الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً - الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 3670 - #17-03-2012# - 02:44
المحور: القضية الكردية
لم تستطع الحركة الكردية بكليتها في الداخل والخارج من أن تكون على قدر المسؤولية وتلعب دور القيادة عند المحك بل لعبت دور المعارض المهادن، ولم تتجرأ من حينها وحتى اللحظة من الخروج من هذا الإطار. في ثورة #12-03-2004# لعبت دور الوسيط بين الثورة والسلطة والقوى العربية لا دور القيادة، وأجرت المباحثات بين الطرفين، والإتصالات مع الأطراف العربية كانت مباحثات لحماية الممتلكات وشرح الواقع جلها بالإسلوب الذي ترغبه السلطة، ولم تتجرأ بالتفكير في قيادة الشباب لإخراج الثورة من إطارها القومي إلى إطارها الوطني وتعاكس إرادة وأفعال السلطة السورية، وكما ذكرنا في الجزء الأول بإنها في تلك اللحظات عرفت قدرتها الواقعية لكنها لم تصرح به للشعب لا حينها ولا فيما بعد، وأدركت بإن السلطة معظم هي الكل في حراكها، الثورة حينها كانت على حواف كسر حاجز العمق الوطني يوم ثار الكرد وفي مقدمتهم المجموعات الشبابية في المدن الكبرى وبسوية لم تدركها بعد الثورة السورية الحالية، كمقارنة نسبية سكانية، رغم مرور سنة على عمرها، ورغم التضحيات الجسام.
لا شك بإن السلطة السورية ملكت القدرات الواسعة في تحليل ما جرت في عام 2004 وما يجري الآن في سوريا، وعليه وضعت حينها وتضع الآن خططها الإجرامية ضد الشعب السوري. الثورتين في حال الربط بينهما بجدلية العمق الزمني والإرتباط الفكري تجاه الظلم والإستبداد والرغبة في الحرية، رغم إختلافاتهما النوعية في البعض من حيث ماهية كيانهما، نجد إنهما يشتركان في تحقيق غاية واحدة وهي إسقاط النظام أدركت الحكومة هذه الحقيقة أنذاك كما تدركها الآن لذلك تحركت بدقة فدفعت بالأولى إلى الساحتين الوطنية والعالمية على إن الذين يقودون الثورة هم مجموعة مناهضة يحملون النزعة القومية العنصرية الإنفصالية البحتة، وأخرجتها على أن غاية الثوار الكرد هو الإنفصال وتمزيق وحدة الآراضي السورية، والآن وفي الثورة الشبابية الحالية يمخر النظام في عباب نشر مفاهيم الإسلام الراديكالي والمتزمت السلفي المدعوم من القوى الخارجية الذين يودون تهديم المفاهيم العلمانية الحضارية المرتكزة عليها نظام سوريا الحالي! والمبنية على موزاييك متنوع الطوائف والإثنيات! بل وأدخلت مفاهيم الصمود والمقاومة من أجل فلسطين على المحك، لتوهم البعض من الفصائل الفلسطينية، بإن القضية ستتميع بضياع آل الأسد والنظام السوري! ولقي ترحيباً من طغاة العالم العربي ومعهم الإئمة، أوهم هؤلاء الحكام شريحة واسعة من شعوبها ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني بهذه المفاهيم! وقد أدت هذه المزاعم ببعض أطراف الحماس لأن تنجر في الأسابيع الماضية وبعد خروج مكاتبها من سوريا إلى خلق مناوشات غير متوازنة كلياً مع الجيش الإسرائيلي والتي أدت إلى سقوط شهداء بيد الطغيان، لم تكن الغاية البعيدة منها سوى التغطية على الأحداث الجارية في سوريا، الشهداء كانوا من أجل السلطة السورية قبل أن يكونوا من أجل القضية الفلسطينية. حاربت السلطة السورية الثورة الشبابية على هذا المسلك في الإعلام وفي الداخل، رافقتها دائماً اثارة النزعات الطائفية والإثنية بين المناطق المتفرقة وتبثها بشكل خاص بين طائفتها العلوية وتوهمهم على أن الثورة هي للثأر منهم، نجاحها يعني عملية ثأر جماعي!.
وهنا نلاحظ تشابه كلي بين الحركات السياسية والثقافية في الثورتين، من حيث ضعف القدرات بكليتها والتشتت بين القوى. لا تتمكن هنا أيضا وحتى اللحظة المعارضة السورية في الخارج وحتى في الداخل، أعني المعارضة السياسية لا الثوار، من كسر هذه الدعاية ونقل الثورة من إطارها الذي وضعته السلطة فيها إلى الإطار الوطني السوري العام وجعلها ثورة لمصلحة الأمة باجمعها، وحتى اللحظة تردد هذه الأفكار والمفاهيم في أروقة عديدة من المدن السورية والتي تنشرها النظام وبكل خبث.
تبينت للجميع سابقاً وتتبين الآن محدودية قدرات الحركات السياسية المعارضة وضعفها، لوجودها في إطار سجن يتحكم بهم سجان رهيب، بعكس كيان الثورتين في الداخل، رغم إنها الآن لا تزال على حواف الدخول إلى العمق الإنسان السوري بكل أطيافه. رغم حدة الصراع والدمار، تمكن الثوار الشباب من أختراق الحواجز الجغرافية ووزعوها لتشمل أرض الوطن بكليته جغرافياً على الأقل. رغم اعداد الشهداء، لكن النهوض الفكري بين أطياف من الشعب السوري لم يكتمل بعد، وهذه من أحد اسباب تشتت المعارضة بشكلها العام، والتي تؤدي إلى هزالة القرار العالمي!.
العبر في الثورتين عديدة وواضحة لكن المعارضة لا تزال تتلكأ في إدراكها وأرسائها على الواقع العملي، السلطة لها خبرة نصف قرن تجعلها الأقدر على التحرك من المعارضة وبشكل أوسع وأسرع، هذا ما حصلت في ثورة #12-03-2004# وتحدث الآن. وعليه فإنه من المهم جداً التوجه إلى نشر المفهوم الوطني بشكل أوسع والتأكيد على أن العلاقة مع المفهوم الديني علاقة آنية وهي من متطلبات النقلة المرحلية التي تحاول فيها التيارات الدينية إنتهاز الفرصة وأخذ زمام الأمور وبها ستأتي على تهديم الكثير التي تستفيد منها السلطة في الراهن الثوري بل وأكثر من الثورة التي تجد هذه التيارات الدينية نفسها من ضمنه، حيث المصالح الذاتية الآنانية. التيارين، الإسلامي السياسي والعلماني الذي سخر الإسلام الليبرالي كواجهة، يشتركان ويتناغمان في طرح النزعة القومية العربية أحدهم من المفهوم الإلهي والآخر من المفهوم التعصب القومي وأنتجوا على أثرها هوة غير سهلة بينهم وبين الحركة الكردية والأقليات والطوائف الأخرى، وهم بهذا ينسخون الحوادث السياسية لعام 1982 حيث الإسلام السياسي، وعليه استفادت السلطة ثانية حتى اللحظة من هذا الشقاق المفتعل بين المعارضة، وما تحييد جزء من الحركة الكردية وجزء كبير من الطائفة المسيحية والعلوية والدرزية وبعض السنة، في الصراع الدائر بين السلطة والثوار الشباب سوى تأكيد على أن السلطة لا تزال تحارب وتعتمد كثيراً على هذا الإطار والمطلوب من المعارضة في جميع الأطراف التركيز على هذه المفاهيم وتقويضها و كسر حواجز المفاهيم التي بناها النظام على مدى نصف قرن، واخراج الثورة من التشتت إلى إطارها الوطني الكلي. سيكون ذلك بأن تخرج الحركة الكردية من النطاق الحزبي إلى النطاقين القومي والوطني بكل أبعادها، وفي مقدمتهم المجالس الكردية المختلفة، الوطني الكردي والشعب والكردستاني، بالمقابل على المعارضة السورية عامة أن تتخطي حواجز الإختلافات النظرية، خاصة تلك التي بين التيارات المتواجدة في المجلس الوطني السوري وأطراف من الهيئة التنسيقية الوطنية، وفي مقدمتهم حزب ب ي د الكردي حيث هم النواة الرئيسية والتي يعتمد عليها في هذا التشكيل. ليشترك الجميع في نضال عملي تكون الغاية إسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية بابعادها الحضارية. وهي الغاية المهمة والهدف القريب لثورتي آذار.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]