مكانة المرأة في المجتمع الكوردستاني قبل ظهور الكتابة
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 6694 - 2020-10-04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مكانة المرأة في الأديان الكوردية (1)
أثارت الصديقة (Nazdar Akreyi) موضوعاً مهماً جديراً بالإهتمام والدراسة. لأهمية الموضوع، أكتب هنا نص رسالتها وثم أواصل الحديث عن الموضوع.
نص الرسالة
لقد تابعتُ وقرأتُ منشوراتك التاريخية والدينية منذ أكثر من عام وتشدني اليها بسبب حبي واهتمامي بالتاريخ. تراودني في الآونة الاخيرة السؤال عن المرأة ومكانتها اجتماعيا وسياسيا ومسائل الميراث وما حظيت بها او حرمت منها في مجتمعاتنا الكوردية في تلك الاديان وقبل الاسلام بالتحديد. كيف عاشت جداتنا وامهاتهن؟ هل كانت المرأة مظلومة ومستغلة في المجتمعات الكوردية ايضا حالها حال باقي المجتمعات ام كانت لها مكانة أفضل مقارنة بأخواتها نساء العرب او حتى الغرب مثلا؟ وهل هناك ادلة او مخطوطات تثبت ذلك في كتبهم الدينية كالزردشتية واليارسانيه وغيرها من الاديان التي كانت موجودة ونظمت حياة الناس بموجبها؟ الاسلام يدّعي بأنه الدين الوحيد الذي أكرم المرأة وجعل لها نصيبا من الميراث بالرغم من ذكورية هذا الدين وخدمته للرجل وتلبيته لطلباته ورغباته وجعل الرجل السيد الآمر والناهي وكما هو الحال بالنسبة للمسيحيه واليهوديه ايضا.
في البداية أشكر الصديقة العزيزة (Nazdar Akreyi) على إثارتها لهذا الموضوع المهم ولولاها لما كنتُ أكتب هذه الدراسة في الوقت الحاضر، حيث كنتُ مخططاً أن أكتبها في وقت آخر لتكون جزءاً من دراستي عن الأديان الكوردية التي أأمل أن أصدرها ككتاب بعد إكمالها. كما أود أن أشكر الأستاذ (صباح كنجي) على جهوده الكبيرة في تزويدي بمعلومات مهمة عن مكانة المرأة في الدين الإيزيدي. أوجّه شكري الكثير أيضاً للباحث محمود خضر (أبو آزاد) على إرساله لي معلومات قيّمة عن مكانة المرأة الإيزيدية. شكري وإمتناني العميقَين للأساتذة الأفاضل التالية أسماؤهم حسب أبجدية أسمائهم: (فهمي كاكەيي) و(هاشم كاكەيي) و(هاوار رفيق) الذين قدّموا لي معلومات قيّمة جداً عن مكانة المرأة في الدين اليارساني، والتي أثْرَت هذه الدراسة. كما أود أن أشير بأنني من الآن فصاعداً لا أقوم بنشر المصادر المعتمدة مع دراساتي تجنباً لتعرضها للسرقة، حيث سأقوم بنشرها في الكتب التي سأصدرها. قبل عدة سنوات قام شخص بإسم (علي حجي كرم الحاج علي) بِسرقة الدراسات التي نشرتُها عن الفيليين (17 مقال) وأصدرها في كتاب بإسم (الباحث علي حجي كرم الحاج علي) في بغداد!!، إلا أنني قمتُ بإضافة الكثير من المعلومات الى تلك الدراسة وقمتُ كذلك بإجراء تغييرات كثيرة فيها والتي أأمل أن أنشرها ككتاب.
مكانة المرأة في المجتمع الكوردستاني قبل ظهور الكتابة
الآن سنعود الى الموضوع الذي نحن بصدده. في المجتمع الكوردستاني، في العصور ما قبل التدوين، كانت المرأة سرّاً أصغر مرتبطاً بِسرٍّ أكبر، سرّ كامن خلف كل التغيرات التي تحدث في الطبيعة والكون، حيث أن وراء كل ذلك أنثى كونية عظيمة، هي منشأ الأشياء ومردها، عنها تصدر الموجودات والى رحمها يؤول كل شيء. لذلك لعبت المكانة الاجتماعية للمرأة في كوردستان دوراً كبيراً في رسم التصور الديني والغيبي الأول و في ولادة الأسطورة الأولى، حيث كانت المرأة في هذه المراحل من حياة الإنسان القديم موضع حب ورغبة، موضع خوف ورهبة في نفس الوقت، فمن جسدها تنشأ حياة جديدة ومن صدرها ينبع حليب الحياة وأنّ دورتها الشهرية المنتظمة في ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين يوماً، تتبع دورة القمر، وخصبها وما تفيض بها على أطفالها هو خصب الطبيعة التي تهبّ العشب غذاءً لقطعان الصيد، وثمار الشجر لغذاء البشر، وعندما تعلم الإنسان الزراعة في الموقع الآثاري (زاوي جمي شانيدار) الواقع في جنوب كوردستان، وجد صنواً للمرأة، فهي تحبل بالبذور وتطلق من رحمها الزرع الجديد.
كانت الديانات القديمة ترى أنّ المرأة أكثر قدسية من الرجل وأن الرجل من خلال الممارسة الجنسية معها فإنه يقوم بالتطّهر من ذنوبه وخطاياه. المرأة مقدسّة لأنها تقوم بالحمل والولادة وبذلك فإنها تساهم بشكل رئيسي في التكاثر البشري. كان يتم تقديس الممارسة الجنسية وتتم ممارستها بشكل يومي وحتى بشكل جماعي في معابد الأديان القديمة وهذا التقديس كان في ذلك نوعاً من عبادة الأنثى ورؤيتها على أنها مُحرّك من مُحرّكات الحياة في هذا الكون. هكذا كان الجنس شيئاً مقدّساً مرتبطاً بالوجود.
” المرأة الإلهة ” سميت في عدة أديان قديمة بإلهة الخصوبة بإعتبارها سبباً في إعمار الكون وزرع الحياة فيه، دون حضورها سيكون الوجود منعدماً وسيحل الخراب ثم الفناء النهائي ولذلك كانت مكانتها أعلى من بقية الآلهة. في حوالي سنة (8000) قبل الميلاد، تمّ إكتشاف الزراعة في شمال بلاد ما بين النهرَين (جنوب كوردستان)، حيث أنّ المرأة إكتشفت الزراعة، ولذلك أصبحت زعيمة المجتمع الفلاحي هناك لإعتقاد الناس بأنّ في جسد المرأة قوة خارقة تجعلها تنجب وتزرع. ظهرت أولى الآلهة وهي (الإلهة الأم) التي ترمز للخصوبة، وكانت توضع صورتها في الحقول تبركاً. هكذا قادت المرأة المجتمع الكوردستاني سياسياَ وإجتماعياَ ودينياً في شمال بلاد ما بين النهرَين.
في شمال كوردستان، في كهوف جبال (شت) في مقاطعة (هكاري) وكهف (پالانلو) قرب أديامان، تمّ العثور على تماثيل أكثرها عبارة عن تماثيل نسائية، حيث كانت الوجوه والأيدي والأرجل لعدد كبير من هذه التماثيل، ليست بارزة بروزاً خاصاً، بينما الصدر والبطن والفخذ كان بارزاً والذي هو العلامات المميزة لشكل المرأة بِطابعها الديني والذي يشكّل دليلاً على عبادة قديمة، ترتبط بالخصب، تطورت في العصر الحجري الحديث (العصر النيوليثي) (9000 – 4500 قبل الميلاد)، حيث كانت الديانة النيوليثية الأولى كانت ديانة زراعية في إعتقادها وطقوسها وأن الأسطورة الأولى هي أسطورة زراعية تتركز حول إلهة واحدة التي هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي وشكلها المُدجّن الجديد الذي تشارك يد الزارع في قولبته وتأليهه.
[1]