إطفاء ثلاثة قناديل كوردستانية وهاجة
محمد مندلاوي
خلال أسبوع واحد فقدت كوردستان ثلاثة من فطاحل السياسة والأدب والشعر، وكان في مقدمة الذين رحلوا عنا بكل هدوء، كالنسيم الصباح المنحدر من جبل كبير كوه نحو نهر زرباتية المتدفق، (گلال) الذي يشكي منذ سنوات من التعريب المقيت على أيدي الأنظمة الحاكمة في العراق، السياسي الكوردي الفيلي (حبيب محمد كريم) السكرتير السابق للحزب الديمقراطي الكوردستاني، القادم من مدينة زرباتية الكوردستانية، التابعة لمحافظة واسط، حاملاً هموم ومعانات أهلها الكورد الغيارى الصامدون الباقون على العهد رغم عوادي الزمن. للأسف الشديد أن يد المنية لا تعرف المواعيد وتأتي متى شاءت الأقدار دون سابق إنذار. ونحن في خضم الانعطافة التاريخية الكبيرة التي ستغير وجه المنطقة، كم نكون أحوج إلى هذا المعلم العظيم وإلى نصائحه وإرشاداته حيث انعقاد المؤتمر القومي الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي على مدى عقود بفارغ الصبر على الأبواب. والفارس الثاني الذي ترجل عن صهوته، هو ابن مدينة كركوك السليبة، قلب وقدس كوردستان، الأديب المعروف (فلك الدين كاكه ئي) الذي يعد امتداداً لذلك العالم الكوردي اليارساني الزاهد (بهلول ماهي) إن أوجه التشابه بين الاثنين كثيرة، من أهمها إن بهلول عاصر الخليفة العباسي الدموي هارون الرشيد، و الطيب الذكر (فلك الدين كاكه ئى) عاصر طاغية آخر هو صدام حسين. عندما كان هذا الأخير نائباً للرئيس العراقي أحمد حسن البكر كان (أبو پرشه نگ) رئيساً لتحرير جريدة التآخي الناطقة بلسان الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التي كانت نداً لجريدة الثورة الناطقة بلسان حزب البعث المجرم، وكانت التآخي تقف لها بالمرصاد و تفضح باستمرار أكاذيبها وتلفيقاتها للشعب العراقي، خلال السنوات الأربع التي صدرت فيها التآخي في بغداد، وهي السنوات التي تلت بيان آذار منحتها قيادة الثورة الكوردستانية لحزب البعث كمساحة زمنية من أجل تطبيق بنود بيان آذار، لحل القضية الكوردية حلاً سلمياً، إلا أن حزب البعث العروبي، بعد انقضاء السنوات الأربع التي منحتها إياه قيادة الثورة الكوردية تملص من تعهداته للشعب الكوردي، وشن حرباً عشوائية مدمرة على قرى ومدن كوردستان، حيث ذهبت ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. وفي مثل هذه الظروف العصيبة وتحت نيران النابالم وعلى رائحة غاز الخردل، كتب (أبو پرشه نگ) وأبدع. أنه كأقرانه الكورد، لم يمس بقلمه الرصين يوماً ما الشعب العربي بسوء، بل واجه العروبيين الأوباش كأصحاب مدرسة إجرامية دنيئة، وفضح بمداد قلمه أعمالهم الوحشية للعالم. وثالث الفرسان في طريق ذات الشوكة، كان الشاعر الكبير والمجدد (شيركو بيكه س) الذي أثرى المكتبة الكوردية بدواوينه الشعرية، والذي أدى رسالته على أكمل وجه، بكل نزاهة و أمانة وإخلاص ولم يهاب يوماً الأنياب القاتلة لأدوات الاحتلال من الكورد الجنسية أصحاب الوجوه الشتوية، بل واجه سكاكينهم الصدئة بقلمه الزاخر، وفضح أعمالهم الإجرامية بكل شجاعة واقتدار. وأيضاً على الساحة العالمية، لم يهدأ له بال، حتى انتقل بالشعر الكوردي من المحلية إلى مصاف الشعر العالمي، حيث حلق به عبر القارات والمحيطات، منطلقاً من وطنه الجريح كوردستان، إلى أوروبا التي قدرت وثمنت إبداعه الشعري، و منحته جائزة توخولسكي، ومن ثم ذاع صيته في إفريقيا و الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، اللتان تدرسان أشعاره في مدارسهما بعد أن شاهدوا شعره المترجم إلى لغات عالمية عديدة وفيه يظهر الشاعر اقتداراً شعرياً قلما يرى عند الشعراء المعاصرين.لا شك إن الموت اختطف هؤلاء الثلاثة العظام من بيننا، إلا أن أعمالهم الخالدة، ستبقى أبد الدهر، حية تنبض بالحياة، وتلهم مشاعر الشعب الكوردي نحو غداً أفضل، لا يروا فيه محتلاً دنساً على أديم وطنهم الممتد من البحر إلى البحر.
من أشعار (شيركو بيكه س):
ذات يوم
ولدتْ الأرض بركاناً
ومن البركان ولدتْ كوردستان
ومن آرارات ولد الكورد
ومن الكورد ولد تؤامان: القهر والتحدي
[1]