ضرورة تحالفٍ إسرائيلي - كوردستاني لِخلق شرق أوسطٍ جديد (15)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017-09-17 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الشعب القبطي
نستمر في هذه الحلقة بِنشر نبذات مختصرة عن الشعوب المُستعمَرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في هذه الحلقة يتم الحديث عن الشعب القبطي.
الإسم
الكلمة العربية (قبط) هي تعريب للكلمة القبطية (گِپْتياس)، المأخوذة من الكلمة اليونانية (أَيْگُپْتيوس Αιγύπτιος). كلمة (أيْگُپْتوس Αίγυπτος) هي الإسم اليوناني لِأرض وشعب مصر، والذي قد يكون متأتياً من حوط كا بتاح الهيروغليفية التي هي أرض روح الإله (بتاح) الذي كان إله العاصمة المصرية القديمة منف (ممفيس). بِمرور الزمن تمّ إستبدال بعض حروفه، فأصبح (هكاتباه). خلال الحُكم الإغريقي لِمصر، قام الإغريق بتحوير الإسم بما يتلاءم مع تلفظهم للحروف اليونانية ومنها إستبدال الهاء بالألف، وإضافة الواو والسين، وهما لازمتان لِجميع أسماء العَلَم في اللغة اليونانية. نتيجة هذا التحوير تحوّل الإسم الى (إيجيبتوس) (باليونانية Αιγύπτιος).
هكذا فأن إسم (الشعب القبطي) متأتي من إسم (أرض مصر) و (الشعب المصري). كانت كلمة (قبط) تدل على أهل مصر دون أن يكون للمعتقد الديني أية علاقة بِهذا الإستخدام، إلا أنه بسبب كون السلطة كانت بأيدي أصحاب الديانة المسيحية عند إحتلال العرب المسلمين لِمصر، لذلك إكتسب الإسم بُعداً دينياً تمييزاً للمسيحيين عن غيرهم، بحيث أصبحت كلمة (قبطي) بِمرور الزمن تقتصر على الإشارة للمسيحيين فقط.
الأصل
الأقباط هم احفاد المصريين القدماء والفراعنة وهم شعب من شعوب البحر الأبيض المتوسط التي إستوطنت مصر منذ أكثرمن 6000 سنة، حيث تُظهِر البحوث الحديثة بأنّ الأقباط شعب أبيض من شعوب البحر الأبيض المتوسط، حيث أنّ الأقباط الى الآن يحافظون على قسمٍ من ميزات العنصر المصري الأصيل وأنهم يحتفظون أيضاً بِالسحن المصرية القديمة. يرى علماء الأجناس أن مقاييس الرأس والقامة للأقباط تكاد تكون مشابهة تماماً للمومياء المصرية القديمة ولِهياكل العظام المُكتشَفة في مصر والعائدة للشعوب التي عاشت هناك في العصور القديمة.
النفوس
تُشكّل الأقباط في الوقت الحاضر أغلبية الشعب المصري، حيث تُقدّر نسبتهم بِحوالي 98% من مجموع سكان مصر (مسيحيين ومسلمين) وأنّ العناصر الأجنبية المستوطنة في مصر مثل أروام ورومان وعرب وكورد وشراكسة وأتراك، تشكّل 2% من مجموع سكانها، والذين إستقروا في مصر نتيجة الغزوات التي تعرضت لها مصر والهجرات التي حدثت إليها (الدكتور جمال رشيد (1975-1984): موسوعة شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان – القاهرة، مصر). هكذا فأنّ الغالبية المطلقة من الشعب المصري هم أقباط، إلا أنّ قسماً كبيراً منهم تمّ إجبارهم على إعتناق الدين الإسلامي بعد الغزو العربي – الإسلامي لِمصر وتمّ تعريبهم بِمرور الزمن، حيث أن الغالبية العظمى من عرب مصر هم في الحقيقة أقباط مستعرَبون. هكذا يُطلَق اليوم على مسيحيي مصر لِوحدهم (الأقباط) ولذلك فأنّ هذه الدراسة تُركّز على مسيحيي مصر المحافظين على قوميتهم القبطية والذين لم يستعربوا.
تجمع معظم الإحصاءات على أن نسبة المسيحيين بمصر هي حوالي 10% من إجمالي عدد سكان مصر، أى حوالى 8 ملايين نسمة، إلا أنه، إعتماداً على سجلات الإفتقادات الكنسية، أعلن البابا (شنودة الثالث) بأنّ عدد المسيحيين يُقدّر بأكثر من 12.7 مليون نسمة داخل مصر، بالإضافة الي 2 مليون قبطي يعيشون خارج مصر ويتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُقدّر تعدادهم هناك بِحوالي 900 ألف نسمة. كما أن قسماً آخراً منهم يعيشون في كندا وأستراليا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا ونيوزيلاندا وإيطاليا واليونان، بالإضافة الى أقباط النوبة والسودان وليبيا وإثيوبيا. من جهة أخرى، حسب تقدير وكالة الإستخبارات الأمريكية (CIA)، تبلغ نسبة المسيحيين حوالي 9% من تعداد سكان مصر أي 7.2 مليون نسمة. من خلال هذه الإحصائيات يمكن تقدير نفوس الأقباط في مصر بِحوالي 8 ملايين نسمة وأن المجموع الكلي لِنفوسهم في العالم يزيد عن 10 ملايين نسمة.
كانت أغلبية سكان السودان مسيحيين الى أن تمّ إحتلالها إستيطانياً في القرن السابع الميلادي من قِبل العرب المسلمين. بعد هذا الإحتلال، إستمر النوبيون المسيحيون من أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يُشكّلون جزءاً كبيراً من سكان السودان حتى القرن التاسع عشر الميلادي الى أن تمّ إجبارهم على إعتناق الدين الإسلامي في ظل الثورة المهدية (1881-1898 ميلادية). بعد إستقلال جنوب السودان، ذي الغالبية المسيحية في عام 2011 ميلادي، إنخفضت نسبة المسيحيين في السودان الى 1.5% من السكان (مصدر 1).
اللغة
اللغة القبطية هي إمتداد للغة المصرية القديمة، حيث كانت اللغة المصرية القديمة لغة الكتابة والتخاطب في مصر إلي أن إستولى الأسكندر المكدوني على مصر وعندئذٍ أخذ المصريون يكتبون باللغة اليونانية، إلا أنّ اللغة المصرية القديمة لا تزال يتم إستعمالها في الكتابات الدينية والشعبية.
منذ الإحتلال المكدوني لِمصر الذي دام لِفترة طويلة جداً بلغت 970 سنة (سنة 330 قبل الميلاد - سنة 640 ميلادية) (مسز أ. ل. بتشر (1897): تاريخ الأقباط)، بدأ إستعمال اللغة اليونانية وأخذت هذه اللغة تصبح اللغة السائدة في مصر، بينما أخذ إستعمال اللغة المصرية القديمة (اللغة الديموطيقية) بالتراجع. كان المصريون يفضلون تعلّم اللغة اليونانية على اللغة الديموطيقية لما فيها من سهولة، ولذلك أخذوا يقومون بِتدوين لغتهم المصرية بِحروف يونانية، حيث بعد جهود كبيرة نجحوا في كتابة اللغة المصرية الدارجة بِحروف يونانية، وإستعانوا ببعض الحروف الديموطيقية لِسد النقص الصوتي في الأبجدية اليونانية. في هذا الصدد يذكر عالِم اللغات القبطي (أنطون ذكري) بأن الإمبراطور (ثيودوس) قام في سنة 389 ميلادية بِتحريم الديانة المصرية الوثنية وأمر بِغلق الهياكل وأصبحت الديانة الأرثوذكسية هي الديانة الرسمية للحكومة وبذلك إختفت الكتابة الهيروغليفية والديموطيقية (أنطون ذكري (2003): مفتاح اللغة المصرية القديمة وأنواع خطوطها وأهم إشاراتها ومبادئ اللغتين القبطية والعبرية. الطبعة الأولى، دار الآفاق العربية، صفحة 120). لذلك إقتبس سكان مصر الحروف الهجائية اليونانية وأضافوا لها سبعة حروف من اللغة المصرية الديموطيقية لعدم وجود ما يماثلها لفظياً في الأبجدية اليونانية) (مسز أ. ل. بتشر (1897): تاريخ الأقباط).
أصبحت المسيحية ديانة المصريين بعد إنتهاء عصر الفراعنة، إلا أنّ هيمنة الكنيسة القبطية على مصر شهد تراجعاً كبيراً بعد سيطرة المسلمين عليها من خلال الإحتلال الإسلامي العربي لِمصر الذي حصل في سنة 640 ميلادية. خلال حُكم الوليد بن عبد الملك للدولة الأموية وولاية واليه على مصر عبد الله بن عبد الملك، تمّ في سنة 705 أو 706 ميلادية إصدار أمر بإستخدام اللغة العربية كلغة رسمية في الدواوين الحكومية. حينئذٍ أصبح إستعمال اللغة القبطية ينحصر في الأديرة فقط.
الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله المنصور (985 – 1021 ميلادية) أصدر أوامر بِمنع إستخدام اللغة القبطية وكذلك منع التكلم باللغة القبطية في صلوات الكنائس والمراسيم الدينية القبطية و في الشوارع والأسواق وغيرها من الأماكن العامة. بعد مُضي أقل من مائة سنة من الحكم الفاطمي، إختفت اللغة القبطية في المدن والبلدات و الأرياف، وإضطر الأقباط أن يقوموا بِتلاوة الصلوات بإستخدام كلماتٍ غير مفهومة.
تمّ إستعمال اللغة القبطية وكتابة آدابها في أواسط القرن الثالث الميلادي. إزدهرت اللغة القبطية إزدهاراً كبيراً في القرن الرابع والخامس والثامن الميلادي. منذ القرن الثاني عشر الميلادي، أخذت الكتابة القبطية تظهر بالقبطية والعربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي. بعد هذا التأريخ تمّ منع إستخدام اللغة القبطية في مصر وتمّ إستبدالها باللغة العربية. في منتصف القرن التاسع عشر، إزدهرت اللغة القبطية من جديد، حيث نبغ فيها كثير من الكُتّاب والشعراء.
كما أنه برزت شخصيات قبطية كثيرة معروفة عالمياً، مثل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة (بطرس بطرس غالي) وجرّاح القلب (سير مجدي يعقوب) والمهندس المدني الريادي (هاني عازر) والملياردير (فايز صاروفيم) و رئيس أوراسكوم (نجيب ساويرس).
التاريخ
الأقباط هم أحفاد الفراعنة. في منتصف القرن الأول الميلادي دخلت المسيحية الى مصر عن طريق القديس (مار مرقس)، الذي كان له الدَور الأبرز في التبشير بالمسيحية في مصر. دخلت المسيحية الى مصر خلال فترة حكم الحاكم الروماني (نيرون) في القرن الأول أي بعد ما يقارب 20 سنة من صعود المسيح.
في سنة 630 ميلادية إحتل الساسانيون مصر لفترة قصيرة، إلا أنه في نفس السنة إستطاع المكدونيين أن يطردوا الساسانيين من مصر ويستعيدوا سيطرتهم عليها من جديد.
منذ سنة 641 ميلادية تخضع مصر للإحتلال الإسلامي العربي الإستيطاني، حيث تمّ غزو مصر من قِبل القوات الإسلامية العربية بقيادة عمرو بن العاص في عهد حُكم عمر بن الخطاب (مسز أ. ل. بتشر (1897): تاريخ الأقباط).
في عصر مؤسس مصر الحديثة، (محمد علي باشا) الذي إستلم الحكم في سنة 1805، عاش الأقباط في ظل سياسة التسامح وروح المساواة بين جميع المصريين، حيث قام محمد علي بإلغاء قيد الزي الذي كان مفروضاً على الأقباط في العصور السابقة وألغى كذلك القيود التي كانت مفروضة على ممارسة الأقباط لِطقوسهم الدينية [الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني (2004): وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها – من بعد الآباء الرسل حتى الإنتداب البريطاني على مصر (منذ عام 150مالى عام 1882م). طبعة ثانية منقحة، صفحة 367-368)]. كان محمد علي أول حاكم مسلم منح الموظفين الأقباط رتبة البكوية وإتخذ له مستشارين من الأقباط [الدكتور جاك تاجر (1951): أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي الى عام 1922 م. كراسات التاريخ المصري القاهرة، صفحة 232-233].
في عصر سعيد باشا (1854-1863) إستمرّ روح التسامح الديني والمساواة بين المسلمين والأقباط. قام هذا الحاكم بتطبيق قانون الخدمة العسكرية على الأقباط وألغى الجزية التي كانت مفروضة عليهم، حيث دخل الأقباط لأول مرة في سلك الجيش والقضاء.
عاش الأقباط في عهد الخديوي إسماعيل باشا (1863-1878) تحت حُكم من التسامح والمساواة، حيث ترشّح الأقباط في إنتخابات أعضاء مجلس الشورى وتمّ تعيين قضاة أقباط في المحاكم. كما أن الخديوي إسماعيل هو أول حاكم طلب رتبة الباشوية لِرجل مسيحي، حيث شغل كثير من الأقباط في عصره مناصب عالية، على سبيل المثال، شغل القبطي (واصف باشا) وظيفة كبير التشريفات (الدكتور جاك تاجر (1951): أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي الى عام 1922 م. كراسات التاريخ المصري القاهرة، صفحة 241).
المصادر
1. Religion in Sudan according to the CIA World Factbook
2. http://st-takla.org/books/pauline-todary/coptic-language/index.html
[1]