السلطة والبعث السوري يبيعون أرض كردستان للكرد!
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3710 - #27-04-2012# - 20:44
المحور: القضية الكردية
تمهيد
كخطوة إستباقية مع الزمن، تقوم بعض العائلات من المستوطنات التي غرزتها البعث في المناطق الكردية، وبتوجيهات من السلطة، ببيع الاراضي، التي استقطعتها لهم السلطة الحالية منذ عهود، إلى اصحاب المنطقة من الكرد، وبأسعار بخسة، وذلك تحسباً للتغيرات القادمة التي ستحصل في النظام السوري الحالي.
خلفية بناء المستوطنات
تعود فكرة بناء هذه المستوطنات إلى بداية الستينات، عندما وضع حزب البعث العربي خطط عنصرية لتقويض القوى الكردية من المنطقة ولتفتيت وجودهم وتهجيرهم من جغرافيتهم. بدأت الخطط تدخل مراحل التنفيذ عندما جردت السلطة الحالية أكثر من ربع مليون كردي من الجنسية السورية، ونزعت منهم جميع حقوق الإنتماء إلى الوطن السوري أو المواطنة، وبها ألقت الحكومة شريحة كبرى من المجتمع الكردي في غياهب الصراع مع العيش اليومي. ربع مليون كردي جردوا من حق العمل والدراسة في المدارس الحكومية، والتوظيف، والسفر أو حتى التنقل بين المدن بدون رخصة من قوى الأمن، وجردوا بشكل غير مباشر من الزواج من المواطنين السوريين أو التزاوج معهم! وبعدها أنتقل البعث إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خططها وهي : إقامة مستوطنات عربية في المنطقة ذاتها.
خططت لتوطين قبائل عربية مكان هؤلاء الذين جردوا من الجنسية السورية، أتي بهم من خارج المناطق الكردية، ففي نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، بدأت ببناء أكثر من أربعون مستوطنة نموذجية كبداية، والخطة بحثت لتسكين أكثر من نصف مليون عربي، أستقدم معظمهم من مناطق الرقة وباديتها.
في بداية السبعينيات ظهر المستوطنون في المنطقة، بمرافقة قوى عسكرية، كانوا قد وعدوا بأملاك وأراضي، والسلطة قد حضرت لها مسبقاً، عن طريق تنفيذ مشروع الحزام العربي الشوفيني، أستولت الحكومة بموجبها على أراضي معظم المتنفذين الكرد من الملاكين، وعلى طول الحدود مع تركيا وبعمق 15 كيلومتر وطول يزيد عن 370 كيلومتر، سميت حينها بالحزام العربي، والخطة هي عملية فصل بين العشائر والعائلات الكردية على طرفي الحدود بين سوريا وتركيا.
وزعت هذه الأراضي على سكان المستوطنات البعثية، ولأسباب إعلامية خارجية غيرت السلطة السورية اسم الحزام العربي إلى مزارع الدولة .
بسبب تزايد أعداد المستوطنين من جهة، ومحاولة تشجيعم في البقاء ضمن هذه المستوطنات من جهة أخرى، قامت السلطة بتوسيع إطار الخطة، وذلك بتجريد أغلبية الشعب الكردي من الملكية الكاملة، ولم يستثنوا طبقة منها، العائلات الكردية المعروفة، الملاكين والفلاحين معاً، وزعت تلك الأراضي بشكل سريع على الغمريين أسم ساكني مستوطنات البعث الذي روج لها السلطة ودرج بين سكان المنطقة الكردية وبالمقابل حاولوا تهجير الفلاحين الكرد إلى الجنوب حيث البادية.
تهجير الكرد
خلقت هذه الخطط العنصرية تجاه الكرد، مآسي عديدة في المنطقة، ومشاكل إقتصادية وإنسانية وإجتماعية وسياسية فظيعة، لم تقف السلطة السورية عند هذا الحد، بل تجاوزتها، دفعوا بالكرد إلى طريق الهجرة الخارجية أو توزيعهم على الداخل السوري، خاصة والظروف الإقتصادية التي خلقتها السلطة بينهم أصبحت جداً ملائمة لتنفيذ هذه الخطة، ظهرت هجرات جماعية إقتصادية سياسية من المنطقة، وكانت السلطة تشجعها بشكل مباشر لإخلاء المنطقة من العنصر الكردي.
إنعكاساً للوضع المأساوي الحاصل على خلفية التجرد من المصدر المعيشي الأساسي، الأرض، والتي جردوا منها، أتجه الأغلبية من الكرد إلى حقل التوظيف، والتدريس، والعمل في المركز الصناعي الوحيد في المناطق الكردية، حقول رميلان النفطية، كما إتجه بعض الميسورين إلى قطاع البناء وتقديم الخدمات السكنية. استطاعت الأغلبية منهم تجاوز المصاعب الإقتصادية بشكل نسبي والتي خلقتها السلطة على مدى عهدين من الزمن، إنتبه البعث والسلطة إلى ما تؤول إليه الأمور: ظهور شريحة كردية كبيرة في الدوائر، وعدد كبير من المدرسين في المدارس، وشريحة أغتنت من الأعمال الخاصة، لذلك قامت السلطة بإعادة النظر في برامجها حول تعريب المنطقة الكردية، والتي لم تنجح بشكل تام، فقامت بعزل العديد من الموظفين والمدرسين من وظائفهم، إما بشكل مباشر، أو بنقلهم بأشكال تعسفية إلى مناطق داخلية بعيدة عن عائلاتهم وبيوتهم، كما حددوا نسبة توظيف الكرد في جميع المراكز، وخاصة في قطاع النفط، وخرجت بهذا أوامر رئاسية عديدة وبعضها من قيادة حزب البعث القطرية، رافقت معظم البيانات ملاحظة سري للغاية لكن العديد من هذه الأوامر الوزارية أو الرئاسية الصادرة تسربت بشكل ما إلى الإعلام الكردي، ونشرت العديد منها على صفحات النت، ويمكن لأي كان الإطلاع عليها. حدد نسب التوظيف كحد أقصى لا يتجاوز العشرة بالمئة من نسبة الموظفين أو العمال، واستقدموا الموظفين والعمال والمدرسين وقوى الأمن والشرطة من خارج المناطق الكردية ومن العنصر العربي بالتحديد، وذلك لإكمال عملية التعريب التي خطط لها البعث منذ الستينات من القرن الماضي. وللحد من القطاع الخاص الكردي، أصدرت السلطة مرسوم جمهوري، ألغي بموجبه جميع الأعمال والإنشاءات وعمليات البناء، وإنعدمت عمليات الشراء والبيع، بجميع أنواعها، وبها قضت السلطة السورية على أكثر من ثلاثة أرباع النشاط الصناعي والتجاري في المنطقة الكردية، وذلك تحت المرسوم رقم 49 الجمهوري..
كانت الخطط مستمرة بتدمير الداخل الكردي عن طريق التهجير الإجباري المتجدد بإستمرار، والتي تكونت على أثرها مدن بائسة ( غيت ) ضخمة حول المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص واللاذقية وغيرها، من الكرد، كانت الإحصائيات التقديرية تحدد عددهم مابين ثلاثة أرباع المليون إلى مليون شخص. أخليت قرى بكاملها من سكانها ، وأصبحت خاوية كلياً.
دور الثورة السورية والسلطة في المناطق الكردية
لولا قيام الثورات في الشرق، وخاصة الثورة السورية والتي غيرت العديد من الموازين في المنطقة، لكانت السلطة قد تمكنت من أعدام الشعب الكردي في وضح النهار وعلى مرأى من الهيئات الإنسانية والصمت الدولي المرعب.
مع ذلك، ورغم وجود الثورة والمعارضة الخارجية المتذبذبة حول حقوق المواطن الكردي، لا تزال شآمة إستبداد السلطة السورية، ومآسي مفاهيم البعث الشمولية، متكالبة على المجتمع الكردي، تنبثق فظائعها الآن من داخل مناطق الحزام العربي.
لا بد من الإحتراس الآن وفي المستقبل، فهي سلطة، عملت الفظائع، عززت كيانها بفقهاء الضلالة، غرزوا في الأرض ثقافة النفاق والبغي والتحايل على الموجود بكل شرورها، كما وخلقت علماء يحللون أبعاد كل القوانين الإستثنائية العنصرية، وفوائدها الآنية والمستقبلية، حسب مقاساتهم الفكرية، لترسيخ كيانها المبني على مظالم الإستبداد والدكتاتورية. سلطة حرفت المجتمع السوري عن القيم الإنسانية، عن طريق تغيير موازين العدل فيه، لقنت بعض الشرائح أفكاراً موبوءة بالحقد والكراهية تجاه الآخر، إنبثقت منهم مجموعات الشبيحة والمجرمين الذين يأتون على الوطن تدميراً مليئاً بالشرور والآثام، حمدت وتحمد لهم السلطة كل أساليب التخريب والنهب والإجرام.
ليتكامل أوجه الفساد في سوريا الوطن، تتسارع السلطة إلى تفعيل الصراع الإثني ثانية، بكل ما استطاعت إليه من التشنيع، فكما أغرقت المناطق الكردية في السابق شمال وشمال شرق سوريا بعشائر عربية غريبة عن المنطقة، وأغدقتهم بالخيرات، من أملاك الشعب الكردي المنهوبة في وضح النهار، تتجه الآن السلطة إلى تحريك البعض من العائلات المتنفذة من ضمن هذه المستوطنات لإثارة الفتن وزرع الفساد، لتثار مستقبلاً في المنطقة الكردية حتى بعد سقوط النظام.
المجموعات العربية، التي سميت مجازاً ب الغمريين وليسوا بالمحتلين أو المستوطنين الغرباء، كانوا يدركون تماماً بإنهم يستولون على أراضي الشعب الكردي بدون وجه حق، وأن إستبداد هذه السلطة سوف لن تكون أبدية، لهذا لم يكن لأغلبيتهم رغبة في البقاء ضمن الأراضي التي وزعت عليهم، الكثيرون منهم أستثمروا الأرض عن طريق المقاولين أو مزارعين من خارج المنطقة.
لا شك أن العديد منهم كانوا يجدون هذه الهبة التي اسقطت عليهم من رحم سلطة عنصرية، آنية، والنهاية ستكون غير حميدة عليهم وعلى المجتمع عامة. هذه المدارك تلقفتها الجيل الجديد أيضاً، رغم أن الأغلبية يتظاهرون وكأنهم اصحاب الأرض! لكنهم يدركون بأنهم لا ينتمون إليها، وليس لهم جذور فيها، وإنهم ينهبون أرض تعود ملكيتها إلى الشعب الكردي، الذي حرم منه ظلماً وبهتاناً، وما يربطهم بهذا الشعب هي الشراكة في الوطن السوري، وربما الدين، لكن لا حصة لهم في هذه البقعة الجغرافية.
بدأت شريحة من المستوطنين الغمريين، تنظر إلى المستقبل بالشك والريبة، وبدأو يفقدون الأمل بمستقبل رخيم كما وجدوه تحت مظلة السلطة الدكتاتورية البعثية – الأسدية، وذلك بعد مرور أكثر من سنة على الثورة السورية، بدأت تظهر في الافاق مصير السلطة التي أغرزتهم في المناطق الكردية، وتتوضح عناصر زوالها، ومصيرالمستوطنين إما العودة أو الترحيل إلى ديارهم الأصلية. لذلك بادر العديد منهم، وبأوامر من السلطة، بإستباق الأحداث، وإستغلال عامل الزمن المتبقي لعمر السلطة، فأصبحوا يعرضون الأراضي المنهوبة، من قبل سلطة البعث، للبيع وبأسعار رخيصة، تجاوزاً لكل الأعراف والقوانين الإنسانية والإجتماعية.
يعلمون تماماً أنهم لا يملكون الحق في بيع تلك الأراضي، التي تعد شرف الوطن وعزة الإنسان الكردي، حتى ولو أن الكردي لايملكها مادة إلا أنها تعيش في ذاته وطناً، يموت وهي راسخة فيه، يورثها لأحفاده بوثيقة عهد من الذات إلى الذات، وعليه فالتاريخ لا يموت فيهم، ولو ضمر مع الزمن وغربة الجغرافيا، لكنها أعمق من أن تزول، إنها ورثة من الأزل يعود جذورها إلى عهود التجمعات البشرية الأولى في هذه البقعة من الأرض، دمجت بها جيناتهم، ومنها أخذ الإنسان الكردي صفات تكوينه البشري، وبها تكتمل أعظم ذكرياته وأحلامه. لذلك يجب أن يدرك الجميع، أن القوانين التي جاءت بهم إلى تلك الأراضي، بسبب عنصريتها وجورها، ستصبح زائلة بزوال السلطة، وستعود تلك الأراضي إلى الإنسان الذي خلق معها، وعليها تشكلت كيانه. لذلك لا يحق لأي كان بيعها، كما لا يحق لإي إنسان شرائها، خاصة وهي لا تزال تحت رقابة مستعمرات بعثية، وتستثمر تحت سيطرة القوانين الإستثائية العنصرية الجارية.
النداء
لا يحق لأي كان إمتلاك تلك الأراضي، عن طريق الشراء، إنها ملك الشعب الكردي الذي جرد من الوطن والمواطنة ظلماً، أجزاء منها معروفة ملكياتها الفردية، تعود إلى شريحة من الكرد، ولهم الحق وحدهم التصرف بها.
إعتماداً على المفاهيم التي يتوقع أن تبنى عليها سوريا القادمة، سيكون هناك ليس فقط إزالة لجميع القوانين الإستثنائية العنصرية بل وسيكون هناك التعويض عن الأضرار التي لحقت بالشعب الكردي على مدى عهود من الحكم الإستبدادي. هذه الأراضي ستعود ملكيتها إلى الشعب الكردي والتعويضات ستكون عن الخسائر الإقتصادية والإنسانية والإجتماعية التي لحقت بهم من جراء تجريدهم من مصادر عيشهم، والتي أدت بالكثيرين منهم إلى تهجير إرضاخي أو هجرة إقتصادية أو معنوية سياسية.
نهيب بالإخوة الكرد والعرب ساكني المنطقة، الإنتباه إلى العمليات الخسيسة التي تجرى، والتي تقف ورائها السلطة عن طريق مجموعات تحاول غرز بذور الصراع بين الشعب الكردي، وخلق القلاقل وإثارة المشاكل لفترة ما بعد سقوط النظام في سوريا، لذا عليهم عدم الإقدام على شراء أية املاك تعرض للبيع من قبل الغمريين، أي كانت المغريات، كالأسعار المتدنية أو إنها مشجرة ووجود الأبار الإرتوازية فيها. كما نهيم بجميع شرائح المجتمع، الساكنين في مناطق الحزام العربي العنصري، الإنتباه إليها، ومحاولة تداركها، وإعلام من لا يعلم، ونطالب الشريحة المثقفة والسياسيين والكتاب والصحفيين تعرية وفضح هذه الخطط، وشرحها للشعب، وتبيان خلفياتها الشريرة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]