ضرورة تحالفٍ إسرائيلي - كوردستاني لِخلق شرق أوسطٍ جديد (3)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5538 - 2017-06-1 - 19:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
في الحلقتَين السابقتَين تم الحديث عن التحديات التي تواجهها إسرائيل. تتضمن هذه الحلقة الأعمال الجبارة التي قام بها الإسرائيلين لحماية أنفسهم كشعب وصيانة دولة إسرائيل.
تتمتع إسرائيل بموقع إستراتيجي مهم، حيث تطل على البحر الأبيض المتوسط الذي، عن طريقه، تتواصل مع العالم الخارجي و تتصل به وتنفتح عليه، و تؤّمن طرق تجارتها و تمنحها موقعاً دفاعياً ممتازاً.
كما أن العقيدة اليهودية للإسرائيليين، تُمثّل مصدر قوة و إلهام للدفاع عن أرضهم التأريخية، التي تتحدث عنها التوراة، و الذود عنها و المحافظة عليها. كون إسرائيل مهداً للمسيحية و اليهودية و تواجد المسجد الأقصى فيها، تعطيها بُعداً آخراً لدفاع الإسرائيليين عن وطنهم للإحتفاظ بمقدساتهم. إن وجود مقدسات الديانات السماوية الثلاث على أرض إسرائيل، يجعلها قبلة للمصطافين و بالتالي تؤدي الى إنعاش الإقتصاد الإسرائيلي.
هجرة اليهود ذوي الثقافات المتنوعة، من مختلف بقاع العالم، و خاصة من الدول الغربية، الى إسرائيل قبل و بعد تأسيسها، أثْرَتْ الثقافة الإسرائيلية و ساهمت بشكل كبير في بناء إسرائيل و تقدمها و ديمومة وجودها، لا سيما العقول الغربية المهاجرة إليها، و التي كانت تملك الخبرة و المعرفة و الثقافة الليبرالية و الديمقراطية. في إعتقادي، لولا هذه الهجرات، ربما لم يكن أي وجود لدولة إسمها، إسرائيل، في يومنا هذا، بسبب الدين اليهودي المتزمت و التخلف الإجتماعي و الثقافي لليهود الأصليين في إسرائيل. حينذاك كان اليهود الشرقيون قد يؤسسون دولة ذات نظام شبيه بالأنظمة العربية الدكتاتورية المتخلفة التي نراها اليوم، إلا أن تلقيح الثقافة الشرقية اليهودية بالثقافات الغربية الليبرالية المتطورة، جعلت من إسرائيل دولة ديمقراطية متقدمة قابلة للحياة بالرغم من الظروف العصيبة التي عاشتها و لا تزال تعيشها.
قامت إسرائيل بتأسيس نظام سياسي ديمقراطي على غرار الأنظمة الديمقرطية في الغرب، لتأمين أمنها الوطني و توفير الرفاهية لشعبها و لخلق مجتمع حر، تتوفر له الشروط اللازمة للقيام بالإبتكار و الإبداع و الدفاع عن الوطن الذي هو دفاع عن مصالح مواطنيه. بينما إختار العرب أنظمة دكتاتورية تسحق الشعوب العربية و تضطهدها و تستعبدها و تستحوذ على ثروات بلدانها، فتصيب الكفاءة و روح الإبداع عند الإنسان العربي بالشلل و تدفعه الى الشعور بالغربة وهو في بلده و تقتل فيه روح الإنتماء الى الوطن والرغبة في الدفاع عن هذا الوطن.
كما أن الإسرائليين، رغم الحروب المستمرة مع العرب، إستطاعوا بناء دولة صناعية متطورة تكاد تضاهي التطور الصناعي و العلمي و التكنولوجي الحاصل في الدول الغربية المتقدمة. لو نتابع البحوث العلمية المنشورة في المجلات العالمية، نكتشف بأن إسرائيل تقف في قمة الدول التي تقوم بالأبحاث العلمية في مختلف المجالات. على سبيل المثال و ليس الحصر، العلماء الإسرائيليون ينشرون أعلى نسبة من البحوث العلمية في العالم، في مجال تطوير أشجار النخيل و الجِمال، رغم أن العرب يملكون أعلى نسبة من هاتين الثروتين في العالم و أن نفوس إسرائيل تبلغ حوالي 3٪ من نفوس العرب.
الإسرائيليون نجحوا أيضاً في بناء صناعة عسكرية متقدمة جداً، بحيث أصبحوا أقوى قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، و في الوفت نفسه، تُصدّر إسرائيل منتجاتها العسكرية الى العديد من دول العالم، من ضمنها الدول الغربية. كما أن إسرائيل بدأت تفكر بتأمين أمنها القومي، مباشرة بعد تأسيسها، حيث كانت محاطة و لا زالت بِدول معادية تريد إزالتها من الوجود و إلقاء شعبها في البحر ليصبح طُعماً للأسماك و الحيتان و كان العالم حينذاك منقسماً الى معسكرين متخاصمين، المعسكر الغربي و الشرقي، و يواجه حرباً باردة بين هذين الحلفين. في سنة 1959، أي بعد ولادة دولة إسرائيل بأحد عشر عاماً، قام الإسرائيليون بشراء عشرة أطنان من مادة اليورانيوم من النرويج لإنتاج أسلحة نووية. هذا يدل على أن قادة إسرائيل كانوا قد خططوا منذ إعلان دولة إسرائيل للتسلح بالسلاح النووي لردع أعداء إسرائيل و ضمان أمنها و وجودها. حسب المعلومات المتوفرة، فأن إسرائيل تملك حوالي 250 قنبلة نووية في الوقت الحاضر والتي تؤهلها لتهيمن على منطقة الشرق الأوسط و لتكون أيضاً إحدى الدول القوية في العالم. لو يطّلع القارئ على تأريخ حياة القادة الإسرائيليين، من أمثال بن غوريون و مناحيم بيغن و گولدا مائير و إسحاق شامير و اسحاق رابين و شمعون بيريز و آرئيل شارون و غيرهم، سيتعرف على النضال و الكفاح المريرَين اللذين قام بهما هؤلاء القادة بكل تفانٍ و إخلاص و نكران ذات و عمل جبار بلا كلل، من أجل تأسيس دولة إسرائيل و الدفاع عنها و تقدمها و تطورها. إذن إسرائيل القوية المتحضرة التي نراها اليوم، لم تظهر بالصدفة، و إنما هي ثمرة جهود جبارة للشعب الإسرائيلي و لقادته.
لم يكتفِ اليهود بترتيب البيت الإسرائيلي و تحصينه ضد الأعداء و العمل على بنائه و تطويره و توفير الرفاهية لأنفسهم، و إنما وضعوا إستراتيجية عالمية ذكية جداً للتحكّم بمراكز القوة و القرار في العالم. أصبحت الجاليات اليهودية في العالم، و خاصة في الدول الغربية، تسيطر على مفاصل الإقتصاد و الإعلام في العالم، بالإضافة الى المراكز و المعاهد الثقافية و العلمية و الإجتماعية. هذه الإستراتيجية العالمية الفريدة، منحت إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، نفوذاً لا مثيل لها في العالم، على السياسة العالمية و تحديد مسار هذه السياسة الى حد كبير. بهذا العمل الجبار، نجحت إسرائيل في تأمين أمنها الوطني و الحصول على مساعدات مالية و معنوية و سياسية سخية من الحكومات الغربية، و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، و من الجاليات اليهودية.[1]