أسباب إفتقار شعب كوردستان لِكيانٍ سياسيٍّ
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5783 - 2018-02-10 - 23:10
المحور: القضية الكردية
خلال تعقيبه على إحدى مقالاتي المنشورة، أثار الأستاذ Kassem Khodejde Khalaf موضوعاً مهمّاً جداً فيما يخصّ القضية الكوردستانية. لِأهمية الموضوع، قررتُ أن أكتب هذا المقال ليكون جواباً لِسؤال الأستاذ المذكور، لِتطّلع عليه القارئات العزيزات والقُرّاء الأعزاء. أأمل أن يتم إغناؤه من قِبلهم ليصبح دراسةً متكاملة. هنا أكتب نص تعقيبه و جوابي لسؤاله.
التعقيب
يراودني سؤال. الكورد وتاريخهم وعظمة قاداتهم والامبراطوريات التي أقاموها ومنذ 2600 سنة إنهارت آخر إمبراطورية (ميديا) لهم ولم يستطع الكورد ان ينهضوا بحضارتهم مرة ثانية. ما السبب؟
الجواب
شكراً على إثارتك لِسؤالٍ مهم جداً، يُردده ملايين الكورد والذي يحتاج الى دراسة علمية عميقة. بإختصار شديد أستطيع القول بأن من أهم أسباب عدم إمتلاك الكورد لِكيانٍ سياسي الى الآن، هي الطبيعة الجبلية لكوردستان التي عزلت الأقوام والعشائر الكوردية عن بعضها ومنعت توحيدها. بالإضافة الى أن طوبوغرافية كوردستان خلقت شخصية مستقلة للإنسان الكوردي الذي يرفض أن يكون تحت أوامر أشخاص آخرين أو العمل بشكلٍ جماعي ومنظّم وهذا العامل جعل الكورد يفشلون في خلق تجمعات منسجمة، سواء على شكل دولة أو حكومة أو تنظيمات سياسية أو مدنية، كما هو الحال الذي نراه اليوم في التشرذم الكوردي.
الموقع الجيوسياسي لكوردستان هو عامل مهم آخر، حيث كانت كوردستان تقع على طريقَين تجاريين مُهمّين، (طريق الحرير) و (طريق البخور والتوابل). كانت القوافل التجارية تسلك (طريق الحرير) في تجارة الحرير، حيث أنّ هذا الطريق كان يبدأ من الصين ويستمر بِعبور وسط آسيا، مارّاً بكوردستان وميزوپوتاميا، ومنها يمتد الى موانئ سوريا ولبنان وفلسطين. القوافل التجارية السالِكة لِ(طريق البخور والتوابل) القادم من اليمن، كان يمرّ بِغرب حجاز، وينتهي أيضاً في موانئ سوريا ولبنان وفلسطين. هذان الطريقان التجاريان الرابطان بين آسيا وأوربا، كانت تمر بِكوردستان ولذلك كان التنافس شديداً للتحكّم بهذين الطريقَين من قِبل الدول الكبرى ودول المنطقة.
سهول ميزوپوتاميا الخصبة ومياه دجلة والفرات فيها، خلقت تنافساً شديداً على هذه المنطقة الغنية بين سكان كوردستان والسكان الصحراويين القاطنين في الحدود الجنوبية والغربية لِميزوپوتاميا وجذبتْ الصحراويين الأتراك أيضاً، فإحتلوا قسماً منها. هذا خلق وضعاً غير مُستقرٍ في كوردستان والمنطقة وجعل المُحتلين يتشبثون بالإستمرار في إحتلال كوردستان وإستغلال أراضيها ومياهها ومن خلاله نهب ثرواتها.
إكتشاف النفط في كوردستان في بداية القرن العشرين، كان أحد الأسباب الرئيسة الأخرى لِتقسيم كوردستان من خلال إتفاقية سايكس – بيكو وحُرمان الكورد من بناء دولة لهم. لا تزال مياه وبترول كوردستان من العوامل المهمة التي تدفع الدول الكبرى على منع تأسيس دولة كوردستان وأن يتشبث مُغتصبي كوردستان بإحتلالها الإستيطاني لها.
لعِب الدين الإسلامي دوراً محورياً في إبقاء شعب كوردستان بدون دولة خاصة به على أرضه التاريخية، حيث تغلّب شعور الإنتماء الديني على الإنتماء القومي لدى الكثير من الكورد، فنرى الكثير من القادة والعلماء والمفكرين الكورد، وضعوا كل إمكانياتهم وطاقاتهم في خدمة الشعوب التي كانت تحكم بإسم الإسلام من عربٍ وأتراكٍ وفُرسٍ، ولا يزال هذا العامل يلعب دوراً كبيراً في عرقلة إستقلال كوردستان. كما أن هذا الدين سلخ هوية وشخصية الكثير من المواطنين الكورد والأخطر أنّه إحتلّ عقولهم ونفوسهم، فقضى على الشعور القومي والوطني فيهم وسلخهم من قوميتهم وشعبهم. لنأخذ أبا مسلم الخراساني وصلاح الدين الأيوبي كمِثالَين، حيث أنّ الأول أسقط الدولة الأموية وسلّم الحُكم الى العباسيين، الذين أسسوا الدولة العباسية وأنه بدلاً من تكريمه تمّ قتله بِيَد الخليفة العباسي، أبي جعفر المنصور الذي كانت أمّه كوردية أيضاً. كان أبو مسلم بإستطاعته تأسيس دولة كوردستان على أنقاض الدولة الأموية، بدلاً من تسليم الحُكم للعباسيين، إلا أن عقيدته الدينية قادته الى ما عمله سارت به الى التهلكة. لولا صلاح الدين الأيوبي لربما كان الدين الإسلامي اليوم لا وجود له على كوكبنا الأرضي، أو في أحسن الأحوال لَكان اليوم عبارة عن دين يعتنقه عدد محدود من الناس و لَكان العرب اليوم عبارة عن شعب صغير معزول يعيش في شبه الجزيرة العربية. هذا يعني بأنه لولا صلاح الدين الأيوبي لّكانت خارطة الشرق الأوسط السياسية مختلفة تماماً عما نراها اليوم و لَكانت غالبية سكان المنطقة يدينون بالديانة المسيحية و لَإزدهرت و إنتشرت الأديان القديمة الأخرى المُسالِمة في المنطقة و بذلك كانت الشعوب غير العربية في المنطقة تحتفظ بأوطانها و هوياتها و ثقافاتها و لغاتها و معتقداتها و أديانها و تمارس طقوسها و شعائرها الدينية بِحُرّية. بدون صلاح الدين الأيوبي لَكان أحفاده اليوم لهم دولتهم المستقلة و كانوا لا يتعرضون الى الإبادة الجماعية و الأنفالات و التعريب و التتريك و التفريس و لا يكونون أهدافاً للأسلحة الكيميائية. هكذا تم إستغلال الدين الإسلامي من قِبل مُغتصِبي كوردستان، منذ ظهور هذا الدين مروراً بالأمويين و العباسيين و العثمانيين و الصفويين و إنتهاءً بالمحتلين الإسلاميين من أمثال أردوغان و الإخوان المسلمين و الإسلاميين الشيعة. هناك مَن يُبرّر مواقف هذين القائدَين الكورديين ويرون بأنّ تقييم مواقفهما يجب أن يتم من خلال مسارها التاريخي. طيّب، قبل أكثر من 2500 سنة، بعد خيانة قائد الجيش الميدي (هارپاك) الذي تسبّب في سقوط الإمبراطورية الميدية وإستلام الأخمينيين للحُكم، يوبّخه آخر ملوك الميديين (أستياگ) وهو في الأسر، ويقول لِ(هارپاك) الخائن بأنّه كان من المفروض أن يستلم هو الحُكم أو أحد الميديين، بدلاً من تسليم الحُكم للفُرس. قبل أكثر من 2500 سنة أيضاً كان الشعور القومي الفارسي قوياً للملِك الأخميني (قمبيز)، فأوصى قوّاده وخلفاءه قبل موته بأنْ يحافظوا على الحُكم الفارسي ولا يدعون الميديين أن يستعيدوا حُكمهم من جديد. إذا كان كلاً من (أستياگ) و (قمبيز) كان يتمتع بِشعورٍ قومي عالٍ قبل 2500 سنة، فكيف يتمّ تبرير أعمال كلاً من أبي مسلم الخراساني الذي عاش قبل حوالي 1250 سنة وصلاح الدين الأيوبي الذي عاش قبل 800 سنة فقط؟ إنّه تبرير مرفوض.
كما أن هناك أسباب أخرى مهمة، مثل تخلّف الشعب الكوردي وعيشه في مجتمعٍ عشائري لِحدّ الآن وإغتصاب كوردستان من قِبل عدة دول، تتعاون فيما بينها للإستمرار في إحتلال كوردستان إستيطانياً ونهب ثرواتها وتخلّف الشعوب المُحتلّة لِكوردستان وثقافتها المبنية على الغزو والعنف والإنتقام. وقوع كوردستان بين الإمبراطورية الصفوية والعثمانية خلال فترة طويلة، هو سبب آخر لِعدم ظهور دولة كوردية في المنطقة.
[1]