هل يصبح أردوغان.. گورباچوف تركيا العلمانية؟
محمد مندلاوي
بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، الأستاذ (صالح مسلم) إلى جمهورية تركيا، والتي دامت يومين، نقلت على أثرها وكالة أنباء الصينية (شينخوا) في اليوم الجمعة المصادف للسادس والعشرون من يوليو تصريحاً مقتضباً لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حذر فيه الشعب الكوردي في غربي كوردستان (سوريا) من أي تحرك أحادي الجانب لإقامة كيان سياسي كوردي في شمال سوريا إن كلام أردوغان هذا، المغلف باستعلاء عثمانية اعتاد عليه الأتراك ولم يتحرروا منه. لكنه بحد ذاته ليس تهديداً للحزب المذكور، ولا للكورد في غربي كوردستان، بل أنه دعوة على الطريقة التركية إلى الشعب الكوردي في غربي كوردستان، للتعاون والتواصل بينهما في قادم الأيام، حول ما يجري في سوريا بصورة عامة، وفي غربي كوردستان بصورة خاصة. والأيام القريبة التي مرت، كانت حبلى بالأحداث وفاجأت المراقبين، حين رأوا تغييراً كبيراً في سياسة تركيا فيما يخص الأزمة السورية، حيث أن وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو الذي امتنع في السابق عن استقبال (صالح مسلم) وقيادات حزب الاتحاد الديمقراطي المعروف اختصاراً بP Y D، قدم بنفسه هذه المرة، دعوة رسمية له لزيارة تركيا، رغم أنه لم یلتقی به شخصیاً، لكن ضيف تركيا الجديد، خلال اليومين اللذين أمضاهما في أنقرة، التقى بكبار المسئولين الأتراك. وأن المتتبع لیومیات الثورة السورية، يعلم جيداً، أن هذه الدعوة لم تأتی من فراغ، أو من أجل سواد عيون (صالح مسلم)، بل جاءت بعد إحداث المتغيرات الجوهرية، التي جرت على أرض غربی كوردستان، ورأت تركیا على أثرها، قوة الحزب الرادعة، والشعبية الكبیرة التي يتمتع بها بين الشعب الكوردی في غربي كوردستان، هذه هی التي جعلت من تركیا و وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو أن تعید حساباتها من جديد فی الأزمة السورية فيما يخص الكورد منها، ویقدم الوزير بنفسه دعوة رسمية لرئيس الحزب المذكور (صالح مسلم) بزيارة تركيا زيارة رسمية لإجراء المحادثات السياسية مع مسئوليها، وهذه البادرة تؤكد لنا من جديد، أنها لا توجد في السياسة محرمات، ولا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، بل هناك المصالح دائمة. ومصلحة تركيا اليوم، هي أن تستمع لصوت العقل، وتمد يدها بصدق وإخلاص إلى الشعب الكوردي في جميع أرجاء كوردستان المجزأة، لحل القضية الكوردية التي تستنزف تركيا والبلدان الأخرى التي تحتل أجزاءً من كوردستان مادياً وبشرياً منذ زمن ليس بقريب. بعد أن كسرت تركيا حليفة أمريكا والغرب في المنطقة الحاجز النفسي الذي كان يخوفها من حزب الاتحاد الديمقراطي،نأمل أن نرى في القريب العاجل أيضاً، تغيراً جذرياً في موقف ولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت قبل أسابيع استقبال وفداً من المعارضة السورية الذي كان يضم في صفوفه ممثلين عن الأحزاب الكوردستانية في غربي كوردستان، وتقبل بالأمر الواقع، كما قبلته في جنوبي كوردستان، حيث أن العلاقة الوطيدة و التعاون المثمر سائداً بين الجانبين، من أجل ترسيخ الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط. باستثناء المؤامرة القذرة التي حيكت سنة (1975) ضد الشعب الكوردي وثورته، التي كان عرابها آنذاك وزير خارجيتها الثعلب الماكر هنري كيسنجر، والتي انتهت فصولها الدنيئة في مؤتمر أوبك، مؤتمر الخسة والنذالة، الذي انعقد في حينه في جمهورية الجزائر في عهد المقبور هواري بومدين، حين تعانقا تحت منصته المجرمان صدام حسين و محمد رضا پهلوي. إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن طرفاً في تمزيق الوطن الكوردي بعد الحرب العالمية الأولى، ولا تتحمل وزراً كما الدول الغربية الاستعمارية، وعلى رئسها بريطانيا وفرنسا اللتين كانت لهما اليد الطولى في تخطيط وتنفيذ جريمة العصر النكراء ضد الشعب الكوردي العريق، والذي على أثره تم إلغاء دوره الحيوي على الخارطة السياسية على مدى قرن من الزمن، واليوم حيث تمر البشرية بانعطافة كبيرة، نرى أن البشائر بدأت تلوح في الأفق لهذا الشعب الجريح، الذي خرج للتو من عنق الزجاجة لكي يعود وبقوة على الساحة الدولية، ويشغل موقعه المتميز بين الشعوب والدول،الذي حرم منه على مدى سنون طوال، حين أصبح ضحية القطبين – الذي أصبح إحداهما الوريث الشرعي لدور بريطانيا العظمى في العالم- وحربهما الباردة، والتي خسرت أبانها البشرية من الأرواح أضعاف ما تخسرها في الحروب التقليدية. لكن بجهود ومثابرة العقلاء من الجانبين، انتهت تلك الفصول الدامية من تاريخ البشرية، وحل بينهما قوة العقل والمنطق، محل العنجهية والتعصب الأعمى، وحل التنافس الشريف محل العداء والبغضاء. وكذلك تركيا، عليها أن تتعلم الدرس من هؤلاء جيداً، و تعي أن سياسة أيام الحرب الباردة الهوجاء، لم تعد تُقبل في العالم، ولم تعد أيضاً الطفل المدلل للغرب، كما كانت أبان الحرب الباردة، ولم تعد الجناح الجنوبي لحلف الناتو في مواجهة إمبراطورية الشر، كما كان يسمى الاتحاد السوفيتي من قبل أمريكا والغرب أيام الحرب الباردة. فعلى السيد أردوغان، أن يتحلى بشجاعة گورباچوف، الذي غير وجه التاريخ، وينقذ بلده وكوردستان من دوامة العداء و الحرب العبثية، التي بدأها أتاتورك والأتاتوركية ضد الشعب الكوردي في عموم كوردستان، الفرصة مواتية لرئيس حزب العدالة والتنمية، عليه أن لا يخشى أحداً من الذين لا يريدون خيراً للشعبين التركي والكوردي، ويرمي خلفه تركة الماضي المحزم، وينظر إلى الأمام بتفاؤل، ويبدأ مهمته بجدية وشجاعة لإحلال السلام والصداقة بين الشعبين، ولا يستمع لأصوات النشاز المرتفعة من غرفة دنيز بايكال الحمراء؟؟؟ وغيره من الأتراك الذين لا ينامون إلا على لعق دماء الكورد البريئة. ما على أردوغان إلا أن يتقدم بثبات وجرئه، ويمد يده نحو اليد الممدودة له من خلف قضبان سجن امرالي بصدق وإخلاص، للانتهاء من هذه الفصول الدرامية، من تاريخ المنطقة الدامي، التي لسعت نيرانها الجميع، ونال منها الكورد حصة الأسد.
يعلم السياسيون الكورد جيداً، أن حل قضيتهم في شمالي كوردستان على يد أردغان، سيحل لهم بدون قتال قضاياهم المستعصية في أرجاء كوردستان الأخرى، لأن سبب عدم حلها لحد الآن هي تركيا الأتاتوركية. على سبيل المثال وليس الحصر، إن القضاء على جمهورية كوردستان بقيادة قاضي محمد سنة (1946) كان بإيعاز من تركيا لأمريكا والغرب، وعن طريقهم لشاه إيران اللعين محمد رضا. وكذلك إفشال المفاوضات التي جرت سنة (1984) بين سكرتير العام للاتحاد الوطني الكوردستاني السيد جلال الطالباني، وحكومة البعث في العراق برئاسة الديكتاتور صدام حسين، والتي انسحبت منها الحكومة العراقية كانت بضغط من تركيا أيضاً. لكن التاريخ قد تغير الآن، والأعمال الدموية التي كانت ترتكبها تركيا ضد الشعب الكوردي وقياداتها التي علقتهم على أعواد المشانق في العقود الماضية دون أن تدان في المحافل الدولية، لكنها لم تستطع ارتكاب مثل هذه المجازر ضد القيادات الكوردية الآن، وخير دليل الزعيم الكوردستاني (عبد الله أوجلان) بعد أن خطفوه بعملية قرصنة دنيئة قذرة شاركت فيها مخابرات عدة دول...، ومن ثم حكم عليه في تركيا بالإعدام، إلا أن الأتراك لم يستطيعوا أن يقدموا على تنفيذ الحكم قط، كما فعلوا مع قادة الكورد في الماضي، لماذا، لأن التاريخ كما أسلفنا قد تغير، ولم تعد باستطاعة تركيا مسك العصا من النصف، وما عليها، إلا أن تستمع لصوت العقل، والاعتراف بالأمر الواقع الموجود على الأرض،إلا وهو الجلوس مع ممثلي الشعب الكوردي لإنهاء استمرار إراقة الدماء البريئة على أرض كوردستان الطاهرة.
حكمة عظيمة (لامرؤ القيس) قالها شعراً:
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا استعرت وشب ضرامها
عادت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء جرت رأسها وتنكرت
مكروهةللشم والتقبيل
[1]