مشروع -الأمة الديمقراطية- والقضية الكوردستانية
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5498 - 2017-4-21 - 02:08
المحور: القضية الكردية
الفكر الوطني الكوردستاني (9)
مشروع الأمة الديمقراطية والقضية الكوردستانية
في البداية أود أن أذكر بأنني غير منتمي الى أي حزبٍ سياسي وإنتمائي هو فقط لِشعبي الكوردستاني وأقف بمسافة واحدة من كل الأحزاب الكوردستانية وتقييمي لِأداء هذه الأحزاب يتم على ضوء مدى توافق أدائها مع المصالح العليا لشعب كوردستان. لذلك فأن نقدي لأي حزب لا ينطلق من مواقف شخصية ولا يهدف الى الإساءة لأحد أو أي تنظيم سياسي وإنما يهدف الى خدمة شعب كوردستان وتحريره من الإحتلال والتبعية.
ضمن هذه السلسلة من المقالات، كنتُ مخصصاً المقال السابق فقط للحديث عن مشروع الأمة الديمقراطية الذي يتبناه حزب العمال الكوردستاني، إلا أنه من خلال ردود الأفعال الواسعة التي قوبل بها المقال المذكور وبروز آراء كثيرة حوله، والتي تعنينا منها هنا هي الآراء المؤيدة لهذا المشروع، أرى أن الموضوع يحتاج الى مزيد من التقييم والتحليلات لأنه عبارة عن إستراتيجية سياسية، مدعومة عسكرياً، يتبناها حزب كوردستاني كبير، له جماهير كبيرة وكذلك فأن هذا المشروع له تأثير كبير على النضال التحرري الكوردستاني وعلى مستقبل شعب كوردستان.
من جهة ثانية، كمواطن كوردستاني وكاتب ومثقف، أرى أن من صميم واجبي أن أبدي رأيي حول هذا المشروع وموقفي منه، حيث أنه تقع على عاتق النخبة الكوردستانية مسئولية وطنية كبرى لتوعية الجماهير الكوردستانية ووضع إستراتيجيات تحرير كوردستان وتوحيدها وبنائها وتقدمها ولتحقيق حرية شعب كوردستان ورفاهيته والدفاع عن مصالحه بلا هوادة. القلم الكوردي الذي لا يدافع عن مصالح شعب كوردستان ولا يساهم في خدمة البشرية جمعاء، يجب على صاحبه أن يكسره وينزوي ويختفي عن الأنظار ويخلي الساحة الثقافية لأصحابها الملتزمين بالمبادئ والقيم الإنسانية والذين لا يجاملون ولا يساومون على مصالح شعب كوردستان، لا تغريهم الثروة والسلطة ولا يهابون المخاطر التي قد تهددهم بسبب تمسكهم بمبادئهم وقيمهم الوطنية والإنسانية.
للسببَين المذكورَين أعلاه، ها أعود مرة أخرى الى الحديث عن مشروع الأمة الديمقراطية، هذا المشروع الغريب جداً الذي ظهر في السنين الأخيرة والذي يضع على عاتق شعب كوردستان مسئولية تغيير ودمقرطة شعوب الشرق الأوسط، بل ربما شعوب العالم وجعلها بقُدرة قادر شعوباً متآلفة ومتحضرة بل مثالية كما الآلهة.
أود أن أذكر بأن مشروع الأمة الديمقراطية ليس مشروعاً جديداً أو فكرة جديدة أتى به حزب العمال الكوردستاني. مشروع دمقرطة بلدان الشرق الأوسط وإقامة سوق شرق أوسطية مشتركة أو تأسيس إتحاد كونفدرالي بين شعوب المنطقة، تمّ إقتراحه من قِبل الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون پیریز، حيث أنه، بالإشتراك مع السيد اريي نائور، أصدرا في سنة 1993 كتابهما الشهير المعنون (الشرق الأوسط الجديد) والذي تمّت ترجمته الى أكثر من ثلاثين لغة. كما أنّ وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، السيد هنري طرح هذه الفكرة أيضاً. بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وتفرّد أمريكا في قيادة العالم، تبنت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير ولا يزال هذا المشروع قائماً. الفرق الوحيد بين مشروع حزب العمال الكوردستاني والمشروع الغربي – الإسرائيلي هو أن مشروع الأمة الديمقراطية يُحمّل شعب كوردستان إنجاز هذه المُهمّة الكبرى، بينما الدول الغربية وإسرائيل تريد القيام بنفسها بهذا العمل، وبالطبع هناك إختلاف بين الفريقَين في الوسائل المستخدمة لتحقيق مشروعهما وأهدافه.
الآن لِنستعرض العوامل التي تجعل هذا المشروع مشروعاً خيالياً، بعيداً جداً عن الواقع.
الظروف الذاتية الكوردستانية
شعب كوردستان، وطنه مُغتصَب من قِبل عدة دول، وهو يعيش حياة العبودية في الدول المُغتصِبة لكوردستان ويفتقد الى كيان سياسي وأنه مُحارَب ومُحاصَر من قِبل الدول المُغتصِبة لكوردستان و أحزابه السياسية في تحارب وتخاصم فيما بينها وموزعة على خندقَين إقليمييَن متعادييَن، هما الخندق السُنَي الذي يضم السعودية وتركيا وتوابعهما والخندق الشيعي الذي يضم إيران والنظام السوري والقسم الأعظم من الحكومة العراقية الشيعية. كما أن الأحزاب الكوردستانية مقسّمة أيضاً بين المحورَين العالمييَن الأمريكي والروسي، المتنافسَين على النفوذ والمصالح في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة الى هذا كله، فأن صاحب المشروع هو حزب مُسجّل كحزب إرهابي من قِبل الدول الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بمصير سكان كوكبنا الأرضي في الوقت الحاضر.
الظروف الذاتية لشعوب الشرق الأوسط
شعوب منطقة الشرق الأوسط هي شعوب متخلفة، تتألف من قبائل وقوميات وإثنيات وأديان ومذاهب، تعادي بعضها البعض. بسبب هذا العداء، فأن هذه الشعوب تعاني منذ مئات السنين من الحروب والعنف والخصام والكراهية فيما بينها، وخير مثال على ذلك هو إستمرار العداء الشيعي – السُنّي منذ 1400 سنة.
لقد تمّ إرغام هذه الشعوب والقوميات على العيش المشترك في كيانات سياسية موحدة، رغم التناقضات والخلافات بينها، ولذلك عندما إختفت مصادر الإجبار، ظهرت حقيقة العلاقات السائدة بين مكوّنات شعوب دول الشرق الأوسط، كما هو الحال الآن في كلّ من العراق واليمن وتونس وليبيا عندما إختفت الأنظمة الدكتاتورية الشمولية فيها أوسوريا عندا ضعفت الحكومة المركزية الدكتاتورية الشمولية فيها. لذلك لا يمكن أن نتوقع أبداً من الأتراك أوالفرس أوالعرب في يوم ما أن يأتوا الى الكورد ويقولوا لهم تفضلوا أيها الكورد! هذه كوردستانكم خذوها، هنيئاً لكم!.
العامل الدولي والإقليمي
إنّ كلاً من الدول الكبرى والدول الإقليمية لها إستراتيجياتها وخططها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط التي هي منطقة إستراتيجية تحوي أكثر من نصف إحتياطي البترول العالمي وأنها سوق كبرى لمنتجات الدول الصناعية وتُشكّل مصدراً مهماً للمواد الأولية. كما أن أي تغيير في المنطقة سيؤثر على الأمن الوطني للدول الكبرى والدول الإقليمية ولذلك ستقف هذه الدول بِوجه أي تغيير يهدد مصالحها وأمنها الوطني.
التغيّرات الإجتماعية
إن التغيرات الإجتماعية تتم بِبطء شديد، تستغرق زمناً طويلاً، تصل الى أجيال عديدة. لذلك فأن تغيير وتطوير شعوب الشرق الأوسط المتخلفة قد يستغرق مئات السنين وربما الآلاف من السنين. عليه فأنه لا يمكن تغيير هذه المجتمعات المتخلفة المتعشعشة فيها ثقافة العنف والإرهاب وإلغاء الآخر المختلف والمؤمنة بالأساطير والخرافات والمتعادية فيما بينها بسبب الإختلاف القبلي أو القومي أو المذهبي أو الديني، أن تتطور وتتحضر في ليلة وضحاها، بل هذا التغيير يحتاج الى مئات أو آلاف السنين.
كما نرى مما تقدم فأن الظروف الذاتية الكوردستانية والظروف الموضوعية تجعل شعب كوردستان غير مؤهل على الإطلاق القيام بإنجاز مشروع الأمة الديمقراطية الذي هو مشروع فوق طاقته إمكانياته، بل أنه يصعب إنجاز هذا العمل على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بِإمكانياتها الإقتصادية والتحضرّية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية العظيمة حتى لو يتم إنجازه على المدى الطويل. لذلك فأن إقحام شعب كوردستان المسكين في القيام بمُهمة مستحيلة، وهي تحرير و تطوير شعوب الشرق الأوسط المتخلفة وتوحيدها ودمقرطة أنظمتها، هو فكرة عبثية تقود شعب كوردستان الى التهلكة وإلحاق أضرار كبيرة بالنضال الكوردستاني التحرري دون مبرر.
أصحاب هذا المشروع اللا معقول أما فيهم مسٌّ من الجنون أو مصابون بِداء العظمة والعُمى أو أنهم من سكان كواكب أخرى لا دراية لهم بما يدور على كوكبنا الأرضي، أو جهلة، يجهلون أبسط مبادئ العلوم السياسية أو أنهم عملاء لِمُغتصبي كوردستان، حيث يُعرقلون تحرير شعب كوردستان ووطنه من الإحتلال والعبودية و يدفعون شعب كوردستان الى الهلاك والفناء بإقحامه في أداء مُهمّةٍ تعجيزية ومستحيلة، يعجز عن تنفيذها.
إذاً فأن مشروع الأمة الديمقراطية لا يمكن تطبيقه في الشرق الأوسط الذي تعيش فيها مجتمعات زراعية قبلية متخلفة. هذا المشروع نجح في أوروبا المتحضرة والذي نجده في الإتحاد الكونفدرالي الذي يجمعهم متمثلاً بالإتحاد الأوروبي. مع ذلك فأنّ الإتحاد الأوروبي يعاني من تحديات وصعوبات كبيرة في الحفاظ على كيانه وها نرى خروج بريطانيا من الإتحاد وقد يتفكك الإتحاد مستقبلاً ويختفي. هكذا نرى أن الدول الأوروبية المتقدمة قد تفشل في الحفاظ على إتحادها الكونفدرالي فكيف يمكن أن ينجح إتحاد كونفدرالي في الشرق الأوسط الذي ذي شعوب متخلفة ومتخاصمة ومتضادة؟! لذلك فأن مشروع الأمة الديمقراطية سابق لزمانه في دول الشرق الأوسط، حيث بعد أن تقوم الشعوب في هذه المنطقة بتأسيس كياناتها السياسية، بما فيها شعب كوردستان، وتتطور مجتمعاتها وتتحضر وتختفي القبلية والعنصرية والطائفية فيها، كالشعوب الأوروبية، حينئذ قد تستطيع دول المنطقة أن تؤسس إتحاداً كونفدرالياً أو سوقاً مشتركة بينها، علماً بأن عملية تحضّر شعوب المنطقة قد تحتاج الى مئات السنين. تطبيقه الآن غير ممكن ولا يمكن الجمع بين العربي والفارسي والتركي والكوردي والبلوشي والسني والشيعي والمسلم وغير المسلم. هذه النظرية في الوقت الحاضر هي فكرة خيالية يرفضها واقع المنطقة ومنطق العقل.
لذلك يجب على شعب كوردستان أن يقف ضد إقحامه في مشروع عبثي وحروب خاسرة ويصبح ضحية أفكار مبنية على الأوهام والخيال و أن لا يدع أن يتسبب هذا المشروع في دمار وخراب كوردستان وإجهاض نضاله الوطني ودفن أحلامه في الحرية والإستقلال. على شعب كوردستان أن يناضل من أجل تحرير نفسه وبلاده من الإحتلال الإستيطاني وتأسيس دولة كوردستان للحفاظ على هويته الوطنية وثقافته وتراثه والتعرف على تاريخه العريق وإستثمار ثروات كوردستان الطبيعية والمعالم السياحية وبعد أن يبني دولته المستقلة، مُعترف بها دولياً، يمكن أن تتعاون كوردستان مع جيرانها والدول الأخرى في المنطقة لإستتاب الأمن فيها والتنسيق فيما بينها في مختلف المجالات لتطوير دول المنطقة وتحضّر ورفاهية شعوبها.
[1]