ضرورة تحالفٍ إسرائيلي - كوردستاني لِخلق شرق أوسطٍ جديد (11)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5595 - 2017-07-29 - 20:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
هل ينجح الإسلام السياسي في إستلام الحُكم في كوردستان ويُشكّل خطراً على الأمن الوطني الإسرائيلي؟
ندرس في هذه الحلقة مدى إمكانية نجاح الأحزاب السياسية الإسلامية في إستلام الحُكم في كوردستان وتشكيلها تهديداً للأمن الوطني الإسرائيلي، حيث أن الحُكم الإسلامي سيؤدي الى تحفُّظ إسرائيل على إقامة حلف إستراتيجي مع كوردستان.
نسبة الكوردستانيين المسلمين مُبالغ بها كثيراً، حيث أن نفوسهم تبلغ حوالي 68% من نفوس كوردستان. لِنحتكم الى الأرقام لمعرفة العدد الحقيقي لنفوس الكوردستانيين المسلمين وغير المسلمين، حيث تبلغ نفوس الهلاويين (العلويين) الكورد حوالي 8 ملايين نسمة و تُقدر نفوس الإيزيديين بحوالي 2 مليون نسمة و اليارسانيين بِحوالي 4 ملايين نسمة والمسيحيين بحوالي 2 مليون نسمة، بالإضافة الى الشبك و الزردشتيين وغيرهم. يصبح مجموع الكوردستانيين غير المسلمين 16 مليون نسمة. بتقسيم هذا العدد على 50 مليون (نفوس كوردستان) تصبح نسبتهم 32% من نفوس شعب كوردستان، أي أن المسلمين الكورد نسبتهم حوالي 68% من نفوس كوردستان.
من جهة أخرى، يتألف المسلمون من الشيعة والسُنة، حيث تُقدّر نفوس الكوردستانيين الشيعة حوالي 4 ملايين نسمة، أي 8% من نفوس كوردستان وبذلك تكون نفوس الكوردستانيين السُنّة 60% فقط من نفوس كوردستان. هكذا نرى بأن السُنة لا يُشكلون غالبية شعب كوردستان كما يتم تداوله، بل يُشكلّون الأكثرية.
كما أن غالبية شعب كوردستان هم علمانيون، سواء المسلمون أو غير المسلمين و نتائج الإنتخابات في جنوب كوردستان تؤكد على ذلك، حيث أن مجموع المقاعد الپرلمانية التي حصل عليها الإسلاميون هو 10 مقاعد فقط من مجموع 100 مقعد، أي أن الأحزاب السياسية الإسلامية فازت بِنسبة 10% فقط من مجموع المقاعد الپرلمانية.
نقطة مهمة أخرى حول الإسلام السياسي في كوردستان، هو أن صعود موجة الإسلام السياسي والإرهابي في المجتمعات الإسلامية ناتج عن فترة الحرب الباردة التي خلالها قامت الدول الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس أو تشجيع مجاميع وأحزاب إسلامية متطرفة للوقوف بِوجه المد الشيوعي الذي كان يمثله الإتحاد السوفيتي السابق. من الأمثلة على ذلك هي قيام المخابرات الأمريكية بِتأسيس منظمة القاعدة الإرهابية بِزعامة أسامة بن لادن لمحاربة السوفييت في أفغانستان. مثال آخر على دور الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى في ظهور الإسلام السياسي والتطرف الديني هو تخلّي الغرب عن شاه إيران والإتيان بالخميني لتشكيل نظام إسلامي شيعي للوقوف ضد الإتحاد السوفيتي المُلحِد، حيث كان الإتحاد السوفيتي آنذاك له حدود مشتركة مع إيران.
إزدهر المد الإسلامي أيضاً نتيجة لإستيلاء العسكر على الحكم في كثير من الدول ذات الأكثرية المسلمة، مثل مصر وسوريا والعراق والسودان واليمن وباكستان وغيرها وبتدبير وتشجيع من كلّ من حلف الأطلسي وحلف وارشو للحصول على النفوذ في المنطقة ومحاولة كل طرف أن يتغلب على الطرف الآخر. هذا الصراع إنتهى بِفوز المعسكر الغربي وتفكيك الإتحاد السوفيتي وإنهيار النظام الشيوعي. هذه الحكومات الدكتاتورية الشمولية التي كانت تدّعي تبنّي النظام العلماني، قامت بإضطهاد شعوبها وقمعها وزجّها في حروب مدمرة.
إستغل الإسلام السياسي فشل حُكم الأنظمة الدكتاتورية والشمولية المُدّعية بالعلمانية وحصول فراغ في الساحة السياسية لهذه الدول، فقدّم الإسلام السياسي نفسه كبديل لهذه السلطات الدكتاتورية الفاشلة وكمُنقِذ للشعوب المسلمة وحلّ لمشاكلها. جاء الإسلام السياسي الى الحُكم في إيران وأفغانستان والعراق يحكم بإسم السماء، ففشِل فشلاً ذريعاً في إدارة هذه الدول وإنقاذ شعوبها من الحروب والدمار والفقر والمرض وخلق أنظمة دكتاتورية شمولية، تضطهد شعوبها وتمنع عنها الحرية وتحرّمها من أبسط حقوقها وتفتقر الى أبسط مقومات الحياة وتقوم بِزجها في حروب عبثية وإذلالها وإفقارها. هكذا فشل الإسلام السياسي أيضاً ونجمه بدأ بالأفول تدريجياً.
العولمة والإنترنت والفضائيات والموبايل أحدثت ثورة كبرى في حياة الإنسان وجعلت من الكرة الأرضية مجرد قرية صغيرة، سكانها في إتصال مباشر مستمر مع البعض وتتبادل المعلومات بسهولة وسرعة كبيرة. لذلك فأن هذه الثورة التكنولوجية والمعلوماتية ستؤثر على وعي وثقافة ومعتقدات البشر على سطح الكوكب الأرضي وتفضح الأساطير والأوهام وتُنهيها وتنشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان والشجر والنبات وإحترام التعددية والإختلاف وقبولهما وجعل الدين علاقة شخصية روحية بين الإله والإنسان وتُنهي إدّعاءات الدجّالين بأنهم وكلاء الله في الأرض، يستغلون البشر لِكسب الشهرة والسلطة والمال وإستعبادهم والتحكّم بحياتهم ومصيرهم ومستقبلهم. إذاً يلوح في الأفق مستقبل مشرق للبشرية على كوكبنا الأرضي وكلما تمضي الأيام، كلما تزداد عقول البشر عِلماً ومعرفة وتزداد قلوبهم توهّجاً ونوراً ورحمةً وحُبّاً.
شُعاع هذه الثورة الإنسانية يتنعّم به شعب كوردستان أيضاً، حيث أنه رغم كون أكثرية مواطني كوردستان مسلمين، إلا أن شعب كوردستان هو شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية. إنه شعب غير متزمتٍ دينياً ولا عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم. هكذا فأنه سيُشكّل جزءاً من الشعوب التي تتبنى الديمقراطية وتسلك طريق الحرية.
للأسباب الآنفة الذكر أعلاه، فأن المجتمع الكوردستاني يسير بِخطى سريعة وحثيثة نحو القيم والمبادئ الديمقراطية ومواكبة العصر واللحاق بالشعوب المتحضرة والمتقدمة والمتطورة وإختصار الوقت للتعويض عن الحرمان الذي عانى منه والخلاص من المعوقات التي منعته من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإنسانية، وكيف لاء؟ فأن كوردستان هي مهد الحضارات وأن الأسلاف العظام للشعب الكوردي كانوا من روّاد بُناة الحضارة البشرية وأن أحفادهم سيتبعون خطاهم ويضيفون الى إنجازات وإبداعات أسلافهم المزيد من الإبداع والإكتشاف وتقديم الخدمات الإنسانية. لذلك لا خوف على المجتمع الكوردستاني أن يصبح مجتمعاً مُغلقاً وعنيفاً، ولا هناك فرصة للإسلام السياسي أن يُعشعش فيه وينمو، بل يوماً بعد آخر يُقبّل هذا الشعب العريق أشعة الشمس ويأخذ منها النور والدفئ والحرارة والحب. هكذا سيقوم شعب كوردستان بتأسيس دولة معاصرة في منطقة الشرق الأوسط، تكون حليفة إستراتيجية لإسرائيل وللدول الديمقراطية الأخرى في العالم ويصبح طرفاً أساسياً في دمقرطة الشرق الأوسط الكبير.[1]