السبي الآشوري لليهود (4)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6107 - 2019-01-07 - 15:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد (تغلث پلاسر الثالث)، إستلم الحُكم الملك (شلمنصر الخامس) في عام 727 قبل الميلاد، وفرض جزية كبيرة على مملكة إسرائيل، إلا أنّ (هوشع) الذي كان آخر ملوك إسرائيل، إمتنع عن دفع الجزية لآشور، وحاول أن يعقد حلف دفاعي مع مصر ضد آشور (2مل17: 4). لم تكن حالة مصر في ذلك الوقت تسمح لها بِتقديم مساعدة حقيقية لِلملِك الإسرائيلي (هوشع). لذلك في عام 724 قبل الميلاد، هاجم (شلمنصر الخامس) إسرائيل، ولم تواجه قواته مقاومة كبيرة من جانب الإسرائيليين، فإحتل الأشوريون كل البلاد ما عدا العاصمة الإسرائيلية (السامرة) التي كانت حصينة وإستطاعت أن تقاوم الحصار لِثلاث سنوات. قبل أن ينجح في هذه الحملة العسكرية، توفي هذا الملِك وكان ذلك في سنة 722 قبل الميلاد، إلا أنّ قائد الحملة العسكرية الآشورية إستمر في العمليات العسكرية بعد وفاة الملِك الآشوري وإستطاع بعد حصارٍ دام ثلاث سنوات، أن يحتلّ العاصمة الإسرائيلية، (السامرة) في عهد الملِك الآشوري (سرجون الثاني) (722 - 705 ق.م.) الذي خلّف الملِك (شلمنصر الخامس). بإحتلال مدينة (السامرة)، تمّ القضاء على مملكة إسرائيل وكان ذلك في سنة 722 قبل الميلاد (2مل17: 6، 18: 9). بعد تدمير مدينة (السامرة) تمّت إعادة تنظيم إدارة إسرائيل وأصبحت البلاد مُجرد ولاية آشورية بإسم سامريا، يحكمها حاكِم آشوري.
حول الحملة العسكرية التي قام بها (شلمنصر الخامس) على مملكة إسرائيل، تذكر التوراة ما يلي: {(1) فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ تِسْعَ سِنِينَ، (2) وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. (3) وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْداً وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. (4) وَوَجَدَ مَلِكُ أَشُّورَ فِي هُوشَعَ خِيَانَةً، لأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ وَلَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ حَسَبَ كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ. (5) وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ. (6) فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي. وفيها سُبي غالبية الشعب إلى أشور، وجاؤوا بِغرباء وأسكنوهم في إسرائيل (2مل17: 1- 6).
إتّبع (سرجون الثاني) نفس السياسة التي سار عليها الملِك (تجلث پلاسر الثالث) في إجلاء السكان اليهود من إسرائيل، حيث أجلى (27280) شخصاً يهودياً إلى منطقة (حرّان) ومناطق ضفة (الخابور) والبليخ في جنوب وغرب كوردستان الحالية ومناطق أخرى في شرق كوردستان وأحلّ محلهم آراميين من إقليم حماه. إندمج المنفيون الإسرائيليون مع الشعب الكوردي في منفاهم وقام المسبيون بِبناء قرى بين السُكّان الكورد.
الأسباط العشرة المفقودة
إنّ رواية السبي الآشوري لليهود، هي قصة اليهود الذين سكنوا جبال كوردستان. طبقاً لسياسة الدولة الآشورية في تشتيت الأسرى في منافٍ نائية ومنعزلة عن أي تجمّع سُكّاني قريب لِمنعهم من التجمّع وممارسة تقاليدهم وثقافتهم ولكي لا يتمكنوا من لم شملهم وبالتالي العودة إلى المناطق التي جاؤوا منها، لذلك أبعدوهم إلى جبال كوردستان. لقد ورد في نص التوراة الأماكن التي توزع فيها اليهود، وهي: (صلح) و(خابور) و(هار)• لقد أطلق الباحثون على هؤلاء اليهود المنفيين من مملكة إسرائيل الى كوردستان إسم (الأسباط العشرة المفقودة) والذين سكنوا جبال وسهول كوردستان وإمتهنوا الزراعة، حيث أنّ هؤلاء قلّدوا الكورد في نمط معيشتهم وبنوا قرى وتجمّعات سُكّانية وصاروا مزارعين. لم يبق بعد سبيهم أثرٌ للأسباط العشرة للإسرائليين الذين تمّ ترحيلهم الى كوردستان من قِبل الآشوريين.
الغزو الآشوري لمملكة يهوذا
كانت مملكة (يهوذا) بلاد صغيرة حائرة بين الإنحياز الى جارتها الغربية، مصر أو جارتها الشرقية، آشور، المتنافستَين على النفوذ والسلطة في المنطقة. في النهاية، قرّر ملك مملكة (يهوذا) الإنحياز إلى مصر. هذا الإنحياز أغضب الملِك الآشوري (سنحاريب) (705 - 681 قبل الميلاد)، الذي قرّر القيام بحملة عسكرية على مملكة (يهوذا) لإخضاعها والقضاء عليها. لذلك قام ملِك مملكة (يهوذا) (حزقيا) بإرسال وفد إلى مصر، طلباً للمساعدة، فوعده المصريون بِتقديم المساعدة والعون العسكري للمملكة، إلا أنهم لم يُقدموا أية مساعدة لِمملكة (يهوذا). لقد إنتقد النبي (إشعياء) الملِك (حزقيا) في إعتماده على ملِك مصر بدلاً من إعتماده على الرب (إش30: 1-7، إش31: 1). إستطاع الآشوريون إحتلال مملكة (يهوذا) والقضاء عليها وقاموا بِسَبي سُكّانها.
يذكر الملِك الآشوري (سنحاريب) في كتاباته المنقوشة على جدران قصره في نينوى في الموصل عن حملته العسكرية على مملكة (يهوذا) وقضائه عليها ما يلي: {أما (حزقيا) اليهودي فلم يرضخ لِسُلطتي، فحاصرتُ (46) مدينة من مُدنه المُحصّنة، عدا القرى المجاورة التي لا يُحصى عددها، وإستوليتُ عليها كُلّها بإستخدام أنواع الآلات الحربية والمنجنيقات، مما ساعدنا على الإقتراب من الأسوار وإختراقها، وقد أخذنا منهم (مائتي ألف) نسمة رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً مع حيواناتهم من الخيول، والبغال، والحمير، والجِمال كبيرة وصغيرة لا تُحصى. هذه كلها غنائم إستولينا عليها، وهو شخصياً جعلتُه حبيساً في (أورشليم) في قصرِه كالطير في القفص، وأحطتُه بأكوامٍ من الأتربة للتضييق على كل مَن حاول الخروج من المدينة}(1).
أما التوراة فتقول عن الحملة العسكرية لِ(سنحاريب) على مملكة (يهوذا) وأخذه الجزية، ما يلي: {وفي السنة الرابعة عشرة للملِك (حزقيا)، صعد (سنحاريب) ملِك آشور على مدن يهوذا إلى ملِك آشور في لاكيش وقال له لقد أخطأتَ فإنصرف عني، ومهما تضرب عليّ أنفّذ إليك، فضرب ملِك آشور على (حزقيا) ملِك يهوذا مئة قنطار فضة وثلاثين قنطار ذهب} (2مل 18: 14 – 16).
قام (سنحاريب ) بِترحيل المُسبيين وعوائلهم الى منطقة نهر الخابور الواقعة قرب نينوى. إنّ جمع المُسبيين اليهود في منطقة واحدة هو خِلاف سياسة الملوك الآشوريين الذين سبقوا (سنحاريب )، حيث كانوا يقومون بِتشتيت السبايا في أماكن نائية ومتفرقة ومنعزلة، بعيدة عن بعضها البعض لِمنعهم من التجمّع وممارسة تقاليدهم وثقافتهم والتكتّل على أمل العودة إلى مناطقهم التي تمّ إبعادهم منها.
هكذا تمّ القضاء على مملكتَي (إسرائيل) و(يهوذا). لقد دام حُكم (إسرائيل) 209 سنوات (سنة 931 - 722 ق.م.)، ودام حُكم (يهوذا) 245 سنة (سنة 931 - 686 ق.م.).
من الجدير بالذكر أن هؤلاء اليهود المنفيين، كانوا أول من هاجروا إلى إسرائيل بعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948. لقد أكّد (بنيامين التطيلي) اليهودي الذي زار كوردستان في حوالي عام 1165 للميلاد، أنه شاهد في مدينة آميدي (العمادية) الواقعة في جنوب كوردستان، خمسة وعشرين ألف يهودي وتكلّم أيضاً عن أرض نهاوند، فقال أنّ فيها شيخ الحشّاشين (الإسماعيليين) ويُقيم معهم حوالى أربعة آلاف يهودي• نرى أنّ تاريخ العلاقات الكوردية – اليهودية يعود الى أكثر من 2700 سنة.
المصادر
1. ج. پريتشارد. نصوص الشرق الادنى القديمة، 1974، صفحة 288.[1]