ثورة الشعب السوري تدفع ضريبة الثورات - الجزء الثاني
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3684 - #31-03-2012# - 09:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ثانياً - إنعكاس دراسة النتائج الأولية للثورات السابقة على مسيرة الثورة السورية...
تجاوزت عدد المؤتمرات والكونفرانسات التي عقدت بين قوى المعارضة السورية الحد المعقول، والنتائج لا تزال في الدونيات، في الوقت الذي أجليت الدكتاتوريات من أوطان الثورات السابقة بدون عقد مؤتمر يذكر، والذي حدث كان لتشكيل اللجان التنفيذية الإنتقالية. المعارضة السورية الخارجية في حراكها منذ بداية الثورة حلقت في ضبابية المفاهيم المتناقضة ونزلت إلى أرض المستنقعات، حيث الأيادي والإرشادات والأجندات العربية والدولية تجاوزت من أن تتحملها هذه القوى بكل أطرافها القومية والدينية. نهشت جسم المعارضة السورية في الخارج، وعزلت بشكل عملي في بعضه عن الواقع الثوري في الداخل، ولم تتمكن من القيام بالدور المطلوب، كممثل للثورة في الخارج وبين القوى الدولية، وهمشت في العديد من المحافل الدولية حتى تلك التي كانت تبحث في الثورة السورية.
وجهت القوى العربية والدولية إهتماماتها على صراع ذاتي، الكل يستعملون الثورة السورية لغاياتهم، الثورة الشبابية السورية أصبحت البوابة التي تمرر منها الجميع، مصالحها، يدرسون القضية وينظرون إلى مأساة الشعب السوري وصراعه مع السلطة الدكتاتورية الشمولية من منطق إطار حقوق الإنسان، والمعارضة الخارجية لا تزال تبحث في البنود التي ستجمعهم، أطراف تلغي أطراف من الساحة، تحت مفاهيم وغايات مختلفة، الكل يتهم الكل. خرج الجميع من مؤتمري إستانبول الأخيرين بقرارات قيل بإنها كانت ناجحة، نصف المعارضة الخارجية بقيت في الخارج والنصف الآخر تتحكم بها تركيا ودول أخرى لغاياتها! هناك من يهمش أهداف الثورة والثوار في الداخل.
إلى جانب القضايا التي ذكرناها في الجزء الأول من مقالنا هذا توجد على ساحة الثورة السورية قضايا خارجية تعرقل المعارضة وتؤخر نجاح الثورة ويمد في عمر السلطة الحالية، نبتت وتفاقمت واصبحت من المعوقات في تأخير نجاح الثورة، وهي:
1 – توضحت، على خلفية دراسة الثورات السابقة، أهمية توزيع المصالح الدولية في المنطقة، والتي كانت هناك شبه واضحة، الكل كان متفق على نوعية العلاقات والحصص السياسية والإقتصادية. لكن في الثورة السورية برزت التضاربات الواضحة في مصالح الرأسمالية العالمية، والعلاقات الدولية. رغم قناعتنا بأن الرأسمالية العالمية تجاوزت حواجز الحدود الجغرافية منذ عقود، لكن ظهور إمتعاض روسي وصيني على نسبة مصالحها في المنطقة خلال هذه الشركات وعلى مدى نفوذها السياسي وسيطرتها العسكرية اللاحقة لها، أدت إلى إعادة جدولة حساباتهم مع الدول الاوروبية وأمريكا، فأصبح الشعب السوري الضحية والقربان. استعملتا الثورة السورية كحلقة صراع وورقة ضغط على إعادة جدولة التقسيم العالمي للرأسمالية في المنطقة، فكان التهميش الواضح في المحافل الدولية للمعارضة السورية في الخارج، وكان غياب الزمن عند كل حضور أو إتفاق، حيث الشعب السوري كان ولايزال يدفع الضريبة الفظيعة. السلطة تكسب عمراً، رغم أن مصير أنتهائها مقرر، لكن الزمن لم يحدد، وتوضع العراقيل على سيطرة الثورة بشكل تام على الوضع. والصراع الشيعي السني تندرج في خضم هذا الصراع من الناحيتين الإيديولوجية والسياسية.
2 - الثورة السورية دفعت وتدفع غالياً ضريبة الأخطاء التي سايرت الثورات السابقة، وهي الآن تدفع ضريبة صراع القوى الداخلية على من سيسيطر على الحكم، ومن سيضع الدستور، وعلى أية منهجية؟ وكيف ستكون عليه السلطة القادمة؟ ظهر رفض واضح على الساحة السورية لسيطرة مشابهة لسيطرة الإخوان على مصر، وبرز الصراع بين الإثنيات الموجودة على الساحة التي كانت قد ألغيت وهمشت في الثورات السابقة. لكن بدأت تظهر دراسات سريعة لمسيرة الثورة السورية المشابهة في بعضها لمسيرة الثورة الليبية، والتونسية، اللتين همشتا حقوق الأمازيغ، والطوارق، والبربر، وفي مصر حقوق الطائفة القبطية اصحاب الأرض الأصليين، وقد إنتبه إليها الكرد والطوائف والأقليات الأخرى في سوريا منذ الشهور الأولى للثورة، فكانت هناك توافقات جزئية مقبولة من بعض الأطراف ومن الجهتين، لكن تشتت الحركة الكردية وتوزعها بين المواقف المختلفة أدى إلى تهميش لها آنذاك وتهميش كلي لها الآن، تشتتهم هذا لم تؤثر فقط على ثقلهم السياسي في المنطقة بل على مسيرة الثورة السورية بشكل عام، وستبقى كلمتهم ناقصة وهم في هذا الصراع الداخلي القومي والوطني.
ما يحدث الآن بين قوى المعارضة الخارجية وبعد سنة من عمر الثورة، إثبات على محدودية قدراتها أمام الإملاءات الخارجية، الخروج من المؤتمر العام بوثيقة وطنية ناقصة وغير معترفة بها من قبل جميع الأطراف، تأكيد على إنه هناك قوى تدفع بهذه المعارضة إلى الساحة السياسية بجسم مثخن، وأطراف متناثرة، وأجزاء ملغية. لن تؤدي سوى إلى عرقلة الثورة والتأخير في نجاحها، والذين يقفون ورائها هم قوى تحسب نفسها مع المعارضة، لكنها لا تؤمن بإسقاط النظام رغم رفعها للشعار! كانوا ولايزالون يتصارعون من اجل مصالح في السلطة، منهم الإخوان المسلمون، وبعض القوى العروبية التي لا تزال لم تتخلص من الثقافة العرقية التي نشرتها البعث وعلى مدى عهود، ثقافة الأنا الرافض للآخر كشريك في هذا الوطن. هؤلاء معاً يدعمون بشكل غير مباشر الثقافة العنصرية، فالتعصب الطائفي لدى بعض التيارات، لا تختلف عن التهميش والتعصب الذي جرى بشكل عام في عهود الطغي ضد القوميات والمذاهب الأخرى في الوطن من قبل الطائفة العلوية والسلطة الحالية، رغم إننا مؤمنون بأن البادي أظلم. تيارات من المعارضة تتشابه في بعض المفاهيم مع أولئك الذين همشوا حقوق الكرد والأقليات والطوائف الأخرى عن سابق دراسة وتصميم، ويدخل بين هؤلاء مجموعة من هيئة التنسيق الوطنية في الداخل، كل هؤلاء الذين يفرضون نفسهم على المعارضة سوف لن يتأخروا حتى عن التنازل في مساندة الثورة حال حصولها على بعض المراكز في السلطة الحالية وسوف يقبلون بالحوار أي كان بنيته.
تشتت المعارضة لا تتوافق ومدى تماسك ووطنية الثورة في الداخل، المعارضة في الخارج تتصارع على المراكز، سمحت بقوى في فرض أجنداتها، تحت حجج متنوعة، منها التلاعب في المفاهيم بين الوطن والمواطن والقومية والأولويات والثانويات، وهم في عمق القضية يؤججون الصراع عند عرض حقوق القوميات ك القومية الكردية والأقليات والطوائف الأخرى، ومحاولة بعض القوى العربية والأحزاب الكلاسيكية كالتيار الإسلامي يغلفونها بمفاهيمهم ومداركهم الملتوية وتحت حجج مبطنة وقناعات ضحلة، معظم هذه الأطراف الأن تتصارع على مراكز القوى بعد سقوط السلطة، قبل الإهتمام بقية الوطن والمواطن.
الصراع على الساحة السورية سيكون أفظع كما هي الآن من الصراع الذي حدث على ساحة الثورات السابقة بعد الإستيلاء على السلطة، لإن جميع هذه القوى لا تزال لا ترى مخارج للإتفاق رغم إنتباهها المبكر لهذه القضايا، وسوف لن تصل إلى أية نتائج ترضي القوى الوطنية المهمة في المعارضة على الأقل، وذلك بسبب الضغوطات التي تأتي من خارج جغرافية الوطن، بل ستكون الثورة السورية النموذج الأسخن والأهم من كل الثورات كما هي الآن، وستكون كذلك بعد سقوط السلطة الحالية، السلطة الدكتاتورية التي ستزول وبالتأكيد، ستخلف دمار فظيعاً على أرض الوطن بشرياً، وإقتصادياً، وبنيوياً، وسياسياً.
د. محمود عباس
[1]