ضرورة تحالفٍ إسرائيلي - كوردستاني لِخلق شرق أوسطٍ جديد (6)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5542 - 2017-06-05 - 21:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
أسباب التحالف الكوردي – الإسرائيلي
أ. الخلفيات الدينية والتأريخية للعلاقات الكوردية – الإسرائيلية
هناك جذور دينية وتأريخية تربط الشعبَين الكوردي والإسرائيلي وتعزز العلاقات بين الشعبَين وتدفعهما لِبناء تحالف إستراتيجي بينهما.
1. أسباب دينية:
قسم كبير من الكتاب المقدس اليهودي، التوراة يدوّن تأريخ أسلاف الكورد الميديين، بما فيه إسقاط الميديين للإمبراطورية الآشورية وتخليص اليهود من السبي والأسر الآشوري. تقول النبوءات في إرمياء: (وعندما يحين الوقت لتحقيق وعد الله لتدمير بابل، سيطلق الله ضعيفاً من المناطق الواقعة إلى الشمال من بابل) .هذه النبوءة تقول بأن الشعب الكوردي الضعيف حالياً سوف يُسقِط مملكة بابل. كما أن النبي أشعياء يدعو الميديين الى تحطيم مملكة بابل في سفره 13: 17-18 قائلاً: (هانذا أهيّجُ عليهم الماديين فتُحطم القسي الفتيان، ولا يرحمون ثمرة البطن ولا تشفق عيونهم على الأولاد). كما نقرأ في سفر إرميا 49: 34 كلمة الرب التي صارت إلى إرميا النبي على عيلام قائلاً: (وأجلبُ على عيلامَ أربع رياح من أربعة أطراف، وأذريهم لكلِ هذه الرياح ولا تكون أمة إلا ويأتي إليها منفيو عيلام وأرسل وراءهم السيف حتى أفنيهم). يجلب النبي إرميا في هذه الآية (أربع رياح) الى كوردستان وهي (تركيا وإيران والعراق وسوريا) التي تغتصب كوردستان وتمنع شعب كوردستان من تحرير وطنه وتأسيس دولة له، إلا أن النبي إرميا سيقضي على مغتصبي كوردستان أي أن اليهود سيدعمون الكورد في مواجهة مغتصبي كوردستان. كما أن التوراة تذكر بأن الأمة الكوردية المغلوبة على أمرها في الوقت الحاضر ستلعب دوراً محورياً في تغيير المنطقة.
يذكر التوراة أيضاً بأن نهرَي ايوفرات وحداقل (الفرات ودجلة) هما نهران يجريان في الجنة وهذا يعني بأن نهرَي دجلة والفرات اللذين ينبعان من كوردستان، هما نهران مقدّسان.
توجد في كوردستان مزارات أنبياء اليهود. من الأماكن الأثرية اليهودية الهامة في كوردستان هي مراقد بعض أنبياء اليهود الذين تذكر التوراة أسماءهم، مثل النبي (ناحوم) في مدينة (القوش) والنبي يونان (يونس) في مدينة نينوى القديمة والنبي (دانيال) في مدينة كركوك وتوجد في كوردستان معابد يهودية عديدة. كما يوجد في مدينة آمێدي ضريح (داود بن يوسف بن أفرام) المتوفي في سنة 1620 والذي يُدعى (إبن حران) وترقد الى جانبه زوجته (الست نجاد) وهما من أولياء اليهود، حيث يحج اليهود الى ضريحهما.
كانت في إقليم جنوب كوردستان الحالي مُرشدة دينية يهودية إسمها (أَسْنات) إبنة الحاخام (صموئيل) المولودة في سنة 1590 ميلادية والتي عاشت في كوردستان الى سنة 1670 ميلادية. تزوجت (أَسْنات) من الحاخام (يعقوب مزراحي) الذي كان مديراً لمدرسة دينية يهودية في آمێدي (العمادية) وكان أيضاً أستاذاً في هذه المدرسة. كانت (أَسْنات) لها إطلاع واسع في تفسير التوراة والتلمود. بعد وفاة زوجها، أصبحت مديرة المدرسة الدينية في آمێدي. ضريحها وضريح زوجها يرقدان في مدينة آمێدي، وهما مقدّسان عند اليهود وأنهما مزاران هامّان لهم.
يلعب الدين دوراً محورياً في حياة اليهود ولذلك ما جاء في التوراة والتلمود عن الميديين ومساعدة أسلاف الكورد الميديين لليهود في محنتهم، سواء بإستضافتهم في كوردستان أو إعادتهم الى وطنهم إسرائيل من قِبل الميديين وتنبؤات أنبيائهم وأوامرهم لليهود، تضع واجباً دينياً على عاتق اليهود بمساعدة الشعب الكوردي والتحالف معه لتحقيق أهداف الشعبَين.
2. أسباب تأريخية:
كانت سياسة الإمبراطورية الآشورية تجاه الأشخاص الذين يتمّ أسرهم من قِبلها، هي تشتيتهم في مناطق نائية منعزلة. عندما قامت الإمبراطورية الآشورية بِتحطيم مملكة يهوذا، قامت بِسبي السكان اليهود الى المناطق الجبلية في كوردستان، حيث يذكر الدكتور أحمد سوسة بأنّ الملك الآشوري شلمنصر الثالث (859 – 824 قبل الميلاد) أخضع الآراميين والفينيقيين وإسرائيل لحُكمه (الدكتور أحمد سوسة: حياتي في نصف قرن، صفحة 83). في حملةٍ عسكرية ثانية، قام بها الملك الآشوري (تجلات بلاشر الثالث) (746 – 727 قبل الميلاد) على مملكة إسرائيل، إستولى على كافة الأراضي الإسرائيلية بإستثناء (السامرة) وقام بِضم هذه الأراضي الى الإمبراطورية الآشورية ونقل سكانها اليهود الى المناطق الجبلية النائية في كوردستان وأحلّ محلهم سكّان من أقاليم آشورية أخرى. كما أنّ الملك الآشوري شلمنصر الخامس (727 – 722 قبل الميلاد) قام بِحملة عسكرية على مملكة إسرائيل وحاصر (السامرة). بعد وفاة الملك شلمنصر الخامس، أجلى قائد الجيش الآشوري حوالي 27290 يهودياً من إسرائيل وتم ترحيلهم الى المناطق الجبلية في كوردستان. قام الملك سنحاريب (705 – 681 قبل الميلاد) أيضاً بِحملةٍ عسكرية على مملكة يهوذا وقام بِترحيل 200 ألف يهودي من سُكّان هذه المدينة الى كوردستان.
في التوراة في سفر الملوك الثاني 1 : 17، يتم ذكرسبي اليهود من قِبل ملوك آشور ونفيهم إلى ميديا، مملكة أسلاف الكورد الميديين. يُظهر هذا السفر مدى التعايش الديني والإجتماعي بين الميديين الكورد والاسرائيليين اليهود.
تتحدث التوراة أيضاً عن ملكة اليهود (أستير) التي حكمت أجزاء واسعة من ميديا التي هي كوردستان الحالية. رفعت هذه الملكة مجد اليهود ولذلك خلدوها في فصل كامل أدرجوه ضمن أسفار التوراة، وأصبحت هذه الملكة من الوحي.
تقول التوراة في سفر الملوك الثاني 17: 6 ما يلي (في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك اشور السامرة، وسبى إسرائيل إلى آشور وأسكنهم في حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي). أهمية هذا النص التوراتي تكمن في تحديده لِحدود نواة دولة كوردستان.
بعد إستقرار اليهود المُرحّلين في كوردستان، قاموا ببناء قرى خاصة بهم وإنسجموا مع المجتمع الكوردي، بل أنّ قسماً منهم إعتنق الديانة اليزدانية التي كانت سائدة آنذاك في كوردستان. أخذ اليهود في كوردستان يمارسون أعمال الزراعة وتربية الحيوانات. في إقليم جنوب كوردستان الحالي، إنتشر اليهود في مدن آمێدي وكفري ودهوك وآكرێ (عقرة) وزاخو وبرواري باڵا وزيبار ودوسكي ومزوري وغيرها من المدن. عمل البعض من اليهود في كوردستان في صياغة الذهب والتجارة والحياكة وعمل قسم آخر منهم في مجال الزراعة وتربية المواشي.
بعد القضاء على مملكة آشور من قِبل الميديين والبابليين في سنة 612 قبل الميلاد، قام الميديون بإعادة المنفيين اليهود في مملكة ميديا الى وطنهم إسرائيل. هكذا فأن أعداداً كبيرة من الشعب اليهودي عاشوا في أحضان الكورد، مُعزّزين ومُكرّمين، إختلطوا بالكورد وإندمجت ثقافة وتأريخ الشعبَين. بعد زوال مملكة آشور، تمت إعادة الإسرائيليين المنفيين الى وطنهم. منذ تلك الحقبة التأريخية تتواصل العلاقات الإسرائيلية – الكوردية وتتعزز في مختلف الجوانب ويتعاطف الشعبان مع البعض.[1]