خارطة المواقف العراقية و الإقليمية و الأمريكية تجاه القضية الكوردية في العراق
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 1459 - 2006-02-12 - 09:37
المحور: القضية الكردية
في البداية أحب التطرق الى موضوع تطبيع الأوضاع في كركوك الذي هو موضوع مهم للكورد و الذي له علاقة بعنوان هذه المقالة. تنص المادة 58 من الدستور العراقي المؤقت على تصحيح آثار التعريب في كركوك الذي قام به حكم البعث و ذلك بإعادة المواطنين الأكراد الى مدنهم و قراهم في محافظة كركوك و اعادة العرب الذين تم استيطانهم في هذه المحافظة من قبل نظام حزب البعث الى أماكنهم الأصلية و تعويض خسائرهم. تنص هذه المادة أيضاً على اعادة كافة المدن و القصبات و القرى التي تم استقطاعها من محافظة كركوك من قبل البعثيين و أُلحقت بمحافظات أخرى، الى كركوك من جديد. ها مضت أكثر من سنتين على وضع الدستور العراقي المؤقت و خلال هذه الفترة، انتهت ولايتان لحكومتين عراقيتين، حكومة اياد علاوي و إبراهيم الجعفري، و تم وضع دستور دائم للبلاد و فقد الدستور المؤقت مفعوله و تم ترحيل المادة ة 58 الى الدستور الدائم دون أن يتم البدء في تنفيذ المادة المذكورة لتطبيع الأوضاع في كركوك. كما أن الحكومة العراقية المركزية في بغداد امتنعت عن صرف الأموال المخصصة لإعمار كركوك. نرى أن تطبيع أوضاع كركوك لم يتم خلال ولاية حكومة الدكتور أياد علاوي أو الدكتور إبراهيم الجعفري دون إستخدام الكورد ضغوطات كافية لإجبار الحكومة العراقية لتنفيذ مهمة التطبيع، بدلاً من ذلك، بدأت القيادة الكوردستانية و الإعلام الكوردي بتوجيه اللوم و الإنتقادات للدكتور ابراهيم الجعفري و حمله المسؤولية كاملة في عدم تنفيذ المادة 58 من الدستور العراقي المؤقت و أفهموا شعب كوردستان بأن الجعفري هو حجر عثرة في طريق عودة كركوك الى أحضان كوردستان. الآن يبشروننا بأنه لو تم ترشيح الدكتور عادل عبد المهدي لمنصب رئاسة الوزراء و تبؤه هذا المنصب، عندئذ سيتم حل قضية كركوك لكون الدكتور عبد المهدي صديقاً مقرباً من القيادة الكوردية و ينتمي الى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بينما الدكتور الجعفري ينتمي الى حزب الدعوة الذي له موقف غير ودي من الأكراد و من القضية الكوردية.
إننا نعلم أن تحديد العلاقات السياسية بين فريقين أو أكثر تحددها المصالح المشتركة و المتقاطعة بين الفرقاء و العلاقات الشخصية غير قادرة على التأثير على التوازنات السياسية المبنية على مصالح تلك الأطراف. لذلك فأن إختفاء الجعفري أو بقاءه في سدة الحكم لا يغّير كثيراً من موقف الإئتلاف الوطني من مسألة كركوك أو تجاه القضية الكوردية بشكل عام. يجب علينا أن نضع الحقائق أمام شعب كوردستان و تشخيص العوامل المؤثرة على القضية الكوردية في العراق و بالتالي على مسألة كركوك التي تشكل جزء مهماً من هذه القضية، بعيدين عن العواطف و الدراسات السطحية. علينا أن نحلل القوى المؤثرة في الساحة العراقية و الإقليمية و الدولية التي تلعب دوراً مهماً في صياغة الحكم في العراق و موقف كل من هذه القوى من حقوق الشعب الكوردستاني لتتوضح لنا الصورة الحقيقية للظروف التي تمر بها القضية الكوردية في العراق و عندئذ نستطيع التحدث عن التطبيع في محافظة كركوك التي يتوقف تنفيذه على مدى التقدم في القضية الكوردية على الساحة الكوردستانية و العراقية.
لا شك أننا نعرف بأن الشيعة في العراق، و الذين تمثلهم الأحزاب المكونة للإئتلاف العراقي الموحد، لهم إمتدادات مذهبية مع الشيعة في إيران والذين يحكمون هذا البلد. و لا شك أن الشيعة المنتشرة في رقعة جغرافية موحدة مقسمة بين دول عديدة، لهم خصائص ثقافية و تأريخية و روحية مشتركة، لذلك فأنهم مرتبطون بعلاقات وثيقة مع بعضهم وتجمعهم مصالح و أهداف مشتركة. إذن أن علاقة شيعة العراق و إيران هي علاقة عميقة لا يمكن التغاضي عنها و لا يمكننا أن نستمع الى أبواق و صراخ الأنظمة العروبية من التدخل الإيراني في العراق لأن الشيعة يمثلون الأكثرية في العراق و أن أية جهة سياسية تمثل المذهب الشيعي سيكون قلبها و عقلها مع الإيرانيين و هذا واقع لا يمكن إنكاره أو التهرب منه. من جهة أخرى، يعيش حوالي خمسة عشر مليون مواطن كوردي في شرقي كوردستان الواقعة ضمن إيران و أن أي تطور على الساحة الكوردستانية سيؤثر على القضية الكوردية في إيران. إن الكورد و الشيعة في العراق تجمعهم الكثير من القواسم المشتركة مثل إمتلاكهم البترول في مناطقهم و الذي يعني عدم حاجة أحد طرفيهما من الإستحواذ على مناطق الآخر، و أن الطرفين كلاهما ظلمهما التأريخ فعانوا من الإضطهاد و الظلم كثيراً، الا أنه من سوء الحظ وقوع شرقي كوردستان تحت الحكم الإيراني و في هذه النقطة تتقاطع المصالح الكوردية و الشيعية مع بعضها. لذلك فأن الحكومة الإيرانية تعمل كل ما في إستطاعتها، سواء عن طريق الضغط المباشر على القيادة الكوردستانية أو عن طريق القيادات الشيعية في العراق للحد من تمتع حقوق شعب كوردستان بحقوقه و إنجازاته.
أما الأنظمة العربية و خاصة السعودية و الأردن و سوريا ومصرفهي تُسّمي المنطقة التي يعيش العرب مع القوميات و الأقليات الأخرى بالوطن العربي وتعتبر هذه القوميات و الأقليات جزء من الأمة العربية لأنها، حسب إعتقادها، أنها تعيش على أرض عربية و أنها و العرب مشتركون في الثقافة والتأريخ كما ذكر ذلك الدكتور عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية تحت قُبة البرلمان الكوردستاني حين أعلن بأن العرب و الكورد لهما ثقافة واحدة و تأريخ واحد. إذن فأن الأنظمة العربية تقف ضد تطلعات شعب كوردستان في الوصول الى حقوقه المشروعة حيت تعتبر هذه الأنظمة العروبية بأن العراق جزء مما يسمونه بال(الوطن العربي) و أن الشعب العراقي بعربه و كورده و تركمانه و آشورييه و كلدانه و أرمنه، جزء من الأمة العربية. بالإضافة الى وقوع الجزء الغربي من كوردستان تحت الحكم السوري، حيث يعيش حوالي ثلاثة ملايين مواطن كوردي في سوريا و الذين يشكلون اكثر من 16٪ من نفوس سوريا، و مع ذلك أطلق الحكام السوريون العنصريون على سوريا إسم (الجمهورية العربية السورية) بإعتبارالكورد و الأرمن و الآشوريون و السريان جزء من العرب و لذلك يُسمى مواطن كوردي من سوريا بإسم (مواطن عربي سوري). هذه الأنظمة و القوى البعثية و العروبية الأخرى و العرب السنة و الدكتور اياد علاوي يمكن القول أنهم ينطلقون جميعاً من منطلق الفكرة العروبية للوقوف بوجه الطموحات المشروعة لشعب كوردستان في حق الحياة و حق تقرير المصير. هذه القوى العراقية التي تمثل العرب السنة بالإضافة الى حركة الوفاق الوطني التي يتزعمها الدكتور علاوي، وهو شيعي المذهب و بعثي العقيدة، كلها مدعومة مادياً و معنوياً من الأنظمة العربية و خاصة النظام السعودي، بأموال بتروله الضخمة و احتكاره للإعلام العربي، و الأنظمة السورية و المصرية و الأردنية. تأتي مسألة النفوذ الإيراني في المنطقة و النفوذ الشيعي في العراق في مقدمة أوليات هؤلاء الفرقاء (بإستنثاء سوريا التي هي حليفة إيران) حيث تحاول هذه الجبهة بكل قوة في الوقوف بوجه النفوذ الشيعي في منطقة الشرق الأوسط الذي يشكل تهديداً خطيراً على مصالح هذه الأنظمة و مصالح القوى العراقية المتحالفة معها. المسألة الكوردية في العراق تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة الى هذه الجبهة، على الأقل في الوقت الحاضر حيث منشغلون بالشأن الشيعي بشكل أكثر. إذن، العرب السنة و الأحزاب البعثية و العروبية و الإسلاموية العراقية و معها الأنظمة العربية لا تعترف بحق الشعب الكوردي في التمتع بحقوقه القومية و تقف بالمرصاد لها، معتمدة على مدى قدرتها للقيام بذلك في ظل التطورات و التغييرات الجارية في العراق و المنطقة و العالم و ذلك بإستخدام نفوذها لدى الإدارة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي و حتى عن طريق الضغط على شيعة العراق.
أما تركيا، فهي الدولة الأكثر عداء و سلبية تجاه الشعب الكوردي، لدرجة أن أحد مسئووليها قد صرح بأن تركيا ستمنع قيام دولة كوردية حتى لو أُقيمت في أفريقيا. عدد سكان شمالي كوردستان (كوردستان تركيا) يناهز عشرين مليون نسمة أي حوالي 30٪ من سكان تركيا. تخوف تركيا من التطورات الجارية في العراق بعد تحريره من براثن حزب البعث و بروز الدور الكوردي المؤثر في العراق و إعتراف الدستور العراقي بالنظام الفيدرالي و الذي تشكل كوردستان أحد أقاليمه ، يتأتى من إمكانية تسبب هذه الأحداث في تحرك الشعب الكوردي في تركيا و المطالبة بحقوقه القومية المحرومة منها اسوة بإخوانه أكراد العراق. بالنسبة للنظام التركي، فأن المسألة الكوردية تأتي بالدرجة الأولى من حيث الأهمية و تأتي مشكلة النفوذ الشيعي في المرتبة الثانية، بعكس الأنظمة العربية السنية. يتحرك النظام التركي في محاولاته تهميش الدور الكوردي في العراق في ثلاث جبهات؛ الأولى بالتأثير على القرار الأمريكي و موقفه من حقوق الشعب الكوردستاني و التي هي أهم جبهة له لما للإدارة الأمريكية من دور محوري في صياغة العملية السياسية في العراق و تصميم صورة العراق المستقبلية. بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي و إنتهاء الحرب الباردة، فقدت تركيا أهميتها الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية الأخرى بشكل كبير، الا أننا يجب أن لا ننسى أن تركيا دولة عضوة في حلف الأطلسي و إستعادت تركيا بعضاً من أهميتها هذه الأيام بسبب بروز المشكلة النووية الإيرانية و العلاقات الأمريكية-السورية المتدهورة. مع ذلك فأن فرص نجاحها على الجبهة الأمريكية ضئيلة بسبب دخول الكورد بقوة في المعادلة السياسية في العراق و المنطقة. الجبهة الثانية التي تجذب أنظار تركيا هي تركمان العراق أو بالأحرى الجبهة التركمانية الموالية لها، الا أن حظها في هذه الجبهة قليل أيضاً بسبب الشعبية القليلة التي تحظى بها الجبهة التركمانية في العراق حيث حصلت على مقعد واحد فقط في الإنتخابات البرلمانية العراقية، و مع ذلك يمكن لتركيا دفع الجبهة التركمانية لخلق إقتتال داخلي في مدينة كركوك، الا أن تركيا لا تستطيع الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة للإضرار بالمصالح الأمريكية في العراق و هدوء جبهة كركوك منذ تحرير العراق الى يومنا هذا يؤكد ذلك. الجبهة الثالثة هي الضغط على الأطراف العربية الشيعية و السنية في العراق. هذه الجبهة العراقية الداخلية، كما ذكرت، ستكون جبهة مشتركة للحكومات التركية و الإيرانية و الحكومات العربية للضغط على الكورد لمنع إستعادة حقوقهم و ذلك بالضغط على الحكومة العراقية للوقوف بوجه الحقوق القومية للشعب الكوردي. أعتقد بأن هذا العامل كان سبباً رئيسياً في تلكؤ حكومتي اياد علاوي و الدكتور إبراهيم الجعفري في تنفيذ عملية تطبيع الوضع في كركوك حسب المادة الثامنة و الخمسين من قانون الدولة العراقي المؤقت. نجاح هؤلاء الفرقاء في مساعيهم في حرمان الشعب الكوردي من حقوقه أو على الأقل تحديدها، يعتمد على الموقف الأمريكي تجاه شعب كوردستان و حقوقه القومية.
أخيراً نأتي على الإستراتيجية الأمريكية في العراق و منطقة الشرق الأوسط و إنعكاس هذه الإستراتيجية على القضية الكوردية في العراق بشكل خاص و في باقي أجزاء كوردستان بشكل عام. إن هذه الإستراتيجية لها تأثير حاسم على مصير الشعب الكوردي و تؤثر في الوقت نفسه على مواقف و فعالية الأطراف العراقية و الأقليمية تجاه الشعب الكوردي. لو نتمعن في المصالح الأمريكية في المنطقة والإستراتيجية الأمريكية في العراق و في مشروعها الديمقراطي للشرق الأوسط الكبير وحربها ضد الإرهاب، نتوصل الى إلتقاء المصالح الأمريكية والكوردية في المنطقة و أن العلاقة بين الجانبين ستتوثق و تتطور بشكل كبير على المدى المتوسط و البعيد بسبب أهمية الدور الكوردي لمصالح الولايات المتحدة و نشر الديمقراطية في المنطقة و مكافحة الإرهاب. لو نلقي نظرة على خارطة الشرق الأوسط، نرى إنتشار روح الكراهية و العداء ضد الولايات المتحدة و فتور علاقاتها مع الأنظمة العربية و تناقض مصالحها معها و خاصة بعد الهجمات الإرهابية في واشنطن و نيويورك و من ثم تحرير أفغانستان من الحكم المتخلف لطالبان و تحرير الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري الوحشي لصدام حسين و البدء بالحرب العالمية ضد الإرهاب و تقديم مشروع الشرق الأوسط الكبير. هكذا بدأت الحملة الإعلامية بقيادة المملكة العربية السعودية و إيران و حلفاؤهما في المنطقة ضد السياسة الأمريكية في المنطقة بالرغم من الخلاف الحاد بين هاتين الدولتين لتنافسهما على النفوذ في المنطقة و تأجيجهما روح العداء عند الشعوب العربية و الإسلامية المكبلة بالحديد من قبل حكامها، ضد الأمريكان . كما تدهورت العلاقات الأمريكية- التركية أيضاً بسبب القضية الكوردية و التغيير الدراماتي في نظام الحكم العراقي و النظرة السلبية للأتراك تجاه السياسة الأمريكية. من هنا نرى أن الطرفين الوحيدين اللذين متهيئين للتعاون مع الإدارة الأمريكية للمساعدة في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط و محاربة الإرهاب، هما الإسرائيليون و الكورد، و قد ينضم اليهما الشيعة بعد زوال الحكم الديني في ايران. بالإضافة الى هذه، فأن نشر الديمقراطية في المنطقة يؤدي الى التواصل بين الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة و الذي يعطي زخماً أكبر للشعب الكوردي و يجعله يلعب دوراً أكبر في السياسة الإقليمية للمنطقة.
نستنتج مما تقدم، بأن الكورد محاطون بحكومات معادية، تخطط في الخفاء و العلن للوقوف في وجه تحقيق طموحاته القومية و أن هذه الحكومات لها أجندة و حلفاء في العراق و تعمل من خلال هؤلاء الحلفاء العراقيين و تتحرك إقليمياً و دولياً لمنع شعب كوردستان من التمتع بحقوقه القومية، الا أن من حسن حظ الكورد أن التغييرات العالمية التي حدثت في السنين الأخيرة و التي بدأت بإنتهاء الحرب الباردة و من ثم عملية الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية و تحرير أفغانستان و العراق و اعلان الحرب على الإرهاب و مشروع الشرق الأوسط الكبير، كان كلها يصب في مصلحته بل في مصلحة الشعوب المضطهدة من قبل الحكومات الدكتاتورية. كل ما يحتاج اليه الكورد هو وحدة كلمتهم و ترتيب بيتهم و تمتين جبهتهم الداخلية و تعميق الديمقراطية في كوردستان و بناء المجتمع المدني فيها و العمل على تطويرها و تقدمها لتصبح كوردستان جزء من العالم الديمقراطي المتمدن والتي تكون الضمانة الأكيدة لنجاح شعب كوردستان في خوضه نضالاً ديمقراطياً متحضراً وسط معادلات و موازنات معقدة و صعبة في سعيه نحو الوصول الى تحقيق أهدافه القومية و الإنسانية و منها إرجاع كركوك الى حضن كوردستان.[1]