يا عالم، هذه صراعات حزبية وليست مسيرات كردستانية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 3704 - #21-04-2012# - 11:42
المحور: القضية الكردية
الكرد والثورة براء من هذا الصراع
البحث عن الذات الضائعة، في جغرافية ملكها الكرد، أي كان مدارك الإنتماء ل جغرافيا قائمة حديثاً، أو مدمّاة تاريخياً وإعتماداً على تاريخ سطر بالكوارث، يعد من أحد أعظم الأهداف، لكن أن نطرح الشعار إسماً شكلياً، وفي الواقع يلوح الحزب في سماء الساحات، ويغيب الوطن والأمة والقضية الكردية السياسية تحت شعارات نظرية، لا وجود لها على الساحة العملية، وإن وجد يكون وجوداً متلكأ خجولاً في أغلب الأحيان، وتصبح الجغرافيا في حلقة الصراع، والتاريخ المدماة في ماوراء الذاكرة الحاضرة، مصيبة، بل المصيبة المقارنة، هي هذه الذات الشاردة للإنفرادية في العمل، حيث يخلق الضياع على خلفية التشتيت لمدارك الجيل الثائر كردياً، وتحييدأ لمفاهيمه عن الصراع من أجل الغاية الكردية، إلى الصراع من أجل الوجود الحزبي والذات الحزبية، وخلق ثقافة الحزب في الفرد الكردي، بعد إن كان ثقافة العائلة والإنتماء إلى العشيرة، مع ضبابية القناعة بوجود الوطن والأمة، والقضية الكردية ، واسباب عدمها.
الصراع في المناطق العربية والمدن الساخنة في سوريا يدور بين جبهتين واضحتين، الشعب وفي مقدمتهم رواد الثورة الشبابية، والنظام الحاكم بكل رموزه، الكل يعرف ويعي الخطوط الرئيسية في هذه المسيرة، وأي الجبهات هي التي تحويه ويدافع عنها.
لكن في المناطق الكردية، يتصارع الكرد على عدة محاور، الثورة الموجهة ضد النظام، كما هي في الواجهة عند الحركات الشبابية، لكنها عند الأحزاب السياسية مطمورة، ولا تزال في الخفاء، حسبما يقال ضد النظام وليس مع شعار إسقاط النظام والتي هي بينة للجميع، والكل ساكت على المأساة، مأساة التلاعب بالمفاهيم والأهداف، والشعارات، والوطنيات التي يتزاودون بها على البعض لتمويه وعي الشعب، ما بين المجلسين المجلس الوطني الكردي و مجلس الشعب الكردي، سكوت ظالم مشوب بالخداع، على الصراعات المؤلمة بين الشارع الكردي والشارع والكردي، بين الأحزاب والأحزاب، وبين شباب الثورة والأحزاب، بين المثقفين والأحزاب، بين قوى كردية خارج إطار جغرافية سوريا في ساحات كردستان الغربية. الصراعات معظمها كلامية يعبر عنها بمسيرات متناقضة، والشكوك متناثرة بإنها تعدت السجالات وإحتلال الشوارع، والسيطرات الشكلية من خلف ستار السلطة لبعض الساحات، بدون تكاتف الكل الكردي ستكون المواجهة أو الدفاع عن الذات هزيلة وضعيفة حتى بين الكرد نفسه، وسوف لن تؤدي هذه سوى إلى صراع كردي كردي مأساوي في القادم من الزمن! الحراك بهذه الطريقة الفردية الآن وبدون التفاهم والشراك الكلي، الحزبي والمستقل والشباب الثوري، ليست سوى محاولة لسيطرة بعض الأحزاب على أحزاب أخرى، علماً بأن الكل كردي بالأسم والكلام والشكل، لكنهم حزبيون، لا قضية للكل الكردي أو لجغرافيا كردستانية فيه وجود، بل الحزب هو الموجود والمصارع، والثائر من أجل ذاته! أصبح الكردي هنا قطعة شطرنج، سهلة نقله من هنا إلى هناك، والتضحية به لإنقاذ ملك ذاتي أو أجندة خارجية، الصمت على هذا الإيمان الأعمى بالموجود الحزبي، والقناعة بدون إدراك وتأويل، ترسل بالكردي إلى هاوية الفشل، سيلاحقه فشل كردستاني، أو ربما إستمرارية لديمومة الفشل الكردي.
المسيرات التي جرت على جغرافيا الوطن الكردي، تحت شعار هنا كردستان يعتبر أجمل وأقوى تعبير يمكن ارساله إلى الخارج الكردستاني، إلى ذاك الوجود الذي لا يكن إعترافاً بالقضية أو حتى بالوجود الكردي. لكن ما شوه ويشوه جمالية إثبات هذه الذات الكردية في الشخص الكردي وعلى جغرافية يرفضها الآخر عداوة، حتى ولو حكمنا جدلاً بإنها جغرافية في الخيال مستقاة من تاريخ دخل العتم أو الماضي المركب أو المستقر في ذاكرة الكرد، كما يقولها الأخ إبراهيم محمود والتي هي محل محاورة فكرية قابلة للطعن، وربما دحض الأكثرية فيه من حيث الكل، أو من حيث الوجود المادي المثبت بتكامل التكوين الديموغرافي – الطبوغرافي وليس الفلسفي الروحاني أو المنطق التأويلي الفكري لجغرافية الحاضر المقارن لجغرافية الماضي حيث البعض يؤمن ويعتنق هذا، وآخرين ذلك... وعدم تقبلها من حيث الموجود المفروض حاضراً قبولاً أو إرضاخاً ثقافياً. مع هذا فالتناقضات الصارخة في الحضور الذي ظهر على الساحات الكردستانية، أو الكردية سورياً ! حضور يتصارع، ويتناقض مع الرغبة الحقيقية، أو الغاية النهائية للكرد.
البعض ظهر خالياً من منطقه الكردستاني بشكل كلي، ولم يبين أو يحمل سوى ذاته الحزبية، بعكس المطلوب من الجمهور، قبل القيام بالمسيرة. أعلام حزبية ملئت المكان، مع غياب مطلق لكردستان وجوداً، حتى ولو رمزياً، لا علم لكردستان، أي كان شكله! كان تأكيد واضح لإنكار وجود علم أصبح يعترف به رمزاً كردياً، ولا يوجد البديل بعد في قرارات الحزب، حتى ولو كان هناك البعض ينكر هذا الرمز كرمز كردستاني، إضافة إلى ماهية وإستعراضات حزبية بحتة مؤلمة، تذكر الفرد بمسيرات أحزاب شمولية سيطرت على المجتمع بلون واحد وتسريحة واحدة ولباس واحد وألاف من الأعلام ، كل مظاهر السيطرة والطغيان الحزبي، وليس الطغيان ذات البعد الكردستاني لا شك بأن تحليلات الأخ إبراهيم محمود حاضرة الوجود هنا ومنطقه واضح وهذه التحركات تثبت على صدقها وحقيقة وجودها، رغم إختلافنا معه ما بين الوجودين المادي والفلسفي، أو الواقعي والتأويلي لكن هذا المنطق في الوعي أو اللاوعي الكردي مرفوض من قادة المجلسين، لأنه تأكيد على تركيز المنطق الشمولي في الوجود الحزبي، والذي يؤدي إلى ألغاء الآخر، وبدوره إلى تثبيت هذه المفاهيم في مدارك الجيل القادم، ومنه سيخلق الأنا المطلقة، والأخرين المهملة أو الملغية، الإنتماء للحزب ومحاربة المنافسين لحزبنا، وستبقى القضية الوطنية وحلولها حاضرة من خلال الذات الحزبية بدون تأويل خارج مفاهيمهم، وهذه معضلة مرت بها معظم الأحزاب الشمولية وكانت مصيرها جميعاً الإندثار الذي لم يؤسف له، بعد إن خلفوا شبه دمار لثقافة المجتمع وبنية الوطن، الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، والأمثلة حاضرة في جغرافيتنا الضيقة، ومنها ما أندثرت مع التاريخ. شاهدنا المسيرات الكردية وكإننا ننظر إلى مسيرات حزب الله عندما حاولوا السيطرة على لبنان بترعيب الجماهير بوجود حزب مذهبي عسكري يملى عليه الإجندات.
طرحنا هذا لا يأتي على خلفية الألوان والأعلام، والمجلسين في كفتين متوازينين، بل نقدنا أو ربما البعض سيسميه إنتقادنا، أبعد من هذه الشكليات، حديثنا يتجاوز الظاهر شكلاً، ويندلق إلى حيث المفاهيم التي تلقن لجيل من الكرد، والثقافة التي تبنى لهؤلاء الشباب ويكونون ذاتهم على الضحالة الحزبية، تربية جيل على مدارك لا يرى سوى عبادة الحزب غاية، والإنسان المتأله كياناً أوحد لا بديل له.
أحزاب تتصارع على السيطرة على مناطق كردية، الحارة الغربية في القامشلي لمسيرات البعض و الشرقية لمسيرات الاخرين، عامودة للبعض وديركا حمكو لآخرين، عفرين وحلب بحاراتها قسمت ووزعت، من المسيطر في الساحة الكردية، وعند حضور الآخر الغير الكردي الكل مشتت وضعيف، يقبل المسيطر راضخاً... وإذا أردنا البحث في القوى االمسيطرة نكون قد تجاوزنا الإدراك للواقع، والأفضل عدم تأويل ما يجري وما يقال، مختصراً كل ما يبان إستقواء الكرد على الكرد، والمحرك الرئيسي المستفيد هناك في الأبعاد المخفية يتباهى بقدراته على تذليل الكرد بين بعضهم.
إجتمع الشارع الحزبي الكردي بأغلبيته، الإتفاق على كردستانية المسيرات، تمويهاً! كان هناك غياب الوطن الواضح، الكردستاني في بعضه والسوري في بعضه الاخر، رافق هذا التخفي الشعار المشترك هنا كردستان لتمويه الحقيقة في القرارات الضامرة في نوايا قادة الأحزاب، وهي محاولة السيطرة على الشباب الثائر، وعزلهم عن شعار الثورة الأساسي إسقاط النظام مثلما سيطرت عليهم المجلس الوطني الكردي في قرار الإنسحاب من المجلس الوطني السوري، والذي وجدنا فيه رجحان الإيجابيات على السلبيات، مع تحفظنا على غايتهم من إخراج السيد سيدا من اللجنة التنفيذية لغاية ذاتية وليست كردستانية وطنية! وهم الآن يدخلون المباحثات مهملين معظم أولئك الذين رجحوا معهم كفة الإنسحاب الكلي من المجلس الوطني السوري.
الكل يدرك بأن الأحزاب الكردية المشكلة ل المجلس الوطني الكردي و مجلس الشعب بمجملهما، بصراعهم المموه هذا، ومحاولاتهم في عزل الحركات الشبابية عن الساحة الثورية، سيبقي الوجود الكردي في مدمّاته التاريخية سائبة بدون هادي، وسيجعلون من الجغرافيا الكردستانية محطة للتلاعب بأبعادها، ليس فقط من قبل برهان غليون، وغيره، بل وفي سوريا القادمة كما كانت في سوريا الماضية والحاضرة.
الكل يدرك الوباء، والكل يعرف الدواء، لكن ليس الكل بقادر على تجرعه، هناك الآمر والناهي. كرد جغرافية الثورة الحالية، حيث الكردستان المرفوضة، لم يرتقي قادة أحزابه ولا المستقلين والمثقفين إلى مراكز القرار الذاتي، مع العلم إنهم لا يحتاجون سوى إلى طفرة نوعية.
الحزب هو الوسيلة للوصول إلى الغاية، والغاية ليس تبجيل الحزب وتأليه القادة، بل تكوين الوطن جغرافياً، كياناً مادياً، وليس رغبة أبدية تموج أبداً في الذاكرة. على الكل، الشراكة في الحوار مع الآخر، لفرض بناء كيان ذاتي متكامل. لابد من دمج المجلسين، وإشراك المنظمات الأخرى، حتى ولو كان هناك تنافر فكري أو منهجي، فالوجود الكردي وجغرافيته لا يمكن تثبته بدون الشراكة، غير هذا المنطق في الثورة السورية الحالية، يعد فشلاً مؤكداً كغيرها من المطبات التاريخية، وسيلحق بالجميع، الكل ضائع، والكل مذنب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]