانية، وبعض جنوب تركيا المحاذي لشمال العراق، وليس هناك مؤرخ واحد على مدى الدهور تجرأ و قال: أن الآريين استوطنوا أرض ما بين النهرين، أنما انحصر وجودهم في إيران و أفغانستان و الهند و المناطق المجاورة. كيف تجزم يا أستاذ بأن الآريين لم يكن لهم وجود على أرض ما بين النهرين؟، و تزعم،بأن ليس هناك مؤرخ واحد تجرأ على مدى الدهور وقال أن الآريين سكنوا العراق. ما هذه الثقة العالية بنفسك يا عم ياقو، لماذا لم تذكر لنا أحد من هؤلاء المؤرخين الموجودين في مخيلتك فقط؟. ألم يكن السومريون من العرق الآري، بشهادة معظم مؤرخي العالم؟ و السومريين كما هو معروف هم أصحاب أول حضارة في العراق، حيث لم تطأ أرض العراق قبلهم أقدام أمم أخرى، أدعوك لقراءة الآتي من كلام الدكتور (لويس عوض) في كتابه الموسوعي (مقدمة في فقه اللغة العربية) الطبعة الثانية صفحة (44): قد دلت الأبحاث التاريخية و الأثرية إلى أن حضارة سومر في جنوب العراق، وهي أقدم حضارة معروفة في بلاد ما بين النهرين، كانت حضارة هندية أوروبية. و يضيف لويس عوض، فبتحليل نقوشها وجد العلماء أن اللغة السومرية لغة ميدية سكيذية. هذا ليس كلامنا يا أستاذ ياقو بل هو كلام إنسان أكاديمي حجة و مرجع في الأوساط الأكاديمية يقول أن اللغة السومرية هي نفسها اللغة الميدية، وقد أثبتنا في مرات عديدة من خلال المصادر المعتبرة أن الميديين هم قبيلة من قبائل الشعب الكوردي، وهو ما يقوله معظم المؤرخون. دعنا نذهب إلى أكاديمي آخر وهو العلامة (ويل ديورانت - WIL DURANT) مؤلف كتاب (قصة الحضارة) ماذا يقول، أنه يذكر السومريين بأنهم قوم جبليين أشداء متوسطي القامة، عيونهم واسعة لوزية، وفي أنوفهم انحناءة آرية. يقصد الجنس (الآري) المعروف للقاصي و الداني لا يوجد جنس (آري) في العراق و المنطقة المحيطة به غير الكورد. ثم حكم بعد السومريين عنصر غريب عن بلاد الرافدين لفترة من الزمن. ما لبث أن عاد (الكاسيين- الكيشيين) الآريين إلى قيادة (العراق) من جديد. وبعدهم جاءت قبيلة الهخامنشيين حيث دون ملكهم في نقش رستم ما يلي: إني هخامنشي من أسرة هخامنش و فارسي من قبيلة فارس و آرياني من العنصر الآري أي الميدي. وبعدها حكم بعض الحكومات الآرية، ثم جاء الساسانيون الكورد، وحكموا عدة قرون إلى أن قوض حكمهم الغزو العربي سنة (651)م. بإختصار أن هذين القبيلتين الهخامنشية و الساسانية حكمتا في العراق (1200) سنة. يزعم الأستاذ ياقو أن الآريين لم يستوطنوا أرض بين النهرين، ألم يقرأ الأستاذ الفاضل في أهم المصادر العربية من أين جاء اسم العراق، و من هم الذين سموا هذا البلد بهذا الاسم؟. دعنا نرجع إلى المراجع العربية الإسلامية، لنرى ماذا تقول لنا عن أصل اسم (العراق)، حتى يطمئن الأستاذ ياقو بأن الكورد كانوا موجودون على هذه الأرض عندما جاءها الآخرون و استوطنوها. جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي (1179- 1228) ميلادي، الجزء الأول، (إيرهستان) (اراهستان) قال حمزة: الساحل (بالفارسية) (إيراه) ولذلك سموا سيف كورة (أردشير خره) من أرض (فارس) (إيرهستان) لقربها من البحر فعربت العرب لفظة (إيراه) بإلحاق القاف بآخره فقالوا (العراق)، جاءت في لغتنامه دهخدا (المجلد الثالث) صفحة (3706) (ايراهستان). وجاء أيضاً في نفس المصدر قال: العلامة أبو ريحان الخوارزمي عاش بين سنة (973- 1048) ميلادية، (إيرانشهر) هي بلاد (العراق) و (فارس) و (الجبال) و (خراسان) يجمعها كلها هذا الاسم. قال (الأصمعي) وهو عبد الملك بن قريب بن علي بن اصمع الباهلي عاش بين سنة (740- 831) ميلادية أحد أئمة العرب في العلم و اللغة و البلدان. فيما حكاه عنه حمزة كانت أرض (العراق) تسمى (دل إيرانشهر) أي (قلب بلدان مملكة - الفرس) فعربت العرب منها اللفظة الوسطى يعني (إيران) فقالوا (العراق)، كتاب (المعرب) للجواليقي ص (231)،أن الجواليقي هذا هو أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن خضر بن حسن البغدادي،لغوي و أديب و عالم من علماء بغداد عاش بين سنة (1073- 1144) ميلادية. لنرى ماذا يقول المؤرخ و الأديب الكبير (جرجي زيدان) (1861- 1914) ميلادية، في كتابه (تاريخ العرب قبل الإسلام) صفحة (11): أن اسم العراق من لفظ فارسي ((ايراه)) وهي و إيران من أصل واحد فعربها العرب إلى ((عراق)). للعلم أن كلمة (ايرا) باللغة الكوردية ترمز إلى المكان أي هنا. و كلمة ايرا ليست لها وجود في اللغة الفارسية، هذه الكلمة عند الفرس هي (اينجا). دعني أنقل لك نص ورد في كتاب تاريخي مهم ألفه العلامة (جواد علي الطاهر) وهو كتاب (مفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) يتحدث عن مجيء العرب إلى العراق يقول: فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا،فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك (فارس) يقال له (سابور بن خرزاد) فأسكنهم (الحيرة). انتهى الاقتباس. كانت عاصمة دولة (إيران) آنذاك (المدائن)، التي تقع أطلالها اليوم قرب بغداد، وطاقها المعروف بطاق كسرى باقي إلى الآن و يصارع الزمن. جاء في (لسان العرب) لابن منظور: الطاق ما عطف من الأبنية أي جعل كالقوس من قنطرة و نافذة وما أشبه جمع طاقات و طيقان فارسي معرب، بلا شك اتضح لك الآن من أين جاء هذا الاسم، ومن هم الذين سموا هذا البلد بهذا الاسم؟. سأنقل لك نص عربی إسلامی من كتاب (المسالك و الممالك) للبلداني أبو عبيد البكري، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، نسبة إلى بكر بن وائل عاش بين سنة (1014- 1094) ميلادية يذكر في كتابه المسالك والممالك إلى وجود الكرد في: أرض الدينور و همدان وبلاد أذربيجان وبلاد الشام وبأرض الموصل إلى جبل الجودي. ماذا تقول في هذا المصدر الذي يذكر وجود الكورد في موصل وفي بلاد الشام قبل (1000) سنة. أو المصادر الأخرى التي ذكرناها في سياق المقال وهي أقدم من هذا المصدر حيث يذكر الكورد مع النبي إبراهيم ألف وثمانمائة سنة قبل الميلاد.
يا سيد ياقو هناك مصادر كثيرة جداً، لكني أختصر لكي لا أخرج من الموضوع. أنك قلت في سياق مقالك أن الآريين وقفوا عند حدود الدولة الإيرانية، كلامك صحيح و عين الصواب، لكنك أخطأت في التاريخ والجغرافية، حيث تعتقد أن إيران كانت بهذه المساحة ذاتها في التاريخ الذي تحدثت عنه، لا يا أستاذ أن مملكة إيران كانت أكبر كثيراً مما هي عليها الآن، حيث كانت تضم جمهورية آذربايجان و أرمينيا و نصف أراضي جمهورية (تركيا) و أفغانستان و طاجيكستان و العراق، كل هذه (الدول) كانت قديماً جزأً من إيران، (آريان) أي أرض الآريين وطنهم. قد تفهم خطأً و تتصور أنها كانت تحتل هذه الأراضي، لا يا أستاذ هذه الأراضي جميعها كانت أراضي مملكة إيران موطن الآريين، كاسم العراق القديم الذي أطلقه الآريون عليه، ومن ثم أطلاقهم اسم بغداد على المدينة التي بنوها قبل الميلاد وهي اليوم عاصمة العراق؟. هل تعلم أن شاه إيران (رضا پهلوي) عندما أسست بريطانيا مملكة العراق في (1920) لم يعترف بها كدولة لمدة تسع سنين و كان يقول لا توجد دولة اسمها العراق، أنها جزأً من دولة إيران؟، ثم أجبر فيما بعد، من قبل الدول العظمى للاعتراف بها كمملكة صنيعة بريطانية. يستحسن بك أن تبحث في بواطن كتب التاريخ جيداً، لكي لا تقع في المطبات وتطلق الكلام على عواهنه. ويستمر الأستاذ في طرح تساؤلاته و يطرح علينا سؤالاً بشقين، في الشق الأول يسأل ما يلي: وما ادعيته من التطور الفكري و الثقافي للقبائل الكوردية النازحة باتجاه ما بين النهرين، بموجب مقياس العقل: يستوجب أن يكون لها هجائية تدون ما ادعيته. تساءل سطحي ساذج، أنك ككاتب يجب أن تعرف الواقع المزري الذي يعيشه الشعب الكوردي من المذابح و التشريد و المعانات الذي يتعرض لها منذ قرون عديدة، ألم ترى بأم عينك كيف يمنع من التكلم بلغته و يقمع بوحشية، أن تجرأ و احتفل بأعياده و مناسباته الخالدة الخ؟!. لكن رغم هذا كله، سنرد على تساءلك وفق العقل و العلم والمنطق. عزيزي الأستاذ ياقو، لو نترك الهجائية العربية الإسلامية التي تدون بها جزء من الأمة الكوردية منذ قرون، كما الأمم الإسلامية الأخرى. كانت هناك هجائية كوردية قبل الإسلام واستمرت حتى العصر العباسي، ثم تخلى عنها الكورد لصالح اللغة العربية الإسلامية التي بدورها استعارت كثيراً من اللغة الكوردية. أخذ الكورد يدونون بلغة المنتصر حالهم حال الشعوب الأخرى كالفرس مثلاً بعد أن فرض عليهم الدين الإسلامي بحد السيف اجبروا أن يستعيروا جميع الأحرف العربية و استعاروا أيضاً أكثر من خمسين بالمائة من مفردات اللغة العربية، وهذا ما يفرضه الدين الإسلامي بطريقة و أخرى على الشعوب التي تعتنق هذا الدين، فلذا أصبحت اللغة الفارسية لغة مشوهه و ركيكة، على سبيل المثال اقرأ هذه اللوحة مدون عليها (التدخين ممنوع) بالغة الفارسية ( استعمال دخانيات أكيداً ممنوع است) لوحة كاريكاتيرية ليس إلا. ثم ألم تعرف يا أستاذ شروط وقواعد العقيدة الإسلامية، التي تفرض على معتنقها أن يقرأ القرآن و يصلي ويؤدي جميع شعائره الدينية بلغة العربية، أليس هذا عامل آخر لفرض العربية على الأمم الأخرى، لذا أصبحت اللغة السائدة عند عموم المسلمين. في هذا المنحى تقول الكاتبة المصرية (درية عوني) في كتابها (عرب و أكراد خصام أم وئام) طبع دار الهلال بمصر ص (27): وقد كانت اللغة الكوردية تكتب قبل الإسلام من اليسار إلى اليمين،بأبجدية مستقلة، وتضيف و تركت هذه الأبجدية بعد الإسلام اكتفاءً بالأبجدية العربية. جاءت في الموسوعة الحرة: تجدر الإشارة أن بحثاً جديداً جرى في مخطوطة (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام) – طبعت المخطوطة والآن متوفرة في المكتبات و على الانترنيت- لأبو أحمد بن علي، المعروف (بابن وحشية)، عالم لغوي، عاش في القرن الثالث الهجري، أي قبل أكثر من أحد عشر قرناً، تناول فيه (89) من اللغات القديمة و كتابتها و مقارنتها باللغة العربية ومن ضمنها اللغة الكوردية و الهيروغليفية. لقد أشار إلى اللغة الكوردية القديمة المسمى بحروف (ماسي سوراتي) العلامة (محمد مردوخ) أيضاً، في كتابه (تاريخ كرد و كوردستان) ص (39)، الذي ألفه سنة (1351) هجري شمسي، و نشر في كتابه المذكور صورة الحروف التي كانت سائدة عند الكورد في التاريخ الذي عاش فيه (ابن و حشية)، ويقول العلامة مردوخ، أن هذه الأبجدية تشبه الأبجدية الكوردية في كتاب (الأفستا) للنبي زرادشت (ع) – عاش النبي زرادشت (ع) 700 سنة قبل ميلاد المسيح-. في بحث للأستاذ (محمد روني المراني)، عن الكتابة بلغة الكوردية القديمة، يذكر أيضاً كتاب (ابن وحشية)، (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام )،الذي ورد ذكره في أقدم ببلوجرافيا عربية وهو كتاب (الفهرس) (لابن النديم) من القرن الحادي عشر الميلادي. لقد عنون (ابن وحشية) الباب السابع و الأخير من كتاب (ص:165طبع دار الفكر) بقوله : في ذكر أقلام الملوك التي تقدمت من ملوك السريان و الهرامسة و الفراعنة و الكنعانيين و الكلدانيين و النبط و الأكراد و الكسدانيين و الفرس و القبط. و يضيف الأستاذ (محمد روني) في بحثه، أما حروف الفراعنة التي وضعوها هم فلا يصفها بالقديم، وهو حذر و دقيق جداً في استعمال هذه الكلمة، ولا يستعملها غالباً إلا للدلالة على كتابات شعوب ما بين النهرين كالهرامسة و النبط و الكلدان و الكرد، فالقديم برأيه قد يرجع إلى آلاف السنين، و يستمر الأستاذ الباحث، قائلاً نحن نورد العبارة لا للدلالة على قدم الشعب الكوردي فحسب، بل للدلالة على قدم الكتابة الكوردية أيضاً فجلي أن الشعب أقدم من كتابته بكثير. ثم يشير إلى وجود الكورد في هذه البلاد منذ عشرات القرون. ويتحفنا الأستاذ (محمد روني) نقلاً عن ابن وحشية قائلاً: وقد رأيت في بغداد في ناووس من هذا الخط – يقصد الخط الكوردي- نحو ثلاثين كتاباً، و كان عندي منها بالشام كتابين: كتاب في إفلاح الكرم و النخل، و كتاب في علل المياه و كيفية استخراجها من الأراضي المجهولة، فترجمتهما من لسان الأكراد إلى اللسان العربي لينتفع به أبناء البشر. ثم يقول ابن وحشية في كتابه المذكور ص 203 – 204: إنما كانت براعة الأكراد الأول في صناعة الفلاحة و خواص النبات و يدعون أنهم من أولاد بينوشاد، و قد وصل إليهم سفر الفلاحة لآدم (ع). ويضيف (ابن وحشية) في آخر كتابه المذكور صفة قلم من الأقلام القديمة و فيه حروف زائدة عن القواعد الحرفية، تدعي الأكراد أنه القلم الذي كتب به بينوشاد و ماسي السوراتي جميع علومهما و فنونهما و كتبهما بهذا القلم و هذه صورته كما ترى. إن صورة هذه الحروف الكوردية القديمة منشورة أيضاً في كتاب العلامة (محمد مردوخ) في صفحة (39) طبع الكتاب سنة (1351) للهجرة. (أدناه صورة الحروف الكوردية القديمة وتحتها الحروف العربية ليعرف القارئ صورة الحرف و تهجيه).
إن العلامة (ابن وحشية) ألف كتابه سنة (241) للهجرة، (856) ميلادية، أي قبل (1154) سنة، كما أرخ هذا التاريخ في نهاية كتابه المشار إليه.
إن هؤلاء الكورد الذين يتحدث عنهم ابن وحشية، و عن اكتساب هذه العلوم الزراعية و الفلاحة من أجدادهم، بلا شك قد ورثوها من آبائهم الأوائل، وهم السومريون. في بحث للدكتور (محمد زهير البابا) عن علم الفلاحة والنبات يقول: أدت التقنيات الأثرية، التي أجرتها عام (1949- 1950)م، بعثة مؤلفة من المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو، و متحف جامعة بنسلفانيا، في خرائب مدينة (نفر) السومرية – اسمها السومري الصحيح (نيپور) بالباء الكوردية بثلاث نقاط و تعني مدينة القصب لأنها كانت تقع على الضفة اليمنى من مجرى نهر الفرات الأقدم و كانت مليئة بالقصب لذا سموها (نَيپور) كلمة (نَي- نه ى- ney) تعني القصب و(پر- pir) الباء الكوردي بثلاث نقاط تعني مليء، كثيف، كما أن آلة الناي المصنوعة من القصب نَي تسمى ناي-- إلى العثور على لوح من الألواح يؤلف الجزء المتمم لثمانية ألواح مماثلة، اكتشف سابقاً، ولما ضمت هذه الألواح بعضها إلى بعض تشكلت وثيقة كاملة تتألف من (108) أسطر. وتحوي هذه الوثيقة، التي يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، المبادئ الأساسية لما يمكن أن نسميه مبادئ علم الفلاحة السومرية، يقول مؤلف تلك الوثيقة في مقدمتها في الأزمان القديمة زوًد فلاح ابنه بهذه الإرشادات ثم أخذ بعد ذلك يذكر الأعمال الزراعية الهامة، التي ينبغي على الفلاح أن يقوم بها، ليضمن محصولاً وافراً.
[1]