حسين عمر
ليست هناك إحصائيات رسمية أو دقيقة حول عدد الكورد الإيزديين في غرب كوردستان، حيث لم تعترف السلطات السورية يوماً بهويتهم الدينية والثقافية. والتقدير الوحيد لعددهم يعود إلى عام 1963، حيث قُدِّر عددهم آنذاك وفقاً للتعداد الوطني في سوريا بنحو عشرة آلاف، يستقرّون في منطقتي الجزيرة وعفرين. علماُ أنّ عدد سكان سوريا الإجمالي آنذاك نحو 5 ملايين نسمة أيّ أنّ نسبة الكورد الإيزديين كان تصل إلى 0.2% من إجمالي السكان. وإذا أسقطنا هذه النسبة، وسطيّا، يكون عدد الكورد الإيزديين في سوريا قد بلغ في عام 2011، اثنين وأربعين ألفاً من إجمالي سكان سوريا البالغ عددهم في العام ذاته واحد وعشرين مليوناً.
يتوزّع الكورد الإيزديون في غرب كوردستان في (71) قرية بالإضافة إلى عددٍ من المزارع ومراكز بعض المدن. في منطقة عفرين (22) قرية، وفي ريف مدينة الحسكة (20) قرية، وفي سري كانيه (10) قرى إضافة إلى عددٍ من المزارع، وفي عامودا (10) قرى، وفي تربسبيه (4) قرى إيزدية و(3) قرى فيها وجودٌ إيزدي، وفي دربيسية (قريتان).
لكن المجتمع الكوردي الإيزدي كان قد شهد، خاصّة خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين، هجرة واسعة نحو الدول الأوروبيّة خاصّة. والفُرصة التي سُنِحت للكورد الإيزديين لممارسة شعائرهم الدينية وأنشطتهم المجتمعية والثقافية بحريّة، مع تأسيس الإدارة الذاتية، سُرعان ما طُعنت باحتلال منطقتي عفرين وسري كانيه الكورديتين من قبل تركيا والفصائل المسلّحة للمعارضة السورية.
احتلال عفرين.. تهجير وإزالة الرموز
مع احتلال منطقة عفرين، في آذار/مارس 2018، شهدت القرى الإيزدية، كغيرها من قرى المنطقة، نوحاً جماعياً، ولم يبق في منطقة أو يعد إليها سوى ما يقرب 10% من الكورد الإيزديين، وذلك بحسب إحصائية لمؤسسة إيزدينا التي توثّق أوضاء الكورد الإيزديين في المنطقة والانتهاكات المرتكبة بحقّهم. واحتلّ مسلّحو المعارضة السورية وأسرهم دور وحقول وممتلكات الكورد الإيزديين، ومنعوا سكان بعضها من العودة إليها بشكلٍ مطلق، كقرية بافلون التي لا تزال خالية من أيّ فردٍ من سكّانها. وكصورة للتهجير القسري المفروض على الكورد الإيزديين في منطقة عفرين، تحدّث مصدرٌ ينحدر من قرية كيمار إلى شبكة رووداو الإعلامية، قائلاً: قبل الحرب الأهلية السورية والاحتلال التركي للمنطقة، كانت 170 أسرة كوردية إيزدية تقطن في القرية، لكنّ الآن ليس هناك كرديٌّ إيزديٌّ واحدٌ في القرية.
يوجد في منطقة عفرين أكثر من خمسة عشر مزاراً إيزديّاً، تعرض معظمها للتخريب أو الحفر بحثاً عن الآثار، وكذلك تعرّضت مدافن الكورد الإيزديين للتخريب .
وكان ناشط إيزدي (س. د)، 40 سنة، ومقيم في دولة أوروبية، طلب عدم الكشف عن هويته الكاملة خشية أن يلحق أذى بذويه في المنطقة على يد الجماعات الإسلامية المسلّحة الموالية لتركيا، قد تحدّث إلى رووداو عن إنتهاكات بحقّ الإيزديين تنال من معتقداتهم الدينية ومزاراتهم ومدافنهم. وقال: «يتم فرض إسكان عوائل عربية مستوطنة في بيوت الأسر الكردية الإيزدية في القرى الإيزدية. يقوم المستوطنون بتقاسم ما في المنازل من أثاث ومؤن، ويقومون بأداء الصلوات والشعائر الدينية وسط سكنة المنزل الأصليين ويحاولون التأثير على الأطفال والناشئين لدفعهم نحو اعتناق الإسلام، ويتفوّهون بكلمات تثير حساسية دينية واجتماعية لدى الإيزديين. كما يحاولون فرض الزي والمظاهر الإسلامية على الإيزديين من قبيل إلزام الرجال بإطلاق لحاهم ». تمارس المجموعات المسلّحة عمليات نهب منظّمة، إذ يقول (س.د): « هناك عدّة حالات قام فيها المسلّحون بالاستيلاء على وسائط النقل والآلات الزراعية العائدة لمواطنين إيزديين، وفرض أتاوات مقابل إعادتها تعادل قرابة نصف قيمتها، ويتم إعادتها بعد انتزاع معظم قطع غيارها، ومن ثمّ بعد أن يقوم أصحابها بإصلاحها تتمّ من جديد مصادرتها نهائياً بذريعة أنّها غنائم من الكفّار». وقد ذكر هذا الناشط لرووداو حالات محدّدة بالأسماء والمبالغ والتفاصيل، وطلب عدم ذكرها في التقرير بالتفصيل، تجنّباً لإلحاق أذى إضافي بالضحايا.
كما تحدّث (س.د) لرووداو عن ممارسات الجماعات المسلّحة بحقّ مزارات الإيزديين ومدافنهم، فقال : «أقدمت الجماعات المسلّحة على تدمير مدافن الكورد الإيزديين في قرية قيبار (3 كم شرق مدينة عفرين)، والتي تُعدّ بمثابة عاصمة الكورد الإيزديين في عفرين. ففي عام 1925 افتتح ديرويش آغا، آغا الإيزديين أوّل مدرسة تعليمية في منطقة عفرين في القرية بمباركة من الأمير جلادت بدرخان، وأمير الإيزديين الذي منح ديرويش آغا وثيقة تعيّنه وكيلاً له على الإيزديين في سوريا، وقد صادقت السلطات الفرنسية آنذاك على تلك الوثيقة. كما أقدموا على تدمير مزاري جيل خانة المقدّس وملك آدي في القرية نفسها. وكذلك تمّ تدمير مقام شيخ جنيد في فقيرا وتجريف مقابر شيخ سيدي في القرية ذاتها بحثاً عن الآثار والكنوز. في حين قاموا بتدنيس مزاري باصوفان وشاديري ومقابرهما. وفي قرية قسطل جندو، قاموا بتدمير مزار بارسه خاتون، بعد أن قامت الطائرات التركية بقصفه.
وفي منطقة سري كانيه، كان عدد الكورد الإيزديين، قبل إندلاع الحرب الأهلية السورية، يبلغ ثلاثة آلاف نسمة، تناقص العدد بنسبة 70% قُبيل الاحتلال التركي في أكتوبر، تشرين الأوّل 2019، الذي أدّى إلى تهجير جميع الكورد الإيزديين من المنطقة، ولم يعد إليها حتى الآن سوى أربع أسر أفرادها من المسنّين. وعن مصير الكورد الإيزديين في سري كانيه، تحدّث سعيد عبدي، نائب رئيس مجلس إيزديي سري كانيه والناطق باسمه، إلى شبكة رووداو الإعلامية، قائلاً: عندما احتلّت القوات التركية، رفقة الجماعات المتطرّفة، نزح الإيزديون أسوة بباقي سكان المنطقة. لقد تعرّض الإيزديون آنذاك لخطرين، مرّة لأنّهم كورد وأخرى لأنّهم إزديون، ولذلك نزح جميع الإيزديين من منطقة سري كانيه.
في مناطق الإدارة الذاتية، ورغم أنّ الكورد الإيزديين يتمتّعون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية وأنشطتهم المجتمعية والثقافية، هناك هجرة يمكن تسميتها بالطوعية من قراهم، مع حفاظ بعض القرى على هويتها السكانية الإيزدية. الفنان والشخصية الكوردية الإيزدية زندين سليمان، الذي ينحدر من منطقة جراح التابعة لناحية تربسبيه، تحدّث إلى شبكة رووداو الإعلامية عن أوضاع الكورد الإيزديين في تلك المنطقة، قائلاً: ثمّة نزوح من معظم القرى الإيزدية وفرغ بعضها من الإيزديين، إلّا أنّ قرية آلارشا لا تزال تحتفظ بسكانها الكورد الإيزديين، ولا تزال هناك ما يقرب عشر أسر إيزدية في قرية أوتلجا، ومثلها قرية تل خاتونك. أمّا قرية مزكفت التي كانت قد فرغت من سكّانها، فإنّها تشهد عودة أبنائها إليها وإعادة إعمارها. وكذلك قرية دريجيك شهدت عودة بعض سكّنها من الكورد الإيزديين إلّا أنّها امتلأت أيضاً بأسر عربية.
الآن، يتوزّع المهجّرون الكورد الإيزديون من منطقة عفرين في منطقة شهباء شمال حلب، وفي مدينة حلب ومدن وبلدات غرب كوردستان. أمّا المهجّرون من منطقة سري كانيه، فيتوزّعون على مدن وبلدات منطقة الجزيرة.[1]