السبي الآشوري لليهود (2)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6091 - 2018-12-22 - 12:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد قيام الإمبراطورية الآشورية التي دامت 299 سنة (سنة 911 - 612 ق.م.)، تغيّرت الظروف السياسية في الشرق الأوسط، حيث أنّ هذه الإمبراطورية أصبحت القوة العظمى في المنطقة وإتسعت سلطتها، بحيث أصبحت تضمّ جميع أراضي الهلال الخصيب ومصر في عهود بعض ملوكها الذين بلغ عددهم (15) خمسة عشر ملِكاً خلال هذه الفترة.
جرى أول إحتكاك بين الآشوريين والإسرائيليين في زمن الملِك الآشوري (شلمنصر الثالث) (859 - 824 ق.م.). دام حُكم هذا الملِك للإمبراطورية الآشورية لمدة 35 سنة، حيث أنه عاصر كلاً من الملِك (يهوشافاط) و(يهورام) و(أخزيا) و(يهواش) الذين كانوا ملوك مملكة يهوذا، وكلاً من الملِك (أخآب) و(أخزيا) و(يهورام) و(ياهو) الذين كانوا ملوك مملكة إسرائيل والملِكّين (حزائيل) و(بنهدد الثاني) اللذين كانا ملِكَين من ملوك مملكة آرام في دمشق وكذلك الملِك (ميشع) الذي كان ملِكاً لِ(موآب).
من المصادر التاريخية التي تمّ من خلالها التعرّف على أعمال وحروب الملِك الآشوري (شلمنصر الثالث)، هي الكتابات التي نقشها هذا الملِك على صخور أرمينيا، والمسلّة السوداء العائدة له والتي إكتشفها الرحالة والمستكشف وعالِم الآشوريات البريطاني (أوستن هنري لايارد (Austen Henry Layard في مدينة (نمرود) والموجودة حالياً في المتحف البريطاني، وكذلك النصوص المحفورة على الشرائط البرونزية الفريدة من نوعها من الناحية التاريخية على بوّابات (بالاوات) القريبة من مدينة نمرود والتي إكتشفها عالِم الآثار البريطاني (هورموزد رسّام Hormuzd Rassam) في سنة 1878 ميلادية، حيث كانت الأبواب الدوّارة موجودة في قصر (شلمنصر) وكذلك فأنّ التوراة هي مصدر مُهّم آخر لتتبّع الأعمال التي قام بها هذا الملِك والحروب التي خاضها خلال فترة حُكمه.
في سنة 853 قبل الميلاد، قاد الملِك الآشوري شلمنصر الثالث، جيشه، متوجهاً نحو الغرب، حيث عبروا نهر الفرات، متوجهين نحو سوريا، فإحتلوا مدينة حلب وتسلّق (شلمنصر الثالث) قلعة حلب الشهيرة وأطاح بالإله (حدد) الذي كان موضوعاً على قمتها. ثمّ توجه على رأس قواته الى مدينة (قرقر) التي تقع على نهر العاصي[a][b]. نشبت معركة قرقر في سنة 853 قبل الميلاد بينه وبين إثني عشر ملِكاً بينهم (بنهدد) ملِك آرام و(أخآب) ملِك إسرائيل، حيث جاء في سجلات هذا الملِك بأنه قام بعشرين حملة، عبرَ خلالها نهر الفرات، مشيراً فيها الى معركة قرقر التي شارك فيها الملِك الإسرائيلي (أخآب) بِ(2000) ألفَي مركبة حربية و(10000) عشرة آلاف جندي، وكانت قوات الملِك الآرامي (بنهدد) المشاركة في معركة (قرقر) تتألف من (1200) ألف ومائتَين مركبة حربية و(1200) ألف ومائتَين فارس و (000 200) مائتَي ألف جندي[a][b]. يذكر الملِك الآشوري (شلمنصر الثالث) في سجله عن هذه المعركة ما يلي: (مع القوى العظمى التي منحها لي إله آشور، ومع الأسلحة ذات المعيار الإلهي التي تقدمتني، حاربتُهم وهزمتُهم بشكل ساحق من (قرقر) الى مدينة (جيلزاو). ذبحتُ 1400 من جنودهم بالسيف. مثل أداد (إله الرعد الأكدي)، أمطرتُ الدمار عليهم، فرّقتُ ألويتهم وملأتُ بِسيفي الأرض الواسعة بِجنودهم، جعلتُ دماءهم تسيل في الوادي. كانت الأرض أصغر من أن تكفي لِجثثهم. أغلقتُ نهر العاصي بِجثثهم لِأجعل منها جسراً وجرّدتهم من عرباتهم وفرسانهم وأحصِنتهم)(1)(a)(b).
رغم أن الملِك الآشوري (شلمنصر) يدّعي النصر في هذه الحرب، كما هو عادة ملوك آشور بعد المعارك، لكن يبدو أن المعركة إنتهت بدون أن يحرز أيّ من الفريقَين المتحاربَين النصر بدليل أنه أعاد جيشه إلى بلاده بعد المعركة مباشرةً، ولم يقُم بالهجوم على سوريا مرة أخرى إلاَّ بعد هذه المعركة بِخمس سنوات، أي في سنة 848 قبل الميلاد. عندما هاجم هذا الملِك الآشوري سوريا في هذه السنة، إستطاعت جيوش الحلف السوري أن توقف الهجوم الآشوري في أشتاموكا الواقعة قرب مدينة حماه. بعد ثلاث سنوات، قام (شلمنصر الثالث) مرة أخرى بالهجوم على سوريا بِجيشٍ كبير، يزيد عدد أفراده عن (000 120) مائة وعشرين ألف جندي، إلا أنه مع ذلك لم يستطع أن يحرز النصر في هذه المحاولة أيضاً(a)(b). خلال الفترة من سنة 848 الى سنة 845 قبل الميلاد، إستطاع الملِك الآرامي (بنهدد) أن يصدّ العديد من الغزوات الآشورية.
لقد جاء في (دائرة المعارف الكتابية) عن معركة (قرقر) ما يلي: {(شلمناصر الثالث) (859 - 824 ق.م.) هو إبن آشور ناصربال الثاني، وكان مُحارباً عظيماً، ويُعتبَر أحد مؤسسي الإمبراطورية الآشورية الجديدة، وأول ملِك آشوري يتصل بإسرائيل، فقد وصلت حملاته العسكرية إلى بلاد (أرارات) شمالاً، وإلى ولاية (بابل) جنوباً، كما تعمّق غرباً في بلاد سورية وكيليكيا. خلال السنوات الثلاث الأولى من حُكمِه، حارب الآراميين، فإستولى (شلمنصر الثالث) على حلب وحماه، وواصل تقدّمه حتى وصل الى مدينة (قرقر) الواقعة على نهر العاصي في قلب سوريا، حيث حدثتْ معركة حامية الوطيس بينه وبين القوات المُتحالِفة، وقد إعترض الآشوريين، حلفٌ مكوَّنٌ من إثنتي عشرة أُمّة، من كيليكيا في الشمال إلى العمونيين في الجنوب، بِجيشٍ يتكون من أكثر من ستين ألفاً من المشاة، ونحو أربعة آلاف مركبة حربية، وكان بين الحلفاء (أخآب) ملِك إسرائيل الذي أمدّ جيش الحلفاء بِعشرة آلاف مقاتل وألفَي مركبة حربية، أي حوالي نصف مركبات جيش الحلفاء. بعد هذه الحرب إنفكّ التحالف الآرامي – الإسرائيلي، حيث تحالف الملِك الإسرائيلي (أخآب) مع ملِك يهوذا (يهوشافاط)، في محاولة لإسترداد مدينة (راموت جلعاد) من مملكة آرام، إلا أنّ هذا الحلف لم ينجح في إرجاع المدينة المذكورة وإنتهت هذه المحاولة بِقتل الملِك الإسرائيلي (أخآب) (1مل 22).
بعد وفاة الملِك الآرامي (بنهدد)، تشتّت الحلف السوري، حيث أنه عندما هاجم (شلمنصر الثالث) سوريا في سنة 841 قبل الميلاد، إضطرّ عدد من الملوك السوريين أن يدفعوا الجزية والولاء له، وكان من بينهم الملِك الإسرائيلي (ياهو) (1مل 19: 16، 2 مل 9: 2 - 10: 31)(2)، إلا أن الملِك الآرامي (حزائيل) لم يدفع الجزية للآشوريين.
المصادر
1. د. جون إلدر. الأحجار تتكلَّم. ترجمة: د. عزت زكي، مرجعة: د. داود رياض، دار النشر الأسقفية، الطبعة الرابعة، 2000، صفحة 108، 109.
2. د. القس منيس عبد النور، جوزيف صابر، وليم وهبة بباوي، د. القس صموئيل حبيب، د. القس فايز فارس. دائرة المعارف الكتابية. الجزء الرابع، دار الثقافة، صفحة 545، 546.
a. Yamada, Shigeo. The Construction of the Assyrian Empire: A Historical Study of the In-script-ion of Shalmanesar III (859-824 B.C.) Relating to His Campaign to the West. Brill. Leiden, 200.
b. Luckenbill, Daniel. Ancient Records of Assyria and Babylonia. Chicago, 1926.
[1]