ضرورة تحالفٍ إسرائيلي - كوردستاني لِخلق شرق أوسطٍ جديد (7)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5551 - 2017-06-14 - 21:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
أسباب التحالف الكوردي – الإسرائيلي
ب. االتعرّض لِتهديدات مصادرها واحدة
في الحلقة السابقة، تمّ الحديث عن العلاقات التأريخية التي تربط الشعب الكوردستاني والإسرائيلي وقوة هذه العلاقات بين الشعبَين لأسبابٍ دينية. في هذه الحلقة نتكلم عن التهديدات التي يتعرض لها الشعبان والمتأتية من مصادر وجهات واحدة والتي تقتضي التحالف والتنسيق بين الشعبَين لِوضع إستراتيجية مشتركة متكاملة لِحماية أنفسهم وأمنهم الوطني.
1. العرب
الشعب الكوردي و الإسرائيلي يختلفان عن العرب إثنياً و ثقافياً و تأريخياً، بكونهما ينتميان الى قوميتين لهما لغتهما و ثقافتهما و تأريخهما الخاصة بهما. إضافة الى الإفتراق اللغوي و الثقافي و التأريخي، فأن الإسرائيليين يفترقون أيضاً عن العرب دينياً، بينما يفترق الكورد عن العرب عِرْقياً أيضاً، حيث أنهم ينتمون الى الأقوام الزاگروسية - الآرية، بينما ينتمي العرب الى الأقوام السامية. صحيح أن الكورد يشتركون مع العرب في الإنتماء الديني، حيث أن أكثرية الشعب الكوردي من المسلمين، الا أن غالبية الشعب الكوردي هم متسامحون و منفتحون دينياً، بِعكس العرب، حيث الإنغلاق و التزمّت و التطرف والإقصاء و العنف و رفض الشعوب والقوميات والأديان الأخرى.
الكورد و الإسرائيليون يشتركون معاً في التعرض للإبادة و الإضطهاد من قِبل العرب منذ بدء العرب بالقيام بغزواتهم الإسلامية و إحتلالهم للمنطقة. خلال الحكم العربي، حاول العرب طمس وإلغاء الهوية والشخصية والتأريخ و الثقافة الكوردية و الإسرائيلية و القضاء على لغتهما.
اليهود في الجزيرة العربية و اليمن تعرضوا للإبادة و الإستعباد و التهجير بظهور الدعوة الإسلامية و لذلك لا نرى أي وجود لهم في المملكة العربية السعودية و اليمن في الوقت الحاضر. إنهم تعرضوا أيضاً للإضطهاد في الدول التي إحتلها العرب من خلال إستغلال الدين الإسلامي. كما أنّ العرب لا يزالون لا يعترفون بِدولة إسرائيل ورغم العلاقات الدبلوماسية لِكلٍّ من مصر والأردن مع إسرائيل، فأن حصول أي إختلال في ميزان القوى لِصالح العرب، فأن العرب سيقومون بِإبادة الشعب الإسرائيلي.
بالنسبة للشعب الكوردي، خلال الإحتلال العربي لكورستان وبعد ترسيخ هذا الإحتلال الإستيطاني، تعرض الكورد للإبادة والقتل. يُحّدثنا التأريخ عن عمليات الأنفال التي قام بها القائد العربي الإسلامي أبو عبيدة الجراح خلال إحتلاله لكوردستان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث قام بأنفلة (قتل) أكثر من خمسة عشر ألف كوردي في مدينة جلولاء وحدها وقاموا بِسبي نسائهم ونهب ممتلكاتهم.
من هنا ندرك بأن الإسرائيليين و الكورد من ضحايا القمع العربي خلال أربعة عشر قرناً و يتعرضون للعداء و الكراهية من قِبل العرب، خلال حكمهم للمنطقة و يتعرض وجودهم للخطر بسبب عمليات الصهر العنصري و تعرض ثقافتهم للإلغاء و التشويش بسبب تحكّم العنصريين بمصيرهم خلال حقبة زمنية طويلة و نتيجة الفكر العنصري الذي يحملونه تجاه القوميات الأخرى و تجاه ثقافاتها و التهديدات الخطيرة التي يتعرض لها الشعبان في الوقت الحاضر من قبل أعدائهما الذين يتوعدونهما بالقضاء على وجودهما.
إذاً الشعب الكوردي و الإسرائيلي محاطان بالأعداء و يلتقيان في مواجهة نفس الأعداء و يشتركان في المصير و يتعرضان لنفس الأخطار و التحديات و تجمعهما هموم مشتركة. يريد العرب إلقاء الإسرائيليين في البحر وأنفلة الكورد وتعريبهم ويُسمّون كوردستان ب(إسرائيل ثانية).
المشكلة هي أعمق من عداء الأنظمة العنصرية العربية للشعبَين الكوردي و الإسرائيلي، حيث لو كان العداء يقتصر على الحكومات العربية لوحدها، لَكان التهديد الذي يتعرض له هذا الشعبان يزول بِزوال الأنظمة العربية الحالية وحلول أنظمة أخرى محلها، إلا أنّه بسبب الفكر الإسلامي الشمولي الذي يعشعش في عقول العرب وغسل أدمغتهم من قِبل الأنظمة العربية وتلقينهم وشحنهم بالكراهية و العنصرية و روح العنف و الإلغاء و إيهام هذه الشعوب بِالخطر الذي يُشكّله الشعبان الكوردستاني و الإسرائيلي، يجعل التهديد الذي يتعرض له هذان الشعبان تهديداً خطيراً، يستمر على المدى الطويل وهذه الحقيقة يجب أن يدركها الشعبان الإسرائيلي والكوردستاني ويضعان إستراتيجية مشتركة مبنية على أساس هذا الواقع.
الكورد و الإسرائيليون محاطون بالأعداء و لولا قوة إسرائيل و تفوقها على العرب بتبنيها نظاماً ديمقراطياً و بِسبب تقدمها العلمي و التكنولوجي و الإقتصادي و العسكري، لكان مصير الإسرائيليين الإلقاء في البحر و لأصبحوا طعاماً للأسماك في قيعان البحار منذ زمن بعيد. كما أنه لولا النضال الكوردستاني الدامي والتضحيات الكبيرة التي قدّمها شعب كوردستان في سبيل تحرره، لتعرض هذا الشعب العريق الآن الى الإبادة والزوال. هذه حقيقة يجب الإعتراف بها و عدم التهرب منها و أن لا نستمر في المجاملات و ترديد شعارات كاذبة عن الإخوة و الشراكة بين الكورد والعرب و بالتالي التفريط بحقوق شعب كوردستان بالإعتماد على أوهام الإخوة و الشراكة التي لا وجود لها على أرض الواقع و بالتالي دفع الكورد الى التهلكة و الفناء. أتساءل هنا في أية مدينة عربية أو تركية أو فارسية أو إسلامية خرجت مظاهرات إحتجاجية ضد قتل الكورد بالسلاح الكيمياوي في حلبجة و دفن 182 ألف كوردي أحياءاً في صحارى العراق خلال عمليات الأنفال؟. ربما يقول قائل بأن العرب و المسلمين تحكمهم حكومات قمعية و لم يتجرؤا على القيام بالتنديد بتلك الجرائم البشعة التي قل نضيرها في التأريخ. طيب، هل لم تكن بإستطاعة الجاليات العربية و الإسلامية المقيمة في الدول الغربية الديمقراطية تنظيم إعتصامات و مظاهرات ضد النظام البعثي العراقي دفاعاً عن ضحايا الكورد الأبرياء؟ في الوقت الذي كانت الطائرات البعثية تحوم فوق كوردستان و تقوم بإلقاء سمومها على سكان حلبجة الآمنين، كان ملوك و رؤساء الدول الإسلامية مجتمعين في الكويت حيث كانوا يشاركون في المؤتمر الإسلامي الذي كان منعقداً هناك دون أن يرفعوا صوتهم دفاعاً عن شعب كوردستان المنكوب ذي الأكثرية المسلمة، بل سكتوا سكوت الأموات عن تلك الكارثة الإنسانية، بينما قام أكثر من عشرين ألف إسرائيلي بمظاهرة حاشدة في تل أبيب، ينددون بجريمة قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية و يعلنون مواساتهم لشعب كوردستان.
2. إيران
بعد الثورة الخمينية الطائفية في إيران، إتخذ النظام الإيراني موقفاً مُعادياً لإسرائيل وأخذ يهدد بإزالة إسرائيل من الوجود. كما أنه بدأ هذا النظام بِنشر نفوذه في كلّ من سوريا ولبنان والعراق بعد إختفاء النظام البعثي فيه في سنة 2003 ميلادية، حيث أنه يتدخل في الوقت الحاضر عسكرياً بِشكلٍ مباشر في هذه الدول الثلاث. في لبنان، يقدّم النظام الإيراني المال والسلاح والتدريب العسكري لِميليشيات حزب الله الشيعي الذي قواته تجاور الحدود الإسرائيلية – اللبنانية و في سوريا، تشترك القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية عراقية وأفغانية و پاكستانية وغيرها في الحرب الأهلية السورية لِحماية النظام السوري الموالي لإيران. كما أن مستشارين إيرانيين وقوات إيرانية متواجدة في العراق للحفاظ على الحُكم الشيعي في هذا البلد. تمدّ إيران منظمة حماس الفلسطينية في قطاع غزة بالمال والسلاح والخبرات العسكرية للإستمرار في حربها ضد إسرائيل. الهدف الإيراني هو خلق منطقة نفوذٍ إيرانية على شكل هلالٍ، تمتد من إيران وتَمرُّ بالعراق وسورية وتنتهي في لبنان. خلق مثل هذا الهلال يُشكّل تهديداً خطيراً للأمن الوطني الإسرائيلي. كما أنّ إيران تحاول صُنع أسلحة نووية وبنجاحها في هذا المسعى، ستُهدد الوجود الإسرائيلي. الخطر الكبير لإيران يكمن أيضاً في قيام نظامها بِغسل أدمغة الإيرانيين وغرس الفكر الطائفي الشيعي فيهم وكراهية إسرائيل والغرب وبذلك تتم تعبئة فكرية شعبية ضد إسرائيل والتي تُشكّل تهديداً لإسرائيل الذي يدوم لأجيالٍ عديدة بسبب بطء التغيرات الفكرية والإجتماعية التي تحصل في المجتمعات البشرية.
بالنسبة الى الخطر الإيراني على شعب كوردستان، كما هو معروف فأنّ إيران تحتل شرقي كوردستان وتحاول بكل الوسائل منع إستقلال جنوب وغرب كوردستان اللَذين يتمتعان في الوقت الحاضر بِفرصة تأريخية ليتحرر هذان الجزءان من كوردستان من الإحتلال الإستيطاني العراقي والسوري على التوالي. كما أنّ إيران تتعاون وتُنسّق مع النظام التركي و السوري والعراقي لِمنع تحرر أي جزءٍ من أجزاء كوردستان المُغتصَبة وتقوم بِقتل وإعدام المواطنين الكوردستانيين في إقليم شرق كوردستان الذين يناضلون من أجل تحرير شعبهم ووطنهم.
3. تركيا
رغم أنه منذ تأسيس تركيا الحديثة، بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، تتمتع تركيا بنظامٍ علماني، إلا أنه رغم مرور حوالي 100 سنة على ذلك، فأنّ المجتمع التركي لا يزال مجتمعاً إسلامياً. حُكم حزب العدالة والتنمية لتُركيا في الوقت الحاضر، الذي هو حزب إسلامي، يُشير بِوضوح الى تمسك أكثرية الشعب التركي بالفكر الإسلامي وتأييده للإسلام السياسي. كما أنّ الأتراك لا يزالون يعيشون في وهم التوسع والإحتلال وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. الفكر الإسلامي المُعادي لإسرائيل وطموح تركيا في أن تصبح قوة إقليمية كبرى وتعاونها مع الأنظمة العربية والإسلامية وإنتشار التطرف الديني في تركيا ومساعدة الحكومة التركية للمنظمات الإرهابية الإسلامية، كلها يؤثر سلباً على مناعة الأمن الوطني الإسرائيلي ويُضعضع الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
كوردستانياً، تحتل تركيا إستيطانياً شمال كوردستان الذي هو أكبر جزءٍ مُغتصَبٍ من كوردستان وتقوم تركيا بِتتريك الكورد وتتريك الأراضي الكوردستانية وتهجير المواطنين الكوردستانيين من قراهم ومدنهم وإلغاء الهوية الكوردستانية لِسكان إقليم شمال كوردستان وإلغاء اللغة الكوردية والتأريخ والتراث الكوردي وسرقته. كما أنّ الأتراك يعلنون بأنهم يمنعون قيام دولة كوردستان حتى لو تم تأسيسها في كوكبٍ آخر.
4. الأنظمة الإسلامية
نظراً للفكر الإسلامي المتزمت والمتطرف و دكتاتورية معظم الأنظمة الإسلامية و نظراً للمصالح الإقتصادية التي تربط هذه الأنظمة بالأنظمة العربية الغنية، فأن الإسلاميين في هذه الدول يساندون الأنظمة العربية و يعادون الشعب الكوردي و الإسرائيلي. كما أن إنتشار الفكر الإسلامي المتطرف بين المجتمعات الإسلامية، يقود الى إنكار الحقوق الوطنية والقومية لشعب كوردستان ويقود أيضاً الى معاداة إسرائيل وإنتشار الإرهاب وعدم الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة و في العالم بِصورة عامة.
هكذا نرى بأنّ التهديدات التي تواجهها إسرائيل وكوردستان تأتي من نفس المصادر والجهات ولذلك فأنّ مواجهة هذه التهديدات المشتركة تتطلب تحالفاً بين الشعب الكوردستاني والإسرائيلي للتصدي لها لِحماية الأمن الوطني للشعبَين وضمان مستقبل الأجيال القادمة لهما.[1]